غريب في بلد غريب أهله غريبو الأطوار شوارعه غريبة المظهر يهيم علي وجهه تلفظه الطرقات كما لفظته زوجته التي اكتسحت بلسانها السليط بقايا محبتها من قلبه .. شعر بالحمي تقتات جسده بعنف .. واصل سيره قانطاً إلا من رحمة الله .. داهمته موجة العطاس . فمنذ الصباح الباكر وهو يعاني من حالة زكام حادة . .ضاعفها قلقه وهو يهيم علي وجهه علي غير هدي . مشتت الذهن كسر القلب حزين الفؤاد ينتابه شعور عميق بالأسف لأنه رضي بالهوان منذ اللحظات الاولي لاقترانه بها .
شعر بوطأة الحمي والزكام وأهلكته الحرارة والغبار جلس علي عتبة أحد المعارض التجارية .. النهار في منتصفه .. المتاجر مغلقة .. الشوارع تكاد تخلو من المارة .. الشمس ترسلب سباطاً من لهيب حرارتها .. الهواء العاصف المحمل بالأتربة يقتلع أسباب الراحة من نفسه تلثم بشماغة ليتحاشي الغبار وزحف إلي الظل ليتفادي حرارة الشمس .. تمني قطرة ماء ببل بها ريقه .. تحامل علي نفسه .. جر قدميه بضع خطوات ليجد مقهي هندياً .. ارتمي علي أقرب كرسي .. وضع ساعديه علي المنضدة ودفن رأسه بينهما وانخرط في ضحك أشبه بالبكاء .
لاحظ الهندي حالته .. أحضر له الماء وعلبة المناديل الورقية .. حاول مواساته .. لكن جرحه أعمق من أن يندمل .. بعيون زائغة ونظرات تائهة .. تطلع إلي ما حوله . فوجد الأنظار مصوبة نحوه باستغراب .. طلب فنجان شاي وكاساً من عصير الليمون الساخن وبين ألم الحمي ونوبات الزكام الحادة .. يتسرب إلي ذهنه بعض من شتات الذكريات القديمة .. التي بدت له مثل صورة هلامية .. يحاول جميعها لننداح علي الخاطر جمراً لهيباً ولعنة أزلية رافقت خطواته منذ وطأت قدماه أرض ميدنتها المتسربلة بالصمت والهجير ..
للذكريات صهيل الدماء إذ اشتعلت في الأوردة التي يستكين فيها التناقض وتنام الفتنة وللكلمات صليل السيوف إذا احتدمت المعارك التي من يفوز فيها خاسر.
كان أول السهام التي وجهتها إليه هذا اليوم .. عندما لاحظ صباحاً أن الحليب بدون سكر .. فانهالت عل يه تقريعاً ولوماً .. لأنه في نظرها(شايب وهدار)
قال لها :
– أنت امرأة غير متربية .
فاضمرتها له حتي اختلفت سبباً لتوجه له سهمها الأخير وصفعتها القرية هذا اليوم هذا ليست صفعتها بل صفعة الزمن الذي غدر به .. ولم يلوم الزمن ؟ أنها صفعته هو يوجهها إلي نفسه .. لأنه استسلم لإلحاحها يوماً ، وتخلى عن قناعات لم يكن ليتخلى عنها لولا شعور بالحب .. تنامى في نفسه منذ سنوات .. دون أن يدرك أنه يزرع في أرض يباب .. يصرخ في واد سحيق .. يحرث في بحر ليس له قرار .. إنها صفعة الإنسان لنفسه .. وليس له أن يشكو منها أو يلوم غيره بسببها .
كان يظن انها ستكون سنده في قادم أيامه .. ولكن كيف ؟ وهي تعامله بهذه القسوة وهوفي كامل قواه .. فكيف ستعامله إذا وهن العظم منه ، واشتعل الرأس شيباً ؟ إذ نال منه الزمن ، وهدت قواه الأيام ؟ أسءلة هاهي الاجابة عليها تتضح في وقت مبكر .. قبل أن يصبح النبات حصر ما ، وترعد السماء بالويل والثبور ، فلا يخفي في النفس ما الله مبديه .
غاثت نفسه فأسرع إلي حوض الغسيل واستفرغ .. آلمته معدته .. لكن ذلك لم ينسه ألم الحمي وإزعاج الزكام .. أشار عليه أحد الهنود أن يذهب إلي المستشفي .. تبرع أحدهم أن يوصله بسيارته لكنه رفض .. وكأنما يعاقب نفسه ليشعر بالمزيد من المعاناة ، فهو الوحيد الذي عليه أن يتحمل نتيجة الخطأ الذي ارتكبه عندما اقترن بها .. عليه أن يتحمل المزيد من المعاناة .. فالكبر ينفي خبث الحديد ..
كيف يجتمع الجمال والقسوة في جسد واحد كيف يجتمع الحب والكراهية تحت سقف واحد ؟
كيف يجتمع الحب والكراهية تحت سقف واحد ؟
كيف تتقاطع الصفات بهذه الحدة والبشاعة ؟
وتتنافر الطباع بهذه المرارة والفظاعة ؟
لم يتعود الهروب من مشاكله .. لكنه لا يريد المواجهة معها .. لا خوفاً منها، ولكن خوفاً علي الأمانة التي تحملها .
أيتها النفس المترعة بالعذاب .. ليس في الدنيا ما هو أسوأ من صفعة الذات عندما يوجهها المرء لنفسه .. أو ظلم الأقرباء عندما يتلقاه الأبرياء .. وإذا كان ظلم ذوي القربي أشد مضاضة علي النفس من ضرب الحسام المهند … فإن صفعة الذات أشد قسوة علي القلب من انغراس السكين المثلومة في حناياه .
الأيام تمعن في تأكيد ما كانت ولا تزال تردده عن التناقض بين شخصيتيهما بشكل لا يحتمل الشك .. وهو يدرك الآن أكثر من أي وقت مضي حقيقة ما تردده .. من أن له عالمه الذي لا يمكن أن يتخلي عنه ، ولها عالمها الذي لا يمكن أن ينتزعها منه .. وكان يأمل أن تصلح الأيام ما تفسده الظروف وهيهات أن يفلح الذين ينقضون عهد الله بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل .. هيهات أن تستيقظ الأحلام من سياتها بعد أن ران عليها ركام الأهمال .
أرا الخروج من المقهي فانتبه إلي أنه حافي القدمين .. عاد لينتعل حذاءه .. واصل سبيل علي غير هدي .. مثقلاً بالحمي والزكام والمهانة . .اوغل في سيره تاركاً المدينة ومن فيها وراء ظهره .. وقد طغي عليه الشعور بأنه غريب في بلد غريب .
شعر بوطأة الحمي والزكام وأهلكته الحرارة والغبار جلس علي عتبة أحد المعارض التجارية .. النهار في منتصفه .. المتاجر مغلقة .. الشوارع تكاد تخلو من المارة .. الشمس ترسلب سباطاً من لهيب حرارتها .. الهواء العاصف المحمل بالأتربة يقتلع أسباب الراحة من نفسه تلثم بشماغة ليتحاشي الغبار وزحف إلي الظل ليتفادي حرارة الشمس .. تمني قطرة ماء ببل بها ريقه .. تحامل علي نفسه .. جر قدميه بضع خطوات ليجد مقهي هندياً .. ارتمي علي أقرب كرسي .. وضع ساعديه علي المنضدة ودفن رأسه بينهما وانخرط في ضحك أشبه بالبكاء .
لاحظ الهندي حالته .. أحضر له الماء وعلبة المناديل الورقية .. حاول مواساته .. لكن جرحه أعمق من أن يندمل .. بعيون زائغة ونظرات تائهة .. تطلع إلي ما حوله . فوجد الأنظار مصوبة نحوه باستغراب .. طلب فنجان شاي وكاساً من عصير الليمون الساخن وبين ألم الحمي ونوبات الزكام الحادة .. يتسرب إلي ذهنه بعض من شتات الذكريات القديمة .. التي بدت له مثل صورة هلامية .. يحاول جميعها لننداح علي الخاطر جمراً لهيباً ولعنة أزلية رافقت خطواته منذ وطأت قدماه أرض ميدنتها المتسربلة بالصمت والهجير ..
للذكريات صهيل الدماء إذ اشتعلت في الأوردة التي يستكين فيها التناقض وتنام الفتنة وللكلمات صليل السيوف إذا احتدمت المعارك التي من يفوز فيها خاسر.
كان أول السهام التي وجهتها إليه هذا اليوم .. عندما لاحظ صباحاً أن الحليب بدون سكر .. فانهالت عل يه تقريعاً ولوماً .. لأنه في نظرها(شايب وهدار)
قال لها :
– أنت امرأة غير متربية .
فاضمرتها له حتي اختلفت سبباً لتوجه له سهمها الأخير وصفعتها القرية هذا اليوم هذا ليست صفعتها بل صفعة الزمن الذي غدر به .. ولم يلوم الزمن ؟ أنها صفعته هو يوجهها إلي نفسه .. لأنه استسلم لإلحاحها يوماً ، وتخلى عن قناعات لم يكن ليتخلى عنها لولا شعور بالحب .. تنامى في نفسه منذ سنوات .. دون أن يدرك أنه يزرع في أرض يباب .. يصرخ في واد سحيق .. يحرث في بحر ليس له قرار .. إنها صفعة الإنسان لنفسه .. وليس له أن يشكو منها أو يلوم غيره بسببها .
كان يظن انها ستكون سنده في قادم أيامه .. ولكن كيف ؟ وهي تعامله بهذه القسوة وهوفي كامل قواه .. فكيف ستعامله إذا وهن العظم منه ، واشتعل الرأس شيباً ؟ إذ نال منه الزمن ، وهدت قواه الأيام ؟ أسءلة هاهي الاجابة عليها تتضح في وقت مبكر .. قبل أن يصبح النبات حصر ما ، وترعد السماء بالويل والثبور ، فلا يخفي في النفس ما الله مبديه .
غاثت نفسه فأسرع إلي حوض الغسيل واستفرغ .. آلمته معدته .. لكن ذلك لم ينسه ألم الحمي وإزعاج الزكام .. أشار عليه أحد الهنود أن يذهب إلي المستشفي .. تبرع أحدهم أن يوصله بسيارته لكنه رفض .. وكأنما يعاقب نفسه ليشعر بالمزيد من المعاناة ، فهو الوحيد الذي عليه أن يتحمل نتيجة الخطأ الذي ارتكبه عندما اقترن بها .. عليه أن يتحمل المزيد من المعاناة .. فالكبر ينفي خبث الحديد ..
كيف يجتمع الجمال والقسوة في جسد واحد كيف يجتمع الحب والكراهية تحت سقف واحد ؟
كيف يجتمع الحب والكراهية تحت سقف واحد ؟
كيف تتقاطع الصفات بهذه الحدة والبشاعة ؟
وتتنافر الطباع بهذه المرارة والفظاعة ؟
لم يتعود الهروب من مشاكله .. لكنه لا يريد المواجهة معها .. لا خوفاً منها، ولكن خوفاً علي الأمانة التي تحملها .
أيتها النفس المترعة بالعذاب .. ليس في الدنيا ما هو أسوأ من صفعة الذات عندما يوجهها المرء لنفسه .. أو ظلم الأقرباء عندما يتلقاه الأبرياء .. وإذا كان ظلم ذوي القربي أشد مضاضة علي النفس من ضرب الحسام المهند … فإن صفعة الذات أشد قسوة علي القلب من انغراس السكين المثلومة في حناياه .
الأيام تمعن في تأكيد ما كانت ولا تزال تردده عن التناقض بين شخصيتيهما بشكل لا يحتمل الشك .. وهو يدرك الآن أكثر من أي وقت مضي حقيقة ما تردده .. من أن له عالمه الذي لا يمكن أن يتخلي عنه ، ولها عالمها الذي لا يمكن أن ينتزعها منه .. وكان يأمل أن تصلح الأيام ما تفسده الظروف وهيهات أن يفلح الذين ينقضون عهد الله بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل .. هيهات أن تستيقظ الأحلام من سياتها بعد أن ران عليها ركام الأهمال .
أرا الخروج من المقهي فانتبه إلي أنه حافي القدمين .. عاد لينتعل حذاءه .. واصل سبيل علي غير هدي .. مثقلاً بالحمي والزكام والمهانة . .اوغل في سيره تاركاً المدينة ومن فيها وراء ظهره .. وقد طغي عليه الشعور بأنه غريب في بلد غريب .