عندما التقيت بسوبر مان كريستوفر ريف
.
.
هناك عدة اتوبيسات كان بإمكاني ركوبها من ميدان الجيزة..
أولها واحد شرطة وتقريبا هذا يذهب الى ميدان لبنان..واتوبيس تسعة ستة ستة وهذا يدور العاصمة ويصل إلى مطار القاهرة القديم.. أتذكر الوجهة بشكل غامض لكنني اخترت أحد الاتوبيسات وركبته ووجدت مقعدا على الجانب الأيسر حيث المقاعد الفردية..دون أن يتاح لي أي خيار آخر... تحرك الباص وبدأت الرحلة والكمساري:
- خش جوا..قدام فاضي... متزحمش المكان وخش جوا...
الكمساري يسمي نفسه محصلاً..فهو (خلافاً للكمساري في الميكروباصات) يعتبر نفسه موظفاً في الهيئة..أي الهيئة العامة للمواصلات (أنا موظف مش كمساري).
أحد الخمسينيين فعلها مع امرأة مستغلاً الزحام فقد إلتصق بمؤخرتها وكالعادة حصل الشجار وتم فضه بأن نزل الجاني بسرعة تجنباً لتلقي الضرب من الجماهير المحتقنة نفسياً بسبب ضغوطات الحياة. امرأة أخرجت شقات (سندوتشات نصف خبز) الفول والطعمية وأخذت تحشر فم ابنها وفمها باللقم الكبيرة وهي تقول:
- كل يبني...الدنيا برد..
الولد يبرطم محركاً خديه المنتفخين بصوت مكتوم لأن فمه ممتلئ حتى مؤخرته بالطعام...موظف ينام ويستيقظ ، ورأسه يسقط على جنبه الأيسر على كتف امرأة وهي تشعر بالقلق من هذا السلوك الذي لا يُعرف مدى عفويته...
الممر مزدحم...وفجأة..لمحت شاباً يقف ويستند بذراعيه على الكرسي الذي أمامه بقصد حجزه إذا قام صاحبه وتركه.
الشاب في منتصف العشرينات..وحين التفت نحوي رأيت عينين زرقاوين كالبحر..رأيت سوبر مان النسخة القديمة من الفيلم..كريستوفر ريف الخالق الناطق...حتى خصلة شعره السوداء اللامعة المتهدلة على جبينه..لكنه سوبر مان من نوع آخر..كان يرتدي ملابس بالية وقديمة.. حذاؤه باهت وبدون جوارب..كان من الواضح أنه مجرد عامل بسيط جدا..أبسط مما يمكن تخيله..ربما عامل بناء لأن كفيه القويتين كانتا جافتين ومتورمة الأصابع..
المسألة بالنسبة لي كانت مفارقة غريبة...بين سوبرمانين..سوبر مان نجم هوليوود ورمز أمريكا الرأسمالية الساحقة للفقراء وسوبر مان نجم البروليتاريا المسحوقة من أمريكا نفسها..فمصر سحقتها أمريكا سحقاً لم تشهده أي دولة أخرى ولكن بالسحق البطيء والممنهج بحيث لا يضحى الإنسحاق واضحاً للعيان.
علمت أن كريسوتفر جيف في نهاية الأمر قد (أصابته عين) فقد أصبح كسيحا محمولاً على كرسي متحرك ثم مثبتا بدواعم في كرسيه حتى لا يسقط.
أما سوبر مان البروليتاري المسحوق فمن المؤكد أنه اليوم متزوج وبعياله وصحته قد تدهورت بعد الزواج وأصبح له كرش وسقط شعره فأصبح أصلعاً...فأمريكا والمرأة..إيد وحدة
.
.
هناك عدة اتوبيسات كان بإمكاني ركوبها من ميدان الجيزة..
أولها واحد شرطة وتقريبا هذا يذهب الى ميدان لبنان..واتوبيس تسعة ستة ستة وهذا يدور العاصمة ويصل إلى مطار القاهرة القديم.. أتذكر الوجهة بشكل غامض لكنني اخترت أحد الاتوبيسات وركبته ووجدت مقعدا على الجانب الأيسر حيث المقاعد الفردية..دون أن يتاح لي أي خيار آخر... تحرك الباص وبدأت الرحلة والكمساري:
- خش جوا..قدام فاضي... متزحمش المكان وخش جوا...
الكمساري يسمي نفسه محصلاً..فهو (خلافاً للكمساري في الميكروباصات) يعتبر نفسه موظفاً في الهيئة..أي الهيئة العامة للمواصلات (أنا موظف مش كمساري).
أحد الخمسينيين فعلها مع امرأة مستغلاً الزحام فقد إلتصق بمؤخرتها وكالعادة حصل الشجار وتم فضه بأن نزل الجاني بسرعة تجنباً لتلقي الضرب من الجماهير المحتقنة نفسياً بسبب ضغوطات الحياة. امرأة أخرجت شقات (سندوتشات نصف خبز) الفول والطعمية وأخذت تحشر فم ابنها وفمها باللقم الكبيرة وهي تقول:
- كل يبني...الدنيا برد..
الولد يبرطم محركاً خديه المنتفخين بصوت مكتوم لأن فمه ممتلئ حتى مؤخرته بالطعام...موظف ينام ويستيقظ ، ورأسه يسقط على جنبه الأيسر على كتف امرأة وهي تشعر بالقلق من هذا السلوك الذي لا يُعرف مدى عفويته...
الممر مزدحم...وفجأة..لمحت شاباً يقف ويستند بذراعيه على الكرسي الذي أمامه بقصد حجزه إذا قام صاحبه وتركه.
الشاب في منتصف العشرينات..وحين التفت نحوي رأيت عينين زرقاوين كالبحر..رأيت سوبر مان النسخة القديمة من الفيلم..كريستوفر ريف الخالق الناطق...حتى خصلة شعره السوداء اللامعة المتهدلة على جبينه..لكنه سوبر مان من نوع آخر..كان يرتدي ملابس بالية وقديمة.. حذاؤه باهت وبدون جوارب..كان من الواضح أنه مجرد عامل بسيط جدا..أبسط مما يمكن تخيله..ربما عامل بناء لأن كفيه القويتين كانتا جافتين ومتورمة الأصابع..
المسألة بالنسبة لي كانت مفارقة غريبة...بين سوبرمانين..سوبر مان نجم هوليوود ورمز أمريكا الرأسمالية الساحقة للفقراء وسوبر مان نجم البروليتاريا المسحوقة من أمريكا نفسها..فمصر سحقتها أمريكا سحقاً لم تشهده أي دولة أخرى ولكن بالسحق البطيء والممنهج بحيث لا يضحى الإنسحاق واضحاً للعيان.
علمت أن كريسوتفر جيف في نهاية الأمر قد (أصابته عين) فقد أصبح كسيحا محمولاً على كرسي متحرك ثم مثبتا بدواعم في كرسيه حتى لا يسقط.
أما سوبر مان البروليتاري المسحوق فمن المؤكد أنه اليوم متزوج وبعياله وصحته قد تدهورت بعد الزواج وأصبح له كرش وسقط شعره فأصبح أصلعاً...فأمريكا والمرأة..إيد وحدة