غسلت روحها ليس كالمعتاد بدموعها بل غسلتها بدمها المقدس ....... من هنا كانت تسير المقدسة بقدمها المباركة وجسدها النقى.... كانت البركات تحل على كل من يحف بها كلما سارت... فالمريض ينال الشفاء... والأعمى يكاد يبصر ببصيص من نور سرعان ما يتحول الى إبصار كامل... المفلوج تتنمل قدميه وما أن تتجاوزه حتى يقف مهرولا لنوال البركة المقدسة من يدها الطاهرة.... كل يوم تسير المقدسة فى نفس الطريق ذهابا وجيئة...... أين تذهب أو كيف تعود لا أحد يعرف..... حتى أن أحد الضالعين فى معرفة الأسرار المقدسة أراد ذات يوم أن يراقبها حتى يتحقق من بركتها ولكن جاء عند مكان بعينه يعرفه تماما وعندما كاد أن يعرف أين تذهب المقدسة وماذا تفعل نزلت على عينيه غشاوة تعميه فترة لا يعرف مقدارها ولا يشعر بأنه مبصراً إلا عندما يرى المقدسة عائدة إلى موطنها فى كوخ حقير يرقد على حافة الترعة لاباب له ولا نافذة ولا سقف... الغريب أنها حينما تكون موجودة بداخله ورغم أنها لا تتغطى بأية أغطية إلا أن أحدا لايستطيع أن يراها ولايشعر بها أنها بالداخل إلا عندما تخرج فى مشوارها اليومى الذى اعتاد عليه أهالى القرية وينتظرون عودتها لنوال البركة من كفها الطاهر حينما ينكبون عليها ويقبلون كفها المفرودة أمامهم فى نهم عجيب وفى براءة فطرية يحسدون عليها فى الإيمان بالمقدسة وبقدرتها على منح الشفاء للمريض وفك الكرب للمحتاج ومنح الأمل لليائس وتدعيم رغبة الخاطئ فى التطهر والتوبة والعودة سريعا إلى حظيرة الايمان.
حار الجميع فى أمر المقدسة وأخذوا يعقدون مجالسهم لمناقشة هذا الامر الخطير وحاولوا أن ينقبوا فى ذاكرتهم الواهنة أو ذاكرة الأرض المتهرئة عن أصل المقدسة وكيف حلت بالقرية ولكن لا أحد توصل إلى شئ حتى صاح أحد شيوخ القرية وحكمائها وقال:-
- ما لنا وأصلها أليست تجلب لنا البركة والخير ؟ لماذا نفعل بها وبنا ذلك؟..... كفانا جلداً للذات.
حاول أحد شباب القرية الذين نالوا تعليمهم بالخارج لا يؤمن بمثل هذه الظواهر مشككا فى المقدسة وقال:-
- نحن لابد أن نعرف من هى ولماذا جاءت إلينا بالذات ولماذا تفعل كل هذا وكيف ؟
كأنه نطق كفرا فما أن انتهي من كلامه حتى كادت الأكف الغاضبة أن تمزقه ولم يفلح أحد فى تخليصه من غضب الجموع سوي عصا الشيخ الضرير الذي كان يتسول كل يوم ساعة الظهيرة عند مسجد القرية الوحيد.
ذاع صيت المقدسة في القرى المجاورة حتى أن الجميع كانوا يفدون إلي القرية لنوال البركة المقدسة منها فالكل يعرف موعد خروجها اليومي وكذلك موعد عودتها لا تبالي هي بأحد ولا بالذين يتبركون منها أو الذين يرفضون وجودها... تعرف تماما أين هي ؟ وإلي أين تسير ؟ وماذا تريد ؟
كانت تقلب عينيها فى وجوه مريديها وتوزع عليهم الخير من خلال ابتسامة واسعة لاتفارق شفتيها المخضبتين بلون أحمر قانى كلون الدماء ... ووجه أبيض بض تخشى الشمس علي نفسها من الوهج المتقد الطالع منه ... لم تحدث أحدا فى القرية ولم تشأ أن تكون بينها وبين أحد أى علاقات من أي نوع هي فقط تظهر في نفس الوقت من كل يوم وتختفي حتى مجئ موعدها المعتاد في اليوم التالي... زادت حيرة الجميع ولم يستطع أحد أن يفك طلسم وجود المقدسة في قريتهم.
الغريب والعجيب حقاً أنه منذ أن وطئت قدم المقدسة إلي القرية لم يسمع أحد عن جريمة قتل واحدة كما كان معتاداً فيما سبق أو يسمع أحد عن سرقة مواشي أو حقول الذرة أو البرسيم أو القمح ....كما أنه لم ينزل أحد من مطاريد الجبل لتهديد أهل القرية وسحب خيرها إلي الجبل... ولم يعد أحد يسمع عن حدوث وقائع زنا ووجود أطفال لقطاء علي الجسر أو عند الأجران أو فى الحقول... الأغرب حقا أن أهل القرية تحولت طبيعتهم الجبلية إلي طبيعة سمحة ومسحت وجوههم طيبة حقيقة وليست مصطنعة... عم الخير والسلام القرية بأسرها منذ أن حلت بها المقدسة ، لكن يظل لغزها المحير يراود الجميع فى البحث عن حله وتفسيره حتى إنه ذات ليل شتائي ممطر شوهد عند سفح الجبل الموجودة عليه القرية عدد كبير من أفندية القاهرة بهندامهم الوقور وشنطهم المميزة يتجهون صوب دورا لعمدة وعُرف فيما بعد أنهم وفدا علميا جاء من إحدي الجامعات التي اهتمت بموضوع المقدسة واعتبرته ظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة .
ظل الوفد بالقرية أياما طوالا امتدت إلي أشهر عديدة وصلت إلي سنوات كثيرة ظلوا فيها يشاركون أهل القرية جلساتهم ومسامراتهم وكذلك التوحد معهم في المشهد اليومي المتكرر للمقدسة ولكنهم لم يتوصلوا لشئ يمكن من خلاله تفسير ظاهرة المقدسة تفسيرا علميا حتى أن الجامعة التي أوفدتهم يئست من البعثة ومن جدوي وجودها في القرية لعدم توصلها لأي نتائج وأرسلت خطابا للوفد و لعمدة القرية تؤكد فيها علي ضرورة عودة الوفد مرة أخري للجامعة غير أن بعض أفراد البعثة خضع لأوامر الجامعة وعاد بينما ظل البعض الأخر في القرية لمواصلة التقصي والفحص والدراسة العلمية رغم تهديد الجامعة المتواصل لهم بالفصل منها...
ليلاً انسل أحد المتطفلين واخترق حرم كوخ المقدسة المحاط بالخوص ذو الحواف المدببة الحادة... لم يبال باختراق هذه الحواف الحارقة لحم ذراعيه حتى تفجرت منهما الدماء بغزارة أغرقت ملابسه كلها بل وضع حجرا كبيراً مهملاً أسفل النافذة الوحيدة في كوخ المقدسة حتى يرفعه قليلاً عن سطح الأرض كي يكون فى محاذاة فتحة النافذة حتى يستطيع أن يراقب المقدسة ... نشب أظافره الطويلة في حافة النافذة الطينية واستند بجزعه علي الحائط حتى طالت رأسه فتحة النافذة نظر ملياً بالداخل ولكنه كما توقع وكما هو معروف عن المقدسة أن أحدا لا يستطيع أن يراها في الكوخ... اعتقد أنها تفعل مثل الناس في بيت الراحة أو أنها اعتادت قبل خروجها اليومي أن تأخذ حماماً ساخناً يعينها علي مشوارها اليومي الشاق... طالت وقفته وطال تحديقه حتى أن عينيه أصابها الكلل وظلت تذرف الدموع بغزارة كادت أن تستحيل معها الرؤية لولا أنه أشفق على نفسه وعلي عينيه وجلس يستريح قليلاً فوق الحجر الذي كان يقف عليه ممنياً نفسه برؤية المقدسة في كوخها أو التوصل إلي أي شئ ولو بسيطاً يعينه ويعين أهل القرية والبعثة العلمية علي فك طلسم ولغز المقدسة ... كان بين فينة وأخرى يبدل جلسته بمعاودة الوقوف والنظر بتحديق شديد داخل الكوخ وكلما نال التعب والإرهاق منه ومن عينيه يعاود الجلوس فوق الحجر... ظل هكذا حتى قارب موعد آذان الفجر وهو الموعد المحدد بدقة للخروج اليومي للمقدسة من كوخها... انفرجت أساريره فبكل تأكيد سوف تظهر الآن كي تبدأ مشوارها اليومي المعتاد... احتار أين يقف هل يظل مكانه حتى يري المقدسة بوضوح أو يذهب إلي المدخل الرئيسي للكوخ حتى يراها وهي خارجة لتوها ولكن ما حدث لم يجعل حيرته تطول فقد انفلقت الأرض وانشقت نصفين داخل كوخ المقدسة وانفجر نور هائل كان علي هيئة عمود طويل يربط بين السماء والأرض كادت شدة وميض النور ان تذهب بالبقية الباقية من عينيه ولم يفق الا علي صوت المهللين المعتاد من المريدين كلما وقعت عيونهم علي المقدسة وهي خارجة من كوخها حي تبدأ مشوارها اليومي المعتاد .. هؤلاء المريدون الذين يتكاثر عددهم يوما بعد يوم كلما تناثرت الحكايات عن بركات المقدسة وقدرتها العظيمة علي شفاء جميع الأمراض في القرى والنجوع والمدن المجاورة وحتى البعيدة منها... ظل الحال كما هو عليه سنوات طوال حتى كان فجرا مر سريعا ولم تخرج فيه المقدسة كالمعتاد... كسي الوجوم والدهشة الجموع المنتظرة لخروج المقدسة ولكن طال غيابها حتى علت الشمس وتوسطت السماء من نهار يوم من أيام شهر أغسطس شديد الحرارة... لم يشأ أحد من المريدين أن يبرح مكانه في انتظار خروج المقدسة لنوال البركة منها ولكن زيادة زحف الشمس فى جسد السماء سرب أي أمل كان يطل من نفوس المريدين في خروجها هذا النهار القائظ ... أفترش البعض الأرض واخذ يفتح منديله المحلاوي الأصفر حتى يأكل ما تزود به من طعام يعينه علي الصمود حتى يرى المقدسة... ازداد زحف الشمس حتى كاد أن يأكل ثلاثة أرباع جسد السماء وزاد معه سخونتها وحرارتها الملتهبة التي تسقط فوق الرؤوس الممطوطة والأعناق المشرئبة لرؤية المقدسة.... تبدد الأمل تماما مع انطلق صوت آذان العصر تناثرت اقتراحات المريدين بين الذهاب إلي المسجد لإقامة صلاة العصر ثم العودة مرة أخرى وبين الهجوم علي الكوخ لمعرفة ما حدث انتصر اقتراح الهجوم علي الكوخ لمعرفة ماذا حدث اليوم ولماذا لم تخرج المقدسة كعادتها ؟.... هجم المريدون جميعهم مرة واحدة علي الكوخ القديم الذي لم يحتمل عدد المريدين حتى سقط فوقهم وتحول إلي كومة تراب وبعد أن نفض الأغلبية من المريدين التراب من فوق ثيابهم التي كانت نظيفة اقترح احدهم إزالة كومة التراب علهم يجدونها أسفله بينما ذهب أخر ان المقدسة رحلت إلي مكان أخر كى تحل فيه ببركاتها وما قضته معهم من سنوات طوال ما كان الا منحة من السماء حتى تطهر القرية وان المقدسة سوف تفعل هذا مع كل الأماكن التي سوف تحل فيها لكن الذي بدد كل هذه الاحتمالات هو سماع صراخ متواصل من احد الصبية كان قادما من مكان ليس ببعيد عن الكوخ وعندما هرول المريدون ناحيته أصدمت عيونهم بوقوف الصبي أمام كوم كبير من الثلج علي هيئة شكل وجسم المقدسة تماما... اتسعت أحداق المريدين عن أخرها عندما وقعت علي كوم الثلج كيف ثلج لم يذب في نهار قائظ من شهر أغسطس الحارق .... لم تدم دهشتهم كثيرا حينما بدأ كوم الثلج في الذوبان واستحال إلي شلال هادر من الدماء كان يزيح في طريقه كل شئ ذكرهم بأيام الفيضان التي ولت منذ زمن بعيد... اخذ المريدون يخلعون عنهم دهشتهم واستعدوا للهروب من طوفان الدماء الهادر ولكنه طالهم جميعا حتى أن معظم المريدين سقطوا صرعي والبعض الذي نجا لسرعته صعد إلي أسطح المنازل كي ينجوا بحياتهم ويروا ماذا سوف يحدث بعد ذلك؟
ظل سيل الدماء الهادر في كسح كل ما يقابله من بشر ودواب ومنازل وكل شئ يقف أمامه وظل انهمار السيل حتى غطي القرية بأكملها وكذلك غطي كل الأماكن المرتفعة وأسطح المنازل وأجهز على كل حي في القرية التي اضحت أطلالا في دقائق معدودات واتجه السيل نحو قمة الجبل عله يطولها هي الأخرى.
https://www.facebook.com/drmoussa.moussa/posts/10156564325126244
حار الجميع فى أمر المقدسة وأخذوا يعقدون مجالسهم لمناقشة هذا الامر الخطير وحاولوا أن ينقبوا فى ذاكرتهم الواهنة أو ذاكرة الأرض المتهرئة عن أصل المقدسة وكيف حلت بالقرية ولكن لا أحد توصل إلى شئ حتى صاح أحد شيوخ القرية وحكمائها وقال:-
- ما لنا وأصلها أليست تجلب لنا البركة والخير ؟ لماذا نفعل بها وبنا ذلك؟..... كفانا جلداً للذات.
حاول أحد شباب القرية الذين نالوا تعليمهم بالخارج لا يؤمن بمثل هذه الظواهر مشككا فى المقدسة وقال:-
- نحن لابد أن نعرف من هى ولماذا جاءت إلينا بالذات ولماذا تفعل كل هذا وكيف ؟
كأنه نطق كفرا فما أن انتهي من كلامه حتى كادت الأكف الغاضبة أن تمزقه ولم يفلح أحد فى تخليصه من غضب الجموع سوي عصا الشيخ الضرير الذي كان يتسول كل يوم ساعة الظهيرة عند مسجد القرية الوحيد.
ذاع صيت المقدسة في القرى المجاورة حتى أن الجميع كانوا يفدون إلي القرية لنوال البركة المقدسة منها فالكل يعرف موعد خروجها اليومي وكذلك موعد عودتها لا تبالي هي بأحد ولا بالذين يتبركون منها أو الذين يرفضون وجودها... تعرف تماما أين هي ؟ وإلي أين تسير ؟ وماذا تريد ؟
كانت تقلب عينيها فى وجوه مريديها وتوزع عليهم الخير من خلال ابتسامة واسعة لاتفارق شفتيها المخضبتين بلون أحمر قانى كلون الدماء ... ووجه أبيض بض تخشى الشمس علي نفسها من الوهج المتقد الطالع منه ... لم تحدث أحدا فى القرية ولم تشأ أن تكون بينها وبين أحد أى علاقات من أي نوع هي فقط تظهر في نفس الوقت من كل يوم وتختفي حتى مجئ موعدها المعتاد في اليوم التالي... زادت حيرة الجميع ولم يستطع أحد أن يفك طلسم وجود المقدسة في قريتهم.
الغريب والعجيب حقاً أنه منذ أن وطئت قدم المقدسة إلي القرية لم يسمع أحد عن جريمة قتل واحدة كما كان معتاداً فيما سبق أو يسمع أحد عن سرقة مواشي أو حقول الذرة أو البرسيم أو القمح ....كما أنه لم ينزل أحد من مطاريد الجبل لتهديد أهل القرية وسحب خيرها إلي الجبل... ولم يعد أحد يسمع عن حدوث وقائع زنا ووجود أطفال لقطاء علي الجسر أو عند الأجران أو فى الحقول... الأغرب حقا أن أهل القرية تحولت طبيعتهم الجبلية إلي طبيعة سمحة ومسحت وجوههم طيبة حقيقة وليست مصطنعة... عم الخير والسلام القرية بأسرها منذ أن حلت بها المقدسة ، لكن يظل لغزها المحير يراود الجميع فى البحث عن حله وتفسيره حتى إنه ذات ليل شتائي ممطر شوهد عند سفح الجبل الموجودة عليه القرية عدد كبير من أفندية القاهرة بهندامهم الوقور وشنطهم المميزة يتجهون صوب دورا لعمدة وعُرف فيما بعد أنهم وفدا علميا جاء من إحدي الجامعات التي اهتمت بموضوع المقدسة واعتبرته ظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة .
ظل الوفد بالقرية أياما طوالا امتدت إلي أشهر عديدة وصلت إلي سنوات كثيرة ظلوا فيها يشاركون أهل القرية جلساتهم ومسامراتهم وكذلك التوحد معهم في المشهد اليومي المتكرر للمقدسة ولكنهم لم يتوصلوا لشئ يمكن من خلاله تفسير ظاهرة المقدسة تفسيرا علميا حتى أن الجامعة التي أوفدتهم يئست من البعثة ومن جدوي وجودها في القرية لعدم توصلها لأي نتائج وأرسلت خطابا للوفد و لعمدة القرية تؤكد فيها علي ضرورة عودة الوفد مرة أخري للجامعة غير أن بعض أفراد البعثة خضع لأوامر الجامعة وعاد بينما ظل البعض الأخر في القرية لمواصلة التقصي والفحص والدراسة العلمية رغم تهديد الجامعة المتواصل لهم بالفصل منها...
ليلاً انسل أحد المتطفلين واخترق حرم كوخ المقدسة المحاط بالخوص ذو الحواف المدببة الحادة... لم يبال باختراق هذه الحواف الحارقة لحم ذراعيه حتى تفجرت منهما الدماء بغزارة أغرقت ملابسه كلها بل وضع حجرا كبيراً مهملاً أسفل النافذة الوحيدة في كوخ المقدسة حتى يرفعه قليلاً عن سطح الأرض كي يكون فى محاذاة فتحة النافذة حتى يستطيع أن يراقب المقدسة ... نشب أظافره الطويلة في حافة النافذة الطينية واستند بجزعه علي الحائط حتى طالت رأسه فتحة النافذة نظر ملياً بالداخل ولكنه كما توقع وكما هو معروف عن المقدسة أن أحدا لا يستطيع أن يراها في الكوخ... اعتقد أنها تفعل مثل الناس في بيت الراحة أو أنها اعتادت قبل خروجها اليومي أن تأخذ حماماً ساخناً يعينها علي مشوارها اليومي الشاق... طالت وقفته وطال تحديقه حتى أن عينيه أصابها الكلل وظلت تذرف الدموع بغزارة كادت أن تستحيل معها الرؤية لولا أنه أشفق على نفسه وعلي عينيه وجلس يستريح قليلاً فوق الحجر الذي كان يقف عليه ممنياً نفسه برؤية المقدسة في كوخها أو التوصل إلي أي شئ ولو بسيطاً يعينه ويعين أهل القرية والبعثة العلمية علي فك طلسم ولغز المقدسة ... كان بين فينة وأخرى يبدل جلسته بمعاودة الوقوف والنظر بتحديق شديد داخل الكوخ وكلما نال التعب والإرهاق منه ومن عينيه يعاود الجلوس فوق الحجر... ظل هكذا حتى قارب موعد آذان الفجر وهو الموعد المحدد بدقة للخروج اليومي للمقدسة من كوخها... انفرجت أساريره فبكل تأكيد سوف تظهر الآن كي تبدأ مشوارها اليومي المعتاد... احتار أين يقف هل يظل مكانه حتى يري المقدسة بوضوح أو يذهب إلي المدخل الرئيسي للكوخ حتى يراها وهي خارجة لتوها ولكن ما حدث لم يجعل حيرته تطول فقد انفلقت الأرض وانشقت نصفين داخل كوخ المقدسة وانفجر نور هائل كان علي هيئة عمود طويل يربط بين السماء والأرض كادت شدة وميض النور ان تذهب بالبقية الباقية من عينيه ولم يفق الا علي صوت المهللين المعتاد من المريدين كلما وقعت عيونهم علي المقدسة وهي خارجة من كوخها حي تبدأ مشوارها اليومي المعتاد .. هؤلاء المريدون الذين يتكاثر عددهم يوما بعد يوم كلما تناثرت الحكايات عن بركات المقدسة وقدرتها العظيمة علي شفاء جميع الأمراض في القرى والنجوع والمدن المجاورة وحتى البعيدة منها... ظل الحال كما هو عليه سنوات طوال حتى كان فجرا مر سريعا ولم تخرج فيه المقدسة كالمعتاد... كسي الوجوم والدهشة الجموع المنتظرة لخروج المقدسة ولكن طال غيابها حتى علت الشمس وتوسطت السماء من نهار يوم من أيام شهر أغسطس شديد الحرارة... لم يشأ أحد من المريدين أن يبرح مكانه في انتظار خروج المقدسة لنوال البركة منها ولكن زيادة زحف الشمس فى جسد السماء سرب أي أمل كان يطل من نفوس المريدين في خروجها هذا النهار القائظ ... أفترش البعض الأرض واخذ يفتح منديله المحلاوي الأصفر حتى يأكل ما تزود به من طعام يعينه علي الصمود حتى يرى المقدسة... ازداد زحف الشمس حتى كاد أن يأكل ثلاثة أرباع جسد السماء وزاد معه سخونتها وحرارتها الملتهبة التي تسقط فوق الرؤوس الممطوطة والأعناق المشرئبة لرؤية المقدسة.... تبدد الأمل تماما مع انطلق صوت آذان العصر تناثرت اقتراحات المريدين بين الذهاب إلي المسجد لإقامة صلاة العصر ثم العودة مرة أخرى وبين الهجوم علي الكوخ لمعرفة ما حدث انتصر اقتراح الهجوم علي الكوخ لمعرفة ماذا حدث اليوم ولماذا لم تخرج المقدسة كعادتها ؟.... هجم المريدون جميعهم مرة واحدة علي الكوخ القديم الذي لم يحتمل عدد المريدين حتى سقط فوقهم وتحول إلي كومة تراب وبعد أن نفض الأغلبية من المريدين التراب من فوق ثيابهم التي كانت نظيفة اقترح احدهم إزالة كومة التراب علهم يجدونها أسفله بينما ذهب أخر ان المقدسة رحلت إلي مكان أخر كى تحل فيه ببركاتها وما قضته معهم من سنوات طوال ما كان الا منحة من السماء حتى تطهر القرية وان المقدسة سوف تفعل هذا مع كل الأماكن التي سوف تحل فيها لكن الذي بدد كل هذه الاحتمالات هو سماع صراخ متواصل من احد الصبية كان قادما من مكان ليس ببعيد عن الكوخ وعندما هرول المريدون ناحيته أصدمت عيونهم بوقوف الصبي أمام كوم كبير من الثلج علي هيئة شكل وجسم المقدسة تماما... اتسعت أحداق المريدين عن أخرها عندما وقعت علي كوم الثلج كيف ثلج لم يذب في نهار قائظ من شهر أغسطس الحارق .... لم تدم دهشتهم كثيرا حينما بدأ كوم الثلج في الذوبان واستحال إلي شلال هادر من الدماء كان يزيح في طريقه كل شئ ذكرهم بأيام الفيضان التي ولت منذ زمن بعيد... اخذ المريدون يخلعون عنهم دهشتهم واستعدوا للهروب من طوفان الدماء الهادر ولكنه طالهم جميعا حتى أن معظم المريدين سقطوا صرعي والبعض الذي نجا لسرعته صعد إلي أسطح المنازل كي ينجوا بحياتهم ويروا ماذا سوف يحدث بعد ذلك؟
ظل سيل الدماء الهادر في كسح كل ما يقابله من بشر ودواب ومنازل وكل شئ يقف أمامه وظل انهمار السيل حتى غطي القرية بأكملها وكذلك غطي كل الأماكن المرتفعة وأسطح المنازل وأجهز على كل حي في القرية التي اضحت أطلالا في دقائق معدودات واتجه السيل نحو قمة الجبل عله يطولها هي الأخرى.
https://www.facebook.com/drmoussa.moussa/posts/10156564325126244