– في الحمّام تسليت برش الماء على صرصور ميت، كان متيبساً ومنقلباً على ظهره. من يعرف بماذا يمكن أن يتسلى الإنسان. يتذكر أنه كان يتسلى بقذف العمال الأجانب بالبالونات المملوءة بالماء، لقد وقعت غزوات وحشية في تلك السنين. بدأت التسلية لما سرق حميدي دزينة بالونات ملونة من دكان عباس الهندي، ثم سرقت أنا واحدة أخرى. نتحصن في سطح المسجد المقابل لدكان عباس، نملأ البالونات بالماء من مغاسل حمامات المسجد ونجمعها في الكراتين التي يتركها عباس خارج دكانه. في سطح المسجد مثل أي كتيبة مدفعية ننتظر الفرصة الممتازة للهجوم على العدو، متى ما كان الشارع خالياً من أي سعودي يبدأ القذف والضحك الهستيري أيضاً. لم يصب عباس إصابات مباشرة إلا في المرة الأولى التي خرج فيها من الدكان ليعرف من أي لعنة تأتي القذائف.
– السقف الأبيض، وقاعدة الإضاءة التي تحمل لمبة واحدة، وفتحات تسليك الكهرباء، البقعة السوداء، البقعة السوداء الأخرى، صوت مروحة التكييف الذي يتكرر بإيقاع ثابت، ماذا يفعل الآن؟ لماذا أستيقظ الآن، الساعة الواحدة ليلاً. رائحة اللعاب العالقة في غطاء الوسادة، لا يوجد مكالمات فائتة، انتبه لخيط منفلت من جوربه الأبيض. رسالة على البريد الإلكتروني من windows. استيقظ جائعاً. لقد سمعت دائماً نصائح حول الوجبات السريعة، لذيذ لكنه غير صحي، لذيذ وغير صحي، بربك أين هذا الطعام اللذيذ وغير الصحي. مدينة ساحلية متواضعة، طعام غير لذيذ وغير صحي أيضاً. انقطع صوت مروحة التكييف الذي يتكرر بإيقاع ثابت، الإضاءة الحمراء في مفتاح تشغيل التكييف انطفأت. الشباك مغطى بلاصق أسود، الساعة الواحدة ليلاً، عشاء غير لذيذ وغير صحي، ومشاهدة فلم أو اثنين، العودة للنوم. اصطدمت قدمه بصندوق الزبالة، اصطدم صندوق الزبالة بالجدار. معجون الأسنان فارغ، نظف أسنانه بالفرشاة والماء. بصق، سمعت صوت مرور أصابعه على شعر الشارب. في الحمام تسلى برش الماء على جسم صرصور بلا أرجل. وقف يراقب الماء المنسكب من السيفون. رفع غطاء غسالة الملابس، تيشيرت أخضر وسروال داخلي قطني. من أين يأتي الجوع؟ بأصابع قدمه حمل منديلاً ووضعه في صندوق الزبالة. سقطت المنشفة، رفعها بأصابع قدمه ثم بيده اليسرى علقها على المسمار في إطار الباب. لم يعجبه أن يترك باب الحمام مفتوحاً. صنبور الماء الساخن لا يعمل، مرةً في فندق شيراتون المنامة كان صنبور الماء البارد لا يعمل، طلب من عمال الفندق أن يصلحوه. لا يوجد أحد يمكن أن يطلب منه إصلاح الأعطال، لا عائلة ولا أصدقاء ولا عمال فندق. تناول ثوبه ليرتديه، بقعة حبر أزرق صغيرة على كم الثوب، تخسر الحكومة كثيراً من الحبر في ثياب موظفيها. إذاعة مونت كارلو قد انقطع بثها على الموجة المتوسطة 1233، عندما تطلب المذيعة من المستمعين مراسلة الإذاعة على عنوانها في القاهرة يفكر أن يرسل لهم نكتة عن الدين المسيحي. هنا يصل بث الإذاعة المصرية بتشويش محبب. إشارة تنبيه نقص البنزين مضاءة، للخروج للشارع الرئيسي يحتاج لثلاثة انعطافات لليسار. الضوء الأحمر ينعكس على السيارة التي تقف بجواره. موسيقى هادئة في المذياع، آلات شرقية مع عازف قيثارة. صوت احتكاك باطن كفه بالمقود. زجاج محطم، حادث في الساعة التاسعة سائق مصري بسيارة كورولا موديل 1999 ومسن سعودي يقود هايلوكس موديل 1985. شجار لفظي ثم ينتهي كل شيء. ‘‘ بيع الدجاج المبرد ‘‘ مكتوبة على خرقة كبيرة خلف الزجاج. دورية شرطة تمر ببطء، بطء من يقدم على أمر خطير. في المطعم راق مزاجه بالإضاءة، مثل إضاءة حانة. قال لنفسه بربك أين البيرة، ست علب بدوايزر، عشر علب،خمس وثلاثون علبة، مائة علبة، أراهن أن العالم لن يصمد أمام عشر علب، عشر علب ويصير هلاماً. ولن يكون هناك عمل في الغد. قال للعامل الذي له رأس يشبه كرة البولينغ: بيتزا صغيرة. رأس سوداء ومدورة وبدون شعر، مصقولة بدقة. إنها كرة بولينغ حقيقية. رد عليه النقود، خمسة وثلاثون ريالا. رائحة البلاستك الساخن غريبة، في المرآة الأمامية تظهر علبة مناديل خلف مسندة الرأس في المقعد الخلفي. لا يوجد أي سيارة أخرى في الشارع. ماذا يفعل الناس الآن؟ ماذا تظن يا أبله، ينامون بالطبع. قط يتمدد، مشى بمسار مقوس حتى لا يفزعه. انتبه أنه نسي أن يقفل باب الشقة، ماذا لو أن أحداً من اللصوص حاول سرقتي؟ يا له من لص خائب الحظ، بربك ماذا سوف يجد، أو تظن شقتك المحترمة منجم ذهب. أغلق الباب من الداخل بالمفتاح هذه المرة. لو كنت طياراً حربياً، كم هذا ممتع، الحرية والقوة. وهل سوف تتسلى بقتل الناس بطائرتك المحترمة ؟ بحسب من يكون هؤلاء الناس. وتدارك بتأمل بهيج: وبحسب مردود هذه التسلية على مزاجي ربما لا تعجبني. لو كنت طياراً حربياً لما اضطررت للاستيقاظ في الساعة الواحدة. تذكر الآن أن أمه كانت تغلق باب المخزن حتى لا يسرق منها سلك تنظيف الأواني. كانوا في تلك السنين يعجزون عن شراء الألعاب النارية، لذلك كانوا يسرقون من منازلهم سلك تنظيف الأواني، يشعلونه بقداحة مسروقة أيضاً ويدورون به مثل راقص صوفي مبتهجين بالشرار الذي يتطاير. لقد كانت تعجبني هذه التسلية كثيراً. صوت مروحة جهاز التكييف يرتفع مجدداً. و زر التشغيل في اللابتوب يضيء بضوء أخضر خافت. فتح مجلد التنزيلات وثم مجلد ‘‘Into the Wild (2007) ‘‘ أخرج علبة البيتزا البلاستيكية، ووضعها على الكيس. وضع جواله على الشاحن، وقرب منفضة السجائر وجلب علبة كولا باردة من الثلاجة. أبقى من البيتزا قطعتين كاملتين، و الأطراف اليابسة لكل القطع التي أكلها. كانت إضاءة شاشة اللابتوب تنعكس على وجهه وعلى الجدار الأبيض، تنقطع وتعود. المزيد من التبغ، المزيد من الكولا الباردة، المزيد من وضعيات الجلوس المختلفة، و المزيد من انعكاس الإضاءة. شعر بالبرد والنعاس في نهاية الفلم الثاني، قال يجب أن أنام. أعجبه كل شيء في الفلم الأول، وتمنى لو أنه يقدر على تجربة مثل تلك الوحدة. أطبق شاشة اللابتوب دون أن يغلقه. أزاح بقدمه علبتي كولا وكيس بلاستك. السقف الرمادي، وقاعدة الإضاءة التي تحمل لمبة واحدة مطفأة، وفتحات تسليك الكهرباء، البقعة السوداء، البقعة السوداء الأخرى، صوت مروحة التكييف الذي يتكرر بإيقاع ثابت. أعجبه ملمس الوسادة البارد، وقال إنه سعيد، لأنه لم يشعر بمرور الوقت. أزعجته إضاءة الجوال، انقلب على بطنه وعدل بيده اليسرى سرواله وشعر بخدر البرودة يجتاح كل شيء.
– في أزمنة بعيدة كانت الحياة تأتي بالتسلية من كل جهة. كل شيء بقصد التسلية والضحك، تسلية متواضعة لكنها ساحرة ولا نهائية. أما الآن فعليك أن تحفر في الصخر وتنسى وجودك لتظفر بضحكة حقيقية واحدة تسيل معها دموعك. كنت وبرغم كل شيء لم تنتبه لهذا الجحيم الذي تقبل عليه. تتسلى وتضحك، لم يكن معك المال الذي يكفي لأي تسلية مهما كانت حقيرة، في رمضان تسرقون لغدائكم علب التونة و جبنة التشدر المطبوخة. بربك أيها الملعون ما الممتع في أكل تونة رديئة من إنتاج شركة محلية، وجبنة تشدر مطبوخة في مصلى النساء؟ لا أدري لكن ليست المتعة في ذات الأكل بالطبع، بل في طبيعة تلك الوجبة. كان لهذه الوجبة المسروقة سحر خالص لا يمكن مقاومته ولا نسيانه. مازال طعم التشدر في فمي وإلى الأبد، وحرك يده مشيراً إلى لذة عميقة في مكان ما داخله. ما أتفه متعك أيها الوضيع. كل شيء كان يمكن أن يكون موضوعاً للتسلية، ليس الأكل وحده. كان العمال الأجانب والصبية البله هما الموضوعان المفضلان للتسلية. نرميهم بالحجارة أو نسقطهم من على دراجاتهم الهوائية. كانت رؤيتهم وهم يفرون أو يسقطون مسلية للغاية. أراهن أنك سوف تحب ذلك. هل كنت تستمتع برؤية قوتك يا ابن الملعونة؟ لا أدري لم أكن أفكر بهذه الطريقة، كنا نريد أن نتسلى ونضحك. كنا نسخر من الصبية البله، نتنافس في إطلاق التعليقات الساخرة عليهم. لقد جربنا عليهم الكثير من الأمور المضحكة. رش التراب الناعم في أعينهم، خلع سراويلهم بخفة، وحتى إضرام النار في شعورهم. أتذكر كيف وضعت في ظهيرة مملة العدسة المكبرة على رأس عياش الولد المصاب بمتلازمة داون – لم نكن نفهم حينها طبيعة مرضه – حركت العدسة لأضبط تركيز ضوء الشمس حتى بدأ الدخان بالتصاعد من رأسه البغيض، لم أستطع أن أكمل لقد غلبني ضحك هستيري وأنا أشم رائحة الشعر المحروق. يا لكم من أبناء كلاب. لم نسأل أبداً عن أخلاقية ما نقوم به. أظن أننا لن نمانع قتل أخرق ما خنقاً أو ضرباً بالأحذية أو بأي طريقة تجلب الضحك. بربك أليست حياة بهيجة؟
– لا أحب شمس الساعة التاسعة. سلم على سكرتير المدير، قال له: لقد حلمت فيك، لقد كان لك رأس حمار وحشي. وأراد أن يعلق على رائحة التبغ لكنه لم يفعل. بالقلم الأزرق كتب اسمه وساعة الحضور ‘ السابعة والنصف ‘ شعر بضيق وهو يسمع صوت حركة رأس القلم على ورق دفتر التوقيع. قال: كل شيء له صوت لكن من ينتبه. رد عليه سكرتير المدير معلقاً على حلمه بكلام بذيء عن قدرة الحمار الوحشي الجنسية. كانت يديه تتحرك بانفعال. والأوراق على المكتب تحركت بدفع بطنه التي كانت تلامس طرف الأوراق. قلب ورقة التقويم وهو يضحك. قال له: لقد قلت لك رأس حمار وحشي فقط وليس كامل جسمه. من مكتب سكرتير المدير وحتى مكتبه يمر بعدد لا نهائي من الروائح المتداخلة، رائحة المنظفات، الرائحة النسائية لعطور الموظفات، رائحة فم المراسل الذي حيّاه من بعيد، الرائحة المنبعثة من جهاز التكييف، الرائحة المفضوحة لساندويتشات الفلافل، رائحة الأحذية الجلدية، رائحة الحبر الأزرق الجاف، رائحة شمع الأذن، رائحة ورق الفواتير، رائحة التبغ مرة أخرى، حتى يصل إلى رائحة باب مكتبه. اعتاد شرب الشاي بأقل كمية من سكر. رسالة على الفيس بوك في صندوق المحادثة من Caro ph : تمت إزالة هذه الرسالة بشكل مؤقت لأن حساب المرسل يحتاج إلى التحقق. المزيد من الإعلانات في شاشة التلفاز أمامه. تبادل الحديث المعتاد مع رئيس القسم حول أي موضوع تافه، الطقس، مباريات كرة القدم، بشار الأسد، تسجيل فديو لراقصة مصرية، عملية إرهابية جديدة، تعاميم إدارية مكررة، ارتفاع أسعار السيارات، الخ .. الخ .. الخ لاحظ تقشرا في صبغة خرامة الأوراق. أغلق صفحة الفيس بوك. قال للعامل الذي احضر له الشاي: منذ آلاف السنين ولم تتعلم.نظر العامل لكوب الشاي، وحرك رأسه بقبول أبله. قال لنفسه وهو يتذكر شيئاً قديماً ماذا كنت سأفعل بكل ساعات العمل المملة بدون الأنترنت؟ تقشر البطاطس أو تنظف أنفك أو تنام مجدداً، رد وهو يحس حرارة الشاي في مريئه: هل تسخر مني؟ نعم أسخر من حضرتك المحترمة، بربك ماذا سوف تفعل بكل ساعات حياتك المملة والبائسة والتافهة والتعيسة بدون الأنترنت ها؟! لم أفكر في هذا الوضع، لكن بالتأكيد سوف أخترع تسلية ما. يسعدني أن أخبرك أنك لن تجد شيئا سوى الكلام، الجلوس مع أغبياء متخوزقين، النظر في وجوه بعضكم البعض، عرق يتصبب، تكرار القصص الخرافية والواقعية كل مرة بتفاصيل جديدة، تمسح العرق عن جبهتك وتسأل عن الطقس، الأسعار، النساء، الأخبار السياسية، مشاجرة لم تعرف سببها .. الخ من هذا الهراء المحترم وتسمع إجابات لا نهائية وبتفاصيل مختلفة ومتناقضة. وفي أفضل لياليك ستصادفك ‘‘ مية بنات ‘‘ وأنت تلعب البالوت. هل تريد أن تقضي حياتك في الاستراحة تشاهد التلفاز، تتكلم، تدخن، تأكل، تلعب البالوت، تذهب للحمام؟ لا أدري، لم أفكر بهذا الأمر من قبل. على أي حال مهما كان الوضع سوف نخترع تسلية ما. تسلية ما إذاً؟ أنظر لنفسك ياحضرة المحترم لا تفعل شيئا في حياتك البهيجة والممتعة سوى أنك تأكل وتشاهد الأفلام، وتنام. حسنا، كما قلت لك مهما كان الوضع سوف نخترع تسلية ما، تسلية بدون الإنترنت. أنت ابن كلب حقيقي.
لا أحب شمس الساعة الثانية عشرة، لا أحب الشمس بالمطلق. من يحب أن يأكل طعاما غير لذيذ وغير صحي في الظهيرة، عندما خرج من العمل كانت الشمس في السماء والرطوبة في كل مكان. شعر بثقل الهواء الرطب، الهواء الرطب والمتعفن. لماذا أبقى في المكتب. ماذا عن وجبة غداء غير لذيذة وغير صحية، لكنه أراد أن ينام أيضاً. لولا النوم لشنقت نفسي. دار المفتاح في قفل باب الشقة بسهولة. انتبه لخيط أحمر منفلت من الشماغ، عاد صوت مروحة التكييف الذي يتكرر بإيقاع ثابت. الإشارة الحمراء في مفتاح تشغيل جهاز التكييف تضيء. تمدد برضى عميق عن فكرة الخروج من العمل. مر في أذنه صوت حركة رأس القلم على ورقة دفتر التوقيع الأخضر. كانت إضاءة الجوال تنعكس على وجهه، أحس بهواء جهاز التكييف يغمره. ماذا يفعل اذا استيقظ، لو أنه يستطيع أن ينام لأسبوع كامل لن يتردد. السقف الأبيض، فكر في وجوده دون ساعات متواصلة من مشاهدة اليوتيوب، دون مراسلات تافهة ومهمة على الجوال، دون تويتر، فيس بوك، ساوند كلاود، دون تحميل المزيد من الأفلام ضرب سيجارته بطرف المنفضة، ولا نقطة انترنت. قال ببطء الشخص النائم سوف يصير الوجود مملاً، وتحمس لفكرة التخلص من ملايين الجيجابايتات من التفاهات. السقف الأبيض يختفي، أعجبه ملمس الغطاء القطني. ممل لكنه خفيف، ممل لكن خفته تملؤنا بالسعادة، بربك أين هذا الوجود الممل غير الثقيل يا ابن الكلب الحقيقي.
– السقف الأبيض، وقاعدة الإضاءة التي تحمل لمبة واحدة، وفتحات تسليك الكهرباء، البقعة السوداء، البقعة السوداء الأخرى، صوت مروحة التكييف الذي يتكرر بإيقاع ثابت، ماذا يفعل الآن؟ لماذا استيقظ الآن، الساعة التاسعة ليلاً. شعر بإلتواء خفيف في الرقبة، امتلاء المثانة يزعجه. إضاءة شاشة الجوال عالية، الساعة التاسعة وثلاث عشرة دقيقة. ثلاث رسائل على الواتساب. في المرآة أعلى حوض المغسلة السيراميك رأى وجهاً هزيلاً، شرب قليلاً من ماء الصنبور، وغسل وجهه. فكر في القذارات المخاطية العالقة في داخل مجرى الماء. في الحمام لم يجد صرصورا ميتا. انزلقت قدمه اليسرى واصطدمت بالمرحاض، رفع قدمه اليسرى وضغط عليها بيده. غسل يديه بالماء وتكاسل عن تنظيف أسنانه. فتح التلفاز، مذيعة تتحدث بسرعة. أشعل سيجارة، كانت آخر واحدة في علبة الدخان. لم يكن جائعا. رمى علبة الدخان أمامه. مسح بإبهام يده اليمنى شاشة الجوال. ضغط على قدمه اليسرى ليخفف الألم. في التلفاز مباراة من الدوري الإيطالي، لم يعرف هل كانت تبث مباشرة أم أنها مسجلة. عدل جلسته. أعد كوب شاي قليل السكر، لكنه لم يجد النعناع. مذيع مصري يغالبه النوم. علبة دخان جديدة، أشعل سيجارة أخرى. فكر في أن نكهة الدخان تكون ممتازة مع كوب الشاي الجيد. أزعجه ضعف استجابة ريموت التحكم، ضربه بالأرض. انفلت غطاء البطاريات. يأس من عدد القنوات اللانهائي، كتم صوت التلفاز على برنامج من التسعينات يتحدث فيه شخص بلغة مدبلجة عن الألعاب الأولمبية. زر التشغيل في اللابتوب يضيء بضوء أخضر خافت. مسح منتصف شاشة اللابتوب بإبهام يده اليمنى. في أعلى المتصفح كانت علامة اليوتيوب الحمراء واضحة، الصفحة الرئيسية. عدد لانهائي آخر من تسجيلات الفيديو. بحث عن أغنية لأصيل هميم، بعد الدقيقة الأولى انتبه لفيديو على يسار الصفحة لآمال ماهر تؤدي أغنية لمحمد عبده. أعجبه وضوح صوت الإيقاع. تمنى لو أنه في البحرين الآن يستمع لهذه الأغنية، قال لنفسه لقد سمعت أغاني غبية ومزعجة في الحانات التي ذهبت إليها. أريد طاولة في الجزء المظلم من الحانة، اتصال جيد بالأنترنت، ودخان، والمزيد من البيرة، و حينما أجوع أريد قطعة ستيك كبيرة ولا تنتهي مع البطاطس المشوية. شعر بالجوع وقام ليعد لنفسه ساندويتش الجبنة السائلة، لكنه لم يجد خبزاً. لعن، وأخذ كأس الجبنة ليأكلها بالملعقة. شغل جهاز التكييف، وأراد أن يشاهد شيئا قصيرا ومسليا على اليوتيوب. لكن ما هو المسلي يا ابن الكلب الحقيقي؟ شاهد عدة مقاطع لعروض كوميدية لم تكن مضحكة لكنها ساعدت على مرور الوقت. عندما تأكل الجبنة السائلة بالملعقة يكون طعمها ثقيلاً. شاهد مقطع فيديو غريب لرجل يتكلم مع الشيطان، ثم مقطع فيديو لصبية سود يتعاركون في حي شعبي بجدة. رسالة تنبيهية على شاشة الجوال عن حركة البيانات. انزعج قليلاً من طعم الجبنة السائلة. فكر في كوب شاي آخر. في باب الثلاجة وجد حبة شوكولا ماركة reese’s مغلفة بقصدير أصفر، شعر أنه قام بعمل حكيم حينما تركها في المرة الأولى. ابتسم، وفكر في خطيئة الذين يأكلون الشوكولا لسد جوعهم، وراح يأكلها بتلذذ. اتصل بصديق طفولته الذي لم يتصل به منذ مدة بعيدة، أراد أن يسأله عن فرصة قضاء عطلة نهاية الأسبوع في البحرين؟ لكنه لم يرد. لعن صديق طفولته وكل الذين يعملون في الشرقية. تمدد وقرب اللابتوب منه. فتح مجلد الأفلام، أعداد لا نهائية من الأفلام، من الافلام الهوليودية التجارية وحتى الأفلام الأوروبية المستقلة. فكر في مشاهدة فلم عن الحرب العالمية الثانية، أو يعيد مشاهدة فلمه المحبب mary and max . لكنه تراجع عن كل هذا وبدأ بمشاهدة مسلسل Peaky Blinders بعد أن تذكر التوصية المحفزة التي قرأها عن هذا المسلسل. بدون عشاء هذه المرة شاهد ثلاث حلقات متتابعة من الموسم الأول، كانت إضاءة شاشة اللابتوب تنعكس على وجهه وعلى الجدار الأبيض، تنقطع وتعود. المزيد من التبغ، المزيد من الكولا الباردة، المزيد من وضعيات الجلوس المختلفة، و المزيد من انعكاس الإضاءة. شعر في تلك اللحظة بتخفف من كل شيء، موجه هادرة من الطمأنينة تغمره. قام ليتبول، في الحمام استغرب كيف يجعله هذا الاستغراق في المشاهدة بهذا المزاج الممتاز. كان كمن أدرك معنى لوجوده. برغم عدم إدراكه أي شيء واضح. لم يشعر بالجوع، ولا نقطة جوع واحدة، أراد أن يكمل المشاهدة إلى ما لانهاية. المزيد من المشاهدة بربك. شاهد الحلقة الرابعة، ضغط بإبهامه وسبابته على عينيه، الحلقة الخامسة أيضاً. لقد تأخر الوقت. قال في نفسه: أكمل مشاهدة الحلقة السادسة وأنام. أكثرت من شرب الكولا، أنزعج من حاجته للتبول مرة أخرى. في الحمام قال له وهو يتبول واقفاً: هل تعرف يا ابن الكلب أنك تافه ؟ تافه من الدرجة الأولى. لا تفكر إلا في التفاهات التي تشبهك. أنت فارغ إلا من الفضلات التي في أمعائك. ماذا تريدني أن أفعل؟ هذا هو الوضع على أي حال. ماذا تفعل؟ أخرج واقتل أحداً ما، ألن يسليك هذا؟ لا، أريد أن أنام الآن. لما خرج من الحمام كان يحس بصداع وألم في عينيه، من كل قلبه أراد أن ينام نوماً أبدياً، تمدد بخشوع وهو يفكر في رحلة أخيرة للبحرين قبل أن ينام هذا النوم الأبدي. السقف الرمادي، وقاعدة الإضاءة التي تحمل لمبة واحدة مطفأة، وفتحات تسليك الكهرباء، البقعة السوداء، البقعة السوداء الأخرى، صوت مروحة التكييف الذي يتكرر بإيقاع ثابت.
.
– السقف الأبيض، وقاعدة الإضاءة التي تحمل لمبة واحدة، وفتحات تسليك الكهرباء، البقعة السوداء، البقعة السوداء الأخرى، صوت مروحة التكييف الذي يتكرر بإيقاع ثابت، ماذا يفعل الآن؟ لماذا أستيقظ الآن، الساعة الواحدة ليلاً. رائحة اللعاب العالقة في غطاء الوسادة، لا يوجد مكالمات فائتة، انتبه لخيط منفلت من جوربه الأبيض. رسالة على البريد الإلكتروني من windows. استيقظ جائعاً. لقد سمعت دائماً نصائح حول الوجبات السريعة، لذيذ لكنه غير صحي، لذيذ وغير صحي، بربك أين هذا الطعام اللذيذ وغير الصحي. مدينة ساحلية متواضعة، طعام غير لذيذ وغير صحي أيضاً. انقطع صوت مروحة التكييف الذي يتكرر بإيقاع ثابت، الإضاءة الحمراء في مفتاح تشغيل التكييف انطفأت. الشباك مغطى بلاصق أسود، الساعة الواحدة ليلاً، عشاء غير لذيذ وغير صحي، ومشاهدة فلم أو اثنين، العودة للنوم. اصطدمت قدمه بصندوق الزبالة، اصطدم صندوق الزبالة بالجدار. معجون الأسنان فارغ، نظف أسنانه بالفرشاة والماء. بصق، سمعت صوت مرور أصابعه على شعر الشارب. في الحمام تسلى برش الماء على جسم صرصور بلا أرجل. وقف يراقب الماء المنسكب من السيفون. رفع غطاء غسالة الملابس، تيشيرت أخضر وسروال داخلي قطني. من أين يأتي الجوع؟ بأصابع قدمه حمل منديلاً ووضعه في صندوق الزبالة. سقطت المنشفة، رفعها بأصابع قدمه ثم بيده اليسرى علقها على المسمار في إطار الباب. لم يعجبه أن يترك باب الحمام مفتوحاً. صنبور الماء الساخن لا يعمل، مرةً في فندق شيراتون المنامة كان صنبور الماء البارد لا يعمل، طلب من عمال الفندق أن يصلحوه. لا يوجد أحد يمكن أن يطلب منه إصلاح الأعطال، لا عائلة ولا أصدقاء ولا عمال فندق. تناول ثوبه ليرتديه، بقعة حبر أزرق صغيرة على كم الثوب، تخسر الحكومة كثيراً من الحبر في ثياب موظفيها. إذاعة مونت كارلو قد انقطع بثها على الموجة المتوسطة 1233، عندما تطلب المذيعة من المستمعين مراسلة الإذاعة على عنوانها في القاهرة يفكر أن يرسل لهم نكتة عن الدين المسيحي. هنا يصل بث الإذاعة المصرية بتشويش محبب. إشارة تنبيه نقص البنزين مضاءة، للخروج للشارع الرئيسي يحتاج لثلاثة انعطافات لليسار. الضوء الأحمر ينعكس على السيارة التي تقف بجواره. موسيقى هادئة في المذياع، آلات شرقية مع عازف قيثارة. صوت احتكاك باطن كفه بالمقود. زجاج محطم، حادث في الساعة التاسعة سائق مصري بسيارة كورولا موديل 1999 ومسن سعودي يقود هايلوكس موديل 1985. شجار لفظي ثم ينتهي كل شيء. ‘‘ بيع الدجاج المبرد ‘‘ مكتوبة على خرقة كبيرة خلف الزجاج. دورية شرطة تمر ببطء، بطء من يقدم على أمر خطير. في المطعم راق مزاجه بالإضاءة، مثل إضاءة حانة. قال لنفسه بربك أين البيرة، ست علب بدوايزر، عشر علب،خمس وثلاثون علبة، مائة علبة، أراهن أن العالم لن يصمد أمام عشر علب، عشر علب ويصير هلاماً. ولن يكون هناك عمل في الغد. قال للعامل الذي له رأس يشبه كرة البولينغ: بيتزا صغيرة. رأس سوداء ومدورة وبدون شعر، مصقولة بدقة. إنها كرة بولينغ حقيقية. رد عليه النقود، خمسة وثلاثون ريالا. رائحة البلاستك الساخن غريبة، في المرآة الأمامية تظهر علبة مناديل خلف مسندة الرأس في المقعد الخلفي. لا يوجد أي سيارة أخرى في الشارع. ماذا يفعل الناس الآن؟ ماذا تظن يا أبله، ينامون بالطبع. قط يتمدد، مشى بمسار مقوس حتى لا يفزعه. انتبه أنه نسي أن يقفل باب الشقة، ماذا لو أن أحداً من اللصوص حاول سرقتي؟ يا له من لص خائب الحظ، بربك ماذا سوف يجد، أو تظن شقتك المحترمة منجم ذهب. أغلق الباب من الداخل بالمفتاح هذه المرة. لو كنت طياراً حربياً، كم هذا ممتع، الحرية والقوة. وهل سوف تتسلى بقتل الناس بطائرتك المحترمة ؟ بحسب من يكون هؤلاء الناس. وتدارك بتأمل بهيج: وبحسب مردود هذه التسلية على مزاجي ربما لا تعجبني. لو كنت طياراً حربياً لما اضطررت للاستيقاظ في الساعة الواحدة. تذكر الآن أن أمه كانت تغلق باب المخزن حتى لا يسرق منها سلك تنظيف الأواني. كانوا في تلك السنين يعجزون عن شراء الألعاب النارية، لذلك كانوا يسرقون من منازلهم سلك تنظيف الأواني، يشعلونه بقداحة مسروقة أيضاً ويدورون به مثل راقص صوفي مبتهجين بالشرار الذي يتطاير. لقد كانت تعجبني هذه التسلية كثيراً. صوت مروحة جهاز التكييف يرتفع مجدداً. و زر التشغيل في اللابتوب يضيء بضوء أخضر خافت. فتح مجلد التنزيلات وثم مجلد ‘‘Into the Wild (2007) ‘‘ أخرج علبة البيتزا البلاستيكية، ووضعها على الكيس. وضع جواله على الشاحن، وقرب منفضة السجائر وجلب علبة كولا باردة من الثلاجة. أبقى من البيتزا قطعتين كاملتين، و الأطراف اليابسة لكل القطع التي أكلها. كانت إضاءة شاشة اللابتوب تنعكس على وجهه وعلى الجدار الأبيض، تنقطع وتعود. المزيد من التبغ، المزيد من الكولا الباردة، المزيد من وضعيات الجلوس المختلفة، و المزيد من انعكاس الإضاءة. شعر بالبرد والنعاس في نهاية الفلم الثاني، قال يجب أن أنام. أعجبه كل شيء في الفلم الأول، وتمنى لو أنه يقدر على تجربة مثل تلك الوحدة. أطبق شاشة اللابتوب دون أن يغلقه. أزاح بقدمه علبتي كولا وكيس بلاستك. السقف الرمادي، وقاعدة الإضاءة التي تحمل لمبة واحدة مطفأة، وفتحات تسليك الكهرباء، البقعة السوداء، البقعة السوداء الأخرى، صوت مروحة التكييف الذي يتكرر بإيقاع ثابت. أعجبه ملمس الوسادة البارد، وقال إنه سعيد، لأنه لم يشعر بمرور الوقت. أزعجته إضاءة الجوال، انقلب على بطنه وعدل بيده اليسرى سرواله وشعر بخدر البرودة يجتاح كل شيء.
– في أزمنة بعيدة كانت الحياة تأتي بالتسلية من كل جهة. كل شيء بقصد التسلية والضحك، تسلية متواضعة لكنها ساحرة ولا نهائية. أما الآن فعليك أن تحفر في الصخر وتنسى وجودك لتظفر بضحكة حقيقية واحدة تسيل معها دموعك. كنت وبرغم كل شيء لم تنتبه لهذا الجحيم الذي تقبل عليه. تتسلى وتضحك، لم يكن معك المال الذي يكفي لأي تسلية مهما كانت حقيرة، في رمضان تسرقون لغدائكم علب التونة و جبنة التشدر المطبوخة. بربك أيها الملعون ما الممتع في أكل تونة رديئة من إنتاج شركة محلية، وجبنة تشدر مطبوخة في مصلى النساء؟ لا أدري لكن ليست المتعة في ذات الأكل بالطبع، بل في طبيعة تلك الوجبة. كان لهذه الوجبة المسروقة سحر خالص لا يمكن مقاومته ولا نسيانه. مازال طعم التشدر في فمي وإلى الأبد، وحرك يده مشيراً إلى لذة عميقة في مكان ما داخله. ما أتفه متعك أيها الوضيع. كل شيء كان يمكن أن يكون موضوعاً للتسلية، ليس الأكل وحده. كان العمال الأجانب والصبية البله هما الموضوعان المفضلان للتسلية. نرميهم بالحجارة أو نسقطهم من على دراجاتهم الهوائية. كانت رؤيتهم وهم يفرون أو يسقطون مسلية للغاية. أراهن أنك سوف تحب ذلك. هل كنت تستمتع برؤية قوتك يا ابن الملعونة؟ لا أدري لم أكن أفكر بهذه الطريقة، كنا نريد أن نتسلى ونضحك. كنا نسخر من الصبية البله، نتنافس في إطلاق التعليقات الساخرة عليهم. لقد جربنا عليهم الكثير من الأمور المضحكة. رش التراب الناعم في أعينهم، خلع سراويلهم بخفة، وحتى إضرام النار في شعورهم. أتذكر كيف وضعت في ظهيرة مملة العدسة المكبرة على رأس عياش الولد المصاب بمتلازمة داون – لم نكن نفهم حينها طبيعة مرضه – حركت العدسة لأضبط تركيز ضوء الشمس حتى بدأ الدخان بالتصاعد من رأسه البغيض، لم أستطع أن أكمل لقد غلبني ضحك هستيري وأنا أشم رائحة الشعر المحروق. يا لكم من أبناء كلاب. لم نسأل أبداً عن أخلاقية ما نقوم به. أظن أننا لن نمانع قتل أخرق ما خنقاً أو ضرباً بالأحذية أو بأي طريقة تجلب الضحك. بربك أليست حياة بهيجة؟
– لا أحب شمس الساعة التاسعة. سلم على سكرتير المدير، قال له: لقد حلمت فيك، لقد كان لك رأس حمار وحشي. وأراد أن يعلق على رائحة التبغ لكنه لم يفعل. بالقلم الأزرق كتب اسمه وساعة الحضور ‘ السابعة والنصف ‘ شعر بضيق وهو يسمع صوت حركة رأس القلم على ورق دفتر التوقيع. قال: كل شيء له صوت لكن من ينتبه. رد عليه سكرتير المدير معلقاً على حلمه بكلام بذيء عن قدرة الحمار الوحشي الجنسية. كانت يديه تتحرك بانفعال. والأوراق على المكتب تحركت بدفع بطنه التي كانت تلامس طرف الأوراق. قلب ورقة التقويم وهو يضحك. قال له: لقد قلت لك رأس حمار وحشي فقط وليس كامل جسمه. من مكتب سكرتير المدير وحتى مكتبه يمر بعدد لا نهائي من الروائح المتداخلة، رائحة المنظفات، الرائحة النسائية لعطور الموظفات، رائحة فم المراسل الذي حيّاه من بعيد، الرائحة المنبعثة من جهاز التكييف، الرائحة المفضوحة لساندويتشات الفلافل، رائحة الأحذية الجلدية، رائحة الحبر الأزرق الجاف، رائحة شمع الأذن، رائحة ورق الفواتير، رائحة التبغ مرة أخرى، حتى يصل إلى رائحة باب مكتبه. اعتاد شرب الشاي بأقل كمية من سكر. رسالة على الفيس بوك في صندوق المحادثة من Caro ph : تمت إزالة هذه الرسالة بشكل مؤقت لأن حساب المرسل يحتاج إلى التحقق. المزيد من الإعلانات في شاشة التلفاز أمامه. تبادل الحديث المعتاد مع رئيس القسم حول أي موضوع تافه، الطقس، مباريات كرة القدم، بشار الأسد، تسجيل فديو لراقصة مصرية، عملية إرهابية جديدة، تعاميم إدارية مكررة، ارتفاع أسعار السيارات، الخ .. الخ .. الخ لاحظ تقشرا في صبغة خرامة الأوراق. أغلق صفحة الفيس بوك. قال للعامل الذي احضر له الشاي: منذ آلاف السنين ولم تتعلم.نظر العامل لكوب الشاي، وحرك رأسه بقبول أبله. قال لنفسه وهو يتذكر شيئاً قديماً ماذا كنت سأفعل بكل ساعات العمل المملة بدون الأنترنت؟ تقشر البطاطس أو تنظف أنفك أو تنام مجدداً، رد وهو يحس حرارة الشاي في مريئه: هل تسخر مني؟ نعم أسخر من حضرتك المحترمة، بربك ماذا سوف تفعل بكل ساعات حياتك المملة والبائسة والتافهة والتعيسة بدون الأنترنت ها؟! لم أفكر في هذا الوضع، لكن بالتأكيد سوف أخترع تسلية ما. يسعدني أن أخبرك أنك لن تجد شيئا سوى الكلام، الجلوس مع أغبياء متخوزقين، النظر في وجوه بعضكم البعض، عرق يتصبب، تكرار القصص الخرافية والواقعية كل مرة بتفاصيل جديدة، تمسح العرق عن جبهتك وتسأل عن الطقس، الأسعار، النساء، الأخبار السياسية، مشاجرة لم تعرف سببها .. الخ من هذا الهراء المحترم وتسمع إجابات لا نهائية وبتفاصيل مختلفة ومتناقضة. وفي أفضل لياليك ستصادفك ‘‘ مية بنات ‘‘ وأنت تلعب البالوت. هل تريد أن تقضي حياتك في الاستراحة تشاهد التلفاز، تتكلم، تدخن، تأكل، تلعب البالوت، تذهب للحمام؟ لا أدري، لم أفكر بهذا الأمر من قبل. على أي حال مهما كان الوضع سوف نخترع تسلية ما. تسلية ما إذاً؟ أنظر لنفسك ياحضرة المحترم لا تفعل شيئا في حياتك البهيجة والممتعة سوى أنك تأكل وتشاهد الأفلام، وتنام. حسنا، كما قلت لك مهما كان الوضع سوف نخترع تسلية ما، تسلية بدون الإنترنت. أنت ابن كلب حقيقي.
لا أحب شمس الساعة الثانية عشرة، لا أحب الشمس بالمطلق. من يحب أن يأكل طعاما غير لذيذ وغير صحي في الظهيرة، عندما خرج من العمل كانت الشمس في السماء والرطوبة في كل مكان. شعر بثقل الهواء الرطب، الهواء الرطب والمتعفن. لماذا أبقى في المكتب. ماذا عن وجبة غداء غير لذيذة وغير صحية، لكنه أراد أن ينام أيضاً. لولا النوم لشنقت نفسي. دار المفتاح في قفل باب الشقة بسهولة. انتبه لخيط أحمر منفلت من الشماغ، عاد صوت مروحة التكييف الذي يتكرر بإيقاع ثابت. الإشارة الحمراء في مفتاح تشغيل جهاز التكييف تضيء. تمدد برضى عميق عن فكرة الخروج من العمل. مر في أذنه صوت حركة رأس القلم على ورقة دفتر التوقيع الأخضر. كانت إضاءة الجوال تنعكس على وجهه، أحس بهواء جهاز التكييف يغمره. ماذا يفعل اذا استيقظ، لو أنه يستطيع أن ينام لأسبوع كامل لن يتردد. السقف الأبيض، فكر في وجوده دون ساعات متواصلة من مشاهدة اليوتيوب، دون مراسلات تافهة ومهمة على الجوال، دون تويتر، فيس بوك، ساوند كلاود، دون تحميل المزيد من الأفلام ضرب سيجارته بطرف المنفضة، ولا نقطة انترنت. قال ببطء الشخص النائم سوف يصير الوجود مملاً، وتحمس لفكرة التخلص من ملايين الجيجابايتات من التفاهات. السقف الأبيض يختفي، أعجبه ملمس الغطاء القطني. ممل لكنه خفيف، ممل لكن خفته تملؤنا بالسعادة، بربك أين هذا الوجود الممل غير الثقيل يا ابن الكلب الحقيقي.
– السقف الأبيض، وقاعدة الإضاءة التي تحمل لمبة واحدة، وفتحات تسليك الكهرباء، البقعة السوداء، البقعة السوداء الأخرى، صوت مروحة التكييف الذي يتكرر بإيقاع ثابت، ماذا يفعل الآن؟ لماذا استيقظ الآن، الساعة التاسعة ليلاً. شعر بإلتواء خفيف في الرقبة، امتلاء المثانة يزعجه. إضاءة شاشة الجوال عالية، الساعة التاسعة وثلاث عشرة دقيقة. ثلاث رسائل على الواتساب. في المرآة أعلى حوض المغسلة السيراميك رأى وجهاً هزيلاً، شرب قليلاً من ماء الصنبور، وغسل وجهه. فكر في القذارات المخاطية العالقة في داخل مجرى الماء. في الحمام لم يجد صرصورا ميتا. انزلقت قدمه اليسرى واصطدمت بالمرحاض، رفع قدمه اليسرى وضغط عليها بيده. غسل يديه بالماء وتكاسل عن تنظيف أسنانه. فتح التلفاز، مذيعة تتحدث بسرعة. أشعل سيجارة، كانت آخر واحدة في علبة الدخان. لم يكن جائعا. رمى علبة الدخان أمامه. مسح بإبهام يده اليمنى شاشة الجوال. ضغط على قدمه اليسرى ليخفف الألم. في التلفاز مباراة من الدوري الإيطالي، لم يعرف هل كانت تبث مباشرة أم أنها مسجلة. عدل جلسته. أعد كوب شاي قليل السكر، لكنه لم يجد النعناع. مذيع مصري يغالبه النوم. علبة دخان جديدة، أشعل سيجارة أخرى. فكر في أن نكهة الدخان تكون ممتازة مع كوب الشاي الجيد. أزعجه ضعف استجابة ريموت التحكم، ضربه بالأرض. انفلت غطاء البطاريات. يأس من عدد القنوات اللانهائي، كتم صوت التلفاز على برنامج من التسعينات يتحدث فيه شخص بلغة مدبلجة عن الألعاب الأولمبية. زر التشغيل في اللابتوب يضيء بضوء أخضر خافت. مسح منتصف شاشة اللابتوب بإبهام يده اليمنى. في أعلى المتصفح كانت علامة اليوتيوب الحمراء واضحة، الصفحة الرئيسية. عدد لانهائي آخر من تسجيلات الفيديو. بحث عن أغنية لأصيل هميم، بعد الدقيقة الأولى انتبه لفيديو على يسار الصفحة لآمال ماهر تؤدي أغنية لمحمد عبده. أعجبه وضوح صوت الإيقاع. تمنى لو أنه في البحرين الآن يستمع لهذه الأغنية، قال لنفسه لقد سمعت أغاني غبية ومزعجة في الحانات التي ذهبت إليها. أريد طاولة في الجزء المظلم من الحانة، اتصال جيد بالأنترنت، ودخان، والمزيد من البيرة، و حينما أجوع أريد قطعة ستيك كبيرة ولا تنتهي مع البطاطس المشوية. شعر بالجوع وقام ليعد لنفسه ساندويتش الجبنة السائلة، لكنه لم يجد خبزاً. لعن، وأخذ كأس الجبنة ليأكلها بالملعقة. شغل جهاز التكييف، وأراد أن يشاهد شيئا قصيرا ومسليا على اليوتيوب. لكن ما هو المسلي يا ابن الكلب الحقيقي؟ شاهد عدة مقاطع لعروض كوميدية لم تكن مضحكة لكنها ساعدت على مرور الوقت. عندما تأكل الجبنة السائلة بالملعقة يكون طعمها ثقيلاً. شاهد مقطع فيديو غريب لرجل يتكلم مع الشيطان، ثم مقطع فيديو لصبية سود يتعاركون في حي شعبي بجدة. رسالة تنبيهية على شاشة الجوال عن حركة البيانات. انزعج قليلاً من طعم الجبنة السائلة. فكر في كوب شاي آخر. في باب الثلاجة وجد حبة شوكولا ماركة reese’s مغلفة بقصدير أصفر، شعر أنه قام بعمل حكيم حينما تركها في المرة الأولى. ابتسم، وفكر في خطيئة الذين يأكلون الشوكولا لسد جوعهم، وراح يأكلها بتلذذ. اتصل بصديق طفولته الذي لم يتصل به منذ مدة بعيدة، أراد أن يسأله عن فرصة قضاء عطلة نهاية الأسبوع في البحرين؟ لكنه لم يرد. لعن صديق طفولته وكل الذين يعملون في الشرقية. تمدد وقرب اللابتوب منه. فتح مجلد الأفلام، أعداد لا نهائية من الأفلام، من الافلام الهوليودية التجارية وحتى الأفلام الأوروبية المستقلة. فكر في مشاهدة فلم عن الحرب العالمية الثانية، أو يعيد مشاهدة فلمه المحبب mary and max . لكنه تراجع عن كل هذا وبدأ بمشاهدة مسلسل Peaky Blinders بعد أن تذكر التوصية المحفزة التي قرأها عن هذا المسلسل. بدون عشاء هذه المرة شاهد ثلاث حلقات متتابعة من الموسم الأول، كانت إضاءة شاشة اللابتوب تنعكس على وجهه وعلى الجدار الأبيض، تنقطع وتعود. المزيد من التبغ، المزيد من الكولا الباردة، المزيد من وضعيات الجلوس المختلفة، و المزيد من انعكاس الإضاءة. شعر في تلك اللحظة بتخفف من كل شيء، موجه هادرة من الطمأنينة تغمره. قام ليتبول، في الحمام استغرب كيف يجعله هذا الاستغراق في المشاهدة بهذا المزاج الممتاز. كان كمن أدرك معنى لوجوده. برغم عدم إدراكه أي شيء واضح. لم يشعر بالجوع، ولا نقطة جوع واحدة، أراد أن يكمل المشاهدة إلى ما لانهاية. المزيد من المشاهدة بربك. شاهد الحلقة الرابعة، ضغط بإبهامه وسبابته على عينيه، الحلقة الخامسة أيضاً. لقد تأخر الوقت. قال في نفسه: أكمل مشاهدة الحلقة السادسة وأنام. أكثرت من شرب الكولا، أنزعج من حاجته للتبول مرة أخرى. في الحمام قال له وهو يتبول واقفاً: هل تعرف يا ابن الكلب أنك تافه ؟ تافه من الدرجة الأولى. لا تفكر إلا في التفاهات التي تشبهك. أنت فارغ إلا من الفضلات التي في أمعائك. ماذا تريدني أن أفعل؟ هذا هو الوضع على أي حال. ماذا تفعل؟ أخرج واقتل أحداً ما، ألن يسليك هذا؟ لا، أريد أن أنام الآن. لما خرج من الحمام كان يحس بصداع وألم في عينيه، من كل قلبه أراد أن ينام نوماً أبدياً، تمدد بخشوع وهو يفكر في رحلة أخيرة للبحرين قبل أن ينام هذا النوم الأبدي. السقف الرمادي، وقاعدة الإضاءة التي تحمل لمبة واحدة مطفأة، وفتحات تسليك الكهرباء، البقعة السوداء، البقعة السوداء الأخرى، صوت مروحة التكييف الذي يتكرر بإيقاع ثابت.
.