إيهاب خليفة - طائر مصاب بإنفلونزا.. شعر

مارًّا علي المحيطِ،
لآخرِ مرةٍ،
لا سحابَ أكبرُ من دمع ٍ،
صنعَ الثلجُ مذبحة بالعشبِ الذي أحبني
شجرةُ الحلمِ دُفِنتْ حَيَّة ً
في البياض ِ،
أعلمُ أنَّ علي الشاطِئ ِ الآخرِ شَرَكـًا،
أعلمُ أنَّ بمجردِ هديلي سيبدأ العرضُ العسكـري ُّ،
أعلم أنَّ السماءَ ستسقط ُ مغشيًّا عليها،
والتراجيديا ستنظرُ مِنْ بين ِ الكواليس ِ،
وينشـقُّ قلـبُهُا،
وهي تبصرُ بقعة ً منَ الدَّم ِ الحقيقيِّ علي ريشةٍ سقطتْ
قبلَ أنْ تبلغ َ الستارَ.

مارًّا علي المحيطِ لآخرِ مرةٍ ،
هنا صيَّادونَ يستأصِلونَ الزرقة َ،
هنا عملياتُ تـسريع ٍ،
هنا أراجيحُ تــَـنـْسَى،
هنا بين موج ٍ وآخرَ،
شباكٌ تلقِي مواعظـَهَا للغيابِ .
وُلِـدْتُ في غيمةٍ،
سأموتُ في غيمةٍ،
غيمتي الثانية ُ ليستْ كغيمتي الأولى بِحال ٍ
غيمتي الأولى غيمة ٌ،
غيمتي الثانيةُ ليستْ غيمة ً بحال ٍ.

لسْـتُ خرافيـًّـا،
بجناحَيْن ِ أسطوريَّـيْن ِ،
ولا لِي منقارٌ كَقراراتِ السياسيينَ،
ولا لِي مِمَّا يُصْنعُ مِـنهُ حَمَّالاتٌ أثداءِ الأميراتِ ريشٌ،
ولا لوني نمقَهُ قوسُ قزح َ،
ولا هديلي هديــل.

...
لكنني ما نمْتُ مرة ًعندَ جـــــذع ِ الموعظـــةِ،
ولا أرسلـْتُ العِمْـيانَ إلى كهـفِ خفافيـــشَ,
كما أنَّ الشمسَ التي كانتْ تمـسحُ بلاط َ وحدتي،
لمْ تخرجْ منْ عندي لِتعملَ في ماخورٍ,
الليلُ الذي رافقني كَعُقابٍ
لِيُرِيَنِي أنَّ الحياة َ
تبيتُ في مخدع ِ مَنْ يدفعُ أكثرَ
وفراشاتِ الأنوثةِ لا ترفُّ
إلا على مومياواتٍ بلا رحيق ٍ
ذلك الليلُ لم أطعـنـهُ ولم يطعـَنِّي,
لكنناـ أنا وليلي ـ
وُجِدنـَا في مَركَبٍ مجهول ٍ،
وقدْ قـُطِعَتْ أصابعُنـَا
ودمٌ كثيفٌ في الشباكِ.

)كنْتُ ذاتَ يوم ٍ
منْ لحم ٍ وضغائنَ.
كنتُ ذاتَ يوم ٍ
منْ مكائدَ و دم ٍ.
حبسني الظلُّ هاهنا,
فارتختْ يدايَ ،
وانكمشَ قلبي ،
ونشأتْ لي حوصلة ٌ...(
سَيُحَرِّقُونـَهُ
لأنـَّهُ أخرجَهُمْ في حزن ٍ ماطرٍ كهذا سيحرقونه
لأنهم يضعونَ أباطيلـَهُمْ في كِفَّةٍ،
وهو في كِفَّةٍ غيرِهَا.
لأنه بوابة ٌ ...
في الجدارِ الوحيدِ الذي يريدونَ سدَّهُ.
لأنه جسرٌ ...
فوقَ نهرٍ أخيرٍ يريدونَ عزلـَهُ...

كلُّ التفاحاتِ طارتْ لأعلى،
الناسُ صارتْ تمشطُ رؤوسَهَا لأعلى،
خرجَ الموتى
بأكفانِهـِمْ قائلينَ: سئمنا متابعة َأفلام ِالكرتونِ،
الفأرُ تجشَّأ، والقطُّ اختبَأ,
أخذوا عصائرَ وقشـَّرُوهَا,
فلمْ يجدُوا فِيهَا لـُبًّا, فجُنَّ مَسَاؤهمْ,
أخذوا الأحبـارَ
وأرضعوها لبيتِ الفم ِالكسيرِ,
ولم يَهْدَؤوا حتى بالوا على تماثيلَ تذكاريةٍ,
ونصَّبُوا لمدينةِ الليلِ،
ذاتِ الأظافرِ المسلـــيةِ
صاحبَ أفضل ِكفن حاكمًا عليها، ماتَ الزمنُ متوكئا, وظلَّ متوكئا حتى جئنا، وأكلنا مِنْسَأتَهُ, فخَرَّ,

وامرأة ٌألقمتْ ثدْييْهَا ِلشجرٍ لا يحبو, فنبتَ الدودُ في الملح ِ, ونحن أخذنَا بلحيةِ السأم ِ نجرُّه إلينا, وعكفنا على وخزٍ مسَّهُ المسخُ, وجعلنا كلمة َ الليل ِ هي العليا، عندها بدأتِ المحرقة ُ...
لأنَّ النسيانَ سرقَ حقائبَ دبلوماسيينَ واطـَّـلعَ
لأن الأرضَ دارتْ بعكس ِعَواطفِهـِا،
فانسكبَ كلُّ شيءٍ على كلِّ شيءٍ.
لأن التداعِيَ يجوبُ الميادينَ بِملابسَ خرقاءَ.
لأن كلَّ شيءٍ بالَ على كلِّ شيءٍ.
لأن النهارَ بدأ تقاعدَهُ في مجرةِ عميان ٍ.
لأن الليلَ أسلمَ نفسَهُ للنعاس ِ
على مقهى البحرِ.
لأن الماءَ تجلط َ والدمَ تدفـَّقَ.
لأن حياة ً على إفريزِ المجرةِ،
تبكي وتهدد ...

أحرقوني إذن
بالشجرِ الذي كانَنَي وكنتهُ
بالنسيم ِ الذي زارني وعاد سالمًا
بالعشبِ الذي عَلِقَ بأوتارِهِ قلبي
حينَ كنتُ ألتقط ُ الحُبَّ
وأنتظرُ المساءاتِ ...

المسلخُ توسَّـلَ لِي قبلَ المحرقةِ،
توسَّـلَ لي
بأناملِهِ ذاتِ الشفـرةِ الرقيقةِ، بحداثـيـَّتِهِ،
بلذةِ الذبيح ِ إذ يتركُ نظرة ً هائمة ً
تعـذبُ الذابحَ،
توسلَ لي بفلسفةِ الحزن ِالمُرَاق ِ،
عَبْرَ قرون ٍعدةٍ،
بتريليوناتِ الخوافي والقوادم ِ
التي استسلمتْ
فإنهُ مِنْ أجلِ حياةٍ أيًّا كانَ شكلُهَا
ـ إذ حينَ يرتبطُ الأمرُ بالذينَ يمجِّدُونَ الأزهارَ،
و الخداعَ.
بالذينَ ينحتونَ القيمَ المطلقة َ،
ليبولوا خلفَهَا،
فإنَّ مَنْ يملكُ التبريرَ
يظلُّ أطولَ وقتٍ ممكن ٍ في اللعبةِ.

قال لي المذبحُ:
لا تَكُنْ منطقة ًمنزوعة َ السلاح
قال لي:
غَنِّ للجسورِ ثمَّ اقطعْهَا
قال لي:
إذا كنتَ مقنعًا أو مقتنعًا فأنتَ إرهابيٌّ
قال لي:
أنْتَ بيئة ٌ صالحة ٌ للحفرِ
قال لي:
صافح ِ الآخرينَ بسكين ٍ
قال لي:
لا تؤجِّـلْ جرحَ النهارِ إلي الليل ِ
قال لي:
المصطلحُ يا عزيزي مُومِسٌ
قال لي:
استظل حين ينحسرُ الظلُّ
في العراءِ المطلقِ بِكْ.

مِنْ أيِّ فردوس ٍ، نَبَت ذلك الشيطانُ الـــــذي يدخنُ، ويمضغُ العلكَة، ويتبولُ في النافورةِ دمًا.
من أي جحيم ٍطُرِدَ ذلك الطيفُ الــــذي لا يدخنُ، وتمضغهُ العلكة، وتتبولُ النـــافورة ُ في فمِهِ وطنـًا.
والنافورة ُ التي ارْتَدَّتْ حديقة ً، جاءَهَا غرباءُ يمسكونَ العزلة َ مِنْ ذيلِهَا، ويصطـــــادونَ ملائكة ً بِخيوطِ العناكبِ، ثم يتقامرونَ علـى قلوبٍ ملأى بالفراشاتِ، وفي النهايةِ ينهضُ سكيرٌ، ويطوي الحديقة َ، كأمسيةٍ فاتتْْْ، ثم
يمضي
لِينامَ
عندَ
قطارِ
النفق.

الأفقُ الذي أضيعُ فيهِ كإبرةٍ،
الأفقُ الذي أقصَى أمانِينَا أنْ نتحابَّ بدفئِهِ،
الأفقُ الذي تجرُّهُ اليابسة ُ خلفَهَا،
كذيلٍ لا نهائيٍّ
ذلكَ الأفقُ انتبهَ على يدٍ تـُقطـَعُ،
و سماءٍ تسيرُ بلا ملا بسِهَا،
وقمرٍ يُقتَادُ إلى سجونٍ سريةٍ،
حتى
يُدْلـِيَ
بأقوالِهِ
عن
طائرٍ هاربٍ...

اِنشغلوا إذنْ
بتخزين ِالصدمةِ في آبارٍ تفنى،
انشغلوا بترميم ِ الشفقةِ أو رجمِها،
انشغلوا بصفع ِالزمن ِعلى قفاهُ،
بعدما تبينَ أنَّ ملابسَهُ الخرقاءَ،
ذاتَ الأكمام الطويلةِ،
وتهتهتهُ مجردُ كمين ٍ.
انشغلوا بمراسم ِ دفن ٍ بعد حداثيةٍ،
إذ تُوضَعُ القلوبُ
كلُّهَا
في مقبرةٍ،
والرئاتُ كلُّهَا في مقبرةٍ،
والمؤخراتُ كلُّهَا في مقبرةٍ.

ليتَ المحيط َ قطرة ٌ،
أحسوها،
وأضع لؤلؤَهَا بقلبي.
ليتهُ عشبة ٌأحملُهَا تحتَ جلدِي.
وأصنعُ منها عُشِّيَ الأخير.
ليتهُ قمرٌ يغيب ُأكثرَ ممَّا يسطعُ،
ما كنـْتُ أحببـْتـُهُ.
ليتهُ يسحبُ شالـَهُ الأزرقَ
حيثُ يكمنونَ
فيغمرَ أبصارَهُمْ بالزبدِ.

لو ترحلونَ دُفعة ً واحدة ً
لا توسِّخونَ الذكرى،
يتمثـَّلُ لكم النسيانُ بشرًا سويـًّا،
لا تفزعونَ في ليلِ عثرةَ الريح ِ بـِأباطيلكم.
لو ترحلونَ دفعة ً واحدة ً
يهدأ عطبُ المهدئاتِ مِنْ صُدَاع ِ اليابسةِ،
لا تبولونَ على سَجَاجيدِ عفوٍ، ولا
تحطمُونَ مزهريَّاتِ بكاءٍ، ولا تنهضونَ
على دقائقَ تموتُ
بأزماتِ بوح ٍ بينما جثثٌ
مبهمة ٌ تـُلقـَى مِنْ نوافذِ الســـــهو.
لو ترحلونَ دفعة واحدة
لا تلتفتون إلى أيام ٍ تجلسُ مبتورة َ البصرِ،
ولا تقدِّمُونَ المَحَالِيلَ كعِلاج ٍ لليتم ِ،
بينما جذع ُ المُخِّ ميتٌ.

إذنْ سأشعلُ نفسِي
وأهبطُ في مجرَّة ٍ مِنَ القشِّ،
ليسَ ذلكَ قيـــامة ً لشيءٍ،
غيرَ أني أخبركم أنه
كمــا يكونُ بوسع ِإبرةٍ أنْ تخيطَ وتفقأ،
و بوسع دمـــعةٍ أنْ تفتتحَ نهرَ التشنجاتِ،
في مساءِ الفرح ِ،
وبوسع تمتمةٍ أنْ تركضَ بقلبِ عجوزٍ على زمن ٍ بجناحين ِ،
فإنه بوسعِ طائرٍ
مهيض ِالجناحين
أن يفعلَ بكم
الكثيرَ

كعاملٍ بنجاليٍّ مشنوق
أمام مشيئةِ الكفيل ِ
معهُ حزمة أهدابٍ يابسةٍ،
معهُ تحتَ جلدِهِ ركض ٌ،
معه ُغرابان يتقاتلان في قلبهِ،
معهُ خميرة ُ ليلٍ فرنسيةٍ،
معهُ ريشة ُ طاووس ٍ فرَّ من غابةِ زوارٍ
وراحَ يصخبُ قبل أن تدوسَهُ شاحنة ٌ،
معه أمواسٌ مثلومة ٌ بين جفنيهِ...
كالاستئذان ِعلى أفعى
كيفَ يكونُ

وانتبهْ
أنتَ خرجتَ إلى العالم ِ بلا سُترةٍ.

وانتبهْ
أنتَ منذ مولدِكَ وأنت تخوِّضُ في حائط ٍ.

وانتبهْ
أنتَ ترشُّ الأسِرَّة َ ظنـًّا منكُ أنها قبورٌ.

وانتبهْ
أنتْ تنامُ على نجفةِ البهو،
وتسيرُ على ماءٍ،
وتغفو
في
صدفةٍ
بالأفق ِ.

خارجينَ مِنَ الكهوفِ إلى الثلج ِ،
كلمتنا المشاعلُ
أنْ عودوا مِنَ التيهِ قبلَ المساءِ،
المعاطفُ شفة ُ الاطمئنان ِ،
النهمُ أمامَكم،
و وخزٌ طويلٌ مِنْ ورائِكم،
سنرشُو ذلك الإيحاءَ
بكمائن ِ اليقظةِ
سنصطادُ دهشة َالثعالبِ ذاتِ الفرو،
وتكلمنا أعينُهَا عن البياض ِ
الذي جمَّدَ الروحَ،
والأفواهِ الفاغرةِ على إيحاءِ اللاإيحاءِ،
النباحُ يدٌ
وبصيرة ُ اليتم ِ لا حد لها.

أحملُ الموتَ مَعِي أخيرًا
أنا والموتُ رَفِيقانِ
أخيرًا.
سأقدمُ لهُ البيرة َ،
سيقدمُ لي النعناعَ،
سآخذهُ إلى غابةٍ،
سيقتادني إلى المحيطِ،
سأصحبُهُ إلى الملاهِي،
سيقحمني في آلةِ الزمن ِ،
سأجرُّهُ إلى المَرقص ِ،
سيسحبني إلى الصلاةِ،
سأشتري لهُ جلبابَ الأكمام الطويلةِ،
سيشتري لِي لوزة ً بيضاءَ،
سأقولُ له: أنا البروروكو،
سيقولُ لِي: أنا التسونامي،
سأضعُ له المخدِّرَ في الزمن ِ،
سيرمِي لِيَ اللذة َ في اللامكان ِ.

فجأة ً بحيرة ٌاستوائية ٌ منْ تحتِ قدميَّ،
شلالٌ جارفٌ
خطَفَ قاربَ قلبي، ومضى
أشجارٌ برتقالٍ
قطعتْ رقبة َ الليل ِ بقصافةٍ ،
غابة ٌ
تستظلُّ بشمسيِّةٍ،
وسماءٌ تعزفُ
وشْـوَشَـاتٍ
فرحة ٌ خالصة ٌ
وأنا أحركُ جناحيَّ،
فـَيَخْفِقـَان ِ في الزَّبـَدِ،
وأكادُ أطيرُ
أكاد ُ
أطيرُ
فعلاً.

مارس 2006

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...