ولما قال لي أبي عابثا ستكونني في يوم من الأيام ، إن لم تكن أيامك كلها لي .. فتصريح الدفن الذي بيدك ليس إلا ورقة .. شهادة الوفاة ورقة . اعلان الوراثة .. وما تعايشت عليه من سيرتي وبعض من ملامحي وثقافتي ومقاومتي إلا أنك أقل حيلة مني وليس لك إلا أن تحلم وتدعوا وأنا عن نفسي لن أتركك تدعوا منفردا وسأكون متوسلا لله حتى يستجيب أمنيتك ويريك العالم كما تبغيه وكما يليق بمعرفتك .. وفي يوم الجمعة التي فيها ساعة اجابة ستخرج روحي التي تحمل دعوتك الى الله وهي في حسرة وغرابة ووحشة ومهابة لن تتوانى في أن تؤدي آخر أمن أبوي لك يا جابر بما أنك اتهمتني بكراهيتي لما دائما تشرد فيه من خيال الشعراء وأن ما تضيعه من عمرك سدى فليس أمامي في رحلتي الأخيرة إلا أن أدفعك إلى حلمك الذي سكنته حتى اسكنتني فيه بين برواز الكلمات ..منعطفات الحروف وأوجاع الوصف والمشاهدة .. فلا هروب من القدر ولا غدر أكبر من غدر الشيطان .. ذلك الذي يعني أنك في حالة فصام بعد أن صعدت روحي إلى بارئها .. استثمر هذا الفصام في أن تحلم .. أن ترسم لك حدث غير الذي يهز ضفيرة روحك ويخرسك حتى وأنت تتكلم يعميك حتى وانت ترى .. أحدهم جاءني .. لا أعلم إن كان ملاك أم شيطان .. جني أم بشري أم شبح ضللني .. كان ينام في عقلي الباطني واستيقظ الآن بعد موت أبي وقال لي لك أن تستخرج من نفسك جسد إضافي إن ماتت نسخة جسدك الأولى تعيش النسخة الثانية على أن تنتهي صلاحيتها وتتطاير كالدخان بعد أربعين يوما من موت النسخة الأولى .. هل هذا علم أم حلم .. لا أدري .. المهم أنني كنت على يقين أن كل ما أحسه هلاوس سمعية وبصرية .. الصدمات النفسية تؤدي إلى ما هو أكثر .. وقد جاء الموت فاجعا فليس على المضطرب من حرج .. لكن أمام الموظف المختص صورتان من بطاقتي الشخصية بصفتي مبلغ عن الميت وصورتان من بطاقة المتوفي وأصل بطاقتي الشخصية وأصل بطاقة المتوفي وأصل التقرير الطبي الموضح فيه سبب الوفاة أمام الموظف وبعد أن كانت الساعة مقبلة على الرابعة عصرا وبد أن كان الموظف وحدة ينشب عينيه في جهاز الحاسب الآلي ليدون المواليد والوفيات .. تحيتي المصحوبة ببرقية واسطة تعمل بالادارة الصحية كان الاسم معروف لدى الموظف المختص وعلى هذا الأساس انصرفت عينيه عن شاشة جهاز الحاسب الآلي ووردت في مودة مستفسرة تحيتي .. وقد أمسك الأوراق ليقرأها ويؤدي المطلوب في اهتمام غير متكلف . ثم يعيد إليّ الأوراق مصحوبة باسنفسار استنكاري .. يا أستاذ جابر أليس اسمك جابر .. نعم .. اسمي جابر .. ثم أراد أن يستفهم فاستنكر : لا – لا .. أريد صورتين من بطاقة المتوفي .. أليس والدك أنت تعجلت وصورت بطاقتك الشخصية أربعة صور .. ارجع وصور بطاقة المتوفي صورتين .. لا – ثم صمتت وتكلمت مجبرا .. أقصد مددت له التقرير الطبي .. هذا كل ما يمكنني فعله الآن وأولا قبل أن يدب الشجار ويرمي بي مصاحبا أوراقي إلى خارج باب المركز الطبي .. بره يا استاذ .. متعفرتنيش .. والله أنا المتوفي .. أقسم لك بكل عزيز وغالي والنبي ومن نبى النبي أنا جابر ابن السيد ابو جابر وأبناءه التسعة وحفيد السيد أبو أبو جابر وأولاده الستة أريد تصريح الدفن من فضلك وغلاوة الاستاذ ورداني اللي بيشوفلك الخصومات والمرتب ويستعجلك صرف حقوق العمل بالجمع والعطلات الرسمية .. أنا مستعجل عايز أدفن نفسي .. أقصد نسختي الأولى .. اللي توفاها الله منذ ساعة ونصف .. أتوسل إليك يا غالي ربنا ما يعريلك جثة .. أذاي .. وصرخ الموظف المختص وقال : حرام عليك .. أنت مجنون . روح اتعالج وبعدين ادفن .. أمشي بره – بره . وكان ثائرا وأنا باكيا وفي حاجة ماسة إلى تصريح الدفن