سفيان صلاح هلال - الشيطان تحت أظافرkg2

استدعاني أحد الأصدقاء وهو عالم الآثار المبشر بالخير/سيد عبد المالك؛ للاستفادة من خبرتي في الأخشاب وتصنيعها، ومعرفتي أماكن شراء مواد أخري؛ لترميم بعض أثارنا. وأخبرني أن القائمين على الترميم خبراء أجانب؛ لهذا عليّ الالتزام، والخروج من دوائري المعتادة في التعامل، الحق أن التعامل سار في طريق جيد، ربما عكرت صفوه أحيانا الدقة التي اعتبرتها أحيانا بأنها ضيق أفق ما دام يمكن الوصول لنفس النتايج بالبديل، لكن الأجانب بشر مثلنا منهم عاشق عمله، ومنهم المجبر عليه، ومنهم المعقد الكِشَرِي، ومنهم الرومانسي، وأيضا الغبي، أوضارب المخ. كنت أعمل مع مهندسة في منتصف العقد الثالث، تفيض حيوية "فشر" نمرة مطلوقة في الغابة، غير أن العمال يرون أن مخها "ترللي"، فهي تسقيهم العاكر بدوده في الوقت الذي توفر كل حنانها للجراء الصغيرة الهائمة في الصحراء، والحق لإني ضيف غير معتاد كنت أتجنب التوسع في التعامل معها، حتى اكتشَفتْ اسمى، وعجبَتْها موسيقاه؛ فراحت كل حين من الوقت تناديني: "سُفُيان" ، ثم تطلب ما تشاء، وتوسعت حلقة التعامل حتى تحرر التعامل بيننا لدرجة كبيرة، فعدت إلى سخريتي وعشوائيتي في الردود والتعاملات، حتى أنها طلبت مني في أخر يوم عمل طلبا فقلت لها: "غدا إن شاء الله، فاليوم لن يكفي"؛ وإذ بها تستشيط غضبا وترد بانجليزية تجمع بين الطفولة والصرامة والغضب" نُتْ إن شاء الله، أنا فلانة، أنا واثقة من نفسي، أنا هاعمل كذا" ممما جعلني أرد ساخر: "يا شيخة يارب تموتي" وضحكت... أما الطامة الكبرى فكانت يوم أن رأيتُ عقربا يخرج مشهرا ذيله ويجري مثل "لودر" صغير على الأرض متحفزا لإرسال أي إنسان يقابله للآخرة؛ وإذا بي أمسك خشبة وأهوي بهاعليه عدة مرات، والبنت تصرح وتصرخ" نُو، نُو، نُو" وتضع يديها على أعينها حتى أنهيت المهمة، وإذ بها تنهار، أنا ظننت أنها انهارت من رؤية العقرب، لكني اكتشفت أنها انهارت من قتلي للعقرب! كادت في هذا اليوم تقدمني للمحاكمة، لولا تدخل صديقي عالم الآثار الذي أفهمها أنه لم يخبرني أن أتجنب قتل أي شيء أمامهم، ولطف الجو بضحكة ناعمة وأخبرها أن معي طفلة تشبهها تماما ولا شك أن في أصولي شيء أوربي، عاد الجو لطيفا ورأت أن تسامحني على شرط أن تزورني وترى بنتي التي تشبهها، مما دعاني لنسيان المشكلة والتعليق: " لما أنتم حنينين قوي كده أمال اللي بيتقتلوا بإديكم وسلاحكم في بلادنا دول ليه؟". لكزني صديقي وقال لي: "إنها قد تفهم كلامي، خلي يومك يعدي على خير"؛ فسكتت على وعد بمقابلة بنتي التي تشبهها.
ارتبك الشارع بوصول نمرة أوربا مع صديقي الأثري، لكن سرعان ما انتهت هذه الربكة وتحولت لتهامسات جانبية مع دخولهم منزلنا، جلسنا في بهو المنزل، وبدأت طقوس الاستضافة وتبادل الأحاديث، وفجأت جاءت "ليلى" –والتي قال عنها الصديق إنها تشبهها- من الحضانة ومعها بعض صديقاتها، دخلن مقتحمات كأنهن لا يرون أحدا، وليلى تقول لي
-: "يا بابا لازم تقص لنا أظاقرنا"
قال لها صديقي: "مش تسلمي الأول يا ليلى!"
بان على وجهها الكسوف وبدأت بالسلام على الجالسين. استدرجتها النمرة وربتت على كتفها وقالت: "حقا إن فيها ملامح أوربية" ثم بدأت تستخدم صديقي كوسيط مترجم وتفهم ما يحدث... عادت مرة أخرى تسأل بنتي - ماذا تعلمتم في الحضانة اليوم؟
- دعاء دخول الخلاء
- ماذا تعني مستر "سيد"
- هذا موضوع خاص بتعاليم ديننا، -وماذا يعني؟ شرح لها فتعجبت ودار حوار فيه استغراب واستهجان ورفض وتسوية.....
- وماذ كنت تطلبين بفزع الآن ليلي حين دخلت؟
- قص أظافري. تحسست النمرة أضافر البنت وهي تسأل متعجبة
- لكن أظافرك صغيرة
- المعلمة قال لنا: إن الشيطان يسكن تحت أظافرنا لو طالت قليلا.
دارت رأس البنت الأوربية وأحسست بها مثل راديوا تداخلات موجات إذاعاته ...!
ثم انفجرت فيّ
- "سفيان"، كيف ترسل بنتك الطفلة لمكان يخرب لها عقلها؟
- يعني هوديها فين؟
- هل كل الأماكن عندكم تعلم هكذا؟
- ربما توجد أماكن ليست هكذا لكنها قليلة وغير متاحة إلا للأعنياء
- ما دخل الغنى والفقر بمناهج تعليم أطفال
- هذه حضانات تمولها جمعيات أهلية للفقراء
- سفيان أنت متعلم ومثقف كيف تسكت على هذا؟ أنت غير أهل لأبوة هذه البنت الجميلة، أنا سأحاكمك وسأحاكم الحضانات
- اهدي شوية يا بشمهندسة، انت كده هتحاكمي البلد كلها. استشاطت غضبا وهي تخرج صارخة مجانين مجانين، وصديقي يجري خلفها محاولا لملمة الفضيحة.


التفاعلات: ليلى منير أورفه لي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...