في ذلك الزمن البعيد ، الموغل في القدم ، إصطحب درويش إبنه معه خارج المدينة .
كان الأب يلبس جلباباً عتيقا لكنه نظيف وتفوح من نسيجه رائحة الخزامى، و يرتدي قميصاً تقليديا برزت ياقته البيضاء من عنق الجلباب ، أما الإبن فكان يلبس جلباباً على اللحم يصل حتى منتصفي ساقيه النحيلتين كساقي لقلاق لم ير النعمة ، وكان الجلباب نظيفا كجلباب والده ، و الولد ممخطاً ، ومن حين لآخر كان والده يمخطه بمنديل ويطرد عن أنفه الذباب الذي شكل بؤرة حول ثقبيهما ، غير أن الذباب لم يكن راضياً عن الدرويش نظراً لتدخله السافر ودوده عن أنف طفله ومنعه عنهم حتى لا ينكشوا داخله كما شاؤوا.
ـ هل هناك برتقال كثير في الحقول التي نقصدها يا أبي!؟
ـ هناك خير كثيرسنملأ منه السلة التي تحملها ونأكل منه حتى نُتْخَمُ .
ومتى نصل حقول البرتقال ؟
قريباً ، إن لم يعترض طريقنا لصوص .
ـ وهل هناك لصوص في الطريق ؟
اللصوص يا إبني !يوجدون في أي مكان .
ـ وكيف هم اللصوص ؟ فأنا لم أرهم قط ، لكني سمعت عنهم في المسجد من أحد أترابي وقال عنهم أنهم يحملون أكياساً يسندونها على ظهورهم ويدسون أكفهم داخل قفازات مطاطية ويخفون وجوههم خلف أقنعة جلدية.
ـ هذا صحيح يا ولدي ، لكن سيأتي زمن يكون فيه اللصوص أنيقون و مهذبون ، وَسَافِرُو الوجوه لكنهم يختفون خلف قناع الكلام ، يرفلون في الحرير ويدخنون الغلايين ، لكن ليس كالغليون الذي يدخنه خالك والذي يخنقك دخانه ويثير لديك سعالاً مصحوباً بضراط .
ضحك الطفل (ها ها ها ) .
ـ دعنا الآن من اللصوص و لْنَسْترح بعض الوقت و أطرد هذا الذباب اللعين عن أنفك حتى لا ينتزعه منك ، وهذا ما يبدو لي من خلال الكيفية التي يقع بها عليه، و بعد ذلك فكر الدرويش بينه وبين نفسه
<<منذ خلق الله الأنوف ، خلق الذباب وجعل له أجنحة وجعله أكولاً وَ ملحاحاً لا يكف عن الطلب >>
واستمر يفكر في غير الذباب ، وابنه يشكل على قيد خطوة منه حدبة للأرض ( هكذا فكر الطفل) من الأحجار و يقفز من عليها ويتخطاها .
شيء ما ، قطع تفكير الرجل إذ إنتصب هذا الاخير فجأة و دعا إبنه إليه ثم أجلسه أمامه كأنه يريد أن يحلق له رأسه ، و أخرج من جرابه شريطا من الكتان ، أحاطه حول عيني إبنه.
ـ ماهذا الذي تفعله ، يا أبي !
ـ إني أسمع خطوات لصوص تقترب ، وها أنا أستعد لذبحهم ولا أريد منك أن تشاهد دماءهم فترتعب ، بعد ذلك أخرج الرجل سكينا من جرابه ثم قربها من عنق الطفل دون أن يلمس النصل عنقه.
ـ هل قتلتهم يا أبي ؟
ـ ما زالوا بعيدين عنا .
إنتظر الدرويش إشارة ما تبشره بقدوم الملاك ليزف له البشرى ، لم ينتظر طويلاً ، فسرعان ما ربتت كفٌّ على كتفه ، ودون أن يلتفت خلف ظهره ، قال :
ـ أنا لن أقنع بأقل من كبش كبير يطعم قرية ، وهذا ما إشترطته زوجتي .
ـ آ الشريف !! عن أي كبش تتحدث ؟
ـ هذا ما قلته لك ولن أتراجع عن قولي قيد أنملة .
ـ إلتفِتْ أولاً !
إلتفت الرجل خلفه ، كان الذي يواجهه الآن ، شرطياً من شرط السلطان ، و لا يدري لماذا بدت له رأس هذا الأخير غائبة تكاد تكون في السماء ، ومن على جانب خصره الأيمن تدلت هراوة غليضة . وقف الكلام في حلق الدرويش .
ـ ماذا تفعل أيها السيد؟
ـ ها أنت ترى ما سأفعله بإبني في يوم العيد هذا ، وكنت أنتظر ملاكاً يمدني بكبش للأضحية ويحول دون إراقة دمه .
ـ أيها الشيخ ! ..ستنتظر عبثاً شيئاً لن يأتي ، وإذا أردت التضحية بإبنك ، فانتظر حتى يدبح السلطان أضحيته ثم إفعل ما تؤمر .
أحماد بوتالوحت
كان الأب يلبس جلباباً عتيقا لكنه نظيف وتفوح من نسيجه رائحة الخزامى، و يرتدي قميصاً تقليديا برزت ياقته البيضاء من عنق الجلباب ، أما الإبن فكان يلبس جلباباً على اللحم يصل حتى منتصفي ساقيه النحيلتين كساقي لقلاق لم ير النعمة ، وكان الجلباب نظيفا كجلباب والده ، و الولد ممخطاً ، ومن حين لآخر كان والده يمخطه بمنديل ويطرد عن أنفه الذباب الذي شكل بؤرة حول ثقبيهما ، غير أن الذباب لم يكن راضياً عن الدرويش نظراً لتدخله السافر ودوده عن أنف طفله ومنعه عنهم حتى لا ينكشوا داخله كما شاؤوا.
ـ هل هناك برتقال كثير في الحقول التي نقصدها يا أبي!؟
ـ هناك خير كثيرسنملأ منه السلة التي تحملها ونأكل منه حتى نُتْخَمُ .
ومتى نصل حقول البرتقال ؟
قريباً ، إن لم يعترض طريقنا لصوص .
ـ وهل هناك لصوص في الطريق ؟
اللصوص يا إبني !يوجدون في أي مكان .
ـ وكيف هم اللصوص ؟ فأنا لم أرهم قط ، لكني سمعت عنهم في المسجد من أحد أترابي وقال عنهم أنهم يحملون أكياساً يسندونها على ظهورهم ويدسون أكفهم داخل قفازات مطاطية ويخفون وجوههم خلف أقنعة جلدية.
ـ هذا صحيح يا ولدي ، لكن سيأتي زمن يكون فيه اللصوص أنيقون و مهذبون ، وَسَافِرُو الوجوه لكنهم يختفون خلف قناع الكلام ، يرفلون في الحرير ويدخنون الغلايين ، لكن ليس كالغليون الذي يدخنه خالك والذي يخنقك دخانه ويثير لديك سعالاً مصحوباً بضراط .
ضحك الطفل (ها ها ها ) .
ـ دعنا الآن من اللصوص و لْنَسْترح بعض الوقت و أطرد هذا الذباب اللعين عن أنفك حتى لا ينتزعه منك ، وهذا ما يبدو لي من خلال الكيفية التي يقع بها عليه، و بعد ذلك فكر الدرويش بينه وبين نفسه
<<منذ خلق الله الأنوف ، خلق الذباب وجعل له أجنحة وجعله أكولاً وَ ملحاحاً لا يكف عن الطلب >>
واستمر يفكر في غير الذباب ، وابنه يشكل على قيد خطوة منه حدبة للأرض ( هكذا فكر الطفل) من الأحجار و يقفز من عليها ويتخطاها .
شيء ما ، قطع تفكير الرجل إذ إنتصب هذا الاخير فجأة و دعا إبنه إليه ثم أجلسه أمامه كأنه يريد أن يحلق له رأسه ، و أخرج من جرابه شريطا من الكتان ، أحاطه حول عيني إبنه.
ـ ماهذا الذي تفعله ، يا أبي !
ـ إني أسمع خطوات لصوص تقترب ، وها أنا أستعد لذبحهم ولا أريد منك أن تشاهد دماءهم فترتعب ، بعد ذلك أخرج الرجل سكينا من جرابه ثم قربها من عنق الطفل دون أن يلمس النصل عنقه.
ـ هل قتلتهم يا أبي ؟
ـ ما زالوا بعيدين عنا .
إنتظر الدرويش إشارة ما تبشره بقدوم الملاك ليزف له البشرى ، لم ينتظر طويلاً ، فسرعان ما ربتت كفٌّ على كتفه ، ودون أن يلتفت خلف ظهره ، قال :
ـ أنا لن أقنع بأقل من كبش كبير يطعم قرية ، وهذا ما إشترطته زوجتي .
ـ آ الشريف !! عن أي كبش تتحدث ؟
ـ هذا ما قلته لك ولن أتراجع عن قولي قيد أنملة .
ـ إلتفِتْ أولاً !
إلتفت الرجل خلفه ، كان الذي يواجهه الآن ، شرطياً من شرط السلطان ، و لا يدري لماذا بدت له رأس هذا الأخير غائبة تكاد تكون في السماء ، ومن على جانب خصره الأيمن تدلت هراوة غليضة . وقف الكلام في حلق الدرويش .
ـ ماذا تفعل أيها السيد؟
ـ ها أنت ترى ما سأفعله بإبني في يوم العيد هذا ، وكنت أنتظر ملاكاً يمدني بكبش للأضحية ويحول دون إراقة دمه .
ـ أيها الشيخ ! ..ستنتظر عبثاً شيئاً لن يأتي ، وإذا أردت التضحية بإبنك ، فانتظر حتى يدبح السلطان أضحيته ثم إفعل ما تؤمر .
أحماد بوتالوحت