في كتابي (حدائق الوجوه) جعلت البستانيَّ شخصيةً محورية يروي حكايات سبع حدائق منتظمة في تاريخ السرديات العالمية. فالحدائق أقدم ما تمثّلَه الفكرُ البشري لتأسيس مفاهيم مثل: الاتساق والانسجام والتناظر والبساطة والموسيقى والجمال. ومنها اخترع بستانيو العالم نظام مدينة الأرض الفاضلة،النظيرة لمدينة الله المثالية. وكانت الحديقة الشرقية (الهندية والفارسية والأندلسية) مصدرَ إلهامات الشعر والغناء والسرد الحكائي. واذا أردنا ضرب مثال على رقيّ العقل البشري فلن ننسب تطوره إلا لحلم سكان الكوكب بوجود (الإنسان الأخضر). ولن تتحقق حياةٌ على أي كوكب إلا بوجود أنموذج مصغَّر من حدائق الشرق القديم. أما (البستاني) فهو الكائن الأخضر الوحيد الذي ستحمله سفنُ الفضاء مع مهندسي الوراثة البشرية، ضماناً لاستيراث الجينوم الحكائي الأكبر الذي يختزن قصة الكون في ذاكرة الانسان الاخير.
هذه مقدمات ماضٍ سحيق ونتائج مستقبل مجهول، سيعمل مورِّثو الحاضر (القلائل الباقون) على زحزحتها من منطق الى منطق، ومن مكان لآخر، لأجل الحفاظ على ذاكرة الحديقة المثالية، التي تتناسق خططُها وخططَ الكون الواسع الأبعاد. هذا ما يعنيه (لدى القلائل) الدفاعُ عن الإرث الطبيعي الأخضر لانسان الأرض الأخير (الهوموسابينس) المهدَّد بالانقراض. يتطلع هؤلاء إلى أن تبقى من قاموس التداول اللغوي المتطور كلمةٌ واحدة اخترعها (البستاني) لتتمحور حولها اشتقاقات لا حصر لها ولا فناء، تلك هي اشتقاقات الكلمة الخضراء التي تكمن في جوهرها شفرةُ البقاء وإرثُ الانسان، بين ركام من المفردات المشتقة من الرماد النووي والوباء الفيروسي والذوبان التدريجي للجليد القطبي والاستقطاب الأحادي للإنسان المتفوّق. أولئك القلائل يؤمنون بأن بقاءَهم رهين بكلمات مثل البحر والنهر والثلج والشجرة والهواء والبذرة. وما عداها ركام من التداولات اليومية الزائلة، والاختبارات المعملية الطارئة، والسفسطائيات اللسانية المتطفلة على جوهر الوجود.
مع قتل الشجرة، وارتفاع سلطة الحدّاد الكوني، صانع الآلات القاطعة والماحقة، وأمام زحف الجدار الخرساني على الحدائق والبساتين، ستتناثر في الفضاء الرمادي المكفهر مأثوراتُ الورق والحاسوب والمختبر وقوانين العدالة وجمالياتُ المدينة المعاصرة هباءً منثورا. ستبدو ناطحاتُ السحاب والتماثيل والأنصاب العظيمة، بسطوحها الكالحة، أسطورةَ عصرٍ حجريّ قديم.
عندما ينسحب (البستانيّ) من موقعه في حديقة الوجود الأخضر، ستتوقف الكائنات عن التنفس والكلام (كائنات أوفيد ولقمان وشهرزاد وعمر الخيام)، وتهوي الطيور (طيور فريد الدين العطار والغزالي والسهروردي وابن سينا) من عليائها قبل وصولها وادي الكشف والعرفان. أما الأصوات الغنائية المحفوظة في المصنفات الرقيقة، فستصمت الى الأبد.
عندما نتوقف عن النضال ضد قيم الحجَر والحديد والغاز، فإن نملة النبي سليمان ستحبسها جيولوجيا التصحر في قطرة دمع متحجرة. سينقلب الإنسان على خلْقه الأول، نشأته الأولى، ولن يبلغ النشأة الأخرى.
سنسمع البستاني يقول: لم نكن لنبقى هنا طويلاً وأبداً، فذلك من أساطير الاولين.
وتقول الشجرة: لم يحدث أن تكلّمَ راوٍ ثرثار في ظلّي قط..
بينما يقول طائر الفجر: كفاني أني جاوزتُ بأغنيتي لغةَ الأبدية، ولم يسمعها أحدٌ من البشر !
هذه مقدمات ماضٍ سحيق ونتائج مستقبل مجهول، سيعمل مورِّثو الحاضر (القلائل الباقون) على زحزحتها من منطق الى منطق، ومن مكان لآخر، لأجل الحفاظ على ذاكرة الحديقة المثالية، التي تتناسق خططُها وخططَ الكون الواسع الأبعاد. هذا ما يعنيه (لدى القلائل) الدفاعُ عن الإرث الطبيعي الأخضر لانسان الأرض الأخير (الهوموسابينس) المهدَّد بالانقراض. يتطلع هؤلاء إلى أن تبقى من قاموس التداول اللغوي المتطور كلمةٌ واحدة اخترعها (البستاني) لتتمحور حولها اشتقاقات لا حصر لها ولا فناء، تلك هي اشتقاقات الكلمة الخضراء التي تكمن في جوهرها شفرةُ البقاء وإرثُ الانسان، بين ركام من المفردات المشتقة من الرماد النووي والوباء الفيروسي والذوبان التدريجي للجليد القطبي والاستقطاب الأحادي للإنسان المتفوّق. أولئك القلائل يؤمنون بأن بقاءَهم رهين بكلمات مثل البحر والنهر والثلج والشجرة والهواء والبذرة. وما عداها ركام من التداولات اليومية الزائلة، والاختبارات المعملية الطارئة، والسفسطائيات اللسانية المتطفلة على جوهر الوجود.
مع قتل الشجرة، وارتفاع سلطة الحدّاد الكوني، صانع الآلات القاطعة والماحقة، وأمام زحف الجدار الخرساني على الحدائق والبساتين، ستتناثر في الفضاء الرمادي المكفهر مأثوراتُ الورق والحاسوب والمختبر وقوانين العدالة وجمالياتُ المدينة المعاصرة هباءً منثورا. ستبدو ناطحاتُ السحاب والتماثيل والأنصاب العظيمة، بسطوحها الكالحة، أسطورةَ عصرٍ حجريّ قديم.
عندما ينسحب (البستانيّ) من موقعه في حديقة الوجود الأخضر، ستتوقف الكائنات عن التنفس والكلام (كائنات أوفيد ولقمان وشهرزاد وعمر الخيام)، وتهوي الطيور (طيور فريد الدين العطار والغزالي والسهروردي وابن سينا) من عليائها قبل وصولها وادي الكشف والعرفان. أما الأصوات الغنائية المحفوظة في المصنفات الرقيقة، فستصمت الى الأبد.
عندما نتوقف عن النضال ضد قيم الحجَر والحديد والغاز، فإن نملة النبي سليمان ستحبسها جيولوجيا التصحر في قطرة دمع متحجرة. سينقلب الإنسان على خلْقه الأول، نشأته الأولى، ولن يبلغ النشأة الأخرى.
سنسمع البستاني يقول: لم نكن لنبقى هنا طويلاً وأبداً، فذلك من أساطير الاولين.
وتقول الشجرة: لم يحدث أن تكلّمَ راوٍ ثرثار في ظلّي قط..
بينما يقول طائر الفجر: كفاني أني جاوزتُ بأغنيتي لغةَ الأبدية، ولم يسمعها أحدٌ من البشر !