رسائل الأدباء رسالة من مينا جورج إلى ماجد شيحة

عزيزي الكاتب .. تحية طيبة وبعد،،

أكتب إليك كلماتي وكلى حزن وأسى، فقد تركت روايتك التى اشتريتها منذ شهر تقريبا، لم أمِل منها أو أشعر بالضيق، كما أني أجدها غاية فى الروعة – ما قرأته منها كى أكون صادقا– حركت مشاعري عدة مرات، فقد أمسكت ضحكاتي مرة ودموعي مرات، فى الحقيقة كنت أقراء روايتك بكل شغف، وددت أن اُجهز عليها سريعا لأعرف ماذا حدث لبطل القصة، لكن هناك دائما أشياء تأخذنى منها دعنى أوضحها لك دون أن تشعر بالضيق، فتلك الأمور لست أنا المُتحكم بها.

أخبار الكوارث والمصائب التى تُبتلى بها البلاد أصبحت غير قابلة للحصر والتصديق، فها هو انهيار أرضى هنا وحادثة هناك، غرق صندل هنا وضياع قمر هناك وهكذا دواليك ، الأمر الذى معه تدخل فى متاهات الأخبار والأنباء العاجلة ومتابعة ما يحدث وبالطبع اللجوء إلى مواقع الأخبار و التواصل الإجتماعى لمواكبةالأحداث و ... لا تصدق هذه الحُجة !

إذًا سأعترف لك عما يجول بخاطري ويؤجل إتمامي للرواية، تعرف بالطبع ماذا حدث لذلك الطالب عند جامعة القاهرة، ذلك الشاب الذى تم توقيفه أمام الجامعة وبحوزته رواية ( 1984) للكاتب جورج أورويل ، قطعاً سمعت تلك القصة فمواقع التواصل الاجتماعى اشتعلت حينئذ بسبب تلك الحادثة، الأمر الذى ذكرنا بتلك الرواية وأدى إلى زيادة مبيعاتها والبحث عمن هو جورج أورويل والعوده لقراءة روايته من جديد ، هل فهمت من كلماتى السابقة ما أود أن أفصح لك عنه ؟!

أود أن أخبرك بأنى أقتنص من أوقات تواجدي بالمواصلات ذهاباً و إياباً لحظات لسرقة بعض الصفحات من الرواية، ذات مرة و بينما كنت مُندمج معك فى التفاصيل انتبهت إلى رجل أربعينى يجلس بجانبى و يحملق فى غلاف الرواية ثم ينظر إلي،غلاف روايتك يا عزيزى ما هو إلا النصف الأسفل لوجه رجل ملتحٍ مُمسكاً بكشكول مُدون عليه اسم الرواية، لا أخفيك سراً كنت خائفا، نعم وكيف لي ألا أخشى فى ظل الخطاب الإعلامى المستعر، الشحن مستمر و لم يهدأ ، الخطاب الذى يحفز المواطنين للتجسس على بعضهم البعض ، هل سمعت بالشباب الذى قام المواطنون الشرفاء بتسليمهم إلى الشرطة لتحدثهم اللغة الإنجليزية فى المترو ! هل تصدق مثل هذه الروايات ؟!

الكل يراقب الكل، حتى وإن لم يش به، فنظرات البعض تُدخل الرهبة فى القلوب كأنها تقول" أنا هنا أراقبك وأقرأ أفكارك وأعرف ما يجول بخاطرك" ، لم يعد مسموحا بالحديث فى الأماكن العامة، التوجس سيد الموقف ،الهمس يُخيم على الأرجاء، الأفكار أصبحت حبيسة العقل خشية التورط فى أمور لا يُحمد عقباها ، لا أحد يتقبل الآخر، الهُوة تتسع و تزداد حتى قاربت على إبتلاع الجميع ، العيون مُغلقة والرؤوس مدفونة فى الرمال ، الكل يدّعى النصر المزعوم ، الحرب مستعرة والهدنة لا تلوح فى الأفق ، لن أستطيع شرح الأمر لأحد إن وشى بي أحدهم لمجرد إمساكى بكتاب مُعنون بكلمه " سَلَفى " ، لن يلتفتوا إلى مسيحي فى خانة الديانة، لن يُصدق أحد أنها مجرد رواية تُباع فى كافة المكتبات، ما إن بدأترحلةالتنكيل صدقنى لن تتوقف.

سامحنىيا صديقي، أعذر ضعفي وخوفي من ملاقاة مصير الآلاف ممن لا نعرف سوى أسمائهم فى أحسن الأحوال، كنت أود أن اُكمل تلك الرواية الشيقة بأسرع وقت كي أعرف ماذا حدث لـ " سين "، لكنني وبكل أسف لن أتمكن من استكمالها فى المترو أو المقهى أو أي مكان عام كى أتحاشى التدخل والمقاطعة وسؤال

" إيه الكتاب ده ؟ "، سأجتهد أن أوفر وقت استكمل خلاله الرواية وأن أكون فى مأمن بعيدا عن الوشاية

والتجسس والتلصص الذى أصبح هواية لدى البعض بأوامر من أجهزة وتنفيذ من أخرى.

و حتى الانتهاء من تلك الرواية.

لك مني خالص التحيات،،




* ماجد شيحة مؤلف رواية "سَلَفى يكتُب الروايات سراً " الصادرة عن دار دَوّنْ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...