في المرآة ..
يتفحص ملامحه كل يوم لايزال على وسامته: يا مرآتي ، من هو أحسن مخلوق في الوجود؟ تأتيه الإجابة فورا،يرفع ذقنه وأنفه وأحد حاجبيه،يتنهد ،يمتلئ صدره بكل الكبر والغرور،لازال يحيا في أوهامه، يسعى وراء ما يستحقه، لم يدرك انه ينظر دائما إلى مرآة مكبرة، الأنا الحائرة، المتضخمة!
وصفه أصحابه ب" كيرك دوجلاس "المصري،عندما حلق شاربه على طريقته،"دون جوان زمانه" ،فتيات حي الحلمية القديم ،كن يتهافتن على نظرة منه،كان وسيما،باسقا كنخلة ناضرة ضربت جذورها في أرض خصبة عافية ، الآن ، لم لا يجد أحدا منهم ! أصحابه!
"ديك البر ابر"- كذلك كان يبدو لوالديه- المهندس راح ،المهندس عاد،اكبر أخوته،أكثرهم تعليما, أشدهم طمعا في الحياة ،ميزه أبوه،كان الوحيد الذي التحق بالتعليم العالي من بين أخوته، لم يكن في جعبة أبيه أن يمنح الجميع هذه الفرصة، واكتفى بالوصول بالباقين إلى مستوى التعليم المتوسط ،"وهو برضه تعليم" كما كان يقول أبوه.
ماذا جنى من كل هذا؟ لا شئ. مزيد من العطش للحياة ،للنجاح.
عندما عمل في دمنهور كمهندس زراعي،اعتبر ذلك إهانة له.
هو يستحق اكثر.
لا أحد يقدر ملكاته دائما، أبحاثه حول زراعة النخيل ،لم تلق ترحيبا، لم يعجبه انتقادهم لها ، لم يفهم إجابتهم بأن الأسماك تجيد القراءة،فهل يلق بأبحاثه إلى اليم؟
كان يستيقظ في الخامسة صباحا كل يوم ليلحق بقطار السابعة لدمنهور،رحلة الشقاء،رائحا غاديا،كان يقف في وسط "غرفة المسافرين " ببيتهم القديم محملقا في صورة جده "البيه"، متحسرا على نحافته وجسده المنهك من جراء رحلة العمل اليومية، صارخا:
- نفسي يبقى لي كرش !!
اليوم ! عندما تأمل نفسه في المرأة سقطت عيناه على كرشه،أخيرا صار له كرش ،من جلسته وراء المكتب ، لم يكن بالمنصب الذي يصبو إليه، لكن لايهم، لازالت وسامته تلفت الانتباه حتى في عقده الخامس، ماذا فعل بها؟ لو كان قد لجأ إلى التمثيل من زمن كما نصحه أحد زملائه،لكان الآن من مشاهير الكوميديا . فكرة سخيفة.
هو لا يجيد فن التمثيل! ولا الكوميديا!
اليوم ، هو الثاني من أغسطس ،يتم خمسة اشهر بالتمام والكمال ! خمسة أشهر كافية جدا كفترة وفاء ! !
كان لابد أن يفعل شيئا يحقق فيه ذاته، نجاحه، أي شيء.
حياته لا يمكن أن تستمر بهذه الوتيرة الخاملة الخامدة.
ابتسم لصورته في المرآة، اليوم، ربما يلقى بعض ما يستحق.
انتبه إلى رنين الهاتف من بعيد خرج من غرفته،مسرعا، تعثر في شئ ما ، سقط على الأرض حانقا،يتمتم:
- تبا للوحدة المريرة، لابد من أحد لترتيب هذا المكان اليوم !
امسك بسماعة الهاتف في الرنة الأخيرة.أجاب بلهفة:
- أهلا أهلا ،نعم ، لن أتأخر .
أنهى المخابرة،واستدار عائدا إلى غرفته كاد أن يتعثر ثانية لولا أن اتخذ حذره، جثا على ركبتيه يلملم،بقايا البرواز الزجاجي الذي تعثر فيه منذ قليل،نظر إلى عيني صاحبة الصورة،ذات البرواز المتهشم،أجفل، هرب من نظرة لوم قديمة رمقته بها قبل انتقالها للعالم الثاني و لازال يستشعرها كلما حانت منه التفاته إلى الصورة.
تزوجها، التقاها في القطار عدة مرات،كانت تعمل مدرسة لغة عربية في دمنهور،لم يدر لم اعجب بها! هل لطيبتها البادية على وجهها؟ أم تأييدا لمسألة الدروس الخصوصية التي تعكف عليها؟
هو يستحق اكثر ، وأجمل.
طالما سألته دوما في فترة مرضها، أتتزوج بغيري إذا مت؟
حينها اكتفى بابتسامة باهتة ، تفهم منها ما تفهم.
نهض متوجها إلى سلة المهملات بالمطبخ، ليلقى ببقايا البرواز الزجاجي المتهشم.
على سبيل الخطأ، ألقى بالصورة معه !!
حان موعد المساء،جلس في مقعده الخاص،يحملق في وجه حسن بمحاذاته،تمتد له يد أحدهم بكارت صغير جاء مع باقة زهور.
يقرأ فيه:
بالرفاء والبنين!!.
سنغافورة : في أغسطس 2003
يتفحص ملامحه كل يوم لايزال على وسامته: يا مرآتي ، من هو أحسن مخلوق في الوجود؟ تأتيه الإجابة فورا،يرفع ذقنه وأنفه وأحد حاجبيه،يتنهد ،يمتلئ صدره بكل الكبر والغرور،لازال يحيا في أوهامه، يسعى وراء ما يستحقه، لم يدرك انه ينظر دائما إلى مرآة مكبرة، الأنا الحائرة، المتضخمة!
وصفه أصحابه ب" كيرك دوجلاس "المصري،عندما حلق شاربه على طريقته،"دون جوان زمانه" ،فتيات حي الحلمية القديم ،كن يتهافتن على نظرة منه،كان وسيما،باسقا كنخلة ناضرة ضربت جذورها في أرض خصبة عافية ، الآن ، لم لا يجد أحدا منهم ! أصحابه!
"ديك البر ابر"- كذلك كان يبدو لوالديه- المهندس راح ،المهندس عاد،اكبر أخوته،أكثرهم تعليما, أشدهم طمعا في الحياة ،ميزه أبوه،كان الوحيد الذي التحق بالتعليم العالي من بين أخوته، لم يكن في جعبة أبيه أن يمنح الجميع هذه الفرصة، واكتفى بالوصول بالباقين إلى مستوى التعليم المتوسط ،"وهو برضه تعليم" كما كان يقول أبوه.
ماذا جنى من كل هذا؟ لا شئ. مزيد من العطش للحياة ،للنجاح.
عندما عمل في دمنهور كمهندس زراعي،اعتبر ذلك إهانة له.
هو يستحق اكثر.
لا أحد يقدر ملكاته دائما، أبحاثه حول زراعة النخيل ،لم تلق ترحيبا، لم يعجبه انتقادهم لها ، لم يفهم إجابتهم بأن الأسماك تجيد القراءة،فهل يلق بأبحاثه إلى اليم؟
كان يستيقظ في الخامسة صباحا كل يوم ليلحق بقطار السابعة لدمنهور،رحلة الشقاء،رائحا غاديا،كان يقف في وسط "غرفة المسافرين " ببيتهم القديم محملقا في صورة جده "البيه"، متحسرا على نحافته وجسده المنهك من جراء رحلة العمل اليومية، صارخا:
- نفسي يبقى لي كرش !!
اليوم ! عندما تأمل نفسه في المرأة سقطت عيناه على كرشه،أخيرا صار له كرش ،من جلسته وراء المكتب ، لم يكن بالمنصب الذي يصبو إليه، لكن لايهم، لازالت وسامته تلفت الانتباه حتى في عقده الخامس، ماذا فعل بها؟ لو كان قد لجأ إلى التمثيل من زمن كما نصحه أحد زملائه،لكان الآن من مشاهير الكوميديا . فكرة سخيفة.
هو لا يجيد فن التمثيل! ولا الكوميديا!
اليوم ، هو الثاني من أغسطس ،يتم خمسة اشهر بالتمام والكمال ! خمسة أشهر كافية جدا كفترة وفاء ! !
كان لابد أن يفعل شيئا يحقق فيه ذاته، نجاحه، أي شيء.
حياته لا يمكن أن تستمر بهذه الوتيرة الخاملة الخامدة.
ابتسم لصورته في المرآة، اليوم، ربما يلقى بعض ما يستحق.
انتبه إلى رنين الهاتف من بعيد خرج من غرفته،مسرعا، تعثر في شئ ما ، سقط على الأرض حانقا،يتمتم:
- تبا للوحدة المريرة، لابد من أحد لترتيب هذا المكان اليوم !
امسك بسماعة الهاتف في الرنة الأخيرة.أجاب بلهفة:
- أهلا أهلا ،نعم ، لن أتأخر .
أنهى المخابرة،واستدار عائدا إلى غرفته كاد أن يتعثر ثانية لولا أن اتخذ حذره، جثا على ركبتيه يلملم،بقايا البرواز الزجاجي الذي تعثر فيه منذ قليل،نظر إلى عيني صاحبة الصورة،ذات البرواز المتهشم،أجفل، هرب من نظرة لوم قديمة رمقته بها قبل انتقالها للعالم الثاني و لازال يستشعرها كلما حانت منه التفاته إلى الصورة.
تزوجها، التقاها في القطار عدة مرات،كانت تعمل مدرسة لغة عربية في دمنهور،لم يدر لم اعجب بها! هل لطيبتها البادية على وجهها؟ أم تأييدا لمسألة الدروس الخصوصية التي تعكف عليها؟
هو يستحق اكثر ، وأجمل.
طالما سألته دوما في فترة مرضها، أتتزوج بغيري إذا مت؟
حينها اكتفى بابتسامة باهتة ، تفهم منها ما تفهم.
نهض متوجها إلى سلة المهملات بالمطبخ، ليلقى ببقايا البرواز الزجاجي المتهشم.
على سبيل الخطأ، ألقى بالصورة معه !!
حان موعد المساء،جلس في مقعده الخاص،يحملق في وجه حسن بمحاذاته،تمتد له يد أحدهم بكارت صغير جاء مع باقة زهور.
يقرأ فيه:
بالرفاء والبنين!!.
سنغافورة : في أغسطس 2003