كنا قد خضنا في موضع المناظرات والمنافرات وغيرها من موضوعات الشعر واليوم نعود إلى المناقضات بين الثلاثي (جرير، الفرزدق ، الأخطل) في العصر الأموي وهم حملة لواء الشعر في هذا العصر وقد أطلق على هذه المناقضات (نقائض جرير والفرزدق) وقد شملت البعيث والحطيئة وغيرهم من شعراء العرب وكانت حربا هجائية بامتياز وكانت ممتعة كذلك وقد انتصر فيها أدب النقائض بامتياز حتى أدت إلى ازدهار الأدب .توطئة:
كنا قد خضنا في موضع المناظرات والمنافرات وغيرها من موضوعات الشعر واليوم نعود إلى المناقضات بين الثلاثي (جرير، الفرزدق ، الأخطل) في العصر الأموي وهم حملة لواء الشعر في هذا العصر وقد أطلق على هذه المناقضات (نقائض جرير والفرزدق) وقد شملت البعيث والحطيئة وغيرهم من شعراء العرب وكانت حربا هجائية بامتياز وكانت ممتعة كذلك وقد انتصر فيها أدب النقائض بامتياز حتى أدت إلى ازدهار الأدب .
وقد دخل رجل من الهذليين من بني عذرة في أثنائها على الخليفة عبد الملك بن مروان فمدحه بقصيدة بحضرة الشعراء الثلاثة (الفرزدق، جرير، الأخطل) والشاعر الهذلي لا يعرفهم فلما انتهى من إنشاده قال عبد الملك للأعرابي هل تعرف أهجى بيت قالته العرب في الإسلام؟ قال نعم وهو قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
قال أحسنت فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟ قال نعم وهو قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
فقال أصبت وأحسنت فهل تعرف أرق بيت قيل فى الإسلام؟ قال نعم قول جرير:
إن العيون التي في طـــــرفها حور قتلننا ثم لم يحــــــيين قـتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا
فقال أحسنت فهل تعرف جريرا؟ قال لا والله وإني لرؤيته لمشتاق فقال هذا جرير وهذا الفرزدق وهذا الأخطل فأنشأ الأعرابي يقول:
فحيا الإله أبا حـــــزرة وأرغم أنفــك يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به ودق خياشـــمه الجندل
فأنشأ الفرزدق يقول:
يا أرغم الله أنــــــــفا أنت حامله *** يا ذا الخـــنا ومقال الزور والخطل
ما أنت بالحكم الترضى حكومته *** ولا الأصيل ولا ذى الرأي والجدل
تعليق: البيت الثاني من أبيات الفرزدق شاهد أل الموصولية.
ثم أنشأ الأخطل يقول:
يا شر من حملت سـاق على قدم *** ما مثل قولك في الأقوام يحتمل
إن الحكومة ليست في أبيك ولا *** في معشر أنت منــهم إنهم سفل
فقام جرير مغضبا وقال:
أتشتمان ســـــفاها خيركم حسبا *** ففيكما ــ وإلهي ــ الزور والخطل
شتمتماه على رفعي ووضعــكما *** لا زلتما في ســــــــفال أيها السفل
ثم وثب جرير فقبل رأس الأعرابي وقال يا أمير المؤمنين جائزتي له وكانت خمسة آلاف درهم وقال عبد الملك وله مثلها من مالي فقبض الأعرابي المال كله وخرج.
كانت هذه الواقعة بعد أن كثرت المساجلات بين الطرفين جرير من جهة والفرزدق والأخطل من جهة أخرى والمفارقة في قصة الأعرابي أنه اختار شعر جرير لعلمه بموالات الأمويين.
ومن شعره في هذه المناقضات:
عفا واسط من أهله فـــنواضبه *** فروض القطا صــحراؤه فنصائبه
وقد كان معمورا أرى أن أهـله *** به أبدا ما أعـــــــجم الخط كاتبه
ولكن هذا الدهر أصــــبح فانيا *** تشعـــــشع واشتدت علينا تجاربه
فإن أك قد فت الكليبي في العلا *** فقد أهـــــــلكته في الجزاء مثالبه
فظل به بين العقــــاب وراهط *** صــــــــبابة يوم لا توارى كواكبه
رأيتك والتـكليف نفسك دارما *** كشيء مضى لا يدرك الدهر طالبه
وفي آخرها يتخلص إلى مدح الوليد بن عبد الملك حيث يقول:
وإن أتعرض للـــــــوليد فإنه *** نمته إلى خير الفروع مضــــاربه
نساء بني عبس وكعب ولدنه *** فنعم لعمري الحالبات حـــــــوالبه
مناقضات جرير والفرزدق:
قال جرير:
ما للـفرزدق من عز يـــــــلوذ بـه *** إلا بنو العم في أيديهم الخشب
سروا بني العم فالأهواز منزلكــم *** وتهزنيري فلم تعرفكم الـعرب
الضاربوا النخل لا تنبو مناصلهم *** عن العذوق ولا يعيـيهم الكرب
وفي عينية أخرى له يقول:
أكلفت تصعيد الحـــدوج الروافع *** كأن خبالي بعد برء مراجعي
قفا نعرف الربعــــين بين مليحة *** وبرقة سلمانين ذات الأجارع
ثم يضيف قائلا:
لقد هاج هذا الشوق عينا مريضـة *** ونوح الحمام الصادحات السواجع
وذكرن ذا الأعوال والشوق ذكره *** وهيجن ما بين الحشا والأضــــالع
إلى أن يقول:
سمت بي من شيـــبان أم نزيعـــــة *** كذلك ضرب المنـــجبات الــنزائع
فلما سقيت الســــم خنزير تغـــــلب *** أبا مالك جدعت قــــين صعاصع
رميت ذوي الأضغان حتى تناذروا *** حماي وألقى قوســــــــه كل نازع
وللفرزدق من معارضاته مع جرير لاميته المشهورة:
إن الذي سمك الســــــماء بنى لنا *** بيتا دعـــــــائمه أعز وأطول
بيـــتا بناه لنا المــــــليك وما بنى *** حكم السمــــــــاء فإنه لا ينقل
بيتا زرارة محــــــــــتب بفنــــائه *** ومجاشــع وأبو الفوارس نهشل
يلجون بيت مجاشع وإذا احتـــبوا *** برزوا كأنهـــــم الجبال المـــثل
لا يحتـــــــبي بفناء بيتـــك مثلهم *** أبدا إذا عد الفـــــــعال الأفــضل
من عزهم جحــــرت كليب بيتها *** زربا كأنــــــــــــهم لديه القمل
ضربت عليك العنكبوت بنسجها *** وقضى عليك به الكتاب المنزل
أين الذين بهم تســـــــــامي دارم *** أم من إلى سلـــفي طهـــية تجعل
يمشون في حلق الحديد كما مشت *** جرب الجمال بها الكحيل المشعل
فقال جرير اللامية التالية رادا عليه:
أعددت للشعراء ســـــــــــما ناقعا *** فسقــــــــــــيت آخرهم بكأس الأول
لما وضعت على الفرزدق ميسمي *** وضغا البعيث جدعت أنف الأخطل
أخزى الذي سمك السماء مجاشعا *** وبنى بناءك في الحضـــيض الأسفل
ولقد بنيت أخـــــــــــس بيت يبتنى *** فهدمت بيتكم بمثـــــــــلي يذ بل
إني انصببت من الســـــماء عليكم *** حتى اختطــــفتك يا فرزدق من عل
إني إلى جـــــــــــــبلي تميم معتل *** ومحل بيتي في اليفـــــــاع الأطول
أحلامنا تزن الجـــــــــبال رزانة *** ويفوق جاهلــــــــــنا فعال الجهل
إلى أن قال:
إن الذي سمك الســــــماء بنى لنا *** بيتا علاك وما له مــــن منقل
تعليق على المقاطع
هذه ــ والله ــ هي المناقضات بعينها فإن جريرا في قصيدته هذه حاول أن يبطل حجج خصمه في نقيضته اللامية السابقة الذكر ورغم محاولته فإنه لم يأت بحجة دامغة تدحض ما ذهب إليه الفرزدق في لاميته من فخره بنسبه وعلو منزلته من قديم الزمان، ولكنه هجا مناوئيه الثلاثة في بيت واحد وهو قوله:
لما وضعت على الفرزدق ميسمي وضغا البعيث جدعت أنف الأخطل
وهذا غاية في الاختصار ولكنه لم يأت بجديد غير ذلك إلا أنه أنكر بعض ما أورده الفرزدق في فخره حيث يقول:
يلجون بيت مجاشع وإذا احتبوا برزوا كأنهم الجبال المثل
إلى آخره حيث يقول:
ضربت عليك العنكبوت بنسجها وقضى عليك به الكتاب المنزل
هكذا إذا تأملت في هذا المقطع من لامية الفرزدق وقارنته بما جاء في لاميه جرير حيث يقول:
إني إلى جبلي تمـــــيم معتل *** ومحل بيتي في اليفاع الأطول
أحلامنا تزن الجبال رزانة *** ويفوق جاهلـــــــنا فعال الجهل
إلى أن يقول:
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا علاك فما له من منقل
فلا بد أن تتساءل أين البيت الذي بنى من سمك السماء الذي هو الله الفرد لجرير وقومه حتى يكون أعلى من الكعبة المشرفة ولا بد أن تتساءل عن مستوى قبيلة جرير (بني كليب) وقبيلة الفرزدق (بني دارم) أهل الإفاضة في الحج والعراقة فهم ــ أي بنو دارم ــ تعترف لهم جميع العرب على مر التاريخ بالفضل قبل الإسلام وبعده ولا أدل على ذلك من افتخاره بالرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
تعريفات:
جرير هو أبو حزرة جرير بن عطية التميمي اليربوعي من بني تميم.
الأخطل غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو يكنى أبا مالك من بني تغلب من شعراء الإبداع واشتهر في عهد الدولة الأموية وأكثر في مدح ملوكهم وهو أحد الثلاثة الذي حازوا الصدارة وكان مسيحيا من أطراف الحيرة بالعراق وقد تناقل الرواة شعره.
البعيث المجاشعي (المولود 134 هـ _ 751 م)
هو خداش بن بكر بن خالد أبو زيد التميمي خطيب وشاعر من أهل البصرة قال فيه الجاحظ أنه أخطب خطيب من بني تميم إذا أخذ العصا وكانت بينه وبين جرير مهاجاة دامت نحو أربعين سنة ولم يتهاج شاعران في الجاهلية ولا في الإسلام بمثل ما تهاجيا به ولا قضيا مدة كهذه .
وللحديث بقية إن شاء الله
محمدن بن عبدالله بن مناح
كنا قد خضنا في موضع المناظرات والمنافرات وغيرها من موضوعات الشعر واليوم نعود إلى المناقضات بين الثلاثي (جرير، الفرزدق ، الأخطل) في العصر الأموي وهم حملة لواء الشعر في هذا العصر وقد أطلق على هذه المناقضات (نقائض جرير والفرزدق) وقد شملت البعيث والحطيئة وغيرهم من شعراء العرب وكانت حربا هجائية بامتياز وكانت ممتعة كذلك وقد انتصر فيها أدب النقائض بامتياز حتى أدت إلى ازدهار الأدب .
وقد دخل رجل من الهذليين من بني عذرة في أثنائها على الخليفة عبد الملك بن مروان فمدحه بقصيدة بحضرة الشعراء الثلاثة (الفرزدق، جرير، الأخطل) والشاعر الهذلي لا يعرفهم فلما انتهى من إنشاده قال عبد الملك للأعرابي هل تعرف أهجى بيت قالته العرب في الإسلام؟ قال نعم وهو قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
قال أحسنت فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟ قال نعم وهو قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
فقال أصبت وأحسنت فهل تعرف أرق بيت قيل فى الإسلام؟ قال نعم قول جرير:
إن العيون التي في طـــــرفها حور قتلننا ثم لم يحــــــيين قـتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا
فقال أحسنت فهل تعرف جريرا؟ قال لا والله وإني لرؤيته لمشتاق فقال هذا جرير وهذا الفرزدق وهذا الأخطل فأنشأ الأعرابي يقول:
فحيا الإله أبا حـــــزرة وأرغم أنفــك يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به ودق خياشـــمه الجندل
فأنشأ الفرزدق يقول:
يا أرغم الله أنــــــــفا أنت حامله *** يا ذا الخـــنا ومقال الزور والخطل
ما أنت بالحكم الترضى حكومته *** ولا الأصيل ولا ذى الرأي والجدل
تعليق: البيت الثاني من أبيات الفرزدق شاهد أل الموصولية.
ثم أنشأ الأخطل يقول:
يا شر من حملت سـاق على قدم *** ما مثل قولك في الأقوام يحتمل
إن الحكومة ليست في أبيك ولا *** في معشر أنت منــهم إنهم سفل
فقام جرير مغضبا وقال:
أتشتمان ســـــفاها خيركم حسبا *** ففيكما ــ وإلهي ــ الزور والخطل
شتمتماه على رفعي ووضعــكما *** لا زلتما في ســــــــفال أيها السفل
ثم وثب جرير فقبل رأس الأعرابي وقال يا أمير المؤمنين جائزتي له وكانت خمسة آلاف درهم وقال عبد الملك وله مثلها من مالي فقبض الأعرابي المال كله وخرج.
كانت هذه الواقعة بعد أن كثرت المساجلات بين الطرفين جرير من جهة والفرزدق والأخطل من جهة أخرى والمفارقة في قصة الأعرابي أنه اختار شعر جرير لعلمه بموالات الأمويين.
ومن شعره في هذه المناقضات:
عفا واسط من أهله فـــنواضبه *** فروض القطا صــحراؤه فنصائبه
وقد كان معمورا أرى أن أهـله *** به أبدا ما أعـــــــجم الخط كاتبه
ولكن هذا الدهر أصــــبح فانيا *** تشعـــــشع واشتدت علينا تجاربه
فإن أك قد فت الكليبي في العلا *** فقد أهـــــــلكته في الجزاء مثالبه
فظل به بين العقــــاب وراهط *** صــــــــبابة يوم لا توارى كواكبه
رأيتك والتـكليف نفسك دارما *** كشيء مضى لا يدرك الدهر طالبه
وفي آخرها يتخلص إلى مدح الوليد بن عبد الملك حيث يقول:
وإن أتعرض للـــــــوليد فإنه *** نمته إلى خير الفروع مضــــاربه
نساء بني عبس وكعب ولدنه *** فنعم لعمري الحالبات حـــــــوالبه
مناقضات جرير والفرزدق:
قال جرير:
ما للـفرزدق من عز يـــــــلوذ بـه *** إلا بنو العم في أيديهم الخشب
سروا بني العم فالأهواز منزلكــم *** وتهزنيري فلم تعرفكم الـعرب
الضاربوا النخل لا تنبو مناصلهم *** عن العذوق ولا يعيـيهم الكرب
وفي عينية أخرى له يقول:
أكلفت تصعيد الحـــدوج الروافع *** كأن خبالي بعد برء مراجعي
قفا نعرف الربعــــين بين مليحة *** وبرقة سلمانين ذات الأجارع
ثم يضيف قائلا:
لقد هاج هذا الشوق عينا مريضـة *** ونوح الحمام الصادحات السواجع
وذكرن ذا الأعوال والشوق ذكره *** وهيجن ما بين الحشا والأضــــالع
إلى أن يقول:
سمت بي من شيـــبان أم نزيعـــــة *** كذلك ضرب المنـــجبات الــنزائع
فلما سقيت الســــم خنزير تغـــــلب *** أبا مالك جدعت قــــين صعاصع
رميت ذوي الأضغان حتى تناذروا *** حماي وألقى قوســــــــه كل نازع
وللفرزدق من معارضاته مع جرير لاميته المشهورة:
إن الذي سمك الســــــماء بنى لنا *** بيتا دعـــــــائمه أعز وأطول
بيـــتا بناه لنا المــــــليك وما بنى *** حكم السمــــــــاء فإنه لا ينقل
بيتا زرارة محــــــــــتب بفنــــائه *** ومجاشــع وأبو الفوارس نهشل
يلجون بيت مجاشع وإذا احتـــبوا *** برزوا كأنهـــــم الجبال المـــثل
لا يحتـــــــبي بفناء بيتـــك مثلهم *** أبدا إذا عد الفـــــــعال الأفــضل
من عزهم جحــــرت كليب بيتها *** زربا كأنــــــــــــهم لديه القمل
ضربت عليك العنكبوت بنسجها *** وقضى عليك به الكتاب المنزل
أين الذين بهم تســـــــــامي دارم *** أم من إلى سلـــفي طهـــية تجعل
يمشون في حلق الحديد كما مشت *** جرب الجمال بها الكحيل المشعل
فقال جرير اللامية التالية رادا عليه:
أعددت للشعراء ســـــــــــما ناقعا *** فسقــــــــــــيت آخرهم بكأس الأول
لما وضعت على الفرزدق ميسمي *** وضغا البعيث جدعت أنف الأخطل
أخزى الذي سمك السماء مجاشعا *** وبنى بناءك في الحضـــيض الأسفل
ولقد بنيت أخـــــــــــس بيت يبتنى *** فهدمت بيتكم بمثـــــــــلي يذ بل
إني انصببت من الســـــماء عليكم *** حتى اختطــــفتك يا فرزدق من عل
إني إلى جـــــــــــــبلي تميم معتل *** ومحل بيتي في اليفـــــــاع الأطول
أحلامنا تزن الجـــــــــبال رزانة *** ويفوق جاهلــــــــــنا فعال الجهل
إلى أن قال:
إن الذي سمك الســــــماء بنى لنا *** بيتا علاك وما له مــــن منقل
تعليق على المقاطع
هذه ــ والله ــ هي المناقضات بعينها فإن جريرا في قصيدته هذه حاول أن يبطل حجج خصمه في نقيضته اللامية السابقة الذكر ورغم محاولته فإنه لم يأت بحجة دامغة تدحض ما ذهب إليه الفرزدق في لاميته من فخره بنسبه وعلو منزلته من قديم الزمان، ولكنه هجا مناوئيه الثلاثة في بيت واحد وهو قوله:
لما وضعت على الفرزدق ميسمي وضغا البعيث جدعت أنف الأخطل
وهذا غاية في الاختصار ولكنه لم يأت بجديد غير ذلك إلا أنه أنكر بعض ما أورده الفرزدق في فخره حيث يقول:
يلجون بيت مجاشع وإذا احتبوا برزوا كأنهم الجبال المثل
إلى آخره حيث يقول:
ضربت عليك العنكبوت بنسجها وقضى عليك به الكتاب المنزل
هكذا إذا تأملت في هذا المقطع من لامية الفرزدق وقارنته بما جاء في لاميه جرير حيث يقول:
إني إلى جبلي تمـــــيم معتل *** ومحل بيتي في اليفاع الأطول
أحلامنا تزن الجبال رزانة *** ويفوق جاهلـــــــنا فعال الجهل
إلى أن يقول:
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا علاك فما له من منقل
فلا بد أن تتساءل أين البيت الذي بنى من سمك السماء الذي هو الله الفرد لجرير وقومه حتى يكون أعلى من الكعبة المشرفة ولا بد أن تتساءل عن مستوى قبيلة جرير (بني كليب) وقبيلة الفرزدق (بني دارم) أهل الإفاضة في الحج والعراقة فهم ــ أي بنو دارم ــ تعترف لهم جميع العرب على مر التاريخ بالفضل قبل الإسلام وبعده ولا أدل على ذلك من افتخاره بالرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
تعريفات:
جرير هو أبو حزرة جرير بن عطية التميمي اليربوعي من بني تميم.
الأخطل غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو يكنى أبا مالك من بني تغلب من شعراء الإبداع واشتهر في عهد الدولة الأموية وأكثر في مدح ملوكهم وهو أحد الثلاثة الذي حازوا الصدارة وكان مسيحيا من أطراف الحيرة بالعراق وقد تناقل الرواة شعره.
البعيث المجاشعي (المولود 134 هـ _ 751 م)
هو خداش بن بكر بن خالد أبو زيد التميمي خطيب وشاعر من أهل البصرة قال فيه الجاحظ أنه أخطب خطيب من بني تميم إذا أخذ العصا وكانت بينه وبين جرير مهاجاة دامت نحو أربعين سنة ولم يتهاج شاعران في الجاهلية ولا في الإسلام بمثل ما تهاجيا به ولا قضيا مدة كهذه .
وللحديث بقية إن شاء الله
محمدن بن عبدالله بن مناح