(صرح شخص ما لصحيفة الـ"تريبيون" بأنني- في لقاء لي مع نيافة القس توماس بيتشر ‘Thomas K. Beecher’، من مدينة إلمَيرا، نيويورك- اقترحتُ عليه أن نقيم تمثالاً لآدم، وأن نيافته تحمس للمشروع. غير أن الأمر لم يكن هكذا بالضبط. فقد بدأ الموضوع كمزحة، ولكنه- بطريقة ما- كاد يتحقق).
منذ وقت طويل، حوالي ثلاثين عامًا، كان كتاب السيد داروِن "أصل الإنسان" لا يزال مطروحًا في الأسواق منذ خمس سنوات أو ست، ولم تكن العاصفة التي أثارها على صفحات الصحف والدوريات قد هدأت بعد. عند تتبعه لنشأة النوع الإنساني، أسقط السيد داروِن آدم من حسبانه تمامًا. كان هناك القرود، والـ"حلقات المفقودة"، وعدد كبير من الأسلاف من مختلف الأنواع، ولكن لا أثر لآدم على الإطلاق.مازحتُ السيد بيتشر وصديقًا آخر في إلمَيرا "Elmira" قائلاً: يبدو أن هناك احتمالاً أن يستبعد العالم آدم ويستبدل به القرد، ومن الممكن بمرور الوقت أن يصبح اسم آدم نفسه نسيًا منسيًّا على سطح الكرة الأرضية؛ ومن ثم، فإن علينا أن نتجنب الكارثة؛ تمثال تذكاري لآدم من الممكن أن يؤدي الغرض، ويجب على "إلميرا" ألا تضيع هذه الفرصة العظيمة لتصنع لآدم جميلاً، وتحقق لنفسها فضلاً عظيمًا.
ثم حدث ما لم يكن متوقعًا. أتى اثنان من رجال البنوك، وتوليا الأمر؛ ليس من أجل المتعة، ولا بدافع التعاطف، وإنما لأنهما يعتقدان أن التمثال سيحقق منافع اقتصادية للمدينة. المشروع الذي كان يبدو مزحة خفيفة، صار الآن أكثر من ذلك بسبب البعد الاقتصادي. ناقش الرجلان معي موضوع التمثال. تقابلنا عدة مرات. اقترحا إقامة تمثال غير قابل للتلف، بتكلفة قدرها (خمسة وعشرون ألف دولار أمِريكي). إقامة تمثال في قرية لتخليد اسم ليظل باقيًاحتى بعد فناء التلال والجبال، هي فكرة مجنونة ستكون بمثابة إعلانٍ أبدي عن إلميرا، وسوف تجذب زبونها. سيكون التمثال الوحيد لآدم على ظهر الأرض، وفيما يخص الجمال والروعة، فسوف يكون شيئًا لا منافس له على الإطلاق، إلا إذا فكر أحد في إقامة تمثال في درب التبانة مثلاً.
سوف يأتي الناس من شتى بقاع الأرض لزيارة هذا التمثال، ولن تكتمل أية رحلة في العالم دون مشاهدته. سوف تصبح إلميرا قِبلة للسائحين؛ سوف يكون هناك سفن سياحية بأسعار سياحية، وتخفيضات في أسعار تذاكر السكك الحديدية؛ سيُكتَب العديد والعديد من الكتب عن هذا التمثال، سيلتقط له السائحون آلاف الصور الفوتوغرافية، ستباع نماذج منه في كل مكان على سطح الأرض، وسيصبح شكله أكثر شهرة من نابليون.
أحد الرجلين (البنكيين) أسهم بخمسة آلاف دولار، وأظن الآخر أسهم بحوالي نصفهم، غير أنني لا أتذكر الآن على وجه اليقين إن كان ذلك هو الرقم الصحيح أو لا. حصلنا على العديد من التصميمات، وقد أتى بعضها من باريس.
في بادئ الأمر- عندما كان المشروع لا يزال مجرد مزحة بالنسبة لي- كنتُ قد كتبتُ التماسًا متواضعًا للكونجرس أتوسل فيه للحكومة أن تنشئ التمثال ليكون شهادة على عرفان الجمهورية العظيمة بفضل أبي البشر جميعًا، ورمزًا لولائها لهفي هذا اليوم الأسود حيث صار أكبر أبنائه يتشككون فيه ويجافونه. بدا لي وقتها أنه يجب تقديم هذا الالتماس فورًا- فهو، من فرط سخافته، سوف يثير قدرًا كبيرًا من الاستهجان واللعنات، وسيكشف خطتنا ويبدد رصيدنا الأولي في غمضة عين.لذلك أرسلته إلى الچنرالچوزيفهولي، وكان عضوًا في مجلس النواب آنذاك، وقال إنه سيقدمه. ولكنه لم يفعل. أظن أنه فسر ذلك قائلاً إنه عندما قرأه شعر بالخوف: كان جادًّا جدًّا، مؤثرًا جدًّا، وعاطفيًّا جدًّا، وقد يأخذه المجلس على محمل الجد.
كان يجب علينا أن ننفذ خطتنا لإقامة التمثال؛ وكان باستطاعتنا أن ننجزه دون صعوبة كبيرة، ولو فعلنا، لكانت إلميراقد أصبحت الآن أشهر مدينة على ظهر الكوكب.
مؤخرًا جدًّا، بدأتُ في تأليف كتاب، إحدى شخصياته الثانوية تتحدث عرضًا عن مشروع تمثال لآدم، فوقعت الـ"تريبيون" على أثر لتلك المزحة القديمة المنسية التي حدثت منذ ثلاثين سنة. يبدو أن التخاطب العقلي مازال فعالاً. شيء غريب؛ غير أن شطحات التخاطب العقلي دائمًا ما تكون غريبة.
منذ وقت طويل، حوالي ثلاثين عامًا، كان كتاب السيد داروِن "أصل الإنسان" لا يزال مطروحًا في الأسواق منذ خمس سنوات أو ست، ولم تكن العاصفة التي أثارها على صفحات الصحف والدوريات قد هدأت بعد. عند تتبعه لنشأة النوع الإنساني، أسقط السيد داروِن آدم من حسبانه تمامًا. كان هناك القرود، والـ"حلقات المفقودة"، وعدد كبير من الأسلاف من مختلف الأنواع، ولكن لا أثر لآدم على الإطلاق.مازحتُ السيد بيتشر وصديقًا آخر في إلمَيرا "Elmira" قائلاً: يبدو أن هناك احتمالاً أن يستبعد العالم آدم ويستبدل به القرد، ومن الممكن بمرور الوقت أن يصبح اسم آدم نفسه نسيًا منسيًّا على سطح الكرة الأرضية؛ ومن ثم، فإن علينا أن نتجنب الكارثة؛ تمثال تذكاري لآدم من الممكن أن يؤدي الغرض، ويجب على "إلميرا" ألا تضيع هذه الفرصة العظيمة لتصنع لآدم جميلاً، وتحقق لنفسها فضلاً عظيمًا.
ثم حدث ما لم يكن متوقعًا. أتى اثنان من رجال البنوك، وتوليا الأمر؛ ليس من أجل المتعة، ولا بدافع التعاطف، وإنما لأنهما يعتقدان أن التمثال سيحقق منافع اقتصادية للمدينة. المشروع الذي كان يبدو مزحة خفيفة، صار الآن أكثر من ذلك بسبب البعد الاقتصادي. ناقش الرجلان معي موضوع التمثال. تقابلنا عدة مرات. اقترحا إقامة تمثال غير قابل للتلف، بتكلفة قدرها (خمسة وعشرون ألف دولار أمِريكي). إقامة تمثال في قرية لتخليد اسم ليظل باقيًاحتى بعد فناء التلال والجبال، هي فكرة مجنونة ستكون بمثابة إعلانٍ أبدي عن إلميرا، وسوف تجذب زبونها. سيكون التمثال الوحيد لآدم على ظهر الأرض، وفيما يخص الجمال والروعة، فسوف يكون شيئًا لا منافس له على الإطلاق، إلا إذا فكر أحد في إقامة تمثال في درب التبانة مثلاً.
سوف يأتي الناس من شتى بقاع الأرض لزيارة هذا التمثال، ولن تكتمل أية رحلة في العالم دون مشاهدته. سوف تصبح إلميرا قِبلة للسائحين؛ سوف يكون هناك سفن سياحية بأسعار سياحية، وتخفيضات في أسعار تذاكر السكك الحديدية؛ سيُكتَب العديد والعديد من الكتب عن هذا التمثال، سيلتقط له السائحون آلاف الصور الفوتوغرافية، ستباع نماذج منه في كل مكان على سطح الأرض، وسيصبح شكله أكثر شهرة من نابليون.
أحد الرجلين (البنكيين) أسهم بخمسة آلاف دولار، وأظن الآخر أسهم بحوالي نصفهم، غير أنني لا أتذكر الآن على وجه اليقين إن كان ذلك هو الرقم الصحيح أو لا. حصلنا على العديد من التصميمات، وقد أتى بعضها من باريس.
في بادئ الأمر- عندما كان المشروع لا يزال مجرد مزحة بالنسبة لي- كنتُ قد كتبتُ التماسًا متواضعًا للكونجرس أتوسل فيه للحكومة أن تنشئ التمثال ليكون شهادة على عرفان الجمهورية العظيمة بفضل أبي البشر جميعًا، ورمزًا لولائها لهفي هذا اليوم الأسود حيث صار أكبر أبنائه يتشككون فيه ويجافونه. بدا لي وقتها أنه يجب تقديم هذا الالتماس فورًا- فهو، من فرط سخافته، سوف يثير قدرًا كبيرًا من الاستهجان واللعنات، وسيكشف خطتنا ويبدد رصيدنا الأولي في غمضة عين.لذلك أرسلته إلى الچنرالچوزيفهولي، وكان عضوًا في مجلس النواب آنذاك، وقال إنه سيقدمه. ولكنه لم يفعل. أظن أنه فسر ذلك قائلاً إنه عندما قرأه شعر بالخوف: كان جادًّا جدًّا، مؤثرًا جدًّا، وعاطفيًّا جدًّا، وقد يأخذه المجلس على محمل الجد.
كان يجب علينا أن ننفذ خطتنا لإقامة التمثال؛ وكان باستطاعتنا أن ننجزه دون صعوبة كبيرة، ولو فعلنا، لكانت إلميراقد أصبحت الآن أشهر مدينة على ظهر الكوكب.
مؤخرًا جدًّا، بدأتُ في تأليف كتاب، إحدى شخصياته الثانوية تتحدث عرضًا عن مشروع تمثال لآدم، فوقعت الـ"تريبيون" على أثر لتلك المزحة القديمة المنسية التي حدثت منذ ثلاثين سنة. يبدو أن التخاطب العقلي مازال فعالاً. شيء غريب؛ غير أن شطحات التخاطب العقلي دائمًا ما تكون غريبة.