يمتلك الأزهر الشريف من الرصيد ما يجعله إحدى أهم أدوات القوة الناعمة المصرية تجاه الغرب وأفريقيا والعالم الإسلامي؛ فلم يُعد الأزهر مسجدًا فحسب، بل أصبح قبلة للعلم يتوجه إليها طلاب العلم من انحاء العالم. ومنذ أكثر من ألف عام نشأ الأزهر في قلب القاهرة مؤديًا رسالة الإسلام السمحة والعمل على تشكيل وعي المسلمين. كما حرص على محاربة الفتاوى المتطرفة عن نهج الشريعة الإسلامية.
ويُعتبر الأزهر على حد قول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال زيارتها للأزهر، أنه بمثابة " أعلى مرجعية سنية في العالم، وصوت الأزهر في غاية الأهمية؛ لأنه صوت مسموع في كل العالم، ودائمًا ما يدعو للتسامح الإنساني".
فلم يقف الأزهر صامتًا إزاء القضايا والأحداث العالمية ذات الطابع الإنساني؛ إذ يُمارس دوره وفق رؤية شاملة تراعي ملابسات الوقائع والانتهاكات التي يتعرض لها أي أقلية على مستوى العالم، حتى لو كانت هذه الأقلية غير مسلمة؛ فلم يقتصر على أتباع الدين الإسلامي وأهل السنة على وجه الخصوص، بل يحرص باحتضان كل الأديان وحماية الإنسانية.
رسالة الأزهر
حمل الأزهر مسئولية الدفاع عن مبادئ الدين الإسلامي وسماحته ووسطيته واعتداله، وعمل على نشر هذه المبادئ بمختلف دول العالم، لذا لم يغيب دوره الداعم والمساند للشعوب. إذ حرص الأزهر عبر تاريخه الطويل على تفعيل قنوات تواصل متعددة -التي يقوم بها شيوخه وعلمائه- مع شعوب القارة الأفريقية من أجل مواجهة الفكر المتطرف للجماعات الإرهابية، لا سيما جماعة بوكو حرام في غرب أفريقيا، وحركة الشباب المجاهدين الصومالية في شرق أفريقيا، وتنظيم القاعدة في منطقة المغرب العربي، فضلًا عن تنظيم "داعش" في ليبيا وتمدده في أنحاء القارة السمراء.
كما يحرص على تقريب صورة من سماحة الدين الإسلامي عند الغرب؛ للقضاء على مفهوم "الإسلامو فوبيا"، من خلال التعاون مع المؤسسات الدينية الكبرى في العالم وفي مقدمتها الفاتيكان. ويتضح الرأي العام الأوروبي للأزهر، من خلال ما أكده السفير جيمس موران، رئيس وفد الاتحاد الأوروبي في مصر، خلال زيارته على رأس وفدًا يضم 37 سفيرًا للأزهر. أن الرأي العام الأوروبي يقدر رعاية الأزهر لقيم الإنسانية -التي منها التسامح، والعدل-. كما يقدر الأزهر في دعم الاستقرار والسلام العالمي.
دور الأزهر
تأسس مسجد الأزهر في القاهرة خلال عام 969م، حيث بدأ ممارسة التعليم به في عام 975م، كما اتسعت رسالة الأزهر العلمية في عهد دولة المماليك 1250م؛ لإتجاه العلماء إليه خاصة بعد غزو التتار مناطق شرق ووسط آسيا، ومنذ ذلك الحين والأزهر يحتضن الإنسان -سواء كان مسلم أو غير مسلم- في شتى النواحي الروحية، والثقافية، والفكرية، والسياسية، والاجتماعية، والصحية، كذلك الإقتصادية.
تؤكد الوقائع والأحداث على أهمية الدور الذي يلعبه الأزهر على المستوى العالم. المتمثل في حرصه على احتضان جيمع المسلمين. لم يقتصر هذا الدور على الجانب الدعوي اللغوي فقط، إنما يمتد إلى الجانب السياسي والحوار بين أهل الأديان، سواء في الغرب أو دول قارة افريقيا.
الأزهر يحتضن مسلمي الغرب
تقوم جميع هيئات الأزهر بدورها في إنشاء كيانات متخصصة لنشر الفكر الصحيح ومحاربة الفكر المغلوط عند الغرب، وتقارب الحوار بين بلدان الشرق والغرب مثل مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية وبيت العائلة المصرية.
فيما أوضحت جايين ماكوليف، المديرة الافتتاحية للتواصل الوطني والدولي بمكتبة الكونغرس بالولايات المتحدة خلال فعليات الندوة، أهمية الدين الإسلامي بالنسبة للغرب، قائلة : "إن الدين الإسلامي واللغة العربية يدرسان الآن حتى أقصى الغرب في كندا والولايات المتحدة، ووصل الاهتمام بهما إلى تخصيص برامج لهما في الماجستير والدكتوراه، وهو ما سيؤدي إلى إيجاد جيل من الشباب، يشكل نسبة كبيرة من المفكرين العالميين خلال العقود القادمة".
في ديسمبر 2003، التقى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، برحاب الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر آنذاك، والذي أكد حق فرنسا في تشريع قانون يمنع ارتداء الحجاب في المدارس العامة الفرنسية، كما فرض على مسلمات فرنسا أن يمتثلن للقانون.
وفي أغسطس2014، أدى وفد 12 مبعوثًا من الأزهر زيارة إلى تايلاند، فضلًا عن تقديم 80 منحة سنوية لدراسة به؛ لنشر الإسلام الوسطي والتعاون والتنسيق مع الدول الإسلامية ذات الأقليات المسلمة؛ حيث يقدر عدد الدراسين بقرابة ثلاثة آلاف طالب.
وفي 15 مارس 2016م، أجرى الأزهر حوارًا مباشرًا مع عدد من أعضاء البرلمان الألماني. وفي 2 مارس 2017م، كانت زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمشيخة الأزهر التي أكدت فيها أنها تتطلع إلى التعاون مع الأزهر في مجال التصدي الفكري والعلمي للإرهاب، وتدريب الأئمة الألمان وتأهيلهم من أجل مواجهة الفكر المتطرف وتوصيل الصورة الصحيحة للإسلام.
في 10 سبتمبر 2017، قام الأزهر بزيارة إلى ألمانيا للمشاركة في مؤتمر (طرق السلام)، لبحث مجالات التعاون بين الأزهر الشريف وجمهورية ألمانيا الاتحادية، إضافة إلى مأساة مسلمي الروهينجا. أما في 8 سبتمبر 2017م، طالب المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقف المجازر التي تتعرض لها أقلية الروهينجي؛ لذا مندداً بتصرف السلطات الحاكمة في دولة بورما –ميانمار-.
الأزهر يحتضن مسلمي أفريقيا
يحتضن الأزهر مسلمي أفريقيا؛ حيث نجح في تشكيل لجنة مختصة بالشئون الأفريقية بالأزهر، لوضع خطط في تقديم الدعم والمساندة، كذلك تقديم التأهيل العلمي والدعوي من خلال نقل خبراته عبر إيفاد مبعوثيه، وإرسال القوافل الدعوية لأكثر من 8 دول بالقارة للتوصل مع شعوبها؛ ليضيف إليها التعرف بصحيح الدين الإسلامي، ونشر تعلم اللغة العربية، وإحلال السلام والتسامح والتعايش مع المخالف.
ويضم الأزهر أكثر من 40 ألف طالب وطالبة وافدة من أكثر من 105 دول، و من بينهم أكثر من 10 آلاف وافد من دول إفريقيا بمنح تعليمية كاملة على نفقت الأزهر وبغيرها، ويقوم بايفاد عدد كبير من الوعاظ يقدر عددهم 562 مبعوثا بأكثر من 30 دولة إفريقية. يتم اختيارهم بعد اجراءات حاسمة تخضع لعدد من المعايير والأسس. كذلك يوجد أكثر من 23 معهدا خارجيا منها 16 معهدا، بحسب الإحصائيات الأخيرة التي أعلنها الأزهر لعام 2018.
كما تم افتتاح المقر الإقليمى لاتحاد الجامعات الأفريقية لشمال أفريقيا بجامعة الأزهر، في 12 مارس بالعام الجاري، بالتعاون مع اتحاد الجامعات الإفريقية؛ لتحقيق انطلاقة لدول القارة وشعوبها نحو غد أفضل باستخدام أهم وأنجح الوسائل والأدوات الخاصة بالتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا؛ فيما أكد الدكتور إيتيان أهيلي، أمين عام اتحاد الجامعات الإفريقية، على أهمية إنشاء مكتب إقليميًا للاتحاد في مصر ؛ لأنه يسد الفجوة وتقليل العجز بالبلاد الأخر . ويقام بالأزهر المؤتمر الدولى للتعليم العالى بالقارة الأفريقية، الذى يعقده اتحاد الجامعات الأفريقية كل عامين، فى الفترة من 7 إلى 11 يوليو 2019 .
في 18 ديسمبر 2014، زارت كاترين سامبا بانزا، رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، مشيخة الأزهر، وفي 16 مايو 2016 زار شيخ الأزهر نيجيريا؛ لمناقشة سُبل مواجهة الفكر المتطرف، وفي 20 مارس 2018، زار شيخ الأزهر موريتانية؛ لمُقاربة الفكرية لظاهرة التطرف والانحراف، و التقارب العلمي بين الأزهر والمحاظر في موريتانيا، بالإضافة لتوقيع بروتوكولات للتعاون بين جامعة الأزهر وجامعة العلوم الإسلامية والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بموريتانيا.
وفي 2 يونيو 2015، أرسل الأزهر وفدا أزهريا دعويا بالاضافة للقافلة إغاثية وطبية إلى أفريقيا الوسطى. أما في 29 مايو 2016 ، أرسل الأزهر قافلة اغاثية لدولة نيجيريا. وفي 11 فبراير 2018 ، أرسل الأزهر قافلة طبية إلى بوركينا فاسو، لإجراء الكشف الطبى والقوميسيونات الطبية للشعب البوركينى. حكما أرسل في 16 ابريل 2018، قافلة طبية إلى دولة تشاد التي تٌعد الثالثة من نوعها؛ للإغاثة الشعب التشادي.