"ولولا أنها باللبِّ تودي = لكنت أخا المدامةِ والنديم"
(اللزوميات ج2/466)
أبو العلاء أرحب الأدباء والشعراء آفاقاً فهو كالبحر الكبير من أي النواحي أتيته، لا يحده أفق ولا مدى. وشهرة أبي العلاء ومعرفة الناس به تغني في هذا المقام عن التطرق إلى غير موقفه من الخمرة، ولذا عقدنا العزم يوم قررنا إصدار " حدائق أبي العلاء" التي تتضمن كل منها حصراً ما قاله المعري في إحدى المواضيع التي عالجها في لزومياته، حتى إذا اختار قارئ أو باحث موضوعاً معيناً منها استطاع بسهولة بلوغ هدفه في أقصر وقت ممكن ومن أقرب الموارد، دون أن ينتابه سأم ولا يعف، بسب كثرة الترديد في المعاني وبعثرتها في العديد من القصائد التي لا تجمعها وحده عدا وحدة القافية.
وعلى هذا الأساس نشرنا "حديقة الحيوان" التي تشتمل على أشعار أبي العلاء في الحيوان بحافز من جمعية الرفق بالحيوان في لندن رغبة منها في الاطلاع على أقواله المتعلقة بالحيوان كي تتمكن من تقرير كريمه، كما كنا اتفقنا، على أوسع نطاق وأعلى مستوى باعتباره أول محب للحيوان (زووفيل) وأول من دعا إلى الرفق به في التاريخ(1). ومع أن هذه الجمعية خيبت حسن ظننا فيها، والأمل الذي علقناه عليها في تكريم هذا النباتي العظيم في تاريخ الإنسانية جمعاء، فلها الفضل في توليدها في نفسنا الرغبة الصادقة والعزم الأكيد في جمع هذه "الحدائق" ومباشرة نشرها خدمة لثقافتنا ومثقفينا. وقد ظهر منها حتى اليوم ثلاث حدائق: " حديقة الحيوان" و" حديقة النسل" و"حديقة الصداقة والصديق" بفضل من الله ومجهودنا الشخصي، وتعذر علينا نشر الحدائق الأخرى الجاهزة للطبع لتقاعس جهات مختصة من مؤسسات رسمية ودور طباعة ونشر في قطرنا وخارجه عن تشجيع هذا المشروع الأدبي المفيد الذي ينوء بعبئه أي فرد.
وبالنظر إلى تلكؤ بعض تلك الجهات عن نشر " حديقة الخمر"، كأن ديوان أبي نواس لا يحتل الصدارة في المكتبات العامة والخاصة في أي مكان عربي، وكأن موضوع الخمريات من المنكرات، رغم أنف ابن الفارض، وقد خصصت للخمر في اللغة العربية كتب كاملة مثل: قطب السرور لأبي اسحق إبراهيم المعروف بالرقيق النديم تحقيق المرحوم أحمد الجندي، وحلبة الكميت لشمس الدين النواجي، وتطور الخمريات في الشعر العربي لجميل سعيد، وخمر وشعر لسامي الكيالي، وثورة الخمريات وثورة الزهديات محمد صادق عفيفي.
رأينا أن من المناسب نشر مقال مقتبس من مقدمة حديقة الخمر لبيان موقف أبي العلاء " شاعر الفلسفة وفيلسوف الشعراء" من الخمر في اللزوميات ورسالة الغفران خاصة لأن الذين اهتموا بأدب أبي العلاء قلما تعرضوا لهذا الموقف بجدية واكتفوا بالقول إن أبا العلاء زهد في الخمر.
لقد عرضنا في مقدمة حديقة الخمر تاريخ الكرمة والخمرة مذ عرفتا في الأساطير والكتب عند الوثنيين واليهود والمسيحيين والإسلام حتى عهد أبي العلاء، على قدر ما تيسر لنا وبتدرج تاريخي، ونوهنا ببعض شعراء الخمر عند اليونان والرومان ولا سيما شعراء العرب الذين قد يكون لشعر السابقين منهم في شعر اللاحقين حتى أبي العلاء في لزومياته وفي رسالة الغفران أيضاً. وقد بدا لنا رأي أبي العلاء واضحاً في الخمر وفي شعرائها الذين أتى على ذكرهم عندما التقاهم ابن القارح بطل رسالة الغفران في الجنة وفي الجحيم، وحادثهم، وما قول أبي العلاء:
وما قاله الكوفي (أبو العتاهية) في الزهد مثل ما تغنى به البصري (أبو نواس) في صفة الخمر(2)، إلا دليل قوي على مدى معرفة المعري بأشعارهما.
لقد زهد أبو العلاء في أشياء كثيرة من مسرات الحياة ولذاتها حتى من الأشربة. لكن أقواله في الخمر تنبئ بأنه كان من أعرف الناس بها وأعلمهم بتأثيراتها فعددها وذكر أنواعها والأماكن التي اشتهرت بصنعها، ووصف الأواني التي تشرب وتحفظ بها، وقد زاد تسعة أسماء على أسماء أوانيها التي وردت في المعجم " الرافد"(3) وذكر أيضاً أبو العلاء أربعين اسماً للخمر من التي ذكرها شمس الدين النواجي في كتابه " حلبة الكميت"، وأضاف إليها ثلاثين اسماً أخرى أغفلها النواجي.
لا شك في أن المعري كان مطلعاً على أقوال الشعراء الجاهليين والإسلاميين من أمويين وعباسيين في الخمرة في دواوينهم التي يعسر أو يتعذر اليوم الحصول على بعضها، اطلاعاً قد لا يدانيه فيه أحد. فهو في ما جاء في تلك الدواوين عليم خبير بصير، وقد حفظ منه الشيء الكثير، وقد اتخذ من الخمرة موقفاً جاداً صريحاً حازماً، ولم يرو أحد من مؤرخيه، ولا من حساده ومناوئيه الكثيرين والناقمين عليه، أنه حضر يوماً مجلس شرب تدار فيه كؤوس الراح مترعة أو أنه ذاق أي نوع من أنواع المسكر، أو أنه دعا إلى شربه، في جميع ظروف حياته وأطوارها، فأبو العلاء ما وصف مجلساً من مجالس الشرب والطرب إلا ما ذكره في الجنة عن المأدبة التي تخيلها في رسالة الغفران وجمع إليها من أمكن جمعه من شعراء الخضرمة والإسلام وغيرهم من العالمين بشيء من أصناف العلوم والمتأدبين، بل إن المعري كره الخمر كرهاً عظيماً وكرهها إلى الناس، وافتن في ذمها أكثر من افتتان أبي نواس في مدحها، وذلك في جميع آثاره المعروفة التي جاء فيها على ذكر الخمر عدا خمر الجنة(4). وهل يمكن أو يعقل أن تكون خمر الجنة التي أعدها الله لعباده الصالحين غير ما وصفها أبو العلاء.
غير أن عباس محمود العقاد ما استبعد أن يكون أبو العلاء قد ذاق الخمر في بعض الأديرة التي كان يغشاها للدرس ومراجعة المذاهب، فإن أوصافه لها أوصاف من لا يقتصر في العلم بها على السماع، لا يستبعد أنه كان يذوقها من حين إلى حين في بعض أيام العزلة بدليل قوله:
فلا تشربنها ما حييت وإنتمل
إلى الغي فاشربها بغير نديم
ويقول العقاد أيضاً: إن لم يكن في ما استشهد به من أقوال المعري دلالة على أنه قد ذاق الخمر وعاد إلى مذاقها بعد لزوم المحبسين ففيه دلالة على اشتهائها ومغالبة نفسه عليها، مغالبة ليس بالهين نسيانها وصرفها من ذهنه وهواجس ضميره(5). ويبدو لنا أن أبا العلاء كان يقصد نفسه حقاً في قوله:
وشربت كأساً في الشبيبة سادرا
فوجدت بعد الشيب فرط خمار(6)
لأن التاء في شربت ووجدت مضمومة. وقد يثبت أن أبا العلاء ذاق الخمرة قوله:
ولا قصرت لي أم ليلى (الخمرة) بشربها
حنادس أوقات علي طيال
(ل.ج 2/324)
ولأبي العلاء كتاب لطيف بعنوان: "خماسية الراح". ومعنى هذا الاسم كما شرحه القفطي أنه بني على حروف المعجم فذكر لكل حرف يمكن حركته- ما خلا الألف- خمس سجعات مضمومات وخمساً مفتوحات وخمساً مكسورات وخمساً موقوفات فيكون مقداره عشر كراريس(7) ولم يشر أحد ممن ذكروا هذه الخماسية إلى أنها مطبوعة أو ما زالت مخطوطة أو مفقودة، لذلك لا يمكننا أن نزيد على ما قاله العارفون الكبار بأن هذا الكتاب لطيف كتبه أبو العلاء في ذم الخمر خاصة.
وما خلت رسائل أبو العلاء القصيرة(8) من ذكر الخمر فيها:
الخمرة بنت الغربيب (صفحة ج1/102): الغريب أجود العنب. لو كتمت مودتي لنم بها الخلد نميمة الزجاج بالراح (ج1/136). شوقي إلى حضرته السعيدة... كرحيق إذا عتق جاد (ج1/151). كلما ازدادت الراح قدماً ازدادت حسناً وتنسماً (ج2/485). لو ذكرت الراح لشفت من الهرم وانتفت (انتقلت) من الكرم إلى الكرم ولم ترض دنان العقار بلباس القار ونسج العناكب على المناكب (ج1/110). أسكران أنا أم هكران (ناعس) إن كنت انتشيت (سكرت) فالثمل (السكر) يقوّي الأمل (ج1/65). عقاب أصيب بحجر فصرع وعانى أمراً كأنه سقي خمراً (ج3/598). وقال شاعر:
أرعشتني الخمر من إدمانها
ولقد أرعشت من غير كبر
(ج2/443)
(من شرب العاتقة الكميت نشوره غريب وحسابه تثريب (لوم) (ج1/103).)
وقال أبو العراء في إحدى رسائله: "أنه ما علم أن أحداً روى شعراً عن الملائكة أما الجن فقد ورد عنها... وأن المشهور عند العرب زعمهم أن لكل شاعر شيطاناً يقول الشعر على لسانه... حتى سموا الشياطين بأسماء... وروي عن أبي القاسم المبارك بن عبد العزيز عن أبي عبد الله بن خالويه عن ابن دريد حديث معناه أن أبا بكر بن دريد ذكر لأصحابه أنه رأى فيما يرى النائم أن قائلاً يقول: لم لا تقول في الخمر شيئاً؟ فقال: وهل ترك أبو نواس مقالاً! فقال له: أنت أشعر منه حيث تقول:
وحمراء قبل المزج صفراء بعده
أتت بين ثوبي نرجس وشقائق
حكت وجنة المعشوق صرفاً فسلطوا
عليها مزاجاً فاكتست لون عاشق
(ج2/365 و/370)
وكان هذا القائل شيطانه أبا زاجية!.. ويبدو من هذه القصة أن أبا العلاء استحسن هذين البيتين وربما فضلهما على كثير من شعر أبي نواس، وقد يكون استوحى منهما ما قاله في بيته المشهور في سقط الزند، ديوانه في شبابه:
وسهيل كوجنة الحب في اللو
ن وقلب المحب في الخفقان(9)
وفي هذا الديوان حذر أبو العلاء من شرب الخمر لأن في ذلك سفاهة وإثماً:
ألم تر أن الأولين إليهما(10)
نموا حسب الخمر الذي رفع النظم
فإياك والكأس التي بت ناعتاً
فما شربها إلا السفاهة والإثم
وفي ضوء السقط حرم أبو العلاء الخمر على نفسه لا خوفاً وتقية بل لأنها تعقل العقل:
وحرمت شرب الراح لا خوف سائط
ولكنها ترمي العقول بعقال(11)
(وجاء في مجاني الأدب ج1 ص 50 قول شاعر:
تركت النبيذ وشراب
وصرت صديقاً لمن عابه
شراب يضل طريق الهدى
ويفتح للشر أبوابه)
وتمنى المعري مرة وهو في بغداد(12) لو حلت الخمر لكان شربها ونسي همومه وأحزانه ولوعاته كما أشار إلى ذلك متمنعاً من شربها في أكثر من موضع في اللزوميات وسنعود إلى بحث هذه الناحية فيما بعد.
وفي الفصول والغايات دعا المعري إلى الخوف من المسكرات وإلى تجنبها: خافوا الله وتجنبوا المسكرات، حمراء مثل النار، وصفراء كالدينار، وبيضاء تشبه الآل، وكميتاً وصهباء وكل ما أدرك من الألوان، لو كانت أقسام اللب كرهاق الحصى والسكرة من الجرع بمثل ذلك، لقلت أن النغبة الواحدة حرام، ولو هجر أب لجناية ولد لحرّم العنب لجريرة المدام، وهل لها من ذنب؟ إنما الذنب لعاصر الجون ومستخرجها وردية اللون وحابسها في الجن، ومنتظرها برهة من الدهر، وشاربها ورد العطشان، وتفوّق الرضيع فاجتنبوا ما يذهب العقول، فيها عرف الصواب (الفصول والغايات ص 60).
إياك وذوارع الخمر (زقاقها)! لكن أصب طيباً وادخر غير مسكر عنجدا (زبيبا). فلو أطلقت الخندريس (الخمر) وكانت تقدح في حجاك لوجب هجرها عليك (الفصول والغايات ص 439- تقدح: تغرف في الأقداح، وأراد بالحجا هنا: المجلس). وإياك أن تعبق بأم زنبق (تعبق: تتولع) وأم زنبق: الخمر أو أول ما يسيل منها (ص 98). وشهد أن خرسها (الجن) المطلي بالقار خرس الحكمة والوقار. ونصح قائلاً: فكن غير ثمل وغير ساب (السابي: الذي يشتري الخمر (ف. 98). لا تغبط الثمل براحه وارثِ له من اجتراحه. يندم الثمل إذا صحا ويعلم أنه جهل فيما انتحى(14).
رسالة الغفران:
أما في رسالة الغفران فإن أبا العلاء ما قصر في الحديث عن الخمر ابتداء من الصفحة 134 ولغاية الصفحة 522(15). وفي هذه الأثناء ما كادت تفارق ثغره ابتسامة رضا عريضة أو ابتسامة نقد لاذعة أو تهكم وسخرية عميقة. فلأبي العلاء موقف من الخمر في رسالة الغفران يختلف عن موقفه منها في اللزوميات لأن حديثه عنها في هذه الرسالة يجري في الجنة حيث أبيحت أو في جهنم حيث بعض الذين اشتهروا بشربها وكأنه ليزيد في عذابهم أو ليوفيهم حقهم.
فأبو العلاء ما إن رفع ابن القارح إلى الجنة حتى أخذ يريه عجائبها ومنها جعافر أي أنهار من الرحيق المختوم، وهي الراح الدائمة لا الذميمة ولا الذائمة(134)، ولكنها كالتي وصفها علقمة الفحل:
تشفي الصداعَ ولا يؤذيه صالبُها
ولا يخالطُ منها الرأسَ تدويمُ(16)
ولم يحلم بها أبو الهندي... ويرى في تلك الأنهار أواني على هيئة الطير ينبع من أفواهها شراب كأنه من الرقة سراب لو جرع منه أبو نواس لحكم أنه الفوز القديم وشهد له كل وصاف الخمر من محدث وعتيق (ص 141).
ويرى أبو العلاء أن كل ما اعتصر من الخمر وما تردد ذكره وما عمل من أجناس المسكرات وما ولد من النخيل وما صنع من أيام آدم وشيث إلى يوم المبعث ليس نطفة أي جرعة من خمر الجنة، ملكة لا تصلح أن تكون برعاياها مشتبكة، وأن تلك المدامة تعترضها أنهار من عسل مصفى ويستشهد المعري بالآية: "في الجنة أنهار من خمر لذة للشاربين"(146). وتلعب في تلك الأنهار الخمرية أسماك من الذهب والفضة وصنوف الجواهر... إذا مد المؤمن يده إلى واحدة منها شرب من فيها عذباً لو وقعت الجرعة منه في البحر الذي لا يستسيغ ماءه الشارب لحلت منه أسافل وغوارب... (160). وتمنى المعري لابن القارح أن يكون مع ندامى من الفردوس من الأدباء ويروي أربعة أبيات من معلقة الأعشى:
نازعتهم قضبَ الريحان متكئاً
وقهوةً مزةً راووقها خضلُ
لا يستفيقونَ منها وهي راهنةٌ
إلا بهات وإن علّوا وإن نهلوا
يسعى بها ذو زجاجات له نطفٌ
مقلصٌ أسفلَ السربال معتملُ
ومستجيبٍ تخالُ الصنجَ يسمعهُ
إذا ترجعُ فيه القينة الفضلُ
ويقذف أولئك الندامى بتلك الآنية في أنهار الرحيق(164)... فتسمع لها أصوات تُبعث بمثلها الأموات... فذكرته بالأعشى ميمون الذي يقول في إحدى قصائده:
وشمولٍ تحسبُ العينُ إذا
صُفقتْ جندُعَها نورَ الذبحُ
... (165 و166)، وأسف ابن القارح لعدم إسلام الأعشى ولولا ذلك لجاز أن يكون بين الندامى في ذلك المجلس فينشدهم غريب الأوزان(166). ومن الغريب قول نابغة بني جعدة إن الناس في الدنيا كان يظهر عنهم السفه بشرب اللبن كما قال الراجز:
يابن هشام أهلك الناس اللبنُ
وقول آخر:
إنما هاج من جهالنا اللبن(225).
ويسأل ابن القارح أبا بصير الأعشى:
بالله هل يهجسُ لك تمني المدام؟ وأبو بصير الأعشى في هذا المقام يكون في الجنة كما تمنى له ابن القارح (166)، وقد شفع النبي به (227)، فيقول الأعشى: كلا والله! إنها عندي لمثل المقر لا يخطر ذكرها بالخلد (225). وفي هذه الأثناء يمر حسان بن ثابت فيجلس إليهم فيسألونه: أين هذه المشروبة من سبيئتك التي ذكرتها:
كأنّ سبيئةً من بيت راسٍ
يكونُ مِزاجها عسلٌ وماءُ؟
ويقولون له: ويحك! أما استحييت أن تذكر مثل هذا في مدحتك رسول الله:
فيقول: أنه كان أسجع خلقاً مما تظنون ولم أقل إلا خيراً. لم أذكر أني شربت خمراً وإنما وصفت ريق امرأة يجوز أن يكون حلا لي ويمكن أن أقوله على الظن وقد شفع r في أبي بصير بعدما تهكم. وما سمع بأكرم منه r (227). وينتقل ابن القارح إلى مناقشة حسان في مشكلة لغوية فيسأله: كيف قلت: أيكون مزاجها عسل وماء أم مزاجها عسلاً وماء أم مزاجها عسل وماء؟
ثم يتفرق أهل ذلك المجلس ويروي ابن القارح وهو ما زال في الجنة أنه عندما حاول دخول الجنة، شاهد من آل أبي طالب خلقاً كثيراً من ذكور وإناث ممن لم يشرب خمراً ولا عرف قط منكراً (250)(17).
ويروي ابن القارح أيضاً أنه بدا له أن يصنع مأدبة في الجنان لشعراء الخضرمة والإسلام وغيرهم ممن يتأنس بقليل الأدب، كمآدب الدار العاجلة. وكان الباري جلت عظمته لا يعجزه أن يأتيهم بجميع الأغراض من غير كلفة ولا إبطاء!..(260). فأقيمت المأدبة... وما أن قضى المدعوون الأرب من الطعام حتى جاءت السقاة بأصناف الأشربة(264). وتغني قينة في الجنة فتجيد الغناء وتعجب الجماعة بها. فتكشف لهم عن هويتها فتقول أنا أم عمرو التي يقول فيها القائل:
تصدُّ الكأسَ عنا أمُّ عمرو
وكان الكأسُ مجراها اليمينا
وما شرُّ الثلاثةِ، أمُّ عمرو،
بصاحبكِ الذي تصبحينا
أي الذي لا تسقينه خمر الصباح. وتقول أم عمرو للسائل: أن هذين البيتين لعمرو بن عدي ولعل عمرو بن كلثوم حسن كلامه بهما واستزادهما في أبياته (ص 69).
وفي الجنة يخطر لابن القارح ذكر الفقاع، وهو الشراب المتخذ من الشعير الذي كان يعمل في الدنيا فيجري الله بقدرته أنهاراً من فقاع، الجرعة منها لو عدلت بلذات الفانية مذ خلق الله السموات والأرض إلى يوم تطوي الأمم الآخرة لكانت أفضل وأشف... ويجمع الله كل فقاعي في الجنة من أهل العراق والشام وغيرهما من البلاد يحملون السلال إلى أهل ذلك المجلس (ص 272).
ويلتقي ابن القارح بطل رسالة الغفران في جنة العفاريت الجني الخيثعور أبا هدرش وكان أبا العلاء أراد أن يبين أن الخمر من عمل إبليس فأشار إلى ذلك في قصيدة يرجح أنه هو ناظمها ونسبها إلى الخيثعور وهو من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض قبل ولد آدم ليؤاخذه باعترافه فقال أنه قبل أن يؤمن كان يحضر الشُرَّب ويغروهم بآبدة أي بأمر عظيم فيزجون عوداً ومزماراً وطنبوراً فلا يفارقهم حتى يكون لهم فعل يسرّ به إبليس (287)، ويفعل مثل ذلك في قصيدته السينية (ص 292 و293) التي اعترف فيها الخيثعور أنه ذكر زوجاً بمطلقته فحزن وأغراه بالشراب فشرب حتى وهى لبه وعدّ من آل اللعين إبليس الرجيس، وينوه المعري في تلك القصيدة "بالجلد في الخمر ورجم الزاني" (ص 290).
ويصل ابن القارح في رحلته إلى جهنم حيث رأى إبليس يضطرب في الأغلال والسلاسل، تأخذه مقامع الحديد من أيدي الزبانية فيشمت به ابن القارح ويلعنه، فيبادر إبليس مع ما هو فيه من عذاب إلى مخاطبة ابن القارح بقوله: إن لي إليك حاجة فإن قضيتها شكرتك يد المنون فأنا لا أسألك إلا عن خبر تخبرنيه:
لماذا حرمت عليكم الخمر في الدنيا وأحلت لكم في الآخرة، فإن في الجنة لأشربة كثيرة غير الخمر؟ ويقصد إبليس: ومع ذلك فقد أبيح شرب الخمر في الجنة.
فلم يجبه ابن القارح صراحة عن سؤاله في هذا الموضوع الذي أقلق إبليس وربما بعض الفضوليين من البشر أيضاً حتى اليوم!...
ويلتقي ابن القارح في الجحيم عنترة العبسي وقد شق عليه دخول مثل عنترة جهنم فيذكره بقوله: "ولقد شربتُ من المدامةِ"...
ويناقشه في أمور لغوية (315).
ويقف عند علقمة الفحل ويذكره بقصيدته التي يقول فيها:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم
ومن هذه القصيدة أبيات خمرية وهي:
قد أشهدُ الشربَ فيهم مزهرٌ رنمٌ
والقومُ تصرعهم صهباءُ خرطومُ
كأس عزيز من الأعناب عتّقها
لبعض أربابها حانيةٌ حُومُ
تشفي الصداع ولا يؤذيك صالبها
ولا يخالطها في الرأس تدويمُ(18)
عانيةٌ قرقفٌ لم تطلع سنةً
يجِنُّها مدمج بالطين مختومُ
ولكن ابن القارح لم يتوقف عند علقمة الفحل إلا ليسأله عن معنى حوم وعن يهدي أو يهذي(321). ثم يلتقي عمرو بن كلثوم فيقول له: أعزز علي بأنك قصرت على شرب حميم من بعد ما كانت تسبأ لك القهوة من خص أو غير خص تقابلك بلون الحص (أي الورس أو الزعفران) ويسأله عما قصد بكلمة "سخينا وكيف يحرك كلمة شمطاء(323)"؟
ويلتقي ابن القارح طرفة بن العبد فيقول: يابن أخي يا طرفة، خفف الله عنك، أتذكر قولك:
متى تأتني أصبحك كأساً رويةً
وإن كنت عنها غانيا فاغنَ وازادِ؟
فكيف صبوحك الآن وغبوقك إني لأحسبهما حميماً؟ (327).
ويصل ابن القارح إلى الأخطل فيراه يتضور فيقول له: ما زالت صفتك للخمر حتى غادرتك أكلاً للجمر. كم طربت السادات على قولك:
أناخوا فجروا شاصيات كأنها
رجالٌ من السودان لم يتسربلوا
ويستشهد المعري باثني عشر بيتاً من هذه القصيدة(338). وله:
إذا ما نديمي علني ثم علني
ثلاث زجاجات لهن هديرُ
وما أن عاد أبو العلاء ببطله ابن القارح من الجحيم إلى الجنة حتى أراه حيات يلعبن ويتماقلن يتخاففن ويتثاقلن. فتدعو حية ابن القارح إلى الإقامة عندها برهة من الدهر مغرية إياه بأنها تستطيع، إذا شاءت، أن تنتفض من إهابها وتصير مثل أحسن غواني الجنة، وأنه لو ترشف رضابها لعلم أنه أفضل من الدرياقة أي الخمرة (362).
ويلذ لأبي العلاء أن يترنم بقول إياس بن الأرت:
أعاذلَ لو شربتِ الخمر حتى
يظلُّ لكل أنملةٍ دبيب
إذاً لعذرتني وعلمتِ أني
لِما أتلفتُ من مالي مصيب(370)
ويتعرض أبو العلاء، في القسم الثاني من رسالة الغفران(430) وفيه إجابته عن رسالة ابن القارح، إلى الصناديقي المنصور مستنكراً مذهبه في إباحة النساء- إباحة ما تحملتها أم الملك أوديب فانتحرت، ولا أوديب نفسه الذي فقأ عينيه وغادر طيبة ومات في غابة كما تروي الأسطورة- وذكر المعري أبياتاً كانت تغنيها القيان في زمنه منها هذا البيت:
وما الخمرُ إلا كماءِ السحا
بِ طلقٌ، فقدستَ من مذهب(431)
ويروي لربيعة بن أمية الجمحي قوله:
فلا تتركوني من صبوحِ مدامةٍ
فما حرَّم الله السلاف من الخمرِ
فأن يكُ إسلامي هو الحقُّ والهدى
فإني قد خليتهُ لأبي بكر
ويروي للوليد بن يزيد قوله:
ما العيشُ إلا سماعُ محسنة
وقهوةٌ تترك الفتى ثملا
لا أرتجي الحور في الخلود وهل
يأمل حور الجنان من عقلا؟(436)
ويذكر المعري أنه حدث عن إمام من أئمة المعتزلة كان إذ جلس في الشرب ودارت عليهم المسكرة ذات الغرب، وجاءه القدح شربه فاستوفاه وأشهد من حضره على التوبة لما اقتفاه(458). ويروي ما نقله الرواة عن عبد الله بن ميمون القداح، قبل أن يرتد، قوله:
هاتِ اسقني الخمرةَ يا سنبرُ
فليس عندي أنني أنشرُ(460)
ويروي أبو العلاء حديثاً سمعه بإسناد: أن تميم بن أوس الداري النصراني الذي أسلم عام 9هـ كان يهدي إلى النبي كل سنة راوية من خمر. فجاءه بها في بعض السنين وقد حرجت أي حُرمت الخمر فأراقها أو بعها أي صبها بكثرة(504).
ويشير المعري إلى قول ابن القارح: عرض علي كأس خمر فامتنعت منها وقلتُ: خلوني والمطبوخ على مذهب الشيخ الأوزاعي (رسالة ابن القارح ص 48) فيقول له المعري: المطبوخ إن أسكر فهو جار مجرى الخمر على أن كثيراً من الفقهاء قد شربوا الجمهوري والبختج والمنصف(19).
وروى المعري أيضاً ما يلي: وذكر عند " أحمد بن يحيى ثعلب"، أحمد بن حنبل وإن كان شرب النبيذ قط- والنبيذ عند الفقهاء غير الخمر- فقال ثعلب: أنا سقيته بيدي في ختانة كانت لخلف بن هشام البزاز. وأن عمر بن الخطاب رتب الطلاء(20) على نصارى الشام لجنود المسلمين (504).
الياس سعد غالي
(اللزوميات ج2/466)
أبو العلاء أرحب الأدباء والشعراء آفاقاً فهو كالبحر الكبير من أي النواحي أتيته، لا يحده أفق ولا مدى. وشهرة أبي العلاء ومعرفة الناس به تغني في هذا المقام عن التطرق إلى غير موقفه من الخمرة، ولذا عقدنا العزم يوم قررنا إصدار " حدائق أبي العلاء" التي تتضمن كل منها حصراً ما قاله المعري في إحدى المواضيع التي عالجها في لزومياته، حتى إذا اختار قارئ أو باحث موضوعاً معيناً منها استطاع بسهولة بلوغ هدفه في أقصر وقت ممكن ومن أقرب الموارد، دون أن ينتابه سأم ولا يعف، بسب كثرة الترديد في المعاني وبعثرتها في العديد من القصائد التي لا تجمعها وحده عدا وحدة القافية.
وعلى هذا الأساس نشرنا "حديقة الحيوان" التي تشتمل على أشعار أبي العلاء في الحيوان بحافز من جمعية الرفق بالحيوان في لندن رغبة منها في الاطلاع على أقواله المتعلقة بالحيوان كي تتمكن من تقرير كريمه، كما كنا اتفقنا، على أوسع نطاق وأعلى مستوى باعتباره أول محب للحيوان (زووفيل) وأول من دعا إلى الرفق به في التاريخ(1). ومع أن هذه الجمعية خيبت حسن ظننا فيها، والأمل الذي علقناه عليها في تكريم هذا النباتي العظيم في تاريخ الإنسانية جمعاء، فلها الفضل في توليدها في نفسنا الرغبة الصادقة والعزم الأكيد في جمع هذه "الحدائق" ومباشرة نشرها خدمة لثقافتنا ومثقفينا. وقد ظهر منها حتى اليوم ثلاث حدائق: " حديقة الحيوان" و" حديقة النسل" و"حديقة الصداقة والصديق" بفضل من الله ومجهودنا الشخصي، وتعذر علينا نشر الحدائق الأخرى الجاهزة للطبع لتقاعس جهات مختصة من مؤسسات رسمية ودور طباعة ونشر في قطرنا وخارجه عن تشجيع هذا المشروع الأدبي المفيد الذي ينوء بعبئه أي فرد.
وبالنظر إلى تلكؤ بعض تلك الجهات عن نشر " حديقة الخمر"، كأن ديوان أبي نواس لا يحتل الصدارة في المكتبات العامة والخاصة في أي مكان عربي، وكأن موضوع الخمريات من المنكرات، رغم أنف ابن الفارض، وقد خصصت للخمر في اللغة العربية كتب كاملة مثل: قطب السرور لأبي اسحق إبراهيم المعروف بالرقيق النديم تحقيق المرحوم أحمد الجندي، وحلبة الكميت لشمس الدين النواجي، وتطور الخمريات في الشعر العربي لجميل سعيد، وخمر وشعر لسامي الكيالي، وثورة الخمريات وثورة الزهديات محمد صادق عفيفي.
رأينا أن من المناسب نشر مقال مقتبس من مقدمة حديقة الخمر لبيان موقف أبي العلاء " شاعر الفلسفة وفيلسوف الشعراء" من الخمر في اللزوميات ورسالة الغفران خاصة لأن الذين اهتموا بأدب أبي العلاء قلما تعرضوا لهذا الموقف بجدية واكتفوا بالقول إن أبا العلاء زهد في الخمر.
لقد عرضنا في مقدمة حديقة الخمر تاريخ الكرمة والخمرة مذ عرفتا في الأساطير والكتب عند الوثنيين واليهود والمسيحيين والإسلام حتى عهد أبي العلاء، على قدر ما تيسر لنا وبتدرج تاريخي، ونوهنا ببعض شعراء الخمر عند اليونان والرومان ولا سيما شعراء العرب الذين قد يكون لشعر السابقين منهم في شعر اللاحقين حتى أبي العلاء في لزومياته وفي رسالة الغفران أيضاً. وقد بدا لنا رأي أبي العلاء واضحاً في الخمر وفي شعرائها الذين أتى على ذكرهم عندما التقاهم ابن القارح بطل رسالة الغفران في الجنة وفي الجحيم، وحادثهم، وما قول أبي العلاء:
وما قاله الكوفي (أبو العتاهية) في الزهد مثل ما تغنى به البصري (أبو نواس) في صفة الخمر(2)، إلا دليل قوي على مدى معرفة المعري بأشعارهما.
لقد زهد أبو العلاء في أشياء كثيرة من مسرات الحياة ولذاتها حتى من الأشربة. لكن أقواله في الخمر تنبئ بأنه كان من أعرف الناس بها وأعلمهم بتأثيراتها فعددها وذكر أنواعها والأماكن التي اشتهرت بصنعها، ووصف الأواني التي تشرب وتحفظ بها، وقد زاد تسعة أسماء على أسماء أوانيها التي وردت في المعجم " الرافد"(3) وذكر أيضاً أبو العلاء أربعين اسماً للخمر من التي ذكرها شمس الدين النواجي في كتابه " حلبة الكميت"، وأضاف إليها ثلاثين اسماً أخرى أغفلها النواجي.
لا شك في أن المعري كان مطلعاً على أقوال الشعراء الجاهليين والإسلاميين من أمويين وعباسيين في الخمرة في دواوينهم التي يعسر أو يتعذر اليوم الحصول على بعضها، اطلاعاً قد لا يدانيه فيه أحد. فهو في ما جاء في تلك الدواوين عليم خبير بصير، وقد حفظ منه الشيء الكثير، وقد اتخذ من الخمرة موقفاً جاداً صريحاً حازماً، ولم يرو أحد من مؤرخيه، ولا من حساده ومناوئيه الكثيرين والناقمين عليه، أنه حضر يوماً مجلس شرب تدار فيه كؤوس الراح مترعة أو أنه ذاق أي نوع من أنواع المسكر، أو أنه دعا إلى شربه، في جميع ظروف حياته وأطوارها، فأبو العلاء ما وصف مجلساً من مجالس الشرب والطرب إلا ما ذكره في الجنة عن المأدبة التي تخيلها في رسالة الغفران وجمع إليها من أمكن جمعه من شعراء الخضرمة والإسلام وغيرهم من العالمين بشيء من أصناف العلوم والمتأدبين، بل إن المعري كره الخمر كرهاً عظيماً وكرهها إلى الناس، وافتن في ذمها أكثر من افتتان أبي نواس في مدحها، وذلك في جميع آثاره المعروفة التي جاء فيها على ذكر الخمر عدا خمر الجنة(4). وهل يمكن أو يعقل أن تكون خمر الجنة التي أعدها الله لعباده الصالحين غير ما وصفها أبو العلاء.
غير أن عباس محمود العقاد ما استبعد أن يكون أبو العلاء قد ذاق الخمر في بعض الأديرة التي كان يغشاها للدرس ومراجعة المذاهب، فإن أوصافه لها أوصاف من لا يقتصر في العلم بها على السماع، لا يستبعد أنه كان يذوقها من حين إلى حين في بعض أيام العزلة بدليل قوله:
فلا تشربنها ما حييت وإنتمل
إلى الغي فاشربها بغير نديم
ويقول العقاد أيضاً: إن لم يكن في ما استشهد به من أقوال المعري دلالة على أنه قد ذاق الخمر وعاد إلى مذاقها بعد لزوم المحبسين ففيه دلالة على اشتهائها ومغالبة نفسه عليها، مغالبة ليس بالهين نسيانها وصرفها من ذهنه وهواجس ضميره(5). ويبدو لنا أن أبا العلاء كان يقصد نفسه حقاً في قوله:
وشربت كأساً في الشبيبة سادرا
فوجدت بعد الشيب فرط خمار(6)
لأن التاء في شربت ووجدت مضمومة. وقد يثبت أن أبا العلاء ذاق الخمرة قوله:
ولا قصرت لي أم ليلى (الخمرة) بشربها
حنادس أوقات علي طيال
(ل.ج 2/324)
ولأبي العلاء كتاب لطيف بعنوان: "خماسية الراح". ومعنى هذا الاسم كما شرحه القفطي أنه بني على حروف المعجم فذكر لكل حرف يمكن حركته- ما خلا الألف- خمس سجعات مضمومات وخمساً مفتوحات وخمساً مكسورات وخمساً موقوفات فيكون مقداره عشر كراريس(7) ولم يشر أحد ممن ذكروا هذه الخماسية إلى أنها مطبوعة أو ما زالت مخطوطة أو مفقودة، لذلك لا يمكننا أن نزيد على ما قاله العارفون الكبار بأن هذا الكتاب لطيف كتبه أبو العلاء في ذم الخمر خاصة.
وما خلت رسائل أبو العلاء القصيرة(8) من ذكر الخمر فيها:
الخمرة بنت الغربيب (صفحة ج1/102): الغريب أجود العنب. لو كتمت مودتي لنم بها الخلد نميمة الزجاج بالراح (ج1/136). شوقي إلى حضرته السعيدة... كرحيق إذا عتق جاد (ج1/151). كلما ازدادت الراح قدماً ازدادت حسناً وتنسماً (ج2/485). لو ذكرت الراح لشفت من الهرم وانتفت (انتقلت) من الكرم إلى الكرم ولم ترض دنان العقار بلباس القار ونسج العناكب على المناكب (ج1/110). أسكران أنا أم هكران (ناعس) إن كنت انتشيت (سكرت) فالثمل (السكر) يقوّي الأمل (ج1/65). عقاب أصيب بحجر فصرع وعانى أمراً كأنه سقي خمراً (ج3/598). وقال شاعر:
أرعشتني الخمر من إدمانها
ولقد أرعشت من غير كبر
(ج2/443)
(من شرب العاتقة الكميت نشوره غريب وحسابه تثريب (لوم) (ج1/103).)
وقال أبو العراء في إحدى رسائله: "أنه ما علم أن أحداً روى شعراً عن الملائكة أما الجن فقد ورد عنها... وأن المشهور عند العرب زعمهم أن لكل شاعر شيطاناً يقول الشعر على لسانه... حتى سموا الشياطين بأسماء... وروي عن أبي القاسم المبارك بن عبد العزيز عن أبي عبد الله بن خالويه عن ابن دريد حديث معناه أن أبا بكر بن دريد ذكر لأصحابه أنه رأى فيما يرى النائم أن قائلاً يقول: لم لا تقول في الخمر شيئاً؟ فقال: وهل ترك أبو نواس مقالاً! فقال له: أنت أشعر منه حيث تقول:
وحمراء قبل المزج صفراء بعده
أتت بين ثوبي نرجس وشقائق
حكت وجنة المعشوق صرفاً فسلطوا
عليها مزاجاً فاكتست لون عاشق
(ج2/365 و/370)
وكان هذا القائل شيطانه أبا زاجية!.. ويبدو من هذه القصة أن أبا العلاء استحسن هذين البيتين وربما فضلهما على كثير من شعر أبي نواس، وقد يكون استوحى منهما ما قاله في بيته المشهور في سقط الزند، ديوانه في شبابه:
وسهيل كوجنة الحب في اللو
ن وقلب المحب في الخفقان(9)
وفي هذا الديوان حذر أبو العلاء من شرب الخمر لأن في ذلك سفاهة وإثماً:
ألم تر أن الأولين إليهما(10)
نموا حسب الخمر الذي رفع النظم
فإياك والكأس التي بت ناعتاً
فما شربها إلا السفاهة والإثم
وفي ضوء السقط حرم أبو العلاء الخمر على نفسه لا خوفاً وتقية بل لأنها تعقل العقل:
وحرمت شرب الراح لا خوف سائط
ولكنها ترمي العقول بعقال(11)
(وجاء في مجاني الأدب ج1 ص 50 قول شاعر:
تركت النبيذ وشراب
وصرت صديقاً لمن عابه
شراب يضل طريق الهدى
ويفتح للشر أبوابه)
وتمنى المعري مرة وهو في بغداد(12) لو حلت الخمر لكان شربها ونسي همومه وأحزانه ولوعاته كما أشار إلى ذلك متمنعاً من شربها في أكثر من موضع في اللزوميات وسنعود إلى بحث هذه الناحية فيما بعد.
وفي الفصول والغايات دعا المعري إلى الخوف من المسكرات وإلى تجنبها: خافوا الله وتجنبوا المسكرات، حمراء مثل النار، وصفراء كالدينار، وبيضاء تشبه الآل، وكميتاً وصهباء وكل ما أدرك من الألوان، لو كانت أقسام اللب كرهاق الحصى والسكرة من الجرع بمثل ذلك، لقلت أن النغبة الواحدة حرام، ولو هجر أب لجناية ولد لحرّم العنب لجريرة المدام، وهل لها من ذنب؟ إنما الذنب لعاصر الجون ومستخرجها وردية اللون وحابسها في الجن، ومنتظرها برهة من الدهر، وشاربها ورد العطشان، وتفوّق الرضيع فاجتنبوا ما يذهب العقول، فيها عرف الصواب (الفصول والغايات ص 60).
إياك وذوارع الخمر (زقاقها)! لكن أصب طيباً وادخر غير مسكر عنجدا (زبيبا). فلو أطلقت الخندريس (الخمر) وكانت تقدح في حجاك لوجب هجرها عليك (الفصول والغايات ص 439- تقدح: تغرف في الأقداح، وأراد بالحجا هنا: المجلس). وإياك أن تعبق بأم زنبق (تعبق: تتولع) وأم زنبق: الخمر أو أول ما يسيل منها (ص 98). وشهد أن خرسها (الجن) المطلي بالقار خرس الحكمة والوقار. ونصح قائلاً: فكن غير ثمل وغير ساب (السابي: الذي يشتري الخمر (ف. 98). لا تغبط الثمل براحه وارثِ له من اجتراحه. يندم الثمل إذا صحا ويعلم أنه جهل فيما انتحى(14).
رسالة الغفران:
أما في رسالة الغفران فإن أبا العلاء ما قصر في الحديث عن الخمر ابتداء من الصفحة 134 ولغاية الصفحة 522(15). وفي هذه الأثناء ما كادت تفارق ثغره ابتسامة رضا عريضة أو ابتسامة نقد لاذعة أو تهكم وسخرية عميقة. فلأبي العلاء موقف من الخمر في رسالة الغفران يختلف عن موقفه منها في اللزوميات لأن حديثه عنها في هذه الرسالة يجري في الجنة حيث أبيحت أو في جهنم حيث بعض الذين اشتهروا بشربها وكأنه ليزيد في عذابهم أو ليوفيهم حقهم.
فأبو العلاء ما إن رفع ابن القارح إلى الجنة حتى أخذ يريه عجائبها ومنها جعافر أي أنهار من الرحيق المختوم، وهي الراح الدائمة لا الذميمة ولا الذائمة(134)، ولكنها كالتي وصفها علقمة الفحل:
تشفي الصداعَ ولا يؤذيه صالبُها
ولا يخالطُ منها الرأسَ تدويمُ(16)
ولم يحلم بها أبو الهندي... ويرى في تلك الأنهار أواني على هيئة الطير ينبع من أفواهها شراب كأنه من الرقة سراب لو جرع منه أبو نواس لحكم أنه الفوز القديم وشهد له كل وصاف الخمر من محدث وعتيق (ص 141).
ويرى أبو العلاء أن كل ما اعتصر من الخمر وما تردد ذكره وما عمل من أجناس المسكرات وما ولد من النخيل وما صنع من أيام آدم وشيث إلى يوم المبعث ليس نطفة أي جرعة من خمر الجنة، ملكة لا تصلح أن تكون برعاياها مشتبكة، وأن تلك المدامة تعترضها أنهار من عسل مصفى ويستشهد المعري بالآية: "في الجنة أنهار من خمر لذة للشاربين"(146). وتلعب في تلك الأنهار الخمرية أسماك من الذهب والفضة وصنوف الجواهر... إذا مد المؤمن يده إلى واحدة منها شرب من فيها عذباً لو وقعت الجرعة منه في البحر الذي لا يستسيغ ماءه الشارب لحلت منه أسافل وغوارب... (160). وتمنى المعري لابن القارح أن يكون مع ندامى من الفردوس من الأدباء ويروي أربعة أبيات من معلقة الأعشى:
نازعتهم قضبَ الريحان متكئاً
وقهوةً مزةً راووقها خضلُ
لا يستفيقونَ منها وهي راهنةٌ
إلا بهات وإن علّوا وإن نهلوا
يسعى بها ذو زجاجات له نطفٌ
مقلصٌ أسفلَ السربال معتملُ
ومستجيبٍ تخالُ الصنجَ يسمعهُ
إذا ترجعُ فيه القينة الفضلُ
ويقذف أولئك الندامى بتلك الآنية في أنهار الرحيق(164)... فتسمع لها أصوات تُبعث بمثلها الأموات... فذكرته بالأعشى ميمون الذي يقول في إحدى قصائده:
وشمولٍ تحسبُ العينُ إذا
صُفقتْ جندُعَها نورَ الذبحُ
... (165 و166)، وأسف ابن القارح لعدم إسلام الأعشى ولولا ذلك لجاز أن يكون بين الندامى في ذلك المجلس فينشدهم غريب الأوزان(166). ومن الغريب قول نابغة بني جعدة إن الناس في الدنيا كان يظهر عنهم السفه بشرب اللبن كما قال الراجز:
يابن هشام أهلك الناس اللبنُ
وقول آخر:
إنما هاج من جهالنا اللبن(225).
ويسأل ابن القارح أبا بصير الأعشى:
بالله هل يهجسُ لك تمني المدام؟ وأبو بصير الأعشى في هذا المقام يكون في الجنة كما تمنى له ابن القارح (166)، وقد شفع النبي به (227)، فيقول الأعشى: كلا والله! إنها عندي لمثل المقر لا يخطر ذكرها بالخلد (225). وفي هذه الأثناء يمر حسان بن ثابت فيجلس إليهم فيسألونه: أين هذه المشروبة من سبيئتك التي ذكرتها:
كأنّ سبيئةً من بيت راسٍ
يكونُ مِزاجها عسلٌ وماءُ؟
ويقولون له: ويحك! أما استحييت أن تذكر مثل هذا في مدحتك رسول الله:
فيقول: أنه كان أسجع خلقاً مما تظنون ولم أقل إلا خيراً. لم أذكر أني شربت خمراً وإنما وصفت ريق امرأة يجوز أن يكون حلا لي ويمكن أن أقوله على الظن وقد شفع r في أبي بصير بعدما تهكم. وما سمع بأكرم منه r (227). وينتقل ابن القارح إلى مناقشة حسان في مشكلة لغوية فيسأله: كيف قلت: أيكون مزاجها عسل وماء أم مزاجها عسلاً وماء أم مزاجها عسل وماء؟
ثم يتفرق أهل ذلك المجلس ويروي ابن القارح وهو ما زال في الجنة أنه عندما حاول دخول الجنة، شاهد من آل أبي طالب خلقاً كثيراً من ذكور وإناث ممن لم يشرب خمراً ولا عرف قط منكراً (250)(17).
ويروي ابن القارح أيضاً أنه بدا له أن يصنع مأدبة في الجنان لشعراء الخضرمة والإسلام وغيرهم ممن يتأنس بقليل الأدب، كمآدب الدار العاجلة. وكان الباري جلت عظمته لا يعجزه أن يأتيهم بجميع الأغراض من غير كلفة ولا إبطاء!..(260). فأقيمت المأدبة... وما أن قضى المدعوون الأرب من الطعام حتى جاءت السقاة بأصناف الأشربة(264). وتغني قينة في الجنة فتجيد الغناء وتعجب الجماعة بها. فتكشف لهم عن هويتها فتقول أنا أم عمرو التي يقول فيها القائل:
تصدُّ الكأسَ عنا أمُّ عمرو
وكان الكأسُ مجراها اليمينا
وما شرُّ الثلاثةِ، أمُّ عمرو،
بصاحبكِ الذي تصبحينا
أي الذي لا تسقينه خمر الصباح. وتقول أم عمرو للسائل: أن هذين البيتين لعمرو بن عدي ولعل عمرو بن كلثوم حسن كلامه بهما واستزادهما في أبياته (ص 69).
وفي الجنة يخطر لابن القارح ذكر الفقاع، وهو الشراب المتخذ من الشعير الذي كان يعمل في الدنيا فيجري الله بقدرته أنهاراً من فقاع، الجرعة منها لو عدلت بلذات الفانية مذ خلق الله السموات والأرض إلى يوم تطوي الأمم الآخرة لكانت أفضل وأشف... ويجمع الله كل فقاعي في الجنة من أهل العراق والشام وغيرهما من البلاد يحملون السلال إلى أهل ذلك المجلس (ص 272).
ويلتقي ابن القارح بطل رسالة الغفران في جنة العفاريت الجني الخيثعور أبا هدرش وكان أبا العلاء أراد أن يبين أن الخمر من عمل إبليس فأشار إلى ذلك في قصيدة يرجح أنه هو ناظمها ونسبها إلى الخيثعور وهو من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض قبل ولد آدم ليؤاخذه باعترافه فقال أنه قبل أن يؤمن كان يحضر الشُرَّب ويغروهم بآبدة أي بأمر عظيم فيزجون عوداً ومزماراً وطنبوراً فلا يفارقهم حتى يكون لهم فعل يسرّ به إبليس (287)، ويفعل مثل ذلك في قصيدته السينية (ص 292 و293) التي اعترف فيها الخيثعور أنه ذكر زوجاً بمطلقته فحزن وأغراه بالشراب فشرب حتى وهى لبه وعدّ من آل اللعين إبليس الرجيس، وينوه المعري في تلك القصيدة "بالجلد في الخمر ورجم الزاني" (ص 290).
ويصل ابن القارح في رحلته إلى جهنم حيث رأى إبليس يضطرب في الأغلال والسلاسل، تأخذه مقامع الحديد من أيدي الزبانية فيشمت به ابن القارح ويلعنه، فيبادر إبليس مع ما هو فيه من عذاب إلى مخاطبة ابن القارح بقوله: إن لي إليك حاجة فإن قضيتها شكرتك يد المنون فأنا لا أسألك إلا عن خبر تخبرنيه:
لماذا حرمت عليكم الخمر في الدنيا وأحلت لكم في الآخرة، فإن في الجنة لأشربة كثيرة غير الخمر؟ ويقصد إبليس: ومع ذلك فقد أبيح شرب الخمر في الجنة.
فلم يجبه ابن القارح صراحة عن سؤاله في هذا الموضوع الذي أقلق إبليس وربما بعض الفضوليين من البشر أيضاً حتى اليوم!...
ويلتقي ابن القارح في الجحيم عنترة العبسي وقد شق عليه دخول مثل عنترة جهنم فيذكره بقوله: "ولقد شربتُ من المدامةِ"...
ويناقشه في أمور لغوية (315).
ويقف عند علقمة الفحل ويذكره بقصيدته التي يقول فيها:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم
ومن هذه القصيدة أبيات خمرية وهي:
قد أشهدُ الشربَ فيهم مزهرٌ رنمٌ
والقومُ تصرعهم صهباءُ خرطومُ
كأس عزيز من الأعناب عتّقها
لبعض أربابها حانيةٌ حُومُ
تشفي الصداع ولا يؤذيك صالبها
ولا يخالطها في الرأس تدويمُ(18)
عانيةٌ قرقفٌ لم تطلع سنةً
يجِنُّها مدمج بالطين مختومُ
ولكن ابن القارح لم يتوقف عند علقمة الفحل إلا ليسأله عن معنى حوم وعن يهدي أو يهذي(321). ثم يلتقي عمرو بن كلثوم فيقول له: أعزز علي بأنك قصرت على شرب حميم من بعد ما كانت تسبأ لك القهوة من خص أو غير خص تقابلك بلون الحص (أي الورس أو الزعفران) ويسأله عما قصد بكلمة "سخينا وكيف يحرك كلمة شمطاء(323)"؟
ويلتقي ابن القارح طرفة بن العبد فيقول: يابن أخي يا طرفة، خفف الله عنك، أتذكر قولك:
متى تأتني أصبحك كأساً رويةً
وإن كنت عنها غانيا فاغنَ وازادِ؟
فكيف صبوحك الآن وغبوقك إني لأحسبهما حميماً؟ (327).
ويصل ابن القارح إلى الأخطل فيراه يتضور فيقول له: ما زالت صفتك للخمر حتى غادرتك أكلاً للجمر. كم طربت السادات على قولك:
أناخوا فجروا شاصيات كأنها
رجالٌ من السودان لم يتسربلوا
ويستشهد المعري باثني عشر بيتاً من هذه القصيدة(338). وله:
إذا ما نديمي علني ثم علني
ثلاث زجاجات لهن هديرُ
وما أن عاد أبو العلاء ببطله ابن القارح من الجحيم إلى الجنة حتى أراه حيات يلعبن ويتماقلن يتخاففن ويتثاقلن. فتدعو حية ابن القارح إلى الإقامة عندها برهة من الدهر مغرية إياه بأنها تستطيع، إذا شاءت، أن تنتفض من إهابها وتصير مثل أحسن غواني الجنة، وأنه لو ترشف رضابها لعلم أنه أفضل من الدرياقة أي الخمرة (362).
ويلذ لأبي العلاء أن يترنم بقول إياس بن الأرت:
أعاذلَ لو شربتِ الخمر حتى
يظلُّ لكل أنملةٍ دبيب
إذاً لعذرتني وعلمتِ أني
لِما أتلفتُ من مالي مصيب(370)
ويتعرض أبو العلاء، في القسم الثاني من رسالة الغفران(430) وفيه إجابته عن رسالة ابن القارح، إلى الصناديقي المنصور مستنكراً مذهبه في إباحة النساء- إباحة ما تحملتها أم الملك أوديب فانتحرت، ولا أوديب نفسه الذي فقأ عينيه وغادر طيبة ومات في غابة كما تروي الأسطورة- وذكر المعري أبياتاً كانت تغنيها القيان في زمنه منها هذا البيت:
وما الخمرُ إلا كماءِ السحا
بِ طلقٌ، فقدستَ من مذهب(431)
ويروي لربيعة بن أمية الجمحي قوله:
فلا تتركوني من صبوحِ مدامةٍ
فما حرَّم الله السلاف من الخمرِ
فأن يكُ إسلامي هو الحقُّ والهدى
فإني قد خليتهُ لأبي بكر
ويروي للوليد بن يزيد قوله:
ما العيشُ إلا سماعُ محسنة
وقهوةٌ تترك الفتى ثملا
لا أرتجي الحور في الخلود وهل
يأمل حور الجنان من عقلا؟(436)
ويذكر المعري أنه حدث عن إمام من أئمة المعتزلة كان إذ جلس في الشرب ودارت عليهم المسكرة ذات الغرب، وجاءه القدح شربه فاستوفاه وأشهد من حضره على التوبة لما اقتفاه(458). ويروي ما نقله الرواة عن عبد الله بن ميمون القداح، قبل أن يرتد، قوله:
هاتِ اسقني الخمرةَ يا سنبرُ
فليس عندي أنني أنشرُ(460)
ويروي أبو العلاء حديثاً سمعه بإسناد: أن تميم بن أوس الداري النصراني الذي أسلم عام 9هـ كان يهدي إلى النبي كل سنة راوية من خمر. فجاءه بها في بعض السنين وقد حرجت أي حُرمت الخمر فأراقها أو بعها أي صبها بكثرة(504).
ويشير المعري إلى قول ابن القارح: عرض علي كأس خمر فامتنعت منها وقلتُ: خلوني والمطبوخ على مذهب الشيخ الأوزاعي (رسالة ابن القارح ص 48) فيقول له المعري: المطبوخ إن أسكر فهو جار مجرى الخمر على أن كثيراً من الفقهاء قد شربوا الجمهوري والبختج والمنصف(19).
وروى المعري أيضاً ما يلي: وذكر عند " أحمد بن يحيى ثعلب"، أحمد بن حنبل وإن كان شرب النبيذ قط- والنبيذ عند الفقهاء غير الخمر- فقال ثعلب: أنا سقيته بيدي في ختانة كانت لخلف بن هشام البزاز. وأن عمر بن الخطاب رتب الطلاء(20) على نصارى الشام لجنود المسلمين (504).