لم أعرف أن عائد استأجر شقة صغيرة في ميدان الدقي، وفي البناية نفسها التي يسكن فيها غالب هلسا، على الرغم من أنني ترددت أكثر من مرة على غالب، الذي كان يشغل الطابق الأول و عائد في الرابع، فقد كان مقررا إعداد ملف عن قصصي في مجلة جاليري 68، وأن يكتب غالب دراسة عني، لكن العدد لم يصدر للأسف. أنا مندهش جدا من هذا الأمر، فقد شهدت شقة عائد أهوالا وأهوالا لم يتح لي أن أشهدها.
اتسعت الشقة المسكينة لأشقياء من طراز يحي الطاهر عبد الله وابراهيم منصور وأمل دنقل والبساطي وأصلان ومن لف لفهم . ومن بين شواغلهم مسالة التدخين، فيحي الطاهر مدخنة متواصلة، ودائم الاحتيال على أصدقائه في هذا الأمر. وإذا ادلهمت الدنيا أمامه، يلجأ للمداهنة والاستعطاف، وكان لايتورع -إذا كان في الخارج- عن استيقاف واحد من الناس ، مثلما حدث واستوقف في شبرا واحدا إسمه بدر، كان يسير بصحبة سيدة جميلة جدا، وبعد السلامات طلب منه علبة سجائر، لكن بدر أجابه بانه لايدخن، فقال يحي أنه يعرف. استأذن الرجل منهما، وواصلت السيدة كلامها وترحيبها بيحي، حتي عاد الرجل ومعه علبة سجائر ناولها ليحي وانصرفا بعد سلام حار. وذُهل عائد عندما علم أن بدر هذا هو بدرالدين جمجوم، ومن معه هي زوجته الفنانة فيروز" الصغيرة "، وهما من أصدقاء يحي
تحفل صفحات كتاب عائد بتفاصيل نادرة عن نقاشات شهدتها مقاهي وبارات وسط البلد، مثل النقاش الساخن بين الناقد عبد الرحمن أبو عوف والكاتب محمد ابراهيم مبروك حول الكتابة الجديدة، وسقوط صفحة الواقعية الاشتراكية، وغضب الناقد الذي كان يتشرف بإطلاق لقب الناقد الشيوعي المعروف عبد الرحمن أبو عوف عليه ووصل الأمر إلى مايشبه الاشتباك بالأيدي!! وإصرار يحيى على قراءة قصصه من الذاكرة رغماً عن السامعين لأنهم استمعوا إليها عدة مرات، وتحذيره لأصلان لأنه لاحظ أنه مراقب من أجهزة الأمن، ودعوته للمشاركة في تنظيم ما .. أوغيرها من الأمور .
أما التنافس بين يحيى وأصلان حول القصة القصيرة فقد كان أمرا شائعا، وسواء التقيا في بيت أصلان في الكيت كات أو في عوامة المونتير أحمد متولي في امبابة أو شقة عائد في الدقي، فإن شغل يحيى الشاغل هو إثبات أن قصصه أفضل من قصص أصلان، كما أن وعيه السياسي أكثر تطورا .
أود أن أضيف هنا أن عائد بالنسبة لهؤلاء لم يكن مجرد صديق أحبوه، بل كان كاتبا معروفا ونشر له عبدالفتاح الجمل في ملحق الأخبار إحدى قصصه- أظنها قصة الموقعة- لذلك فإن ما التقطه وما شهده وشارك فيه وكتب عنه هو من منظوره ككاتب، ولذلك أيضا يؤرخ على نحو من الأنحاء لجيل الستينيات .
يتجول عائد بصحبة أصدقائه طوال النهار بين ريش وإيزافيتش وفنيكس ولاباس. يلتقي مثلا بصلاح جاهين أو ابراهيم فتحي أو فاروق عبد القادر، ناهيك عن نجيب محفوظ مساء الجمعة، أو خيري شلبي في مقابر المجاورين. وربما ينتهي اليوم في مقاهي التوفيقية في الثالثة من صباح اليوم التالي حيث اعتاد أمل دنقل أن يحل الكلمات المتقاطعة لكافة الجرائد اليومية.
أعود إلى شقة الدقي المسكينة التي شهدت غارات متواصلة من الجميع، وكان بوسع أي واحد مهم أن يدق باب الشقة في أي وقت من الأوقات، لكن أغرب ماجرى هو مافعله يحيى في ظهيرة ما،عندما جاء وبصحبته اثنان لايعرفهما عائد الأول هو المطرب محمد عبد المطلب والثاني عبد الرحمن أبو عوف !! وقال يحيى قبل أن يُسأل أنه شاهد عبد المطلب يجلس على أحد المقاهي القريبة، فبادر بالتعرف عليه، واصطحبه ليتعرف عليه أصدقاؤه ، في الطريق التقى بعبد الرحمن أبو عوف فاصطحبه أيضا .
مازالت ليالي عائد في القاهرة حافلة.. أستكمل إذا امتد الأجل في الأسبوع القادم..
اتسعت الشقة المسكينة لأشقياء من طراز يحي الطاهر عبد الله وابراهيم منصور وأمل دنقل والبساطي وأصلان ومن لف لفهم . ومن بين شواغلهم مسالة التدخين، فيحي الطاهر مدخنة متواصلة، ودائم الاحتيال على أصدقائه في هذا الأمر. وإذا ادلهمت الدنيا أمامه، يلجأ للمداهنة والاستعطاف، وكان لايتورع -إذا كان في الخارج- عن استيقاف واحد من الناس ، مثلما حدث واستوقف في شبرا واحدا إسمه بدر، كان يسير بصحبة سيدة جميلة جدا، وبعد السلامات طلب منه علبة سجائر، لكن بدر أجابه بانه لايدخن، فقال يحي أنه يعرف. استأذن الرجل منهما، وواصلت السيدة كلامها وترحيبها بيحي، حتي عاد الرجل ومعه علبة سجائر ناولها ليحي وانصرفا بعد سلام حار. وذُهل عائد عندما علم أن بدر هذا هو بدرالدين جمجوم، ومن معه هي زوجته الفنانة فيروز" الصغيرة "، وهما من أصدقاء يحي
تحفل صفحات كتاب عائد بتفاصيل نادرة عن نقاشات شهدتها مقاهي وبارات وسط البلد، مثل النقاش الساخن بين الناقد عبد الرحمن أبو عوف والكاتب محمد ابراهيم مبروك حول الكتابة الجديدة، وسقوط صفحة الواقعية الاشتراكية، وغضب الناقد الذي كان يتشرف بإطلاق لقب الناقد الشيوعي المعروف عبد الرحمن أبو عوف عليه ووصل الأمر إلى مايشبه الاشتباك بالأيدي!! وإصرار يحيى على قراءة قصصه من الذاكرة رغماً عن السامعين لأنهم استمعوا إليها عدة مرات، وتحذيره لأصلان لأنه لاحظ أنه مراقب من أجهزة الأمن، ودعوته للمشاركة في تنظيم ما .. أوغيرها من الأمور .
أما التنافس بين يحيى وأصلان حول القصة القصيرة فقد كان أمرا شائعا، وسواء التقيا في بيت أصلان في الكيت كات أو في عوامة المونتير أحمد متولي في امبابة أو شقة عائد في الدقي، فإن شغل يحيى الشاغل هو إثبات أن قصصه أفضل من قصص أصلان، كما أن وعيه السياسي أكثر تطورا .
أود أن أضيف هنا أن عائد بالنسبة لهؤلاء لم يكن مجرد صديق أحبوه، بل كان كاتبا معروفا ونشر له عبدالفتاح الجمل في ملحق الأخبار إحدى قصصه- أظنها قصة الموقعة- لذلك فإن ما التقطه وما شهده وشارك فيه وكتب عنه هو من منظوره ككاتب، ولذلك أيضا يؤرخ على نحو من الأنحاء لجيل الستينيات .
يتجول عائد بصحبة أصدقائه طوال النهار بين ريش وإيزافيتش وفنيكس ولاباس. يلتقي مثلا بصلاح جاهين أو ابراهيم فتحي أو فاروق عبد القادر، ناهيك عن نجيب محفوظ مساء الجمعة، أو خيري شلبي في مقابر المجاورين. وربما ينتهي اليوم في مقاهي التوفيقية في الثالثة من صباح اليوم التالي حيث اعتاد أمل دنقل أن يحل الكلمات المتقاطعة لكافة الجرائد اليومية.
أعود إلى شقة الدقي المسكينة التي شهدت غارات متواصلة من الجميع، وكان بوسع أي واحد مهم أن يدق باب الشقة في أي وقت من الأوقات، لكن أغرب ماجرى هو مافعله يحيى في ظهيرة ما،عندما جاء وبصحبته اثنان لايعرفهما عائد الأول هو المطرب محمد عبد المطلب والثاني عبد الرحمن أبو عوف !! وقال يحيى قبل أن يُسأل أنه شاهد عبد المطلب يجلس على أحد المقاهي القريبة، فبادر بالتعرف عليه، واصطحبه ليتعرف عليه أصدقاؤه ، في الطريق التقى بعبد الرحمن أبو عوف فاصطحبه أيضا .
مازالت ليالي عائد في القاهرة حافلة.. أستكمل إذا امتد الأجل في الأسبوع القادم..