الفصل الثامن من كتابي: الجنس في الشعر العربي (الشعر المعاصر) 2 – نزار قباني والمثلية الانثوية"القصيدة الشريرة" بين الفعل المرئي، والفعل غير المرئي
داود سلمان الشويلي
((دخل دعبل بن علي الخزاعي، على أَبي دلف العِجلي، فامتدحه بقصيدة، شكا فيها العُزْبة، فوجّه اليه بجارية بكر فاجتهد دعبل طول ليلته أن يفتضها فلم يقدر، فلما أصبح كتب الى أبي دلف:
الله أَجرى مِن الأَرزاق أَكثرهــا/عــلى يديك بخير يا أَبا دلفِ
ما يصنع الشيخ بالعذراء يملكها/كجوْزة بَين فكّي أَدرد خَرِفِ
إِن رام يكسرها بالسنّ تثلِمــــــه/وكسرها راحـة للهائم الدنفِ.
قال: فضحك أبو دلف، حين قرأها، ووجَه اليه بجارية ثيب، وقال له بع تلك، وأنفق ثمنها على هذه.))
- كنايات الأدباء واشارات البلغاء" الجرجاني-ص101
((كل الدروب أمامنا مسدودة
وخلاصنا في الرسم بالكلمات.))
نزار قباني
القصيدة :
* مطرٌ..مطرٌ.. وصديقتُها
معها، ولتشرينَ نواحُ
والبابُ تئنُّ مفاصلُهُ
ويعربدُ فيه المفتاحُ
شيءٌ بينهما.. يعرفُهُ
اثنانِ، أنا والمصباحُ
وحكايةُ حبّ.. لا تُحكى
في الحبَّ، يموتُ الإيضاحُ
الحجرةُ فوضى.. فحُليُّ
تُرمى.. وحريرٌ ينداحُ
ويغادرُ زر عروتهُ
بفتورٍ، فالليلُ صباحُ
الذئبةُ تُرضع ذئبتها
ويدٌ تحتاجُ وتحتاجٌ
ودثارٌ فرَّ.. فواحدةٌ
تُدنيه. وأخرى ترتاحُ
وحوارُ نهودٍ أربعةٍ
تتهامسُ، والهمس مباحُ
كطيورٍ بيضٍ في روضٍ
تتناقرُ.. والريشُ سلاحُ
حبَّاتُ العقدينِ انفرطتْ
من لهوٍ، وانهدَ وشاحُ
فاللحمُ الطفلُ، يخدَّشهُ
في العتمة، ظِفرٌ سفّاحُ
وجُزازةُ شعرٍ.. وانقطعتْ
فالصوتُ المهموسُ نباحُ
ويكسَّرُ نهدٌ واقعهُ
ويثورُ، فللجرحِ جراحُ
ويموتُ الموتُ.. ويستلقي
مَّما عاناهُ المصباحُ..
***
يا أختي، لا.. لا تضطربي
إنيّ لكِ صدرٌ وجناحُ
أتراني كوَّنت امرأةً
لي تمضغَ نهدي الأشباحُ
أشذوذٌ.. أختاهُ إذا ما
لثم التفّاح التفاحُ
نحنُ امرأتان.. لنا قِممٌ
ولنا أنواءٌ.. ورياحُ
***
مطرٌ.. مطرٌ.. وصديقتُها
معها، ولتشرينَ نواحُ
والبابُ تئنُّ مفاصلُهُ
ويعربدُ فيه المفتاحُ
***
عندما قال السياب قصيدته "انشودة المطر" وما فيها من عبارة شعرية تحمل دلالات ابداعية غير معينة وغير قليلة، وهي تردد لفظة (مطر.:.. مطر... مطر)، كان يعبر عن حنينة لوطنه العراق. فيما يأتي الشاعر نزار قباني ليردد في مقدمة قصيدة "القصيدة الشريرة" اللفظة نفسها ولكن بمعانى ودلالات غير التي تعنيها قصيدة السياب.
في قصيدة السياب كان الشاعر يردد هذه اللفظة ثمان مرات، مزدوجة أو ثلاثية التكرار، إذ يبث فيها قبل وبعد ترديد هذه اللفظة المشحونة شعراً، الألم وما يحيط به من حزن وهمّ وظلم. فيما تكون لفظة القباني في قصيدته تلك تحمل بين ثناياها مؤثثات الجو الذي يحتاج الى الدفء والراحة النفسية.
والدفء والراحة النفسية لصديقتين تتبَعان هذه اللفظة شعرياً في جو ممطر يتم باللقاء الجسدي بينهما.
تبدأ القصيدة بمقطع شعري يحمل عبارة (مطرٌ.. مطرٌ.. وصديقتُها) - وأؤكد مرة الالف أن الشرح والتفسير يفسد الشعر، إلّا أن الدراسة مضطرة لذلك - وتنتهي بمقطع آخر يحمل العبارة نفسها.
إذن، هناك ترابط عضوي بين المطر وحالة هاتين الصديقتين، تلازم لا ينفك يؤدي الى الإتصال الجسدي لهما. ومن خلال هذا الإتصال الجسدي يحدث أهم أمر في العملية الجنسية وهو المثلية الانثوية، أو ما يسمى بـ "السحاق ".
نزار قباني لا يترك الصديقتين وحدهما، وإنما يؤثث لذلك الجو الطبيعي والحالة النفسية بأمور وأشياء تدفع بالمتلقي أن يتخيل، ويعيش، الحالة التي تكون فيهما.
فهناك أجواء شهر تشرين الممطر برياحه العالية وزوابعه، مما يترك الباب يئن ويعربد فيه المفتاح، أي يبقى قلقلاً، وهي صورة تنقل لنا أجواء التفرد والعزلة والخوف.
هناك مراقب يراقب ما يحدث أمامه، وهو شخص الشاعر، وكذلك المصباح المنير الذي تحدث في أجوائه وتحت ضوئه ما ينقله الشاعر من صور، وهذا الذي يحدث في الضوء وينقله الشاعر، هو حكاية الحب "الجسدي" بين الصديقتين.
تبدأ هذه الحكاية من:
((الحجرةُ فوضى.. فحُليُّ
تُرمى.. وحريرٌ ينداحُ
ويغادرُ زر عروتهُ
بفتورٍ، فالليلُ صباحُ
الذئبةُ تُرضع ذئبتها
ويدٌ تحتاجُ وتحتاجٌ
ودثارٌ فرَّ.. فواحدةٌ
تُدنيه. وأخرى ترتاحُ
وحوارُ نهودٍ أربعةٍ
تتهامسُ، والهمس مباحُ
كطيورٍ بيضٍ في روضٍ
تتناقرُ.. والريشُ سلاحُ
حبَّاتُ العقدينِ انفرطتْ
من لهوٍ، وانهدَ وشاحُ
فاللحمُ الطفلُ، يخدَّشهُ
في العتمة، ظِفرٌ سفّاحُ
وجُزازةُ شعرٍ.. وانقطعتْ
فالصوتُ المهموسُ نباحُ
ويكسَّرُ نهدٌ واقعهُ
ويثورُ، فللجرحِ جراحُ
ويموتُ الموتُ.. ويستلقي
مَّما عاناهُ المصباحُ..)).
بهذه الأشياء وما حدثت فيها من أمور، نعرف ان الصديقتين في حالة فوضى وهما يعيشان حالة ما. هذه الحالة هي ما تنقله الصور المتتالية التي ترسم بالكلمات:
ان الصديقتين تقران أن ما تقومان به هو "شذوذ " بين امرأتين، أو أختين، ليستا بشقيقتين، وهذا يتم من خلال:
- الحجرةُ فوضى .
- فحُليُّ تُرمى.
- وحريرٌ ينداحُ .
- يغادرُ زر عروتهُ .
- الذئبةُ تُرضع ذئبتها .
- ودثارٌ فرَّ.. فواحدةٌ تُدنيه . وأخرى ترتاحُ .
- حوارُ نهودٍ أربعةٍ .
- حبَّاتُ العقدينِ انفرطتْ .
- وانهدَ وشاحُ .
- اللحمُ الطفلُ .
- ظِفرٌ سفّاحُ وجُزازةُ شعرٍ .
- الصوتُ المهموسُ نباحُ .
- مضغَ نهدي الأشباحُ
- لثم التفّاح التفاحُ .
هذه الصور تنقل لنا ما كان يحدث بين الصديقتين، الأختين، من أمور يشم منها الجنس ويفيض عليهما وعلينا نحن القراء.
ابتداء من فوضى الحجرة التي يحدث فيها كل شيء تحت ضوء المصباح، وتحت أعين الشاعر والمشاهد وهو ينقل صور هذه الفوضى العارمة، الى صورة لثم "التفاح"، "للتفاح "، وهي اشارة ابداعية رامزة للجنس، وما تحمله التفاحة من رمز ديني للجنس منذ أن وضعت اسطورة آدم وحواء إلى الآن.
هناك صور ابداعية رامزة الى الجنس، منها: رمي الحلي، وحبَّاتُ العقدينِ المنفرطة، و"انهدَاد الوشاحُ"، والتخلص منها جميعاً لانها – ربما – تعيق العملية التي تحدث، لأن الحلي بين السيدتين لا تنفع بشيء، لا كلمسة جمالية، أو كثروة مادية. فالتخلص منه يأتي بوعي من الشخصية، أو بلا وعي منهما، وهنّ في حالة انتشاء ولذة. وأي لذة هذه التي يتركها الجنس.
إذا كانت الصورة النهائية التي قدمها الشاعر هي صورة (التفاح الذي يلثم التفاح) فإنه في أول القصيدة ينقل لنا صورة مغايرة للّثم، انها صورة "الذئبة" التي ترضع " ذئبة" أخرى. صورة هاتان الذئبتان هي صورة وحشية رامزة لما تتركه الحالة التي هما فيها بعد الوصول إلى بداية الذروة.
وهناك حركة تتم في الفراش، بين اقتراب الغطاء وابتعاده، وهي حركة تشيء بما يحدث داخله من أمور يعرفها الجميع.
وإذا كان الشاعر القباني قد قال في قصيدة "الرسم بالكلمات":
* اليوم تنتقم الخدود لنفسها
وترد لي الطعنات بالطعنات .
فإن "نهود" هذه القصيدة لم تجد أمر غير أن تتحاور فيما بينها :
* وحوارُ نهودٍ أربعةٍ تتهامسُ.
وبعد هذا الحوار يثور "النهد" عند حالة الذروة:
* ويكسَّرُ نهدٌ واقعهُ
ويثورُ.
هذه الصور، وغيرها، قد توّجها الشاعر بصورة تترك القاريء الذي يتخيلها شيء بسيط أمامها، هي صورة يرسمها بكلمات حيث يقول:
- اللحمُ الطفلُ .
- ظِفرٌ سفّاحُ وجُزازةُ شعرٍ .
فاللحم، وهو لحم رامز لشيء آخر، قد وقع تحت فعل ظفر سفّاح، وجُزازة شعر. فماذا تفعل هذه الأشياء؟ الظفر باللحم، وجزازة الشعر؟ انهما من نتاج ما تخلفه تلك العملية الجنسية من فعل غير مرئي يبرز في هذين الفعلين المرئيين، أي فعل غير مرئي، وفعل مرئي.
www.facebook.com
1
داود سلمان الشويلي
((دخل دعبل بن علي الخزاعي، على أَبي دلف العِجلي، فامتدحه بقصيدة، شكا فيها العُزْبة، فوجّه اليه بجارية بكر فاجتهد دعبل طول ليلته أن يفتضها فلم يقدر، فلما أصبح كتب الى أبي دلف:
الله أَجرى مِن الأَرزاق أَكثرهــا/عــلى يديك بخير يا أَبا دلفِ
ما يصنع الشيخ بالعذراء يملكها/كجوْزة بَين فكّي أَدرد خَرِفِ
إِن رام يكسرها بالسنّ تثلِمــــــه/وكسرها راحـة للهائم الدنفِ.
قال: فضحك أبو دلف، حين قرأها، ووجَه اليه بجارية ثيب، وقال له بع تلك، وأنفق ثمنها على هذه.))
- كنايات الأدباء واشارات البلغاء" الجرجاني-ص101
((كل الدروب أمامنا مسدودة
وخلاصنا في الرسم بالكلمات.))
نزار قباني
القصيدة :
* مطرٌ..مطرٌ.. وصديقتُها
معها، ولتشرينَ نواحُ
والبابُ تئنُّ مفاصلُهُ
ويعربدُ فيه المفتاحُ
شيءٌ بينهما.. يعرفُهُ
اثنانِ، أنا والمصباحُ
وحكايةُ حبّ.. لا تُحكى
في الحبَّ، يموتُ الإيضاحُ
الحجرةُ فوضى.. فحُليُّ
تُرمى.. وحريرٌ ينداحُ
ويغادرُ زر عروتهُ
بفتورٍ، فالليلُ صباحُ
الذئبةُ تُرضع ذئبتها
ويدٌ تحتاجُ وتحتاجٌ
ودثارٌ فرَّ.. فواحدةٌ
تُدنيه. وأخرى ترتاحُ
وحوارُ نهودٍ أربعةٍ
تتهامسُ، والهمس مباحُ
كطيورٍ بيضٍ في روضٍ
تتناقرُ.. والريشُ سلاحُ
حبَّاتُ العقدينِ انفرطتْ
من لهوٍ، وانهدَ وشاحُ
فاللحمُ الطفلُ، يخدَّشهُ
في العتمة، ظِفرٌ سفّاحُ
وجُزازةُ شعرٍ.. وانقطعتْ
فالصوتُ المهموسُ نباحُ
ويكسَّرُ نهدٌ واقعهُ
ويثورُ، فللجرحِ جراحُ
ويموتُ الموتُ.. ويستلقي
مَّما عاناهُ المصباحُ..
***
يا أختي، لا.. لا تضطربي
إنيّ لكِ صدرٌ وجناحُ
أتراني كوَّنت امرأةً
لي تمضغَ نهدي الأشباحُ
أشذوذٌ.. أختاهُ إذا ما
لثم التفّاح التفاحُ
نحنُ امرأتان.. لنا قِممٌ
ولنا أنواءٌ.. ورياحُ
***
مطرٌ.. مطرٌ.. وصديقتُها
معها، ولتشرينَ نواحُ
والبابُ تئنُّ مفاصلُهُ
ويعربدُ فيه المفتاحُ
***
عندما قال السياب قصيدته "انشودة المطر" وما فيها من عبارة شعرية تحمل دلالات ابداعية غير معينة وغير قليلة، وهي تردد لفظة (مطر.:.. مطر... مطر)، كان يعبر عن حنينة لوطنه العراق. فيما يأتي الشاعر نزار قباني ليردد في مقدمة قصيدة "القصيدة الشريرة" اللفظة نفسها ولكن بمعانى ودلالات غير التي تعنيها قصيدة السياب.
في قصيدة السياب كان الشاعر يردد هذه اللفظة ثمان مرات، مزدوجة أو ثلاثية التكرار، إذ يبث فيها قبل وبعد ترديد هذه اللفظة المشحونة شعراً، الألم وما يحيط به من حزن وهمّ وظلم. فيما تكون لفظة القباني في قصيدته تلك تحمل بين ثناياها مؤثثات الجو الذي يحتاج الى الدفء والراحة النفسية.
والدفء والراحة النفسية لصديقتين تتبَعان هذه اللفظة شعرياً في جو ممطر يتم باللقاء الجسدي بينهما.
تبدأ القصيدة بمقطع شعري يحمل عبارة (مطرٌ.. مطرٌ.. وصديقتُها) - وأؤكد مرة الالف أن الشرح والتفسير يفسد الشعر، إلّا أن الدراسة مضطرة لذلك - وتنتهي بمقطع آخر يحمل العبارة نفسها.
إذن، هناك ترابط عضوي بين المطر وحالة هاتين الصديقتين، تلازم لا ينفك يؤدي الى الإتصال الجسدي لهما. ومن خلال هذا الإتصال الجسدي يحدث أهم أمر في العملية الجنسية وهو المثلية الانثوية، أو ما يسمى بـ "السحاق ".
نزار قباني لا يترك الصديقتين وحدهما، وإنما يؤثث لذلك الجو الطبيعي والحالة النفسية بأمور وأشياء تدفع بالمتلقي أن يتخيل، ويعيش، الحالة التي تكون فيهما.
فهناك أجواء شهر تشرين الممطر برياحه العالية وزوابعه، مما يترك الباب يئن ويعربد فيه المفتاح، أي يبقى قلقلاً، وهي صورة تنقل لنا أجواء التفرد والعزلة والخوف.
هناك مراقب يراقب ما يحدث أمامه، وهو شخص الشاعر، وكذلك المصباح المنير الذي تحدث في أجوائه وتحت ضوئه ما ينقله الشاعر من صور، وهذا الذي يحدث في الضوء وينقله الشاعر، هو حكاية الحب "الجسدي" بين الصديقتين.
تبدأ هذه الحكاية من:
((الحجرةُ فوضى.. فحُليُّ
تُرمى.. وحريرٌ ينداحُ
ويغادرُ زر عروتهُ
بفتورٍ، فالليلُ صباحُ
الذئبةُ تُرضع ذئبتها
ويدٌ تحتاجُ وتحتاجٌ
ودثارٌ فرَّ.. فواحدةٌ
تُدنيه. وأخرى ترتاحُ
وحوارُ نهودٍ أربعةٍ
تتهامسُ، والهمس مباحُ
كطيورٍ بيضٍ في روضٍ
تتناقرُ.. والريشُ سلاحُ
حبَّاتُ العقدينِ انفرطتْ
من لهوٍ، وانهدَ وشاحُ
فاللحمُ الطفلُ، يخدَّشهُ
في العتمة، ظِفرٌ سفّاحُ
وجُزازةُ شعرٍ.. وانقطعتْ
فالصوتُ المهموسُ نباحُ
ويكسَّرُ نهدٌ واقعهُ
ويثورُ، فللجرحِ جراحُ
ويموتُ الموتُ.. ويستلقي
مَّما عاناهُ المصباحُ..)).
بهذه الأشياء وما حدثت فيها من أمور، نعرف ان الصديقتين في حالة فوضى وهما يعيشان حالة ما. هذه الحالة هي ما تنقله الصور المتتالية التي ترسم بالكلمات:
ان الصديقتين تقران أن ما تقومان به هو "شذوذ " بين امرأتين، أو أختين، ليستا بشقيقتين، وهذا يتم من خلال:
- الحجرةُ فوضى .
- فحُليُّ تُرمى.
- وحريرٌ ينداحُ .
- يغادرُ زر عروتهُ .
- الذئبةُ تُرضع ذئبتها .
- ودثارٌ فرَّ.. فواحدةٌ تُدنيه . وأخرى ترتاحُ .
- حوارُ نهودٍ أربعةٍ .
- حبَّاتُ العقدينِ انفرطتْ .
- وانهدَ وشاحُ .
- اللحمُ الطفلُ .
- ظِفرٌ سفّاحُ وجُزازةُ شعرٍ .
- الصوتُ المهموسُ نباحُ .
- مضغَ نهدي الأشباحُ
- لثم التفّاح التفاحُ .
هذه الصور تنقل لنا ما كان يحدث بين الصديقتين، الأختين، من أمور يشم منها الجنس ويفيض عليهما وعلينا نحن القراء.
ابتداء من فوضى الحجرة التي يحدث فيها كل شيء تحت ضوء المصباح، وتحت أعين الشاعر والمشاهد وهو ينقل صور هذه الفوضى العارمة، الى صورة لثم "التفاح"، "للتفاح "، وهي اشارة ابداعية رامزة للجنس، وما تحمله التفاحة من رمز ديني للجنس منذ أن وضعت اسطورة آدم وحواء إلى الآن.
هناك صور ابداعية رامزة الى الجنس، منها: رمي الحلي، وحبَّاتُ العقدينِ المنفرطة، و"انهدَاد الوشاحُ"، والتخلص منها جميعاً لانها – ربما – تعيق العملية التي تحدث، لأن الحلي بين السيدتين لا تنفع بشيء، لا كلمسة جمالية، أو كثروة مادية. فالتخلص منه يأتي بوعي من الشخصية، أو بلا وعي منهما، وهنّ في حالة انتشاء ولذة. وأي لذة هذه التي يتركها الجنس.
إذا كانت الصورة النهائية التي قدمها الشاعر هي صورة (التفاح الذي يلثم التفاح) فإنه في أول القصيدة ينقل لنا صورة مغايرة للّثم، انها صورة "الذئبة" التي ترضع " ذئبة" أخرى. صورة هاتان الذئبتان هي صورة وحشية رامزة لما تتركه الحالة التي هما فيها بعد الوصول إلى بداية الذروة.
وهناك حركة تتم في الفراش، بين اقتراب الغطاء وابتعاده، وهي حركة تشيء بما يحدث داخله من أمور يعرفها الجميع.
وإذا كان الشاعر القباني قد قال في قصيدة "الرسم بالكلمات":
* اليوم تنتقم الخدود لنفسها
وترد لي الطعنات بالطعنات .
فإن "نهود" هذه القصيدة لم تجد أمر غير أن تتحاور فيما بينها :
* وحوارُ نهودٍ أربعةٍ تتهامسُ.
وبعد هذا الحوار يثور "النهد" عند حالة الذروة:
* ويكسَّرُ نهدٌ واقعهُ
ويثورُ.
هذه الصور، وغيرها، قد توّجها الشاعر بصورة تترك القاريء الذي يتخيلها شيء بسيط أمامها، هي صورة يرسمها بكلمات حيث يقول:
- اللحمُ الطفلُ .
- ظِفرٌ سفّاحُ وجُزازةُ شعرٍ .
فاللحم، وهو لحم رامز لشيء آخر، قد وقع تحت فعل ظفر سفّاح، وجُزازة شعر. فماذا تفعل هذه الأشياء؟ الظفر باللحم، وجزازة الشعر؟ انهما من نتاج ما تخلفه تلك العملية الجنسية من فعل غير مرئي يبرز في هذين الفعلين المرئيين، أي فعل غير مرئي، وفعل مرئي.
محمد علوان
دعونا نرحب بأعضائنا الجدد: Mohamed Raad, Mohamed Mohamed Beck, رائد السعيدي, الركابي الركابي, باسم القطراني, Karmel Ali, Ali Ghlib, حمدي العطار, Mehdi Naqos, نبيل جميل, Salim Nashi, محمد...
1