ميشيل دي مونتاني ( ١٥٣٣- ١٥٩٢ م ) فيلسوف وأديب فرنسي ، عُرف من خلال كتابه ( المقالات ) والذي أستغرق تأليفه عشرين سنة تقريباً ، أي حتى مماته ، والذي دوَّن فيه أفكاره وآراءه وفلسفته في الحياة ، الكتاب الذي برأي عبدالرحمن بدوي في موسوعته الفلسفية يجب أن يسمى ( المحاولات ) لأنه عبارة عن محاولات لتدوين أحكامه وآراءه في علاقته بذاته وبذوات الآخرين وبكل شيء . يعتبر مونتاني في الحقيقة أحد أهم رواد النهضةالغربية وكان لكتابه تأثير كبير في معظم المفكرين الغربيين الذين جاءوا بعده مثل ديكارت وبيكون وبيير جاسندي وله تأثير كذلك على فلاسفة التنوير مثل جان جاك روسو وفولتير وديدرو وكان تأثيره كذلك على فلاسفة الحداثة بل أمتد تأثيره حتى على فلاسفة مثل نيتشه وما يُعرف بفلاسفة ما بعد الحداثة ، ناهيك عن تأثيره على الكثير من الأدباء الغربيين . كان لوالده بيير الثري والذي ورث منه إقطاعية كاملة بها قصر ومزرعة لإنتاج النبيذ ، كان له تأثير كبير عليه في تربيته وتعليمه حيث جلب له مدرّس ألماني لا يعرف اللغة الفرنسية لتعلّم اللغة اللاتينية حتى أتقنها ، وطلب منه ترجمة كتاب ضخم في ( اللاهوت الطبيعي ) لسيبوند من اللاتينية إلى الفرنسية ، ورغم ان مونتاني تقلّد منصب القضاة وما يحمله هذه المنصب من قيمة اعتبارية آنذاك ، إلا أنه فضّل الاستقالة وهو بعمر٣٧ سنة للتفرغ لكتابه (المقالات )و لأنه يريد أن يتفرغ لذاته ، يقول مونتاني " دعونا نتحرّر من جميع الروابط التي تربطنا بالآخرين ، دعونا نكتسب القوة لنعيش حقاً وحدنا ونعيش على هذا النحو براحتنا ". بعد عدة سنوات تم تعيينه عمدة لمدينة بوردو ، ونزولاً عند رغبة الملك هنري الثالث وافق رغم أنه لا يرغب بذلك ، كتاب ( المقالات ) يعتبر فريد من نوعه آنذاك فهو عبارة عن حكم الاقدمين وخاصة الحكم التي تبنّاها من الفلسفة الرواقية والأبقوريةومذهب الشكاك الفورونيين وأرسطو وسقراط وغيره ، وكذلك تدوين آراءه الخاصة جداً في علاقته بتفاصيل الحياةاليومية ، التي لها تأثير في علاقته بذاته وبالآخرين وبالأشياء ، أو ما يُعرف بفن العيش .
الكاتبة سارة بكويل أستخلصت بعض آراءه من كتابه ( المقالات ) ووضعتها في كتابها ( كيف تُعاش الحياة أوحياة مونتاني ) وصاغتها بسؤال واحد و الإجابة عليها من خلال واحد وعشرين إجابة . والاجوبة وهي التي دوّنهامونتاني في كتابه ، مثل لا تقلق بشأن الموت ، استخدم حيلاً صغيرة لمجابه مشاكل الحياة ، شك في كل شيء ،احتفظ بغرفة خاصة بك خلف الدكان ، كن سهل المعشر : عش مع الآخرين ، استيقظ من سبات العادة ، عش بإعتدال ، احرس إنسانيتك ، افعل شيئاً لم يفعله أحدٌ من قبلك ، تأمّل كل شيء بعمق ولا تندم على شيء ، وغيرهامن الأجوبة التي ذكرتها في كتابها . نجد ان هذه الآراء تركّز على الفلسفة العملية أكثر منها على الفلسفة النظرية، هذه الأجوبة هي عبارة عن علاقة الانسان وظروفه في حياته الخاصة والعامة والتى يصادفها بالحياة ، وكيف يتصرف معها أثناء معيشته . مونتاني في كل حياته كان يصبو إلى تحقيق المبادئ الثلاثة الرئيسية والتي تبنّاهاوعمل بها الفلاسفة العظام الذين كانوا قبله ، وهي السعادة ، والطمأنينة ، والاتزان . يقول ديدرو عن كتاب مونتاني" كتابه محكٌّ للعقل السليم ، إذا لم يحبه أحد ، فتأكد أن لديه عيباً ما في القلب والفهم " . وتقول ماري دي جورناي صديقته ومحررة أحدى طبعات الكتاب " لا يمكنني أخذ خطوة ، سواء في الكتابة أو الكلام ، من دون أن أجدنفسي في أعقابه " . يقول تابوروت دي أكوردز وهو من كتّاب القرن السادس عشر " أن كل من قرأ كتاب المقالات يشعر كما لو كان هو الذي كتبه ". يقول برنارد ليفين عنه " كيف عرف كل هذا عني ؟ ". ويقول آندريه جيد " يبدوأنه نفسي ذاتها ". كان مونتاني صريح جداً مع القراء في وصف ذاته بالكسل وبطئ الفهم والجهل وأن له عيوب وأنه أرتكب الأخطاء مثله مثل أي شخص طبيعي يقول " ان اعترافنا بجهلنا هو من اجمل وأوثق الشهادات بحسن تفكيرنا ، وامنع حصن نحتمي به من الخطأ " . يعترف بضعفه وضعف الانسان بشكل عام ولا يخجل من ذلك ،يقول " ان الادعاء هو مرضنا الطبيعي . ان الانسان من اضعف الخلائق واشدها كبرياء . يعيش بين اوحال هذاالعالم ومع ذلك تصعد به مخيلته لكي تضعه فوق النجوم وتضع السموات تحت قدمه ". ويعترف كذلك " إذا تمعّن الآخرون في فحص أنفسهم بإهتمام كما أفعل ، لوجدوا أنفسهم كما وجدتُ نفسي مليئة بالتفاهة واللغو . ولايمكنني التخلّص منهما إلا بتخلصي من نفسي . جميعنا منزلقون في هذه الهوة بالقدر نفسه ، لكن من يعون انزلاقهم أفضل بقليل من غيرهم ، على الرغم من أني لستُ أدري ".
أعتقد ان الكتاب سابق زمنه وأيضاً كتاب صالح لكل زمان ومكان لأنه يصف الذات الفردية في أدق تفاصيلها وفي علاقتها بالآخرين وبالاشياء . نأمل أن يترجم الكتاب إلى العربية قريباً لأهميته .
سعدي العنيزي
المراجع :-
١- ( موسوعة الفلسفة ) عبدالرحمن بدوي
٢- ( كيف تعاش الحياة أو حياة مونتاني ) سارة بكويل . ترجمة سهام بنت سنية عبدالسلام
٣- ( مونتاني - حياته - فلسفته - منتخبات ) اندريه كريسون . ترجمة نبيه صقر
٤- ( عزاءات الفلسفة - كيف تساعدنا الفلسفة في الحياة ) آلان دو بوتون . ترجمة يزن الحاج
الكاتبة سارة بكويل أستخلصت بعض آراءه من كتابه ( المقالات ) ووضعتها في كتابها ( كيف تُعاش الحياة أوحياة مونتاني ) وصاغتها بسؤال واحد و الإجابة عليها من خلال واحد وعشرين إجابة . والاجوبة وهي التي دوّنهامونتاني في كتابه ، مثل لا تقلق بشأن الموت ، استخدم حيلاً صغيرة لمجابه مشاكل الحياة ، شك في كل شيء ،احتفظ بغرفة خاصة بك خلف الدكان ، كن سهل المعشر : عش مع الآخرين ، استيقظ من سبات العادة ، عش بإعتدال ، احرس إنسانيتك ، افعل شيئاً لم يفعله أحدٌ من قبلك ، تأمّل كل شيء بعمق ولا تندم على شيء ، وغيرهامن الأجوبة التي ذكرتها في كتابها . نجد ان هذه الآراء تركّز على الفلسفة العملية أكثر منها على الفلسفة النظرية، هذه الأجوبة هي عبارة عن علاقة الانسان وظروفه في حياته الخاصة والعامة والتى يصادفها بالحياة ، وكيف يتصرف معها أثناء معيشته . مونتاني في كل حياته كان يصبو إلى تحقيق المبادئ الثلاثة الرئيسية والتي تبنّاهاوعمل بها الفلاسفة العظام الذين كانوا قبله ، وهي السعادة ، والطمأنينة ، والاتزان . يقول ديدرو عن كتاب مونتاني" كتابه محكٌّ للعقل السليم ، إذا لم يحبه أحد ، فتأكد أن لديه عيباً ما في القلب والفهم " . وتقول ماري دي جورناي صديقته ومحررة أحدى طبعات الكتاب " لا يمكنني أخذ خطوة ، سواء في الكتابة أو الكلام ، من دون أن أجدنفسي في أعقابه " . يقول تابوروت دي أكوردز وهو من كتّاب القرن السادس عشر " أن كل من قرأ كتاب المقالات يشعر كما لو كان هو الذي كتبه ". يقول برنارد ليفين عنه " كيف عرف كل هذا عني ؟ ". ويقول آندريه جيد " يبدوأنه نفسي ذاتها ". كان مونتاني صريح جداً مع القراء في وصف ذاته بالكسل وبطئ الفهم والجهل وأن له عيوب وأنه أرتكب الأخطاء مثله مثل أي شخص طبيعي يقول " ان اعترافنا بجهلنا هو من اجمل وأوثق الشهادات بحسن تفكيرنا ، وامنع حصن نحتمي به من الخطأ " . يعترف بضعفه وضعف الانسان بشكل عام ولا يخجل من ذلك ،يقول " ان الادعاء هو مرضنا الطبيعي . ان الانسان من اضعف الخلائق واشدها كبرياء . يعيش بين اوحال هذاالعالم ومع ذلك تصعد به مخيلته لكي تضعه فوق النجوم وتضع السموات تحت قدمه ". ويعترف كذلك " إذا تمعّن الآخرون في فحص أنفسهم بإهتمام كما أفعل ، لوجدوا أنفسهم كما وجدتُ نفسي مليئة بالتفاهة واللغو . ولايمكنني التخلّص منهما إلا بتخلصي من نفسي . جميعنا منزلقون في هذه الهوة بالقدر نفسه ، لكن من يعون انزلاقهم أفضل بقليل من غيرهم ، على الرغم من أني لستُ أدري ".
أعتقد ان الكتاب سابق زمنه وأيضاً كتاب صالح لكل زمان ومكان لأنه يصف الذات الفردية في أدق تفاصيلها وفي علاقتها بالآخرين وبالاشياء . نأمل أن يترجم الكتاب إلى العربية قريباً لأهميته .
سعدي العنيزي
المراجع :-
١- ( موسوعة الفلسفة ) عبدالرحمن بدوي
٢- ( كيف تعاش الحياة أو حياة مونتاني ) سارة بكويل . ترجمة سهام بنت سنية عبدالسلام
٣- ( مونتاني - حياته - فلسفته - منتخبات ) اندريه كريسون . ترجمة نبيه صقر
٤- ( عزاءات الفلسفة - كيف تساعدنا الفلسفة في الحياة ) آلان دو بوتون . ترجمة يزن الحاج