عمر السراي - مشـــــاهد حرَّة.. شعر

1
أحب ُّ الأفلام َ التي تنتهي بقبلة ٍ بين حبيبين ..
كما أحب ُّ مشهد َ فتاة ٍ تـــُـــنزِّه ُ كلبها في حديقة ٍ عامة ٍ كلَّ مساء ..
أحبُّ النظــَّــارات ..
والأحذية َ الأنيقة ..
وأعشق ُ رائحة َ الماكياج ..
وأعرف ُ طعم َ كلِّ ألوان أحمر الشفاه ..
أحبُّ حفلات الشواء ..
ورقصةً هادئة ً على أنغام ٍ كلاسيكية ..
وأحب ُّ ( تشارلس ثيرون ) ..
أحب ُّ كثيراً ..
ولأنَّ الوطن َ لا يستوعبُ أن يحققَ لي كلَّ ذلك ..
سأفتح ُ قلب َ فيلم ٍ هوليودي ..
وأعيش ُ في أحشائه النابضة .

2
أحبُّ أن أشربَ الـــ ( واين ) من فمها ..
وأقتسمَ الكرزَةَ بيننا بقـــُـــبلة ٍ ساخنة ..
أحب ُّ انتظاري لها في محطة ِ الباص ..
وصورتي وأنا أخلع ُ معطفي لأحميَ تسريحة َ شعرها من المطر ..
أحبُّ الاسترخاء َ معها وهي بالبيكيني على رمل ٍ ناعمٍ في وجنة ِ بحر ..
أحبُّ أن أزرر َ قميصها .. لها ..
وأن نـــُـــبقيَ هاتفينا مفتوحين طيلة َ دوامنا الرسمي ..
ولأن الوطنَ لا يحقق لي كلَّ ذلك ..
سأعيش ُ في رواية لـــ ( عبد الرحمن منيف ) وأنام .

3
أحبُّ أن تتعرى أمامي لأرسمها ..
وأن تخربش َ بفرشاتها على لوحة ٍ بيضاء لتحرقَ قلبي ..
أحب ُّ أن تكون َ مضيـــِّــــفة ً كمغزل البريسم تتلوّى لتسقط َ أولَ مطبٍّ هوائيٍّ في حضني ..
أو أن تنام َ على كتفي من دون قصد ٍ و نحن نجلس متجاورين في قطار ..
أحبُّ أن تتيه َ بنا السفن ..
لأعثرَ عليها بعد أسبوعٍ تبكي على ساحلٍ في جزيرة نائية ..
فأطمئنها بأغنية ٍ لـــ ( أليسا ) ..
أحبُّ أن تثورَ أمامي فأصفعها برموشي ..
وأن أسيرَ على طريقٍ طويلٍ لأجدها تؤشرُ لي لأصلحَ إطارَ سيارتها المخروم ..
ولأنَّ الوطنَ أضيقُ من أن يحققَ لي هذه الأمنيات ..
سأتفقُ مع جيمس كاميرون ..
ليكونَ فيلمـــُــــه ُ القادم ُ مستوحىً من مدينتي الضائعة .

4
أحبُّ أن أعيشَ معها ..
بهدوءٍ .. وضوء ٍ خافتٍ .. وكاسة كرزات .. وماعون فاكهةٍ .. وساعة ٍ معطلة ..
أحتضن ُ جسدها و هي تغلي القهوة َ ..
وأقبـــِّـــلُ كتفها مائلاً إلى الخلفِ قليلاً ..
أتذوَّقُ قطعةَ ســـُـــكــــَّــــر ٍ سهت أسفلَ شفتيها ..
ونتخيــــَّــــــلُ خطى الجيران وهم يصفقون َ أبوابــَـــهم بصلفٍ في ليلة ٍ باردة ..
أحبُّ أن أغفوَ على صورةِ وجهها الذي يموء ُ في هرير شباط ..
وأن أرى المروحةَ مكسورة َ الجناح ِ من خلل ِ نظَّــارتها ..
أحبُّ أن أعدَّ أصابعها كلَّ يومٍ لأعلنَ نهايةَ الأرقام ..
وأن أحملها حين ينكسرُ كعبُ حذائها في طريق رجوعنا من الأوبرا ..
أحبُّ أن تلتصقَ بي كطابعٍ على رسالةٍ لا تصل ..
وأن تتلثمَ بي لتسفرَ عن عينيها ..
وأن الوطنَ واسعُ الخراب ِ جداً ..
سأدعوها لمقبرة ٍ غربيةٍ فاخرة ٍ ..
نعيشُ فيها معاً .. لنخلص من كلِّ هذا الموت ِ الذي يدَّعي الحياة ..

5
أحبُّ أن أصنعَ لي شاربينِ من شعرها المسترسلِ على وجهي ..
وأن أختليَ بها كما يختلي المراهقون بصورة ِ ( ليلى علوي ) في الثمانينات ..
أحبُّ أن أرميَ بصنــــَّـــارتي معها لاصطياد سمكةٍ نعلـــِّــقُ قـــــُـــــبلتنا العنيفةَ طعماً لها ..
كما أحبُّ أن أكتبَ اسمها على وردةٍ أدســـُّــــها في كتابي ..
وأن أحملها على ظهري كالأطفال ..
وألتقطَ صورة ً لها قربَ سينما تعرض ُ أفلاماً هندية ..
أحبُّ أن نبتلَّ سويةً في مطرة ٍ مفاجئة ..
ونختلَ تحتَ شجرةِ سروٍ في حاجب بحيرة ٍ..
لنجففَ ملابسنا و نحن نشوي أحضاننا بالظلال ..
ولأنَّ الوطن َ متخصصٌ بتهشيمِ الأحلام ..
سأحاولُ أن أغفوَ في المرة القادمة ِ
في حلقةِ أفلام كارتونٍ لـــ ( ساندي بيل ) .

6
أحبُّ أن لا أحبَّ فتاةً تكتبُ لي ( كلبي ) ..
حين تريد أن تقولَ لي : ( قلبي ) ..
أحبُّ أن استبدلها بــــ ( روبوتٍ ) مشاعرُه مليون تيرا بايت ..
أعشش في بطاريتها ..
و أزخـــُّــــها بعشرة أمبيرات كل ليلة ..
عسى أن يتم َّ الشحن ..!
وأثبــــِّـــت فولتيتها عند القـــُـــــبـــَـــــل بشفتيَّ المتناوبتين ..
أحبُّ أن أهديها في عيد ميلادها مونيتر ..
أو فلاش ( يو أس بي ) ..
وليس وردة ..
أحبُّ أن ألبسها باقة الكترونات في معصمها ..
ونرقصَ على أنغام البرامج المثبتة ..
كما أحبُّ أن تنتهيَ حياتـــُـــــنا بفيروس حقيرٍ قبل أن نشيخ معاً ..
ولأنَّ الوطنَ لا يقوى على تحقيق ما أحب ..
سأضطر أنْ لا أحبَّ ..
لكي لا نتطلــَّــــق حين تنطفئُ الكهرباء .

7
أحبُّ أن أتزلــَّـــج على الجليد معها ..
وأن نلمَّ رذاذ الثلج من على شَعرنا في صباح مكتظٍّ بالغمام ..
تبكي .. فأمسح دمعَها اللؤلؤَ بمنديل تنهـــُّـــدةٍ ساخنة ..
وتكركرُ كدُميةِ أطفالٍ فتتبعُها خرافُ حقلي ..
أحبُّ أنْ نراقبَ الطائراتِ من أعلى ناطحة سحابٍ في المدينة ..
تطيرُ نفانيفُ جدائلها في سيارةٍ مكشوفةٍ و هي تـــُـــعلي صوتَ المذياع على أغنية :
( ألبس فستاني الأحمر .. ولّا الفستان الأخضر ) ..
أحب أن نتشمسَ معاً في حديقة ..
على مصطبةٍ من النافورات ..
تــــُــــراقبـــُـــــنا الحيواناتُ الأليفةُ و هي تلعبُ من دون مدرسةٍ تؤوي صغارَها ..
ولأنَّ الوطنَ لا يحبُّ كما أحب ..
سأجلسُ رِجلاً على رِجلٍ في مقهىً كئيبٍ و أغني ..
أغنـــِّـــي .. إلى أن يجفَّ صوتي .. فيرويه المطربونَ بالمواويل .

8
أحب أن تحملــَــــني درّاجتي الهوائيةُ إلى آخر خـــُــــصلة مكتنزةٍ بعطرِ مـــُــــكيـــِّـــــف شعرِها الصباحي ..
وألمسَ بطرفِ أنفي كصيبتها ..
أملأَ قلبي بجنـــَّـــةٍ تتكسـَّـــــرُ قبلَ اندلاقِ لونِ شعرِها على صدريَ الدافئ ..
أحبُّ أن أصحوَ قبلها .. و أسيرَ على أطراف زخـــَّـــاتِ الدوش لئلا تصحو ..
وأتابعَ احتضانـــَــــها للوسادةِ حين أسحبُ يدي من تحت رقبتها ..
وهي نائمة ٌ يستعيدُ حلمُها آخر ارتجافةٍ لنا قبل الذوبان ..
أحبُّ أنْ أفتحَ شباكي لأغريَ قطرةَ مطرٍ تـــُـــغازلُ غيمتـــَـــها بأن تكونَ ضيفتنا على الفطور ..
أحبُّ أن أركضَ قبلها ..
وأسيرَ إلى الوراء ليبقى وجهي أمامها و نحن نتعثر على الشاطئ ..
وأن أعزف في روحها أول قصيدةٍ كتبتـــُـــها ..
وأختمــَــــها بقبلةٍ خبيثةٍ من تحت أذنها الساهرة ..



* منقول عن: وتريات قصيدة النثر

تعليقات

ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...