يا إلهي, كيف سأنتهي من كل هذا الكم؟ ها هي الأكوام تصطف أمامي بأعدادها الغفيرة, بل وإنها تتحلق حولي فتجيد تطويقي وأجدني أضحيت جسداً لنملة سقطت رهينة لدي جيشٍ من الرجال.
من أين أبتدئ؟ وكيف السبيل إلى النهاية؟ أأشرع بالأكياس البلاستيكية أم العلب الكرتونية أم المعلبات أم الفضلات..
تكاد معدتي تلفظ أحشاءها, تلفظها كما أود أن ألفظ كل ما أتطلع إليه, ولم تكتفي تلك المعدة بإقامة حملات التمرد على واقعها بل انسربت أيدي الاحتجاج إلى تجويف الأنف الذي أبدى إذعانه التام لهذه الحملات, وبذلك أبى هو الآخر التعايش مع هذه الرائحة التي تشيد جسورها نحو الغثيان.
ما زال ذات الروتين يرفض أن يبرح نهاراتي وقد يحل حيناً ضيفاً غير مرغوب فيه على مساءاتي ملقياً إحدى نثراته على وسادتي..
يا إلهي, كيف الخلاص؟ فالفم هو الآخر يشق طريقه بصعوبة نحو استطابه الطعام.
دائماً وأبدا أجد شيئاً من بقايا الآخرين يحتل طاولتي, وعلى الرغم من ذلك أجد أعين من حولي يمطرونها بنظرات الانبهار ولكني لا أستطيع أن أتشارك معهم نظرتهم النهمة تلك؛ فنظرتي لا تضمر سوى الإعراض ولا أجني منها سوى الجوع الذي يوخز معدةً دائماً خاوية, تشتبك فيها بطانتها مع ما تبقى داخلها من عصارة, وكيف لا؟ فأنا لا أبصر أعلى تلك الطاولة سوى ذاك الطعام المنكّه بمخلفات الآخرين, وعندها لا أميز بين المالح والحلو, أو السائل والصلب.. فاللسان عالق في فضاء اللا تذوق كما أنا عالقة الآن وسط هذه التلال, أتساءل لِم لم أعتد بعد هذه الحياة, لِم لم أستطع أن أخضع النفس فتتآلف مع الغير مرغوب, أن أكبح جناح عصياني, أن أمتطي تمردي فيصير أليف بوجه متراخ العضلات, وهل أنا متمردة كما ينعتني أبي؟ وقد يزيد أحياناً فيلقبني بالنمرودة, ويزيد ويزيد.. فيطرحني بلقبي الأكثر سوءاً "يا فتاة القمامة" مردفاً وإن زحفت بعيداً عنه بكل الوسائل فسيسعى هو إليك حثيثاً.. ولكنك يا أبي لا تعلم أني سعيت جدياً وبضراوة على تقبل واقعي؛ فحرثت أرضه لأبذر داخلها بذور الانسجام لعلها تطرح شجرة أستطيع أن أتفيأ أسفل أوراقها المورقة, ولكن يا أبي.. أتعلم؟ لقد وجدت بذوري عاقر, وأرضي قاحلة؛ فكلما رويتها من ماء مقاتلة النفس كانت تبخره بقوة حرارة بواطنها؛ فيتلاشى عما قليل وعليه لم تنبت شجرتي, ولم أستشرف غير هذه التلال الماكثة أمامي, والتي كلما ترامى بصري اتجاهها, أعقد حينها أحاديث ثنائية الأطراف بيني وبين نفسي, صامتة الأجواء, موصودة الأبواب, أتجادل فيها معي صارخاً بلا شفاة ترتعش أو صوت يقطع السكون المحيط "أليس هذه التلال هي من استقبلتني عند مولدي حيث أسراب الذباب تحوم حولي, تمدني بتطعيم خاص, وكان من المفترض أن يرد عني ضربات هذا الاقتتال الذي أقاسي من مجابهته الآن – ولكن لقاح الذباب خاصتي كان عاطب.. فوقعت أنا في هذا الشرك, متسائلة, هل لو قدمت إليهم طلب التماس الآن بإعادة محاولة التطعيم سيكون مُجدياً؟
كفاني من هذه الثرثرة؛ فأنا يجب أن أتم كل شيء قبل عودته, وإلا سيصب جام غضبه عليّ, فيقذفني بالسباب وبكل ما ترفعه يداه؛ فأجدني أبارزه حينها بسؤالي المستتر الذي لا يفتر عن لكزي بعلاماته الاستفهامية للمره المئة بل الألف بل بعدد صباحاتي وغفواتي "أجيبي يا هذه, هل سيأتي ذاك اليوم الذي ستولي فيه ظهرك لكل هذا الكم من فضلات الآخرين؟ ألا تعلق بيداك هاتين أشياء تحمل تجشؤهم أو زبد من لعابهم؟"
يا إلهي, ها هي الشمس تودع سماء أرضي, وقد أتممت مهمتها وأنا مازلت صفر اليدين, خاوية الجعية, مبتورة الخطوة, متذمرة النظرة, وما زالت هذه الأطنان أمامي كجبالٍ راسياتٍ..
آه, يا فتاة القمامة لِم لم تستطيعي أن تتبادلي معهن الحب أو على الأقل أن توقعي معهم على معاهدة صداقة كبقية أفراد عائلتك الذين لا يضمرون اتجاهها بغضاَ أو ضغينة, بل إنهم يسقطون عليها نظرات العرفان بالجميل, مهروا جميعاً على صك التعايش معها فوهبتهم السكينة, والتي بها توطنوا على شاطئ النوم ناصبين خيامهم بجوار ضفته مستظلين بتلك التلال من هجير الشمس متحصنين بتواجدها من إعراض الأيام..
يا ليتني أستطيع التعامل معها بحميمية أكثر, أن ألتهم الطعام بيدٍ وبالأخرى أعبث بمحتوياتها, طالما حاولت أن أتغاضى كليةً عن هذه الرائحة, بل ولا أنفك أردد أنها أريج متطاير من باقة ورد مندّاة لا أدرك اسمها ولم أحصل يوماً عليها..
وذاك الذباب المحلق هناك أنه ليس سوى بضع فراشات تصطفق بأجنحتها المزدانة بالألماس, وتلك الأكوام هي بساط سندسي يسدل البدر عليه ستائره الفضية المزركشة الحواش بأعداد غير مسبوقة من النجمات المتعانقات, والتي توفد وميضها الفضي عن طواعية؛ فيذوبا سويةً داخل لون خاص مستأثرين بخصائصه قابضين على ريشته وعندها سأقوم أنا بتسنمهم والتلويح من هامة أعلاهم..
ولكن أليس هذا هو صوت أبي, إنه يقترب, يناديني, يا إلهي.. هل أتى مبكراً أم أنني أنا التي أسقطت الوقت ففسدت ساعتي؛ فكربت شمسي, وأنا لم أنجز عملي, لا, لم يعد هناك مفر, أنتهى وقت التردد والتأفف؛ فلأردي هذا التلبك المعوي اللعين ولأعتقل هذا الازدراء خلف وجه أُحكم صب ملامحه بخرسانه الخوف وبذاك أستطيع أن أحصل على وجبتي اليومية من متعلقات الأخرين, وإلا سأنال عقابي المعتاد, وعوضاً عن النوم بلا إصابات سيلتهم جسدي العديد من الرضوخ الموشمة بآثار القمامة..
من أين أبتدئ؟ وكيف السبيل إلى النهاية؟ أأشرع بالأكياس البلاستيكية أم العلب الكرتونية أم المعلبات أم الفضلات..
تكاد معدتي تلفظ أحشاءها, تلفظها كما أود أن ألفظ كل ما أتطلع إليه, ولم تكتفي تلك المعدة بإقامة حملات التمرد على واقعها بل انسربت أيدي الاحتجاج إلى تجويف الأنف الذي أبدى إذعانه التام لهذه الحملات, وبذلك أبى هو الآخر التعايش مع هذه الرائحة التي تشيد جسورها نحو الغثيان.
ما زال ذات الروتين يرفض أن يبرح نهاراتي وقد يحل حيناً ضيفاً غير مرغوب فيه على مساءاتي ملقياً إحدى نثراته على وسادتي..
يا إلهي, كيف الخلاص؟ فالفم هو الآخر يشق طريقه بصعوبة نحو استطابه الطعام.
دائماً وأبدا أجد شيئاً من بقايا الآخرين يحتل طاولتي, وعلى الرغم من ذلك أجد أعين من حولي يمطرونها بنظرات الانبهار ولكني لا أستطيع أن أتشارك معهم نظرتهم النهمة تلك؛ فنظرتي لا تضمر سوى الإعراض ولا أجني منها سوى الجوع الذي يوخز معدةً دائماً خاوية, تشتبك فيها بطانتها مع ما تبقى داخلها من عصارة, وكيف لا؟ فأنا لا أبصر أعلى تلك الطاولة سوى ذاك الطعام المنكّه بمخلفات الآخرين, وعندها لا أميز بين المالح والحلو, أو السائل والصلب.. فاللسان عالق في فضاء اللا تذوق كما أنا عالقة الآن وسط هذه التلال, أتساءل لِم لم أعتد بعد هذه الحياة, لِم لم أستطع أن أخضع النفس فتتآلف مع الغير مرغوب, أن أكبح جناح عصياني, أن أمتطي تمردي فيصير أليف بوجه متراخ العضلات, وهل أنا متمردة كما ينعتني أبي؟ وقد يزيد أحياناً فيلقبني بالنمرودة, ويزيد ويزيد.. فيطرحني بلقبي الأكثر سوءاً "يا فتاة القمامة" مردفاً وإن زحفت بعيداً عنه بكل الوسائل فسيسعى هو إليك حثيثاً.. ولكنك يا أبي لا تعلم أني سعيت جدياً وبضراوة على تقبل واقعي؛ فحرثت أرضه لأبذر داخلها بذور الانسجام لعلها تطرح شجرة أستطيع أن أتفيأ أسفل أوراقها المورقة, ولكن يا أبي.. أتعلم؟ لقد وجدت بذوري عاقر, وأرضي قاحلة؛ فكلما رويتها من ماء مقاتلة النفس كانت تبخره بقوة حرارة بواطنها؛ فيتلاشى عما قليل وعليه لم تنبت شجرتي, ولم أستشرف غير هذه التلال الماكثة أمامي, والتي كلما ترامى بصري اتجاهها, أعقد حينها أحاديث ثنائية الأطراف بيني وبين نفسي, صامتة الأجواء, موصودة الأبواب, أتجادل فيها معي صارخاً بلا شفاة ترتعش أو صوت يقطع السكون المحيط "أليس هذه التلال هي من استقبلتني عند مولدي حيث أسراب الذباب تحوم حولي, تمدني بتطعيم خاص, وكان من المفترض أن يرد عني ضربات هذا الاقتتال الذي أقاسي من مجابهته الآن – ولكن لقاح الذباب خاصتي كان عاطب.. فوقعت أنا في هذا الشرك, متسائلة, هل لو قدمت إليهم طلب التماس الآن بإعادة محاولة التطعيم سيكون مُجدياً؟
كفاني من هذه الثرثرة؛ فأنا يجب أن أتم كل شيء قبل عودته, وإلا سيصب جام غضبه عليّ, فيقذفني بالسباب وبكل ما ترفعه يداه؛ فأجدني أبارزه حينها بسؤالي المستتر الذي لا يفتر عن لكزي بعلاماته الاستفهامية للمره المئة بل الألف بل بعدد صباحاتي وغفواتي "أجيبي يا هذه, هل سيأتي ذاك اليوم الذي ستولي فيه ظهرك لكل هذا الكم من فضلات الآخرين؟ ألا تعلق بيداك هاتين أشياء تحمل تجشؤهم أو زبد من لعابهم؟"
يا إلهي, ها هي الشمس تودع سماء أرضي, وقد أتممت مهمتها وأنا مازلت صفر اليدين, خاوية الجعية, مبتورة الخطوة, متذمرة النظرة, وما زالت هذه الأطنان أمامي كجبالٍ راسياتٍ..
آه, يا فتاة القمامة لِم لم تستطيعي أن تتبادلي معهن الحب أو على الأقل أن توقعي معهم على معاهدة صداقة كبقية أفراد عائلتك الذين لا يضمرون اتجاهها بغضاَ أو ضغينة, بل إنهم يسقطون عليها نظرات العرفان بالجميل, مهروا جميعاً على صك التعايش معها فوهبتهم السكينة, والتي بها توطنوا على شاطئ النوم ناصبين خيامهم بجوار ضفته مستظلين بتلك التلال من هجير الشمس متحصنين بتواجدها من إعراض الأيام..
يا ليتني أستطيع التعامل معها بحميمية أكثر, أن ألتهم الطعام بيدٍ وبالأخرى أعبث بمحتوياتها, طالما حاولت أن أتغاضى كليةً عن هذه الرائحة, بل ولا أنفك أردد أنها أريج متطاير من باقة ورد مندّاة لا أدرك اسمها ولم أحصل يوماً عليها..
وذاك الذباب المحلق هناك أنه ليس سوى بضع فراشات تصطفق بأجنحتها المزدانة بالألماس, وتلك الأكوام هي بساط سندسي يسدل البدر عليه ستائره الفضية المزركشة الحواش بأعداد غير مسبوقة من النجمات المتعانقات, والتي توفد وميضها الفضي عن طواعية؛ فيذوبا سويةً داخل لون خاص مستأثرين بخصائصه قابضين على ريشته وعندها سأقوم أنا بتسنمهم والتلويح من هامة أعلاهم..
ولكن أليس هذا هو صوت أبي, إنه يقترب, يناديني, يا إلهي.. هل أتى مبكراً أم أنني أنا التي أسقطت الوقت ففسدت ساعتي؛ فكربت شمسي, وأنا لم أنجز عملي, لا, لم يعد هناك مفر, أنتهى وقت التردد والتأفف؛ فلأردي هذا التلبك المعوي اللعين ولأعتقل هذا الازدراء خلف وجه أُحكم صب ملامحه بخرسانه الخوف وبذاك أستطيع أن أحصل على وجبتي اليومية من متعلقات الأخرين, وإلا سأنال عقابي المعتاد, وعوضاً عن النوم بلا إصابات سيلتهم جسدي العديد من الرضوخ الموشمة بآثار القمامة..