عمار نعمه جابر - مسرحية رماد

الأول : تفضل يا سيدي
الثاني : ما هذه العلبة !
الثالث : نحن نعتذر منك ، ونبلغك التعازي .
الثاني : ولكني لا أفهم ما تعني ، ماذا يوجد في هذه العلبة ؟
الأول : سيدي يوجد في هذه العلبة رماد .
الثالث : لا تقلق سيدي ، انه مجرد رماد .
الثاني : رماد !
الأول : نعم رماد جثة زوجتك .
الثاني : ( مصدوما ) زوجتي !
الثالث : نعم سيدي ، لقد ماتت في المستشفى ، وطلبت قبل موتها أن نحرق جثتها .
الثاني : ولكن كيف فعلت ذلك بنفسها !
الأول : نحن نقدر مدى حزنك وألمك ، ولكنها أوصت بذلك ، وأن ينفذ بسرعة .
الثاني : ولكني كنت معها في المشفى ، حتى المساء يوم أمس .
الثالث : تقول أنها لا تريد قبرا ، ولا حتى عزاء .
الأول : وكتبت أيضا في وصيتها ، أنها كانت تخجل كثيرا من جسدها ، ولا تريده بعد الآن .
الثاني : لكنها كانت زوجة مطيعة ومسالمة ، كيف فعلت ذلك بنفسها !
الثالث : نحن مجرد رجلان من الامن كلفنا المستشفى بتسليمك الرماد ، حسب وصيتها المسجلة .
الأول : وقد قرأنا نسخة من وصيتها الموجودة في دار العدالة في وسط المدينة .
الثالث : كانت زوجتك تشعر بالعار من جسدها ، تعتقد أنه جبل ثقيل ، كانت تحمله على كتفها .
الأول : نعم فعلا يا سيدي ، كانت تراه عار وخطيئة .
الثاني : ولكنها لم تتحدث معي في هذا الموضوع ، طوال العشرين عاما التي قضيتها في الزواج منها .
الثالث : نحن لا نعرف سبب هذا الموقف ، ولكن يبدو انها كانت تعاني كثيرا .
الأول : وبصراحة اكثر يا سيدي ، لا نعرف سبب عدم صراحتها معك بخصوص ذلك .
الثاني : لقد كانت بطبيعتها قليلة الكلام .
الثالث : هل كنت تراها حزينة أغلب وقتها ؟
الثاني : مطلقا ، لقد كانت ، كانت ( لحظة ) نعم لقد كانت حزينة أغلب وقتها .
الأول : وهل سألتها عن حزنها ، خلال هذه العشرين عاما .
الثاني : لا ، لم يحدث أن سألتها أبدا .
الثالث : امرأة تعيش معك عشرون عاما ، ولم تسألها عن سبب حزنها .
الثاني : أمي هي الأخرى ، كانت حزينة مثلها .
الأول : عفوا ، وكيف ماتت أمك .
الثاني : لا أتذكر .
الأول : ولكنها كانت أمك .
الثالث : حسنا ، نحن نتفهم ذلك الان .
الثاني : هل استطيع أن أقرأ نسخة من وصية زوجتي ؟
الأول : آسف سيدي ، هذا غير ممكن .
الثاني : ولكنها زوجتي !
الثالث : الوصية معنونة الى رئيس دار العدالة فقط ، وفيها شرط عدم قراءتك لها .
الثاني : ولماذا ، ماذا كتبت فيها !
الأول : لقد كتبت الكثير من التفاصيل .
الثاني : كيف أمكنها أن تفعل ذلك بي ، أنا لم أفعل لها شيئا سيئا .
الثالث : أنت لست كل المشكلة ، انت فقط جزء من مشكلة هذه السيدة .
الثاني : ولكنها زوجتي ، لم يحدث أن اخبرتني عن هذه المشاكل التي تتحدث عنها !
الأول : تقول أنك بلا شعور ، عفوا ، لاستخدام هذا اللفظ الجارح سيدي ، ولكنه مذكور حرفيا في وصيتها ، أكرر أسفي .
الثاني : لا أصدق ذلك ، لم يحدث أن أخبرتني بذلك !
الثالث : ربما كانت تخبرك ، ولكن أنت لا تهتم لما تقول .
الثاني : لماذا لم تؤكد علي ، تنبهني أكثر من مرة ، تحاول أن تشرح لي .
الأول : ربما تكون فعلت ذلك ، ولكنك بلا شعور كما قالت ، عذرا سيدي لخشونة اللفظ .
الثاني : لا تعتذر ، زوجتي هي من قالت ذلك ، ولكن أنا في صدمة ، كأنني أعرف زوجتي الان فقط !
الثالث : كم طفل لديكم ؟
الثاني : لا أحب انجاب الأطفال .
الأول : قالت انها كانت تتمنى أن تنجب خمسة أطفال .
الثاني : زوجتي !
الثالث : وتقول أنها تشعر بوحدة فضيعة من جراء عدم موافقتك على انجاب طفل .
الأول : زوجتك يا سيدي كانت تعاني ضغوط كبيرة في حياتها .
الثاني : وكأنكم تتحدثون عن شخص لم أقابله في حياتي ، شخص لا اعرفه ، وليست زوجتي التي تعيش معي لعشرين عاما .
الثالث : الواضح أنها هي من كان يعيش معك فقط ، أما أنت فكنت لا تقيم وزنا لوجودها ، لقد حددت أنت كل شيء ، وفرضت عليها قواعدك الخاصة ، دون مراعاة لرغبتها وخصوصيتها ، سيدي لقد كنت تتحكم حتى بشكل مشيتها ، وما قد يبدو من جسدها من خلف ملابسها ، وتتحكم بحركاتها ، وضحكاتها ، وتمرر يديك على وجهها لتتأكد أنها لم تضع ماكياج ، كنت تشعرها بالعار من جسدها ، ومن كون أنها انثى .
الأول ، زوجتك قررت أن تحرق جثتها بسببك أنت ، بسبب كل هذا العنف الكامن خلف تصرفاتك معها ، لقد حولتها الى كائن منبوذ وتافه .
الثاني : ولكنها لم تخبرني كل ذلك ، نعم ، أذكر أنها طلبت مني أن أغير طريقة تعاملي معها ، أن أحاول فهمها ، أن أتفهم شعورها .
الأول : ومن الطبيعي أنك لم تحرك ساكنا تجاه كل ما قالت لك .
الثاني : وهل ما قالت لي هو شيء خطير ؟
الثالث : إنه بحجم درب التبانة يا سيدي ، لا يعقل ما فعلت بها .
الأول : حسنا ، لقد طلبت في وصيتها أن لا يتم تحميلك مسؤولية ما جرى لها قانونيا .
الثالث : خذ يا سيدي ، خذ رماد زوجتك .
الثاني : عفوا ، في رأيكم ، ماذا قد يفعل شخص مثلي بهذا الرماد ؟
الأول : يعتذر من صاحبته ، يعتذر كثيرا .
الثالث : أو يذهب الى الجحيم .

  • ستار –
تركيا سامسون
13/4/2020
التفاعلات: عدي المختار

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...