حينما خرجت المرأة ذلك الصباح ، لم تكن لتدرك حتى وفي اسوأ كوابيسها الليلية ، او بخيالاتها الجانحة والمنقلتتة من اية قيود ان هذا هو ما سيحدث لها واما م عينيها - التي لابد وان اغمضتهما - دون مقدرة منها على تغيير مساره او تعديل انحرافه لتنجو .
حدث الامر بثوان : امتدت يد بأصابع عمياء ، اصابع سوداء اطبقت على فمها لتقودها في الظلام الذي هبط فجاة لمرة واحدة واخيرة.
***
تناولت افطارها الخفيف: . قطعة خبز صغيرة ، مربى المشمش مع مكعبات زبدة . ودلقت سريعا في جوفها فنجان من القهوة ال"بلاك " بلا سكر او مسحقوق ذرات الحليب وخرجت .
في الطريق ركنت سيارتها في موقف للسيارات بالاجرة ، وتابعت سيرها متجه نحو قلب المدينة حيث يقع مكتبها الذي يتبع احدى الجهات الحكومية .
كانت ترغب بالوصول مبكرة لعملها لتعود مبكرة ايضا ، وتكون في مسيرة لاعتصام يقيمة " مجمع النقابات المهنية " نصرة لشعب شقيق مجاور يسفح دمه ويسيل امام الجميع دون ان يأبه احد به وبما سيؤول اليه في النهاية التي تراها دامية لا محالة .
اخذت تسير بهمة بين المارة المهرولين مثلها واللاهثين للوصول لاعمالهم قبل الثامنة صباحا .
فجأة احست بأن ثمة ما يحدث :
شعرت بثقل في خطواتها ، ثقل يشبه الوهن . كأنما الخطوات تريد ان تتوقف رغما عن صاحبها .
اخذت تتذكر : هذه الليلة لم يكن ثمة كوابيس رأتها في منامها . ربما في الليلة التي سبقتها ، تخمن هذا ، وربما اثغاث احلام تمر . فلما الخوف اذن او التوجس او التحسب ؟
بدأت تبطىء في سيرها .
لا تزال تحس بالتعب. لست بسباق مع احد .! لاتمهل اذن . قالت لنفسها . واضافت : لا يزال الوقت مبكرا .
اخذ التعب ينال منها ومن خطواتها التي عادت لبتطىء اكثر . الا انها واصلت سيرها بأصرار .
. ***
ماالذي يحدث ؟
احست بالريبة ، وبما يشبه الخوف . الخوف الذي قيد خطواتها وحد من حرية تحركها بين الجموع .!
ارادت ان تغير من مسارها نحو طريق اخر فرعي لكن ضجيج المارة وازدحامهم دفعها لتواكب وقع خطاها مع خطوات السائرين والمارة من حولها، بين موظفون لا يخفى مظهرهم امام عيونها المتفحصة موظفون بمؤسسات حكومية هرمة يعبث باقسامها روتين ممل يقتل اي مباردة لموظف نشيط يطمح للتطور والتقدم ، وعمال من جنسيات لا تعرفها بداو بالتقاط رغيف خبزهم في طرقات مدينة "الحب الاخوي" وبين مؤسساتها التي انطلقت بمشاريع مبشرة الا انها سرعان ما توقفت لتتكشفت عن فساد اوقف اية فرصة للنهوض بها نحو الحلم . فساد نخر الرأس وامتد للجسد منها فلم يبقى وراءة شيئا ! .
لا تزال تواصل سيرها مع الجموع ، فيما العربات الصغيرة والكبيرة تسير بسرعة عالية وهي تطلق ابواقها بسبب وبلا سبب وبغياب واضح لشرطي المرور الذي رأت كوخه فارغا .
امتدت خيوط الخوف حولها اكثر : خيوط عميقة متداخلة احست بأن ايد خفية تعود لقوى غامضة نسجتها حولها وحول خطواتها في صباح بارد وموحش .
احست بخيوط خفية من الريبة والشك تطوقها ، تطوق روحها ، تطوق قدميها لتغدو خطواتها ثقيلة متثاقلة حتى الهواء البارد المنعش الذي تحب السير خلاله بطرقات المدينة الهابطة نحو القلب منها " قلب المدينة التي تحب " في صباح ماطر ودافىء لم يبدد خيوط الشك او يكون بقادر على اختراقها .
كأنما هي في كمين نصب لها، في شرك لاتملك له ردا او دفعا او تأجيلا بل وتسير اليه بقدميها .!
وصلت المكتب .
كان عرقها يتصبب من جبينها ومن كل جزء من اجزاء جسدها تلك المتوارية عن الاعين تحت ثيابها القطنية الثقيلة او الواضحة للاخرين كالاصابع او الوجة .
خلعت معطفها الصوفي وعلقتة بالقرب منها وهي تعلن لزملائها بفرح : خرجت مبكرة ووصلت هنا مشيا .
تناست كل شي رأته او احست به في طريقها ، تجاهلته تماما واستغرقت بشوؤن العمل وحكايات الزملا ء والزميلات التي لا تنتهي .
قبيل انتهاء دوامها بقليل ، وكما يحدث كل يوم ، سارع زملائها وزميلاتها للخروج للحاق بالحافلة التي ستقلهم لبيوتهم قبل اشتداد زحمة السير التي تبلغ ذروتها بحلول وقت انتهاء الدوام.
تبقى قليلا برفقة العامل ، تتفقد الاضاءة ، وتغلق النوافذ وتطمئن على كل ما يتعلق بالعمل وتخرج . !
هذا اليوم كان العامل في اجازة . " هل ثمة تواطؤ ما ضدها " ؟
اعتادت كثيرا ان تفعل هذا وغيرة دون دوافع او رغبات دفينة . حرص يستهزأ منه الكثير من زملائها وحتى اصدقائها حينما تسرد على اسماعهم ما تفعلة قبل خروجها . جملة واحدة تبقى ترن في رأسها من بين الجمل والتعليقات المازحة وغير المازحة التي تسمعها دائما " ع بال مين يلي ترقص بالعتمة "! لكنها لم تأبه لها بل كانت تضحك في سرها .
اغلقت الباب وراءها .
الحاسوب يتدلى من كتفها ليصل لمنتصف خصرها والحقيبة في يدها الاخرى والهاتف داخلها .
وهي تغلق الباب بالمفتاح وعيونها مصوبة نحو المصعد الذي يبعد عنها خطوات قصيرة ، رن الهاتف رنة واحدة وتوقف . تعرف ان المصعد لا ينتظر احد او يأبة لطلب ملح . يصل بثوان معدودة ليغادر بثوان قصيرة تشبه ثواني المجيء. فتجاهلت الهاتف .
سارعت نحو جرس المصعد وطلبتة . لاحظت ارتجاف اصابع يديها الاثنتين . تفاجأت وهي تشعر بالارتجاف المصحوب بالخوف يشل من قدرتها على انتظار الثواني القصيرة لوصول المصعد .
وصل المصعد .
لكنه وصل وتوقف ولم يحرك ساكنا .
جثة هامدة .
دخلته وطلبت الطابق الاول الذي ينتفتح على الشارع الرئيسي للخروج .انتبهت لخلوة من الاضاءة . دارت بخطواتها المرتبكة وهي تنظر نحو الدرج على مبعدة خطوات قصيرة منها لكن باب المصعد اغلق . سادت العتمة على اثره, عثمة كيفة وحالكة . فجأة رأت ثلاثة رجال وسط العتمة الكثيفة والحالكة يطوقونها من الجهات الثلاثة للمصعد المعتم بأيدهم القوية الضخمة ، ارادت ان تصرخ لكن يد احدهم وكانت مغطاة بقفازات سوداء خشنة سارعت لتغطية فمها لتحبس صرختها بداخلها .
تهاوى المصعد المطفأ بهم جميها نحو قاع مظلم وسحيق وبعيد .
تتذكر المرأة بأن اخر ما رأته بأم عينيها وسط العتمة الكثيفة خيط رفيع احمر يتدلى من اعلى المصعد ، تماما مكان اضاءته المطفئة ويلتف بخيوطه النازفة ليطوق جسدها كله .
حدث الامر بثوان : امتدت يد بأصابع عمياء ، اصابع سوداء اطبقت على فمها لتقودها في الظلام الذي هبط فجاة لمرة واحدة واخيرة.
***
تناولت افطارها الخفيف: . قطعة خبز صغيرة ، مربى المشمش مع مكعبات زبدة . ودلقت سريعا في جوفها فنجان من القهوة ال"بلاك " بلا سكر او مسحقوق ذرات الحليب وخرجت .
في الطريق ركنت سيارتها في موقف للسيارات بالاجرة ، وتابعت سيرها متجه نحو قلب المدينة حيث يقع مكتبها الذي يتبع احدى الجهات الحكومية .
كانت ترغب بالوصول مبكرة لعملها لتعود مبكرة ايضا ، وتكون في مسيرة لاعتصام يقيمة " مجمع النقابات المهنية " نصرة لشعب شقيق مجاور يسفح دمه ويسيل امام الجميع دون ان يأبه احد به وبما سيؤول اليه في النهاية التي تراها دامية لا محالة .
اخذت تسير بهمة بين المارة المهرولين مثلها واللاهثين للوصول لاعمالهم قبل الثامنة صباحا .
فجأة احست بأن ثمة ما يحدث :
شعرت بثقل في خطواتها ، ثقل يشبه الوهن . كأنما الخطوات تريد ان تتوقف رغما عن صاحبها .
اخذت تتذكر : هذه الليلة لم يكن ثمة كوابيس رأتها في منامها . ربما في الليلة التي سبقتها ، تخمن هذا ، وربما اثغاث احلام تمر . فلما الخوف اذن او التوجس او التحسب ؟
بدأت تبطىء في سيرها .
لا تزال تحس بالتعب. لست بسباق مع احد .! لاتمهل اذن . قالت لنفسها . واضافت : لا يزال الوقت مبكرا .
اخذ التعب ينال منها ومن خطواتها التي عادت لبتطىء اكثر . الا انها واصلت سيرها بأصرار .
. ***
ماالذي يحدث ؟
احست بالريبة ، وبما يشبه الخوف . الخوف الذي قيد خطواتها وحد من حرية تحركها بين الجموع .!
ارادت ان تغير من مسارها نحو طريق اخر فرعي لكن ضجيج المارة وازدحامهم دفعها لتواكب وقع خطاها مع خطوات السائرين والمارة من حولها، بين موظفون لا يخفى مظهرهم امام عيونها المتفحصة موظفون بمؤسسات حكومية هرمة يعبث باقسامها روتين ممل يقتل اي مباردة لموظف نشيط يطمح للتطور والتقدم ، وعمال من جنسيات لا تعرفها بداو بالتقاط رغيف خبزهم في طرقات مدينة "الحب الاخوي" وبين مؤسساتها التي انطلقت بمشاريع مبشرة الا انها سرعان ما توقفت لتتكشفت عن فساد اوقف اية فرصة للنهوض بها نحو الحلم . فساد نخر الرأس وامتد للجسد منها فلم يبقى وراءة شيئا ! .
لا تزال تواصل سيرها مع الجموع ، فيما العربات الصغيرة والكبيرة تسير بسرعة عالية وهي تطلق ابواقها بسبب وبلا سبب وبغياب واضح لشرطي المرور الذي رأت كوخه فارغا .
امتدت خيوط الخوف حولها اكثر : خيوط عميقة متداخلة احست بأن ايد خفية تعود لقوى غامضة نسجتها حولها وحول خطواتها في صباح بارد وموحش .
احست بخيوط خفية من الريبة والشك تطوقها ، تطوق روحها ، تطوق قدميها لتغدو خطواتها ثقيلة متثاقلة حتى الهواء البارد المنعش الذي تحب السير خلاله بطرقات المدينة الهابطة نحو القلب منها " قلب المدينة التي تحب " في صباح ماطر ودافىء لم يبدد خيوط الشك او يكون بقادر على اختراقها .
كأنما هي في كمين نصب لها، في شرك لاتملك له ردا او دفعا او تأجيلا بل وتسير اليه بقدميها .!
وصلت المكتب .
كان عرقها يتصبب من جبينها ومن كل جزء من اجزاء جسدها تلك المتوارية عن الاعين تحت ثيابها القطنية الثقيلة او الواضحة للاخرين كالاصابع او الوجة .
خلعت معطفها الصوفي وعلقتة بالقرب منها وهي تعلن لزملائها بفرح : خرجت مبكرة ووصلت هنا مشيا .
تناست كل شي رأته او احست به في طريقها ، تجاهلته تماما واستغرقت بشوؤن العمل وحكايات الزملا ء والزميلات التي لا تنتهي .
قبيل انتهاء دوامها بقليل ، وكما يحدث كل يوم ، سارع زملائها وزميلاتها للخروج للحاق بالحافلة التي ستقلهم لبيوتهم قبل اشتداد زحمة السير التي تبلغ ذروتها بحلول وقت انتهاء الدوام.
تبقى قليلا برفقة العامل ، تتفقد الاضاءة ، وتغلق النوافذ وتطمئن على كل ما يتعلق بالعمل وتخرج . !
هذا اليوم كان العامل في اجازة . " هل ثمة تواطؤ ما ضدها " ؟
اعتادت كثيرا ان تفعل هذا وغيرة دون دوافع او رغبات دفينة . حرص يستهزأ منه الكثير من زملائها وحتى اصدقائها حينما تسرد على اسماعهم ما تفعلة قبل خروجها . جملة واحدة تبقى ترن في رأسها من بين الجمل والتعليقات المازحة وغير المازحة التي تسمعها دائما " ع بال مين يلي ترقص بالعتمة "! لكنها لم تأبه لها بل كانت تضحك في سرها .
اغلقت الباب وراءها .
الحاسوب يتدلى من كتفها ليصل لمنتصف خصرها والحقيبة في يدها الاخرى والهاتف داخلها .
وهي تغلق الباب بالمفتاح وعيونها مصوبة نحو المصعد الذي يبعد عنها خطوات قصيرة ، رن الهاتف رنة واحدة وتوقف . تعرف ان المصعد لا ينتظر احد او يأبة لطلب ملح . يصل بثوان معدودة ليغادر بثوان قصيرة تشبه ثواني المجيء. فتجاهلت الهاتف .
سارعت نحو جرس المصعد وطلبتة . لاحظت ارتجاف اصابع يديها الاثنتين . تفاجأت وهي تشعر بالارتجاف المصحوب بالخوف يشل من قدرتها على انتظار الثواني القصيرة لوصول المصعد .
وصل المصعد .
لكنه وصل وتوقف ولم يحرك ساكنا .
جثة هامدة .
دخلته وطلبت الطابق الاول الذي ينتفتح على الشارع الرئيسي للخروج .انتبهت لخلوة من الاضاءة . دارت بخطواتها المرتبكة وهي تنظر نحو الدرج على مبعدة خطوات قصيرة منها لكن باب المصعد اغلق . سادت العتمة على اثره, عثمة كيفة وحالكة . فجأة رأت ثلاثة رجال وسط العتمة الكثيفة والحالكة يطوقونها من الجهات الثلاثة للمصعد المعتم بأيدهم القوية الضخمة ، ارادت ان تصرخ لكن يد احدهم وكانت مغطاة بقفازات سوداء خشنة سارعت لتغطية فمها لتحبس صرختها بداخلها .
تهاوى المصعد المطفأ بهم جميها نحو قاع مظلم وسحيق وبعيد .
تتذكر المرأة بأن اخر ما رأته بأم عينيها وسط العتمة الكثيفة خيط رفيع احمر يتدلى من اعلى المصعد ، تماما مكان اضاءته المطفئة ويلتف بخيوطه النازفة ليطوق جسدها كله .