محمد كشك - المرأة في شعر نزار قباني

قال الشاعر الانجليزي روبرت هيريك: «لقد أحببتها وسأظل أحبها حتى نهاية الدنيا… كانت أقرب إلي من نفسي وروحي» من هي هذه المرأة؟ لا احد يدري ولكن الذي سجله المؤرخون أنها كانت ملهمته التي أوحت إليه بأروع أعماله! لقد قضى حياته كلها بجوارها، فلما ماتت ترك القلم، وهجر الناس والدنيا، وعاش وحيداً في عزلته على الذكريات حتى وافته المنية! ماهو هذا الشيء الذي رآه شاعر الانجليز الرقيق في هذه المرأة ولم يره في غيرها؟ ما الذي يخلد المرأة فيجعلها تعيش ابداً في قلوب هؤلاء الذين عرفوها وأحبوها؟ لهذا ليس بالأمر الغريب أن يفرد شاعرنا الراحل نزار قباني مساحة شاسعة من شعره للمرأة.. يقول الكاتب موفق شهاب الدين في دراسة له عن أعمال نزار قباني، إذا مانظرنا الى شعر نزار قباني وبحثنا في مبررات ذيوعه وانتشاره ووصوله الى الناس على اختلاف مستوياتهم وانتشاره بينهم، كانت لها ثلاثة أسباب أبرزها أن الموضوعات التي طرقها في قصائده والتي حاول فيها عرض بعض قضايا المجتمع العربي كانت قضية المرأة تأتي على رأس هذه القضايا، والإعلان صراحة في شعره عن واقع الرغبات المطفأة المكبوتة لدى الرجل والمرأة..
وتكمن صورة المرأة في أدب نزار قباني في عدة صور منها، تصوير المجتمع الذي عاش فيه والحض على تغيير هذا المجتمع الذي تسيطر عليه العلاقات القبلية الإقطاعية، كما يقول في ديوان «يوميات امرأة لامبالية»: «فشرقكم ياسيدي العزيز.. يصادر الرسائل الزرقاء.. يصادر الأحلام من خزائن النساء، يمارس الحجر على عواطف النساء.. الخ.
وفي المقابل يطلب منها ان تثور على النظام الاجتماعي الشرقي الذي يرى المرأة متعة لاأكثر «ثوري أحبك أن تثوري.. ثوري على شرق السبايا.. والتكايا والبخور.. ثوري على التاريخ، وانتظري على الوهم الكبير.. لاترهبي أحداً فإن الشمس مقبرة النسور.. ثوري على شرق يراك وليمة فوق السرير». ‏
ومن بين أحاديثه عن المرأة يقول نزار قباني في إحدى الأماسي الشعرية، كل واحد يراقب موضوعاً ما، والمرأة ليست غريبة عن حياتنا، ولكل منا أم وشقيقة وبنات وحبيبات، وإنما لايمر الحضور النسائي لدي بشكل عادي، أومن دون أن آخذ دروساً منه، ولكن لا أتصور أن المرأة غير مكتشفة، وتستطيع ان تعرف المرأة خلال عشر دقائق أو ربع ساعة أو يوم أو يومين وتعرف حقيقتها، فكل منا ولد من رحم انثى.. ورضع منها وتشبع بكلامها وسمع أغانيها.. ‏
فلذلك الأنثى ليست لغزاً، ولكنها طريقة عيش، وأعترف «انني عشت حياتي النسائية طولاً وعرضاً واكتسبت منها لأنها كانت عبارة عن مدرسة تعلمت منها كثيراً، لذلك إن استطعت أنا أن أفهم سيكولوجية المرأة فلأنني تلميذ جيد». وعن البعد الإنساني في شعره للمرأة يقول: «إن المرأة ليست آنية جميلة أو شيئاً مجرداً، فبقدر مانستطيع تحويل المرأة الى موضوع إنساني كبير، حيث تتجاوز حالتها الفيزيائية أو الجسدية نكون قد نجحنا بفهمها». ‏
وفي كتابه «عمربن أبي ربيعة ونزار قباني» يقول المؤلف الدكتور ماهر حسن فهمي: لا شك في أن تحليل شعر الشاعرين والموازنة بينهما يكشف القيمة الحضارية وصورها من الداخل.. ويضيف هناك مراحل ثلاث يمر بها شعر الغزل.. ترتبط كل مرحلة بوضع حضاري معين: مرحلة الصراع في الحياة، والصراع من اجل الظفر بالمرأة لون منها، مرحلة السلبية وتقديس المرأة صورة أخرى، مرحلة الرفاهية وخروج المرأة وتصديها للرجل بحكم تحررها وإيجابيتها». ‏
إن المرأة التي كانت محور أكثر من شاعر عربي قديم هي التي يحس المرء وهو يستمع اليها، بعمق الفكرة وسهولة التعبير في غلاف جميل تلفه ابتسامة مشرقة تنم عما تحويه هذه النفس من صفاء وشعور بالأمن والرضى.. وهي المرأة التي يرتاح الرجل الى محبتها فلا يشعر بلذة الحياة إلا معها.. ولايرى مايحيط به من جمال إلا بعينيها هي، فإذا ابتعدت عنه أو افترق عنها، لم يعد يشعر بطعم للحياة أو يرى فيها شيئاً مما يراه غيره، يقول نزار قباني:
إني خيرتك فاختاري.. ‏
مابين الموت على صدري.. أو فوق دفاتر أشعاري ‏
اختاري قدراً بين اثنين.. وما أعنفها اقداري.. ‏
صيب وعذاب ودموع.. ورحيل بين الأقمار ‏
هذا هو نزار قباني الذي عمل على تطويع لغة بسيطة من اللغة في شعره دون أن يفقد القدرة على الولوج الى أعماق المتلقين أو على عدم الإخلال بفنية الشعر.. وقد أشار نزار الى ذلك بقوله، إن البساطة لها جمالها وعندما أتحدث عن البساطة، إنما أتحدث عن لغة أسميها اللغة الثالثة وناديت بها في كتابي «قصتي مع الشعر».. فالبساطة تشبه البراءة تشبه، الطفولة، وأن تكون بسيطاً يعني أنك غير معقد.. وأنا لا أميل الى التعقيد اللغوي وهكذا وصل شعري الى جميع طبقات المجتمع.


ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...