إبراهيم اليوسف - كورونا يدخل بيتنا

التوقيت خاطئ!
قالت لي زوجتي، بعد أن أيقظتني صباح اليوم، وهي تعلمني أن شركة التأمين في مدينة إيسن التي نقيم فيها، قد أرسلت اثنين من العمال لتركيب بلور الباب الداخلي لبيتنا. نهضت، كالملدوغ من سريري. فركت عيني، وسألتها: لاضير، ليدخلا! فردت علي: ويحك، كيف تقول ذلك ونحن منذ شهر وبضعة أيام في حالة حجر صحي، حتى أبناؤنا. وابنتنا وأقرباؤنا وأصدقاؤنا لم يزورونا ولم نزرهم. هرعت صوب الباب الخارجي وأنا لما أزل في- لباس النوم- سلم علي الرجلان، فآذنت لهما بالدخول. استغربت زوجتي موقفي وقالت لي بالكردية:
أجل، ولكن بعد أن نعقمهما
أخجل، أن أقول لهما ذلك، لنترك الأمر بعد خروجهما!
يكون الفيروس انتشر، وهيمن على البيت، وفرخ، وملأ الدنيا
إذاً، ما العمل؟
كان الرجلان لايزالان يدخلان- أدوات العمل- ولوح الزجاج- إلى البيت، وقفت أمامهما زوجتي وفي يديها أكثرمن بخاخ للتعقيم وقالت بألمانية تكاد أن تكون غيرمفهومة:
هل ممكن أن نعقمكما؟
قال الألماني الأشقرالطويل مبتسماً
حسناً، وبكل سرور!
خجلت في قرارتي، ولمتها على ماقالته لهما، إلا أنه وزميله الأشقر الأصغرسناً تقبلا الأمر، و تولينا تعقيمهما بأكثر من مطهر. كانا يبتسمان، وهما يواصلان عملهما. قالت لهما ابنتي التي أيقظتها وأخاها أمهما ليترجما لنا:
البلور انكسرعندما فتحنا الباب الخارجي وهبت عاصفة قوية
رد عليها أيان: ليس من شأنهما أن يسألانا لم انكسر البلور، ثم هذه ليست المرة الأولى التي يكسرفيها هذا الزجاج
دخلت زوجتي بعد أن أتت بثلاثة فناجين قهوة لنا:
البلورالذي أتونا به هذه المرة أقوى، وأجمل، وأنه"محجر" و غيرشفاف، كما زجاج المرة السابقة، علينا أن ننتبه عليه جيداً..!
قال العامل الألماني الكبير مازحاً:
ونحن لن نشرب قهوتكم
ردت عليه زوجتي بخجل ببضع كلمات بالألمانية مؤكدة أنها راعت الشروط الصحية
وبعد أن انتهيا من العمل، وشكرناهما، راحا يجمعان أدوات العمل، ويكنسان نثار كسرالزجاج المتناثرة على الأرض يضعانها في كيس خاص، وقبل أن يخرجا قال لنا الشاب الصغيرالمرافق للمعلم الذي تولى إدارة تركيب زجاج الباب وبالكردية:
عقموا فناجيننا أيضاً، لكننا غيرمصابين بكورونا حتى الآن
ضحكنا معاً، إذ كانت مفاجأة لنا أن يكون العامل الأشقرالصغير ذي الملامح الأوربية كردياً، بينما راحت زوجتي تستدرك الأمر وقالت:
أخشى أن يكون زميلك هو الآخر كردياً
فضحكنا الثلاثة وراح هو يشرح لمعلمه ماقالته لي أم العيال، فشاركنا بالضحك وهو يقول:
لا، لسنا مصابين بالكورونا
وبعد أن خرجا، رحنا نستعيد تفاصيل حديثنا الخاص أنا وزوجتي، وهي تقول:
أرجو ألا أكون قد أخطأت!
قلت لها:
ماقلته لهما أمرطبيعي وقد تقبلاه برحابة صدر
كان على الشركة أن تراعي ظروف الحجر الصحي، فهي تأخرت كثيراً حتى لبَّت مطلبنا، ولطالما أنها تأخرت أشهر عدة، ومضى وقت البرد، ونحن الآن في الربيع فقد كان في إمكانها الانتظار ريثما ينتهي الحجراللعين
لهم نظامهم الذي يتبعونه ولاسلطة لنا عليهم
الشاب كان ذكياً لم يعلن عن كرديتي إلا في لحظة مغادرة البيت
كان عليه أن يعلن عنها في البداية فلربما أخطأنا
أجل، كان يمكنه أن يترجم لنا ولا نوقظ أيان وأخته هلز ليساعدانا في الترجمة، باعتبار أن- ألمانيتنا- لا تكفي استكمال وضع زجاج بديل بشكل كامل
ثم ضحكت
انصرفت زوجتي إلى تعقيم الممرين الداخلي والخارجي. الباب الخارجي. مقبضه. مقبض الباب الداخلي. مربع إطاره. أرض الغرفة، ثم فتحت النوافذ
ثلاثة أيام مرت، وهي لم تنس ماتم، بل لاتزال تتساءل:
كيف سمحت الشركة بإرسال العاملين في فترة الحجر، فأنا سأظل خائفة حتى أربعة عشر يوماً آخر، بل حتى واحد وعشرين يوماً، فلقد جاء أمس في فيديو لطبيب أمريكي من أصل عربي قوله:
فيروس كورونا ينتقل عبرالهواء ويظل عالقاً به ثماني ساعات وأكثر!
وتستطرد فتقول:
وذلك الشاب اللعين لم لم يقل لنا أنا كردي؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...