خيرية فتحي عبدالجليل - لا يمكن تعويضهما.. قصة قصيرة

أمي في المطبخ. يصلني صوت الملاعق والأطباق والسكاكين. شحن موبايلي (2%) معنى ذلك أن كل الرسائل الجميلة ستنهال عليّ. والمكالمات الهامة جداً. سارة تتصل. والرجل القديم يمطر بريدي الإلكتروني بسيل عارم من رسائل الاعتذار. إحدى صديقاتي ترسل رسالة نصية. تطلب إجابة أسئلة الدرس الرابع في مادة النحو. تبرز أمي عند صالة المنزل المواجهة لعرفتي تماما. أراها تتكلم وتشير بيديها. أنها تتحدث إلي لكن تركيزي موجه كلياً إلى شاشة تلفوني. أحاول التقاط بعض الكلمات من فم أمي لكنها تستدير وترجع إلى حيث عالمها الكبير في المطبخ.

تخفت إضاءة الشاشة في يدي. أين وضعت الشاحن اللعين. أسلاك وكوابل متشابكة. أين الشاحن؟

لا أحد في المنزل لديه شاحن يتفق مع هاتفي. جارتنا السمينة ومع أن نقالها “بيلا” إلا أنها تغضب وتنهار وتصرخ عندما تفكر في استعارة شاحنها القديم كأنك طلبت منها أن تتنازل عن حصتها في ميراث أجدادها. أربعينية. تأكل بعض الحروف عندما تبدأ في الثرثرة. تترك شعرها القصير ينساب إلى أسفل دون رادع. يختلط سواده ببعض الخصلات البيضاء. عندما رأتها سارة تندفع إلى بيتنا ذات يوم وفي يدها هاتفها “البيلا” وتدخل بسرعة إلى المطبخ حيث أمي وحيث كانت سارة تزورني كل يوم فترة الامتحانات في نهاية الفصل الدراسي العام الماضي. كتبت لي رسالة نصية وهي تدفن رأسها في كتاب اللغة العربية. عندما فتحت الرسالة اهتزت كل أركان الصالة بفعل ضحكتي.

– أنا لا أريد احتضانك بل أريد ابتلاعك بداخلي (السمينة لما تكبد).

نهرتني أمي بشدة وحرمتني من مواصلة مذاكرة دروسي مع سارة بقية اليوم. فصلتها عني. أخذتني إلى غرفتي وأمرت سارة بالبقاء في الصالة. سحبت هواتفنا منا عنوة عقاباً لنا على عبثنا بمشاعر الأخرين. هزت رأسها استغرابا. أخذت تتأفف. قالت

– كيف تجتمع هذه البلايا الإلكترونية مع الكتب الدراسية أيام الامتحانات. كيف تتمكني من التركيز على دروسك يا أبنتي وهذا الشيطان معك ؟

ثم أردفتْ

– هاتفك سيكون معي حتى نهاية الامتحانات.

ومنذ تلك الحادثة افترقنا أنا وسارة خلال فترة مراجعة الدروس في المساء. شحن موبايلي (1%) أين أنت يا شاحني العزيز؟؟

وقفت وسط غرفتي. سحبت كومة كوابل. أسلاك في كل مكان. فوق السرير وتحت السرير. على طاولتي وخلف الباب. لا بد أن أعثر على سلك يصلح لشحن هاتفي. ووجدت السلك لكن دون الشاحن نفسه. خطرت علي فكرة قرأت عنها في أحدى المواقع هو استعمال “ريسيفر تلفزيون” به مدخل ( usb ). كم تمنيت وقتها تجربة ذلك. لكن الآن جاء دور التنفيذ.

– أثنان لا يمكن تعويضهما. صديق وفيّ وشاحن أصلي. (هذه الحكمة كانت ترددها سارة دائماً وفي جميع الأوقات).


التفاعلات: صلاح البشير

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...