شوقي بزيع - مناديل لرياح الفقدان

هي ليست بيوتاً
لنحمل أنَّى اتجهنا مفاتيح أبوابها
أملاً بالرجوع ،
و ليست بلاداً لنسكنها آمنينْ
و لكنها فهرسٌ للظلالِ التي تعْصم الخلْق
من فكرة الإمّحاء ،
ورايةُ من رفعوا يأسهم كالصواري
على سفنٍ لم تَعُدْ ،
و التفاتةُ صفّ طويلٍ
من الجندِ
نحو الدموع التي تترقرقُ
في أعين الفتيات الصغيراتِ
قبل اندلاع الحروبِ ،
و تلويحةُ الراحلينْ
و المناديلُ صورةُ ما ارفضَّ
في جنة الأمسِ
من عطر مستوطناتِ الجمال الدفينْ
و هي رجْع مياه الغيابِ
الذي يتقاطع تكرارُهُ
مع صداح عصافيرَ نائيةٍ في الثلوج ،
و فضْلة ما خلَّفَتْهُ العصورُ القديمةُ
من حسرة الأوَّلينْ
و هي ليست جهاتٍ لتصويب بوصلة الفقدِ ،
أو لاقتفاء أماكنَ صالحةٍ
للإقامة في الأرض ،
بل فلذاتٌ معمَّدَةٌ بالنحيبِ
لأكباد مَنْ تُركوا هائمينَ
على وجههمْ
عند مفترقات الدروب ،
و مَنْ رفعوا فوق أعمدة لا تُرى
رايةَ النصر ،
أو نُسَخٌ عن أماكنَ كنا ،
لكي نتمكن من حفظها في الأغاني ،
نضيِّعها عامدينْ
و هي ما يترك الوالهونَ
إذا فرَّقتهم مصائرهمْ
من مواعيدَ مطويَّةٍ كالثياب القديمةِ
في دُرُج الذكريات ،
و نزْعتنا اللامسماةُ للاحتفاظ بأحلامنا
غضَّةً حين نصحو ،
و رغبتنا في استعادةِ
ريف الحياة الحزينْ
في أقاصي تخوم النقاء المغيِّبِ
ثمَّ مناديلُ للإرتداد إلى عرْينا الدنيويِّ ،
و للإلتحاق بأمكنة لم نطأها
معلَّقةٍ بالملاقطِ
فوق حبال السنينْ
و ثَمَّ مناديلُ شبْه إلهيةٍ
لاتّقاء الإصابة بالمسِّ
في ردهات المزارات ،
أو لتفادي انزلاق السعادةِ
عن صخرةٍ تَّم نسيانُها
في أغاني النساء القدامى ،
و ثمَّ مناديل معصوبةٌ بعراء الجباهِ الحداديّ
كي تتوسَّل عبر حرير الحداءاتِ
أرضاً مهدّئةً للحنينْ
و ثمَّ مناديلُ تحرس خفَّاقةً
في أعالي الهضاب البعيدةِ
ما ترك الناسُ خلف صحارى تَرَحُّلهم
من أنينْ
و ثمَّ مناديلُ أخرى
لرفْد النعاس بما ينحني من ظهور السنابلِ
تحت الأكفِّ الطريَّة للريح ،
أو لانصهار غيابينِ
في قُبلةٍ ،
أو لتذكيرنا باتحاد الولادة و الموتِ
في صرخةٍ لا تلينْ
لكأن المناديلَ صورةُ ما لم نجدهُ
على الأرض يوماً ،
و هي ، مجبولةً بهواء تلفُّتنا
نحو أكثر ما في مناماتنا
حلْكَةً ،
لا تكفُّ ذؤاباتها المشتهاةُ
عن الخفقان المحيّرِ
كيما تُعاود تمثيل واقعة العيشِ
في كل حينْ
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...