بالأمس كنتُ أضع الورود على قبر صديقي وأنا أرتدي الأبيض وأدندن:
"الحياة حلوة، بس نفهمها، الحياة حلوة محلى أنغامها".
وهذه هي الورود التي أهديتُها لحبيبتي منذ يومين، حينما فتحت لي الباب ورفعت الورود بيدي لتلتف حول وجنتيها، لم أرَهذه الابتسامة التي صوَّبتها نحو ذلك الوسيم الذي مرَّ بجانبنا اليوم، بل رفعت حاجبيها في دهشةوتأمَّلتني للحظة..
ثم قالت:
"عبيط".
قالتها كأنها تُنهي قضية منطقية كانت تصارع فكرها لوقت طويل.
عشر سنوات ألقي فيها الشعر، لا أكتبه، أظل ماشيًا على قدمي ثم أجدني فجأة أقول شعرًا إلى المارة، أظل أردده حتى أحفظه ويصير قصيدة أتغنى بها.
إنني لا أكتب الشعر يا سادة، فأنا ببساطة ألقيه!
عشر سنوات ألقي فيها الشعر والوحيد الذي كان يناديني "يا شاعر" دفنته اليوم.
وحين ألقي الشعر إلى المارة تارةً أراهم بعد أن تستبدَّ بهم الدهشة يبكون، وتارةً أخرى يرمونني بالنقود، وأنا مغمض العينين حتى لا أفوِّت أي جزء مما يُلقى عليَّ من ذلك الصوت الذي يسكنني، أستمتع باللحظة حتى أحفظها وأكررها مراتٍ ومراتٍ وهم يظنونني كما استنتجت حبيبتي أنني "عبيط".
ولمَّا خلعتُ الجاكت وانحنيتُ على قطة أغطيها به من البرد، كانت حبيبتي قد صوَّبت نظراتها للشاب الذي هناك يطوِّق ذراعيه حول خصر الفتاة ويداعب فتاتي بنظراته، اللحظة التي لمحته فيها بقميصه الكاروهات الأزرق وذقنه المحددة بعناية فوق جبينه،ونظرته التي يغلب عليها المكر، استرجع ذهني على الفور تلك الفتاة صديقتها التي على الأرجح قد أُغرمت بي وهي تقول:
"إنها تراك في هيئةالعبيط، وأنا أراك شاعرًا".
وفي الحفل الموسيقي، ارتديت البدلة السوداء وتقمَّصتُ دور الشاعر، شاعر يصطحب حبيبته يوم ميلادها إلى حفل في الأوبرا، كل شيء كان مرتبًافي عقلي وبدا لها تلقائيًّا تمامًا كما يليق بعبيطٍ أن يكون عفويًّا.
ألقيت قصيدتي بينما تعزف الأوركسترا فوق المسرح وأنا شاعرٌ وشابٌ وسيمٌفي كامل أناقتي، كُتبت القصيدة لها، أغمضتُ عيني وألقيتها على حبيبتي، وحين رأيت الجميلات يلتففن حولي بعيون يطل منها الإبهار والإعجاب تملكتني النشوة، وبالطبع حظيتُ بنظرة منها كتلك التي حظي الشاب الغريب بها، لكنني كنت قد نسيتها تمامًا حين تذكرتُ في هذه اللحظة أنني شاعر.
* المجموعة القصصية "الجنتلمان يغني للجميلات" الكاتبة سماء سالم الصادرة عن دار روافد للنشر.
"الحياة حلوة، بس نفهمها، الحياة حلوة محلى أنغامها".
وهذه هي الورود التي أهديتُها لحبيبتي منذ يومين، حينما فتحت لي الباب ورفعت الورود بيدي لتلتف حول وجنتيها، لم أرَهذه الابتسامة التي صوَّبتها نحو ذلك الوسيم الذي مرَّ بجانبنا اليوم، بل رفعت حاجبيها في دهشةوتأمَّلتني للحظة..
ثم قالت:
"عبيط".
قالتها كأنها تُنهي قضية منطقية كانت تصارع فكرها لوقت طويل.
عشر سنوات ألقي فيها الشعر، لا أكتبه، أظل ماشيًا على قدمي ثم أجدني فجأة أقول شعرًا إلى المارة، أظل أردده حتى أحفظه ويصير قصيدة أتغنى بها.
إنني لا أكتب الشعر يا سادة، فأنا ببساطة ألقيه!
عشر سنوات ألقي فيها الشعر والوحيد الذي كان يناديني "يا شاعر" دفنته اليوم.
وحين ألقي الشعر إلى المارة تارةً أراهم بعد أن تستبدَّ بهم الدهشة يبكون، وتارةً أخرى يرمونني بالنقود، وأنا مغمض العينين حتى لا أفوِّت أي جزء مما يُلقى عليَّ من ذلك الصوت الذي يسكنني، أستمتع باللحظة حتى أحفظها وأكررها مراتٍ ومراتٍ وهم يظنونني كما استنتجت حبيبتي أنني "عبيط".
ولمَّا خلعتُ الجاكت وانحنيتُ على قطة أغطيها به من البرد، كانت حبيبتي قد صوَّبت نظراتها للشاب الذي هناك يطوِّق ذراعيه حول خصر الفتاة ويداعب فتاتي بنظراته، اللحظة التي لمحته فيها بقميصه الكاروهات الأزرق وذقنه المحددة بعناية فوق جبينه،ونظرته التي يغلب عليها المكر، استرجع ذهني على الفور تلك الفتاة صديقتها التي على الأرجح قد أُغرمت بي وهي تقول:
"إنها تراك في هيئةالعبيط، وأنا أراك شاعرًا".
وفي الحفل الموسيقي، ارتديت البدلة السوداء وتقمَّصتُ دور الشاعر، شاعر يصطحب حبيبته يوم ميلادها إلى حفل في الأوبرا، كل شيء كان مرتبًافي عقلي وبدا لها تلقائيًّا تمامًا كما يليق بعبيطٍ أن يكون عفويًّا.
ألقيت قصيدتي بينما تعزف الأوركسترا فوق المسرح وأنا شاعرٌ وشابٌ وسيمٌفي كامل أناقتي، كُتبت القصيدة لها، أغمضتُ عيني وألقيتها على حبيبتي، وحين رأيت الجميلات يلتففن حولي بعيون يطل منها الإبهار والإعجاب تملكتني النشوة، وبالطبع حظيتُ بنظرة منها كتلك التي حظي الشاب الغريب بها، لكنني كنت قد نسيتها تمامًا حين تذكرتُ في هذه اللحظة أنني شاعر.
* المجموعة القصصية "الجنتلمان يغني للجميلات" الكاتبة سماء سالم الصادرة عن دار روافد للنشر.