علي الدميني - حارس الليل.. شعر

تحت شمسٍ ضبابيةٍ
يجلسُ الليلُ ، متكئاً، ساهراً،
مثلما الليلُ، قــُربي.
يتأمّلُ وجهيْ،
كمن يتعرّف شيئاً فشيئاً على نفسهِ
في الصّوَرْ،
فأرى في خرائط كفيهِ،
ظِلَّ طريقي التي أُتـُّهِمَ العمرُ فيها -¬ طويلاً - و أنجَدْ.
تحت هذا العريشِ
المحنّى بألوانهِ،
يجلسُ الليلُ عندي،
عباءتُه من نجومٍ وعسْجَد
و جبهتهُ من ضياءٍ ومسجدْ.
يتدثّر ثوب " عروسٍ من الزنج" ،
كي لا يضيءَ فيفنى،
وكي لا يسيلَ على طرقاتِ المدينةِ
أو يتبدّدْ.
أُسمّيهِ باسمي إذا ما طـَربتُ،
وأهجوهُ " بالرمز" ،
إما غزا الدهرُ روحي،
وعرْبَدْ.
مصادفةً نلتقي، حينما تبطيء الشمس في نومها
أو تغطّي ظفائرَها بالسُّحُبْ
فأسألهُ أن يكون نديمي
على قدح الشعر في موقدي،
أو يكونُ غريمي.
على لذعةِ النار ، كان الحديث شهياً كما الجمرِ
إما تفتّح في صدر أنثى
و كالمزن إذ يتراقص فوق السقوفْ.
ـ "نزلتَ على الرّحْبِ يا صاحبي "،
فاحتسِ القهوةَ الآنَ ، صهباءَ ،لا تشبهُ البنّ إلا قليلا
و دَعْنا نحرّرُ هذا المساء من اللغوِ، حتى تلينَ رقابُ الحروفْ.
سجى الليل في حزنهِ ، ثم قال:
ـ وحيداً أنا أبدَ الدهرِ
لم تكُ لي لغةٌ تتجرأ يوماً
على رسْمِ قُبلهْ
ولا ضحكةٌ تتراقص في خدّ طـِفْلة.
وحيداً ، بلا امرأةٍ تستبيني بأوصافها
فأُجنُّ عليها
بلا امرأةٍ تتشظى لشوقي إليها
بلا فرحٍ في الولادة
أو جزَعٍ في المماتْ.
مللتُ الوقوفَ على طلل الأمكنَةْ
مللتُ احتفاظي بأسرارِكمْ
وسلالاتِ أسلافكمْ
والغبارْ ...
ـ "هلا بك يا ضيفنا"، و كما ستراني هنا واحداً و وحيد
أمدُّ يدي للنجومِ
وألثمُ خد الصِّبا والصبايا بما يتيسرُ من كلماتي،
فيزورُّ عني القريبُ
ويُسرفُ في الشنآنِ – عليَّ - البعيد.
تململَ ضيفي بقرب الوجار ـ طويلاً ـ وأنشَد:
ـ أنا مَلِكُ السّهوِ، لي نصفُ أوقاتِكمْ
و لي ما يفيضُ عن الصمتِ – بين الخليلين – في قبلةٍ عابرةْ
أمدُّ ظلالي على الشجر المتلظّي بجمرالنهارِ
وأسفحُ بردي على خلوة العاشقينْ
و أفتحُ للنائمين فصيحَ خيالاتهم
و أغفرُ للشعراءِ ضلالاتِهم، منذُ ليل امرئ القيسِ
حتى رياح الدُّمينيّْ
و لي أن أسائلكمْ
أي ظلمٍ تحمّلته من شياطينكم
حين أغدو قريناً – بأشعاركم – للظلام ؟
جَبُنتُمْ عن القول إن الظلامَ من الظلمِ..
ليس الظلامُ من الليلِ ، يا أيها الشعراءُ
الغبار..!!
ـ تمهّل قليلاً أيا صاحبي، و أتئدْ
يسمّونك الليلَ، حين تغني وحيداً بلا أصدقاءْ
ويُسـْمونني "الليلَ" حين أصيحُ وحيداً،
ليرقصَ من حولي الأصدقاءْ.
و مثلي ومثلـُك من يتقاسمُ سرّ الفلاةِ،
إذا ما تبدّت على مغرب الشمسِ، حسناءَ حسناءْ
هل تعرفُ الحزنَ يا صاحبي - في تفاصيلها - حين تغدو
خلاسيّةُ اللون كالصمتِ،
منسيّةً و وحيدة؟
و يا صاحبي
أنا حارسُ الليلِ ، لا ريحَ لي غير قلبي
ولا إثمَ لي غير أني وثِقتُ بأن النهار سيفتح نافذتي،
إن كتبتُ لعينيهِ بعض القصائدِ،
مسكونةً بالمجازاتِ ،
والأمنياتِ الطريدةْ.
أنا حارسُ الريحِ والوقتِ، و(الشّنفري)، و(السُّلَيكْ) ،
فذرني قليلاً، لأغلقَ حقلَ استعاراتِ شِعريْ
وما يتواردُ في قلمي من خيالْ
لكيما أسمّي "الرزايا " بأسمائها،
و أُغنّي مَعَكْ:
بأن الظلامَ من الظلمِ ، يا سيدي
فلتَعـِرْني: قميصَكَ كي تأنسَ الطيرُ ليْ
و وقوفـَك، حتى تراني الجبالُ شبيهاً بها
ثم كُنْ لي نديماً حميماً
و ضيفاً مقيما
لنشعلَ ساعاتِنا بالأنينِ
و أوهامَنا بالجراحِ الجديدةْ.
تحت شمسٍ ترتّبُ أغصانَها للمنامْ
يقفُ الليلُ مشتملاً بعباءتهِ، قربَ وقتي
ويكسرُ بين يديهِ مجازَ اللغاتْ
ناشراً ريشَهُ في أقاصي الجهاتْ
دونما رايةٍ للوداعِ
ولا وردةٍ للعتاب الأخير.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...