محمد بنيس - المعنى وما يبقى

أصبحتْ تستـبدُّ باهتمامي، في السنوات الأخيرة، وضعيةُ المكتبة في البيوت. أتى اهتمامي بالأمر عفـوياً. زيارةٌ، ثم زيارةٌ تتلـوها زيارةٌ لبيوت أصدقاء وأقرباء، لاحظتُ خلالها افتقادَ البيوت لمكتبة. بيوتُ مهندسين، أطباء، صيادلة، محامين، مدراء شركات متوسطة وكبرى، رجال أعمال. بـيوتٌ تفتقد المكتبات. بيوتٌ لا تعثرُ فيها على كُتب في غرفة خاصة بها، أوْ في رُفوف وسَط البيت، أوْ في زاوية مُختفـية.
عندما بدأتُ ألاحظ افتقـادَ البيوت لمكْتبة لمْ أكن أريدُ تعـميمَ المُلاحظة على صنف أو فئة منَ المجتمع. كنتُ ألاحظ. ومعَ السنوات تبيَّـن لي أنَّ تصوّر المكتبة لا يدخلُ في اهتمام الناس، أكان البيتُ لفئة ميْـسورة أوْ فئة بسيطة الدخل. بين الجميع مُشترَكٌ متداوَلٌ دون اتفاق مكتوب، هو المكتبةُ المفتقَدة. لمْ أكن أتجرّأ على السؤال في الوهلة الأولى، لكنّي بعد أن عاينْتُ تكرارَ غياب المكتبة، من بيت إلى بيت، ومن فئة إلى فئة، شرعتُ في مرحلة ثانية هي التأكّد حقـاً من عَـدم وجود مكتبة في البيـوت. أسـأل عن المكتبة. ألـديكُـمْ مكتـبة ؟ أسأل الأول والثاني والثالـث. ألديكُـمْ مكـتبة ؟ والسـؤال يقع موقعَ البـاعـث على الاستغـراب. مكتـبة؟ لا، ليـسَ لــديـنا مكـتبة. ويؤكّد الآخر ما قـال الأول والثاني والثالث. نبرةُ الاستـغراب نفْسُها: ليـسَ لـدينا مكـتبة.
سـؤال مجـرّد، كما لوْ كان لا يبالي بالنـتائج. فأنا لا أريدُ استـفزاز أحَد. ولا أنـا رسـولٌ يبـشّـر بفضيـلة المكتبة في البيوت. ليستُ داعية مكتبات ولا كُتب. ألاحظُ، وبعد الملاحظة أسْـأل عن المكتـبة. أين المكـتبة؟ نفْـيٌ بارد. بيـتٌ. بـيوتٌ لا مكتبات فـيها. ربما تكون ثمة كـتبٌ قلـيلة، وقدْ لا توجَـد أصلاً. هـي مرحلةٌ دفعـتني للانتـباه. مَا هـذه البيوتُ التي تحْرص على توفـير مساحَات البنـاء المُبالَغ فيـها، على التّزيين الذي لا يفيدُ سوى التبْذير، علَى الأثاث المُنتقََى بعناية المُتتبّعين للمُوضات والمُستحدَث في عالم التـباهي والتفـاخر، ثمّ هـيَ بـيوتٌ تفـتقـدُ مكـتبات؟
ملاحظةٌ أوليّة، وتبدو تافـهة، عنـد الوهـلة الأولى. مَا الفائدةُ من ملاحظة ما لا يُمكن تعميمُه على البيوت وعلى الناس، في مجتمعكَ المغربيِّ، الشبيه بغيره من المجتمعات العربية في البلاد المتقاربة، من حيثُ التكوينُ والـذوْقُ والاهتمام؟ ملاحظةٌ تصل إلى حدّ الطـيْش، لأنـها تبحثُ عمّا لا يمـثّل قيمة، في مُجتمعي ومُجتمعك. مكتبة؟ حقاً، مكتبةٌ مُفـتقَدة. وأنتَ تصبحُ، يوماً بعد يومِ، مهوُوساً بموضُوع المكتبة المُفـتقَـدة.
هذه الملاحظةُ الأولى قـادتْني إلى ملاحظـة أخـرى، أصبحتْ تطرح عليَّ سؤالاً أصْعب. كثُرتْ في الآونة الأخيرة مجلاتٌ شهرية (كلّها في المغرب بالفرنسية) لهنْدسة البيوت المعمارية: مجلاتٌ للـتأثيـث والتـزيـين. مجلاتٌ شهـرية متنافـسة في اكتساب السوق. لا شـكّ أنها تشـيرُ إلى ظهور العنَاية بثقـافة المعْمار، بحثاً عن جواب على سُؤال الرؤية المعْمارية للبيوت الحديثة التي يمكن للمغربي، المصري، اللبناني، مثلاً، اعتمادُهـا في انتقاء ما يصلح، وما يُقـنع وما يُغـري. ثقافـةٌ أصبحْنا نبحثُ عن مصدرها بعد أنْ آل النموذجُ المعْماري العربيّ القديم إلى النسيان، مهْجُوراً من طرف النّخبة، كما منْ طرف المجتمع.
مجلاتٌ شهرية تـتفـنّن في اختيار الصُّور الملوَّنة، التي تغنيك عن قراءة المكتوب. أنتَ تشاهـد صورةَ البـيوت من الخارج، والصورَ الداخلية للغـرف ومرافـق. تزيـينٌ وتأثيث. وماذا بعْد؟ في هذه المجلات بـدَا لي أنّ المهندسَ المعماريَّ المغربي، ومهندسَ التأثيث الداخلي، وناشرَ المجلة، جميعهُم لا يأبهـون بالمكتبات في البيوت، كيفـما كان البيت. شقـة اقتصـادية. شقـة عـاديـة. شقـة من النوع الرفيع. فيـلا. لا وجـودَ لمكتبة في الصُّور. المجـلة الأولى والثانية والثالثة تفتقـدُ المكتبات. عمارة تفتقـدُ المكتـبة.
مرة تجرّأتُ على طرْح السؤال على مُهنـدس معْمَاري منْ معَارفي. كان جاءَ لمناقـشتي في مشروع تصْميم محطـة أداء على طـريق سيَّـار في المغرب. استحسنتُ المبادرة، لأننا مجتمعٌ لم نـتـعودْ فيه على إعْطاء الاعتبار للحوار بين معماريين وأدباء وفنانـين تشكيلـيين إلاّ نادراً. حـوارٌ مع معماري في موضوع مشـروع. وقادنا الحوارُ إلى البيوت والمكتبات المفتقَـدة. عندَ الوهلة الأولى لمْ ينته صديقي إلى أنني أطرح موضوعاً جدّياً. المكتبة المفتـقَدة في البيوت. ثمّ عرضتُ عليه نماذج من المجلات الشهرية الخاصة بمعمار البـيوت والتزيـين والتأثيث، الصادرة في المغرب. مَا لا نراه فـيها هو مَا كان يهـمّني أنْ يراه. لم تكنْ غايتـي استعراضَ البحث الجَمالي ولا أنواعَ مواد التزيـين والأثـاث. شيءٌ واحد طلبـتُ منه التركيز عليه هو المَكتبات في البيوت. مجلـة ثم ثانـية ثم أخْـريات. لا وجـودَ لمكتـبة.
حينها، وبدون تأخير، أتيْتُ بنماذج منْ مجلات شهرية أروبية، من النّوع الشعبي والنوْع الموجّه للنخـبة. كان ذلك بحثاً يَستهْـويني. أبحثُ في الوعْي المعْماري للبيُوت بين مُجتمعـين، أروبي ومغربي. لعبة مقارنة في مجَال لا يردُ على الذهـن، لا مفكَّـر فيه، منسيٍّ، كما يقول الفلاسفة. وفـوْر فتْح المجلة ظهرتْ مكـتبة، على ظهر غلاف المجلة. ثمّ مع الصفحات تعددت المكتباتُ في غرف وممرَّات البيوت. أشكالٌ يصْعب حصرُها في نماذج قابـلة للتكرار. إنها مكتباتٌ متعددة بتعدّد البيُوت والأذواق والاستعْمالات والأمكنـة، من المدينة إلى القرية، ومن البيْت الرّسمي إلى البيت الثانوي. مكتـبةٌ هيَ البـيـت، إذْ أنّ منْ علامات البيـت المكتبة. لا وجودَ لبيْت في هذه المجلات الأروبية بدُون مكتبة. ألمْ تلاحظ هـذا أيها المهندس المعماري؟ سألتُـه وهو يتصفّحُ ويلاحظُ ما لم يكُنْ يُلاحظه. لا. لا أعرفُ هذا. قـال لي، ثم استـدْرك. ولكنّي لم أكنْ ألاحظُه على هذا النحو الذي تقـترحُه عليّ، ولـمْ أقـمْ يـوْماً بأيّ مقارنة بـين بُيـوتنا والبـيوت الأجنبيـة في أروبا. مكتبةٌ مفتقَـدة، هذا صحيح. مكتـبة مفتـقَدة.
هي مُفارقُة، بل ملاحظةٌ تعود لمَا كان رولان بارطْ يُسمّيه «فنّ الأشياء التافهة». رولان بارطْ الذي علّمنا كيف نُعيد النظرَ في مفهُوم الثقافة وفي مفهوم القراءة والمقروء. درسُه كان يلازمني، لأنه علّمني عالماً جديداً. ومنْ أجمل كُتبه، في هذا المقام، كتاب الميثولوجيات، الصادر في طبعته الأولى سنة 1957 وكتاب مملكـة الأدلـة (عن اليابان) الصادر سنة 1970. مَا لا نـراه، أيْ مَا لا يمثّل قيـمة في ثقـافة الكُتب المكتوبة عنْ كُـتب. ملاحظـة تتـركّـز في معْمار البيوت في المغرب. وأنا متأكدٌ من أنهـا ملاحظةٌ صالحة للتعميـم على البـلاد العربيـة أجمعـها.
هي المكـتبة المفتقَدة. وللملاحظة أنْ تأخذَنا إلى التأويل. ما هذا المجتمع الذي لا يُعطي المكتبة اهتماماً في هندَسته المعمارية ولا في عنايته بالتأثيث؟ النماذجُ المجتـمعيّة التي ركزتُ عليها في الملاحظة تنتمي للنّخبة، في مجتمع نقولُ عنه إنه يسْعَى إلى التحـديث. والسـؤال هو : كيْفَ يمكن تناولُ مسألـة التحديث في مجتمع من غيْر تناوُل مسألـة التكوين الثـقافي المُستمـر؟ أو التكوين الثقافي عنْ طريق الكتاب؟ أو التكوين الثقافـي المُتعدّد الاهتمام؟ هي ذي الأسئلة التي لهَا أنْ تنقـلنا منْ مُلاحظة المكتبة المُفتقََدة إلى دَلالة افتقاد البيوت لمكْتبات. النماذجُ المجتمعيّة، التي خالطتُها وزرتُ بيُوتها، متعاطفةٌ في أغلبها معَ اليسار، كما كنَّا نقول من قبل. لا تزال تتذكّر أيامَ الإضْرابات في الجَامعة. تناقـشُ السياسَة المالية والاجتماعية، أو السياسـة الخارجـية. في كل جملة تستـدْعي فرنْسا. كمَا في فرنْسا. هكذا في فرنْسا. الإحصائيات الخاصة بمدينة فرنسـية. كما لـو كُنا جزءً منْ فرنسا. وهذا مقبولٌ إلى حدٍّ ما. لكنْ لـمَ لا نتحدّثُ عن المكتبات في البيوت الفرنسـيّة؟ في بيوت الفـئات البسـيطة أو الميْسورة أو الغنـية؟ لمَ نرى أشياءَ عـديدة في فرنْسَا ونستثنـي منها المكتبة في البيُوت الفرنسيّة ؟
المكتبةُ في حد ذاتها ليسـتْ هي المُهمّة. هناك منْ يمكنُ أنْ يتوفـرَ على مكتبة فيما هو لا يمارسُ القـراءة. مكتبةٌ للتّـزيين، كما تعوّدنا على ذلك في بيوت أثرياءَ عرب قدماء وحديثين. علـيْنا أنْ نُهملَ هذه العيّنة لأنها لا تُسعفنـا في إثارة موضُوع المكتبة المُفتقَـدة. ما يُسعف هـو الربطُ بين مشروع تحْديث مجتمع وافتـقاد مكتبة في البـيت. هذا مَا يدعُو للسؤال، ومَا يتوجّبُ طرحُه علانيةً في مجتمع وعلى النخبة ذاتـها. هلْ هناك، مثلاً، جُرأة في طرح المكتبة المفتقدة كموْضُوع يمثل مرضاً منْ أمراض المجتمع الذي نعيـش الـيوم فـيه ؟
إنها مسألـة صعبة. والأنـترنيـت، الآن؟ مُـراوَغة في غيْـر محلّها. قبل سنوات، عندما فازَ الروائي البرتغالي سَراماغـو بجائزة نوبـل كنتُ موجوداً في لشبونة. وصلني الخبـرُ في الثانية بعد الظهر. فرحتُ، إلى جانب الشعراء الموجودين في مهرجان لشبونة الشعري، بفوز البرتغالي وفوز الأدب البرتغالي بأوّل جائـزة نوبـل. رفعْنا أصواتنا تهليـلاً. وفي اليوم التالي غادرتُ الفندق، مع المشاركين، لزيارة المدينة. في الساحة المقابلة للفـندق فوجئـنا بمُلصق، مُوزّع على حَاملات الإشهـار، تحيّي فيه بلدية لشبونة الروائيَّ سَراماغو على فوزه بالجائزة، رغم أنّهُ لا يتوقفُ عن انتقاد البرتغال في أعماله، بل ويجْهرُ برفض السّكنَ على أرض برتغالية. وعندما وصلْنا وسطَ المدينة، وفي واحدة من أعرق وأجمل المكتبات، فاجأتنا الواجهةُ بعرْض أعمال روائية لسَراماغو، مع بطاقـة تعلن عن الطبعة السادسة والعشرين للرواية الفائزة، وعن عدد النسخ المطبوعة في هذا الطبعة الذي بلغ مائتيـن وثمانين ألف نسخة. لمْ أفهَمْ. سألت صديقي البرتغالـي، الشاعر نينُو جوديـس، عن معنى هذه الأرقـام. هلْ عددُ النسخ المطبوعة من الكتاب يشمل جميعَ الطبعات السابقة والحالية أمْ هو مقتصرٌ على الطبعة السادسة والعشرين ؟ أجابني. لا، إنها مقتصرةٌ على الطبعة الأخيرة، السادسة والعشرين. وما عددُ سكان البرتغال؟ سألت. عشرة ملايين نسمَة، أجاب. وهلْ هي طبعة موجهة للبرازيل أيضا ؟ لا. إنها موجهة للقارئ البرتغالي وحـده.
نموذجُ الأدب البُرتغالي ليسَ أفضلَ النماذج. قبل أيام فقط، صدرتْ في إيطاليا طبعة جديدة للإلياذة في مئة وستين ألف نسخة. الإلياذة، العمل الأدبي الذي يعود تأليـفه لقـرون. تذكرتُ الأدب الجاهلي وتذكّرتُ ألف ليلة وليلة. ثم تجنّبتُ التفكير في الموضوع. لا يحْسن بي المقارنة، دائماً أقولُ لنفـسي. بين أرقام النسخ المطـبوعة، من كتاب لمؤلف معترف به في بلد أروبي وبلد عربي، ما لا نستطيعُ البوْح به. لا تسألْ عن ألمانيا. مئة ألف عُنوان في السـنة الواحدة.
ملاحظةٌ تبدأ بالمكتبة المُفتقَـدة لتنطلقَ نحو مَا لا نتوقعُ أنه منْ شأن مثل هذه الملاحظة. بمَ يمكنُ لبلد عربي أنْ يفتخرَ ثقـافياً فيما هو المجتمع لا يفكّر في مكـتبة؟ كيف يمكنُ الجرأة على تناول مسألة تحـديث مجتمع بدُون اعتماد التكوين بالكتاب، أوّلاً؟ لا أصدقُ الكلام، عندما يتحـدثُ سياسي لا يقـرأ، أوْ فرد مُنتـقدٌ للأوضاع لا يقرأ، أوْ حـالم بمجتمع حُـر وهو لا يقـرأ. كلّ حديث عن المجتمع المدنيِّ، مجتمع الديمقراطيـة، مجتمـع الحـق والقانـون، المجتمع الحديث، يصبحُ باطلاً في مُجتمع لا يقـرأ.
هناكَ مغالطة في المعلومات التي تقدَّم لنا لتبرير مُجتمع يفتـقد المكتبة. يُقال لنا إن نسبة الأميين في العالم العربي مرتفـعة. لكنّي أرى أنّ الأخطرَ منْ هؤلاء الأميين، الـذين لم يدخلوا مدرسة ولم يتعلموا قراءة ولا كتابة، هُـمْ هـؤلاء الذين تعلّموا وأصبحُوا يمثلون نسـبة تقتـرب من نصف المجتمع، ومعَ ذلكَ لا يقرؤون ولا يفكرونَ في القراءة. إنهم يمثلونَ فئة تتركُ القـراءة محصورةً في التكوين. أيْ ما يسمى عندنا بتكْوين الأطر. الأشخاص الذين تعلّمـوا عـلماً أو تقـنية وظلـوا مأسُورين في علْمهم الذي تعلموه وفي تقنيتهم التي أتقـنوها. ومعَ الانتهـاء منَ التكويـن الجامعي والمهَني انتهت الدراسة والتحصيل. لم يقرؤوا يوماً ليعْرفوا عالماً ولا مجتمعاً ولا ذاتاً. تعلّموا من أجل الحصول على شـهادة، تفتـحُ لهم الطريقَ نحو وظيفة أوْ عمل. وهُم اليوم في وظائفـهم وأعمالهم. أمرٌ كان، في زمـن كان.
لاَ. بلْ هناك ما هُو أبـشع. أبناءُ نخبة الجيـل السابق أصبحُوا مُحْرَجين من المكتبات التي تركَها آبـاؤهم ولم يـردْ أحدٌ من الأبناء أن تكونَ من حصة الإرث. هيَ عـبء. بدون قـيمة أو فائدة. في أحيان، وجدتُ عائلات لا تعرفُ كيف تتخلـص من مكتبات الآباء، فتلقـي بها في القـبْـو، أو تلمّـها في أكْياس الخيْـش بانتظار مَنْ يخلصها من هذا الركام. كنتُ أنظـرُ إلى الأكياس، وأنا لا أعلمُ عناوينَ الكتب. أتخيّلها. أتخـيّل من خلالها تاريخاً ثقافـياً وتاريخاً للمكتـبات الموجودة في البـيوت، وتاريخاً لحضارة ولرؤية للـذات وللعالم.
وفي كلّ مرة أحاول أنْ أفـهمَ معنى وجود ثقـافة تقليدية متـرسّخة في مجتمع عربي. ومعنى اتساع سيْطرة الثقـافة التقـليديـة على عُقول من فئات تعلمتْ في معاهد عليا أجنبية. مَا أحاوله لا يفـيدُ أنني سأعـثرُ على الجَواب عن أسْباب انْهيار فكرةٍ وانهيار مجتمع. لا، أبداً. قبْـل الجـواب، هناك اكتشافُ مناطـق مجهولة من حياتنا الثقافـية ومن أوضاع مجتمع يَزداد تمـزقاً وانسياقاً نحْو قيـم الاستهلاك والإعـلام. في كُل مرة أفلتُ من أحكام ومظاهر، مدركاً أنّ ما لا أعرفه أحـقّ مما أعـرف، وأن «فن الأشياء التافهة» مبتـدأ معرفة مجتمع نتوهَّـم أننا نعرفـه، ونتوهـَّم أنه طريقُــنا إلى التحـديث والحـدَاثـة.
21/12/2012
محمد بنيــس


https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=3028683497193122&id=142864669108367
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...