تلونت الأيام في مخيلتي وأنا أفيق من صمتي الأبدي لأصيخ السمع لهمهمات الطفلة ذات السنوات المعدودة، التي تعيش داخلي حين تتضح لي صورة تلك الأحداث.. الفاجعة.. الصدمة.. وهي تتسرب إلى نفسي الكسيرة.. الحزينة.. لحظات الاسترجاء.. الاندهاش.. الرغبة المكبوتة بالصراخ والخوف من المجهول في عالمي المتلاطم.. المتأرجح.
كان ذات يوم.. خلت ساحة المدرسة من الطالبات وبقيت وحدها.. والدها لديه ظرف طارىء لم تكن المناوبة تستطيع تحمل الانتظار أكثر.. وزوجها وأطفالها ينتظرون خارجاً.. وحارس المدرسة المتكىء على أريكته وأمامه قهوته ينتظر إقفال أبواب مدرسته الخالية إلا منها..
هاتفه وطلب منه إيصالها إلى المنزل لعدم استطاعته الخروج..
انطلق كالسهم مرحباً.. وركبت بجانبه آمنة مستأمنة فلا خوف بجانبه.. بل الخوف من الشارع الفارغ إلا من بعض العمالة.. الخوف من الحارس الجالس لوحده لسفر عائلته.. والدتها قالت لها هو بمثابة الأب والأمان من الذئاب البشرية. إلا أنها كالمستجير من الرمضاء بالنار.. رجعت إلى المنزل وهي مشبعة بأحاسيس متضاربة غريبة دون وضوح.. نامت دون رغبة في الأكل.. دون شعور بمن حولها.. وأفاقت من الغد.. كانت إجازة نهاية الأسبوع.. كانت الشمس بكامل إشراقتها الخفيفة تتلون عبر انسلالها من نافذة الغرفة المرتبة وهي بضحكاتها الطفولية البريئة العفوية - التي لم تع ما حصل لها - تملأ جنبات المنزل مع إخوتها حركة وحياة.
حتى فاجأها ظله.. حتى أحست بحجمه القذر الحقير، وهو يهم بحملها كعادته.. لم تندهش لأن تقاطيع قسماته تتقارب شبهاً من والدها الحنون إلا أن هناك شيئاً تفقده، فوالدها تفيض وجنتاه نورا حقيقيا، وتسكن نظراته رحمة وعطف وبراءة ليس لهما حدود، بينما يخيفها بالآخر أن له نظرات تكاد تلتهمها، نظرات لا تعرف لها تفسيراً.. بل وحركات غريبة عجزت عن ترجمتها فقط كانت تمتلىء روحها بأحاسيس مشبعة بالانصهار.
لم تكن تعي ما يدور حولها.. لم تكن تشعر غير الوجع.. المرارة.. المفروض تغليفها بالصمت بل والصمت.. بل والصمت.
مرضت.. وكان حائط الغرفة مجرد كابوس يرسم عبر ديكوراته وجوهاً تعبر عن صور طبق الأصل لقسماته.
حارت وهي تحاول ترجمة معاناتها.. أسبابها.. حتى أفاقت قبل فترة وجيزة.. كانت أستاذة الدين تشرح درساً يختص بكل تفاصيل حالتها.. اتضحت لها الأمور، عرفت بأن ما يمارس معها وبحقها خطأ.. خطأ يجب إيقافه فوراً. جعت ذلك اليوم طفلة تحمل هماً.. هماً كبيراً.. يفوق قامتها.. طفلة غدت منذ لحظات تعيش بعقل فتاة راشدة.. حز في نفسها عندما استرجعت تهديده لها.. هول الخوف الذي كان يبثه في نفسها إن هي تكلمت.. بكت.. نزف قلبها الصغير وهي تتذكر إقناعه لها بأن هذا وضع طبيعي.. بأن عليها ألا تتكلم وإلا سوف تلاقي الهلاك من والديها..
تشبعت في أعماقها رغبة في الصراخ ورغبة في الانتقام.. ورغبة في الهروب من عالمها المتوحش. إلا أن الله قادر على أن يحيي الموتى.. إلا أن الله المتمكن من قلبها قد استبدل الخوف بالأمان واليأس بالأمل..فأشرقت أو حاولت الإشراق عندما قالت له لا.. ما نفعله خطيئة وليس مفروضاً.. كان ذلك الجاثوم الذي يربض على صدرها فيعقد لسانها في منامها وأحلامها ويقظتها وهي تسمع صوتها.. استغاثتها.. بكاء الطفلة في نفسها عندما يهم بمضايقتها في مكان يكاد يخلو من أصوات بعيدة لشاحنات تمر بشكل سريع.. عجلات تسير عجلا، وهي لا تتوقع ما يحدث بهذه المركبة المتوقفة من أحداث فظيعة.. وخطيئة كبرى. أفاقت ووالدتها فوق رأسها تمسح قطرات العرق المتصببة على جبينها..
رفعت نظرها.. قرأت في قسماتها شيئاً.. بل أشياء من البراءة.. السذاجة.. وتذكرت دفعها له.. حثها على احترامه وتقديره..
وأعراف القبيلة والبنت المحترمة.. التي تعطي كل ذي قدر حقه.. من المحارم.. من المحارم الذي بين يديه الأمان.. الأمان.
وهي بمثابة الابنة له.. ترجمت تعابير ارتسمت على شفتها وهي تلح لمعرفة أسباب شقائها هذا.. رفضها التام لكل متقدم للاقتران بها حتى الأخير.. بكل مميزاته.. من التزام.. شخصية متزنة.. نفسية هادئة مميزة صادقة.. لماذا.. لماذا؟! لم تكن (منى) تستطيع صد تلك القوة العارمة بزج الحقيقة المرة التي تعبث بكيانها وتسرق الأيام من ناظريها..
انتصبت واقفة وما زالت الأحداث عالقة بأهدابها الكثيفة تتسلل مرافقة لقطرات مالحة من الدمع.. تصدح بكل ألوان الألم.. والمرارة.. كأنها غرست سكيناً مسمومة.. سامة بكبد والدتها.. حتى أحست بنظراتها كأن الموت قد سكنها.. خشيت عليها من هول الصدمة.. رأت في تقاطيعها شيئاً من المرض الحزام. كانت الصدمة.. الخذلان.. الغدر من أقرب الناس لفلذة كبدها.. أكبر من أن تتحملها.. كرهت نفسها.. تذكرت دفعها لها طفلة وحثها لها صبية باستقباله.. باحترامه.. بتقديره.. تفتت شيء ما في كبدها.. أحست أنها تبعثرت.. كرهت رائحة القهوة التي تعدها لحضوره.. لزيارته بحجة الوصال المغلف بالغدر.. الغدر بأقرب الناس.. دارت بها الأيام وهي تحمل الهم مقاسمة مع والدتها.. واقترن هو بفتاة.. وأنجب منها.. ذات يوم كانت إحدى طفلاته قد تشابكت مع أحد الأطفال.. كان صراخها يملأ المكان.. اندفع.. بكل ما أوتي من قوة.. زأر.. لم يناد.. زأر باسمها.. لماذا؟!
دارت الدنيا ب(منى) وهي تحلل تصرفه.. تترجم كل ذرة خوف تلبسته خوفاً على طفلته من.. خوفاً عليها من ذئب بشري قد تلبس شخصه..
استغرقت حتى سمعت أصواتاً لأبواق مركبات بعيدة.. ونشيج طفلة.. راعها والدها وهو يعقد الصفقات معه.. وهو يربت على كتفه ويدعو له.. لحظات انصهار تعيشها مرات ومرات لا يعيها غير والدتها الملتاعة.. ذات يوم علت وجهه صفرة.. عندما شكا والدها له رفضها التام لكل عريس.. عندما طلب منه حثها ونصحها بالموافقة.. في تلك اللحظات ووجهاً لوجه.. أمام والدها.. لم يكن يعلم وهو يرفع بصره ونظراته الثعلبية موجهاً كلامه إليها أن تفضحه.. أن تخرس أي نطق يحاول تنميقه أمام والدها.. أن تقول:
اكتشفت بأن من تقدم لي يعمل بما تعمل به.. ومع ذلك قد سخر قلبه وكل جوارحه للجري وراء شهواته.. لا لن أقبل به زوجاً..
لقد كسر شموخ ابنة أخيه يا عمي.. ابنة أخيه..
كان ذات يوم.. خلت ساحة المدرسة من الطالبات وبقيت وحدها.. والدها لديه ظرف طارىء لم تكن المناوبة تستطيع تحمل الانتظار أكثر.. وزوجها وأطفالها ينتظرون خارجاً.. وحارس المدرسة المتكىء على أريكته وأمامه قهوته ينتظر إقفال أبواب مدرسته الخالية إلا منها..
هاتفه وطلب منه إيصالها إلى المنزل لعدم استطاعته الخروج..
انطلق كالسهم مرحباً.. وركبت بجانبه آمنة مستأمنة فلا خوف بجانبه.. بل الخوف من الشارع الفارغ إلا من بعض العمالة.. الخوف من الحارس الجالس لوحده لسفر عائلته.. والدتها قالت لها هو بمثابة الأب والأمان من الذئاب البشرية. إلا أنها كالمستجير من الرمضاء بالنار.. رجعت إلى المنزل وهي مشبعة بأحاسيس متضاربة غريبة دون وضوح.. نامت دون رغبة في الأكل.. دون شعور بمن حولها.. وأفاقت من الغد.. كانت إجازة نهاية الأسبوع.. كانت الشمس بكامل إشراقتها الخفيفة تتلون عبر انسلالها من نافذة الغرفة المرتبة وهي بضحكاتها الطفولية البريئة العفوية - التي لم تع ما حصل لها - تملأ جنبات المنزل مع إخوتها حركة وحياة.
حتى فاجأها ظله.. حتى أحست بحجمه القذر الحقير، وهو يهم بحملها كعادته.. لم تندهش لأن تقاطيع قسماته تتقارب شبهاً من والدها الحنون إلا أن هناك شيئاً تفقده، فوالدها تفيض وجنتاه نورا حقيقيا، وتسكن نظراته رحمة وعطف وبراءة ليس لهما حدود، بينما يخيفها بالآخر أن له نظرات تكاد تلتهمها، نظرات لا تعرف لها تفسيراً.. بل وحركات غريبة عجزت عن ترجمتها فقط كانت تمتلىء روحها بأحاسيس مشبعة بالانصهار.
لم تكن تعي ما يدور حولها.. لم تكن تشعر غير الوجع.. المرارة.. المفروض تغليفها بالصمت بل والصمت.. بل والصمت.
مرضت.. وكان حائط الغرفة مجرد كابوس يرسم عبر ديكوراته وجوهاً تعبر عن صور طبق الأصل لقسماته.
حارت وهي تحاول ترجمة معاناتها.. أسبابها.. حتى أفاقت قبل فترة وجيزة.. كانت أستاذة الدين تشرح درساً يختص بكل تفاصيل حالتها.. اتضحت لها الأمور، عرفت بأن ما يمارس معها وبحقها خطأ.. خطأ يجب إيقافه فوراً. جعت ذلك اليوم طفلة تحمل هماً.. هماً كبيراً.. يفوق قامتها.. طفلة غدت منذ لحظات تعيش بعقل فتاة راشدة.. حز في نفسها عندما استرجعت تهديده لها.. هول الخوف الذي كان يبثه في نفسها إن هي تكلمت.. بكت.. نزف قلبها الصغير وهي تتذكر إقناعه لها بأن هذا وضع طبيعي.. بأن عليها ألا تتكلم وإلا سوف تلاقي الهلاك من والديها..
تشبعت في أعماقها رغبة في الصراخ ورغبة في الانتقام.. ورغبة في الهروب من عالمها المتوحش. إلا أن الله قادر على أن يحيي الموتى.. إلا أن الله المتمكن من قلبها قد استبدل الخوف بالأمان واليأس بالأمل..فأشرقت أو حاولت الإشراق عندما قالت له لا.. ما نفعله خطيئة وليس مفروضاً.. كان ذلك الجاثوم الذي يربض على صدرها فيعقد لسانها في منامها وأحلامها ويقظتها وهي تسمع صوتها.. استغاثتها.. بكاء الطفلة في نفسها عندما يهم بمضايقتها في مكان يكاد يخلو من أصوات بعيدة لشاحنات تمر بشكل سريع.. عجلات تسير عجلا، وهي لا تتوقع ما يحدث بهذه المركبة المتوقفة من أحداث فظيعة.. وخطيئة كبرى. أفاقت ووالدتها فوق رأسها تمسح قطرات العرق المتصببة على جبينها..
رفعت نظرها.. قرأت في قسماتها شيئاً.. بل أشياء من البراءة.. السذاجة.. وتذكرت دفعها له.. حثها على احترامه وتقديره..
وأعراف القبيلة والبنت المحترمة.. التي تعطي كل ذي قدر حقه.. من المحارم.. من المحارم الذي بين يديه الأمان.. الأمان.
وهي بمثابة الابنة له.. ترجمت تعابير ارتسمت على شفتها وهي تلح لمعرفة أسباب شقائها هذا.. رفضها التام لكل متقدم للاقتران بها حتى الأخير.. بكل مميزاته.. من التزام.. شخصية متزنة.. نفسية هادئة مميزة صادقة.. لماذا.. لماذا؟! لم تكن (منى) تستطيع صد تلك القوة العارمة بزج الحقيقة المرة التي تعبث بكيانها وتسرق الأيام من ناظريها..
انتصبت واقفة وما زالت الأحداث عالقة بأهدابها الكثيفة تتسلل مرافقة لقطرات مالحة من الدمع.. تصدح بكل ألوان الألم.. والمرارة.. كأنها غرست سكيناً مسمومة.. سامة بكبد والدتها.. حتى أحست بنظراتها كأن الموت قد سكنها.. خشيت عليها من هول الصدمة.. رأت في تقاطيعها شيئاً من المرض الحزام. كانت الصدمة.. الخذلان.. الغدر من أقرب الناس لفلذة كبدها.. أكبر من أن تتحملها.. كرهت نفسها.. تذكرت دفعها لها طفلة وحثها لها صبية باستقباله.. باحترامه.. بتقديره.. تفتت شيء ما في كبدها.. أحست أنها تبعثرت.. كرهت رائحة القهوة التي تعدها لحضوره.. لزيارته بحجة الوصال المغلف بالغدر.. الغدر بأقرب الناس.. دارت بها الأيام وهي تحمل الهم مقاسمة مع والدتها.. واقترن هو بفتاة.. وأنجب منها.. ذات يوم كانت إحدى طفلاته قد تشابكت مع أحد الأطفال.. كان صراخها يملأ المكان.. اندفع.. بكل ما أوتي من قوة.. زأر.. لم يناد.. زأر باسمها.. لماذا؟!
دارت الدنيا ب(منى) وهي تحلل تصرفه.. تترجم كل ذرة خوف تلبسته خوفاً على طفلته من.. خوفاً عليها من ذئب بشري قد تلبس شخصه..
استغرقت حتى سمعت أصواتاً لأبواق مركبات بعيدة.. ونشيج طفلة.. راعها والدها وهو يعقد الصفقات معه.. وهو يربت على كتفه ويدعو له.. لحظات انصهار تعيشها مرات ومرات لا يعيها غير والدتها الملتاعة.. ذات يوم علت وجهه صفرة.. عندما شكا والدها له رفضها التام لكل عريس.. عندما طلب منه حثها ونصحها بالموافقة.. في تلك اللحظات ووجهاً لوجه.. أمام والدها.. لم يكن يعلم وهو يرفع بصره ونظراته الثعلبية موجهاً كلامه إليها أن تفضحه.. أن تخرس أي نطق يحاول تنميقه أمام والدها.. أن تقول:
اكتشفت بأن من تقدم لي يعمل بما تعمل به.. ومع ذلك قد سخر قلبه وكل جوارحه للجري وراء شهواته.. لا لن أقبل به زوجاً..
لقد كسر شموخ ابنة أخيه يا عمي.. ابنة أخيه..