كوثر وهبي - حلم بالعودة.. قصة قصيرة ..

مات أبي وهو يحلم بالعودة إلى قريته التي احتلها الكيان الإسرائيلي فيما يعرف بنكسة حزيران عام ١٩٦٧ .. ظلَّ يأمل ويحلم كما الكثيرين من أبناء جيله والأجيال التي لحقته لسنواتٍ طويلة ويتذكر بمرارة حارقه بيته الذي لم يستطع إكمال بنائه حتى قبل النكسة ، ومثل الكثير من الموظفين والعاملين في مدينة دمشق وريفها وعدة مدن سورية أُخرى ، لم يستطع أبي وغيره من العودة إلى قريته بعد أن تمكن الإحتلال الإسرائيلي من السيطرة عليها وعلى أغلب أراضي وقرى الجولان العربي السوري ، وكنا نسمعه يردد دائماً عبارته المعتادة (بكرى منرجع عالبلد ) البلد التي هي قريتنا التي صار عمر الإحتلال فيها ثلاثةً وخمسين عاماً كاملاً .. في أيامه الأخيرة وبعد أن محى (الزهايمر ) أكثر من ثلثي ذاكرته ، كان أبي يرى إخوته وأخواته الذين قضوا نحبهم بعيدين عنه ، ويحدثهم ويناديهم في نومه وصحوه ، وأحياناً يخاطب إخوتي بأسمائهم حين لم تعد ذاكرته تتعرف إلا إلى ذلك الجزء من حياته المتعلق بطفولته وشبابه الأول في قريتنا .. قرية مجدل شمس المحتلة .. اليوم إسرائيل لا تنعم فقط بمياه وخيرات الجولان السوري وفلسطين المحتلة بالطبع ، بل ربما ستنعم بكامل خيرات سوريا والوطن العربي الكبير إن كان لا زال فيه من خير يُذكر ، بعد أن تم تهجير أكثر من خمسة ملايين سوري إلى بلاد الإغتراب التي وإن كانت أكثر أماناً وراحةً للفرد ، إلا أنها ليست أكثر دفئاً وجمالاً ورحابةً من موطنهم الأصلي العزيز والغالي ..
في نزوحنا الجديد إلى مجهولٍ معلوم الألم والمعاناة ، ليس ثمة فرق يُذكر سوى أكثر من نصف قرن من الهزائم والمذلات والعار ..
لكل الذين رحلوا قبل اكتمال تحقيق أحلامهم ، ولكل من ينتظر على الدرب الطويلة .. الرحمة والسلام ..


# نكبة - نكسة حزيران
٦ /حزيران /٢٠٢٠

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...