في مدينة فاس المغربية ازدحمت القاعة بجمهور الشاعر محمود درويش، جاؤوا للاستماع إلى شعره. كان هناك مئات آخرون لم يجدوا مكانا في القاعة للاستماع للشاعر الذي صعد إلى منصه شاكرا جمهوره، ومتعجبا في الوقت ذاته من حضورهم على الرغم من وجود مباراة لكرة القدم بين فرنسا وإسبانيا.. أضاف درويش: «أنا من جهتي أفضل متابعة المباراة حتى لو كان من سيحيي الأمسية هو المتنبي». درويش عاشق للكرة يتابع كل المباريات العالمية، ويعرف نجومها.. كتب في عام 1986 مقالة عن أسطورة الكرة العالمية «مارادونا».. كانت بعنوان: «لن تجدوا دماً في عروقه بل صواريخ».. كتب فيه: «لمن سنرفع صراخ الحماسة والمتعة ودبابيس الدم، بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود، وأجج فينا عطش الحاجة إلى: بطل.. بطل نصفق له، ندعو له بالنصر، نعلّق له تميمة، ونخاف عليه ـ وعلى أملنا فيه ـ من الانكسار؟ الفرد، الفرد ليس بدعة في التاريخ. يا مارادونا، يا مارادونا، ماذا فعلت بالساعة؟ ماذا صنعت بالمواعيد؟»..
لم يكن درويش أول من كتب عن الكرة، كتب يوسف إدريس بورتريه بديعا ايضا عن نجم الكرة الشهير محمود الخطيب.. وكانت من أوائل روايات نجيب محفوظ التي لم ينشرها عن لاعب كرة. محفوظ نفسه كان لاعبا متميزا في شبابه وطفولته. بدأت علاقته بالكرة عندما انتقل من منطقة الجمالية إلى العباسية، واصطحبه أحد أصدقاء الطفولة لمشاهدة مباراة بين فريق مصري وآخر انكليزي، وكانت دهشة محفوظ عندما فاز الفريق المصري..» عشق محفوظ الكرة حتى أصبح «كابتن» فريقه، وكما يقول: «استمر عشقي لها حوالي عشر سنوات متصلة. ولو كنت داومت على ممارستها فربما أصبحت من نجومها البارزين». الناقد د. محمد بدوي يعقد مقارنة بين محفوظ لاعب الكرة وبين كونه كاتبا في ما بعد انعكست مهارات اللعب على أعماله: «كان نجيب محفوظ في مراهقته لاعب كرة قدم مشهوراً بالمراوغة والحيلة والسرعة، ثم قرر في لحظة ما أن يهب نفسه للكتابة. هل بدأ محفوظ كتابته بما يسمى في خطاب نقّاده الرواية التاريخية مصادفة؟ وما العلاقة بين «المؤرخ» و «اللاعب»؟ المؤرخ شيخ جليل مولع بتقصّي الحقيقة والذود عنها وإظهارها. من أجل هذا يتجشّم عناء البحث ومقارنة الوثائق والذهاب مع الاحتمالات حتى آخرها. أما اللاعب فعقله بين قدميه، هاتان القدمان المبصرتان القادرتان على مباغتة المتفرجين وكسر توقعاتهم وإدهاشهم. إلى ذلك، هو رجل لاه، فائدته كامنة في لعبة متعته التي تأتي منها متعة الآخرين». ويضيف: «ومحفوظ، هذا المزدوج الذي يتناطح فيه لاعب لاه ومؤرخ جهم، لا يذرف دمعة رثاء واحدة. اللاعب هو الكائن الذي يلعب من دون انتظار جدوى... فيما المؤرخ مهووس بالحقيقة، يتصورها منثورة هنا وهناك، وعليه أن يطاردها ويلمّ شتاتها ويجمعها ويبث الحياة فيها لتتألق، لكن حينما يجتمع اللاعب والمؤرخ، نصبح مع الكاتب بحيث يندمج الاثنان فتتهاوى الحدود بين اللاعب اللعوب والمؤرخ الجهم... ولا نعرف أين يبدأ أحدهما وأين ينتهي الآخر. كفّ محفوظ عن ممارسة كرة القدم ثم نذر نفسه للكتابة. لكنه، وهو يشيد صروحه الضخمة، الشبيهة بمعابد أسلافه وأهرامهم ومساجدهم، ويتقصّى الحقائق والأوهام والهواجس منتقلاً من كتابة تاريخ الدنيا في «أولاد حارتنا» و «الحرافيش»، إلى كتابة تاريخ مصر القديمة «أم الدنيا» في «رادوبيس» و «عبث الأقدار» إلى كتابة القاهرة في العصر الحديث... كان دائماً منطوياً على اللاعب الذي تحوّل بالمران والدربة إلى ساحر يخلب ألباب المتفرجين، ويخلط السم والترياق والدمعة بالضحكة. ألم يجعل من «موسى» في «أولاد حارتنا» حاوياً مروّض ثعابين؟ ومن المعلم «عرفة» صاحب وصفات لتقوية الباه ومازج سوائل تتحول إلى لهب؟ في كتابة محفوظ مراوغة كاملة، صراع يحاول كل طرف فيه أن يلغي الآخر ويدمره... كتابة ملتبسة خادعة تمارس الخيال بوصفه حقيقة، وتكتب العالم في أقصى احتمالاته فيصبح الواقع خيالاً. من ناحية نحن مع كتابة أخلاقية صارمة تصقل الفكرة وتزيّنها وتدعو إليها، لكننا من ناحية أخرى مع سرور في اللعب وتلذذ في المناورة».
جاهين الشقي
في كثير من قصائده يستخدم صلاح جاهين مفردات من الكرة، رغم انه لم يمارس هذه اللعبة، اكتفى فقط بالتمثيل والشعر والرسم، وفنون أخرى.. وكان حلمه فقط «يرقص باليه، يقول في واحدة من رباعياته: أنا قلبي كوره.. والفراودة أكم» يا ما انشطح وانشاط وياما اتعكم». وكان جاهين أهلاويا متعصبا، وكان زميلا لمحمود السعدني الذي يشجع بتعصب النادي الإسماعيلي، ودارت بينهما على صفحات مجلة صباح الخير التي تزاملا فيها معارك بسبب الكرة، فقد كتب جاهين في المجلة مراهنا السعدني على قدرة الأهلي على الفوز ببطولة الدوري ولكن فاز الإسماعيلي وقتها، خسر جاهين الرهان.. وحتى لا يشمت فيه السعدني ترك له هذه الرسالة: عزيزي السعدني - هل ارتحت الآن وهدأت أعصابك؟ لقد كنت طوال الشهور الماضية، نسخة جديدة من الواد الشقي بتاع زمان، الذي لا يكتفي وهو يتعارك في الحارة بالطوب الذي يمطر به الخصم، بل يظل يلاحقه بسيل من الشتائم المنتقاة، تتخللها صرخات بكاء وهمي، من اعتداءات وهمية يدعي أنها حدثت عليه، حتى تتكامل عناصر المعركة المادية والمعنوية والدعائية، وينال من خصمه بكافة الطرق، أو بإحداها إن لم تفلح الأخرى. لقد سمعت أنهم في الإسماعيلية كانوا يهتفون لك ويصيحون: أكتب يا سعدني وقول لصلاح جاهين! ماذا كانوا يريدون منك ان تقول لي؟ أن النادي الإسماعيلي نادي عظيم؟ ولاعبيه ممتازون، والدليل على ذلك فوزهم ببطولة الدوري.. وليعلم النادي الإسماعيلي البطل، وجمهوره المخلص السعيد أنني لم أكن ضد الإسماعيلية كناد أو كبلد، ولكنني كنت ضد افتراء السعدني.. وإذا كان الإسماعيلي بكل هذه العظمة والقوة وهو الأول في الدوري، فمعنى ذلك أن النادي الذي يليه في المكانة وهو الأهلي له علينا حق التشجيع والإعجاب والاحترام، خاصة أن عشرة من كبار لاعبيه، كانوا مكسورين، في أحرج وقت من أوقات التنافس على البطولة.. وموعدنا العام القادم الذي أرجو أن يكون النادي الأهلي فيه، قد استعاد فريقه التقليدي، وعندئذ ربما اصبح هو الأول فيستحق التهنئة. وربما كان الإسماعيلي هو الأول مرة أخرى.. فله تهنئتان».
الفاجومي
ومن جاهين إلى أحمد فؤاد نجم، الشاعر الذي اختتم حياته الأدبية بكتاب نثري بعنوان «يا أهلي يا حبي.. يا حته من قلبي».. وكان ثالث دواوينه الشعرية ديوان «حكاية الأهلي والزمالك» من الدواوين التي لم يضمها الفاجومي لأعماله الكاملة وهو الديوان الثالث له، ويحكي أحمد فؤاد نجم الأهلاوي جدا أنه ذات يوم كان عند صديقه فهمي عمر الإذاعي الشهير الزملكاوي جدا في مكتبه بالاذاعة، قائلاً إن عمر هو الذي شجعه لكتابة الديوان، وأهداه نجم عناوين القصائد المجهولة التي لم يسلط عليها الضوء، وكانت عبارة عن قصائد للاعبي الكرة، وكتب في مقدمة الديوان أنه يريد بهذه القصائد أن يساهم في «الارتقاء بهذه الرياضة الشعبية المحبوبة التي أرجو لها كل تقدم وازدهار». وبعيدا عن كرة القدم أشهر الألعاب، نجد غرام فتحي غانم بالشطرنج، أهم رياضة ذهنية، وقد استفاد من هذه اللعبة في أعماله المتعددة باعتبار أن الحياة لعبة شطرنج كبرى قطعها هي المال والسياسة والحب، كما أن لغته أشبه بهذه اللعبة، في تنقلاتها من جملة إلى أخرى.
لم يكن درويش أول من كتب عن الكرة، كتب يوسف إدريس بورتريه بديعا ايضا عن نجم الكرة الشهير محمود الخطيب.. وكانت من أوائل روايات نجيب محفوظ التي لم ينشرها عن لاعب كرة. محفوظ نفسه كان لاعبا متميزا في شبابه وطفولته. بدأت علاقته بالكرة عندما انتقل من منطقة الجمالية إلى العباسية، واصطحبه أحد أصدقاء الطفولة لمشاهدة مباراة بين فريق مصري وآخر انكليزي، وكانت دهشة محفوظ عندما فاز الفريق المصري..» عشق محفوظ الكرة حتى أصبح «كابتن» فريقه، وكما يقول: «استمر عشقي لها حوالي عشر سنوات متصلة. ولو كنت داومت على ممارستها فربما أصبحت من نجومها البارزين». الناقد د. محمد بدوي يعقد مقارنة بين محفوظ لاعب الكرة وبين كونه كاتبا في ما بعد انعكست مهارات اللعب على أعماله: «كان نجيب محفوظ في مراهقته لاعب كرة قدم مشهوراً بالمراوغة والحيلة والسرعة، ثم قرر في لحظة ما أن يهب نفسه للكتابة. هل بدأ محفوظ كتابته بما يسمى في خطاب نقّاده الرواية التاريخية مصادفة؟ وما العلاقة بين «المؤرخ» و «اللاعب»؟ المؤرخ شيخ جليل مولع بتقصّي الحقيقة والذود عنها وإظهارها. من أجل هذا يتجشّم عناء البحث ومقارنة الوثائق والذهاب مع الاحتمالات حتى آخرها. أما اللاعب فعقله بين قدميه، هاتان القدمان المبصرتان القادرتان على مباغتة المتفرجين وكسر توقعاتهم وإدهاشهم. إلى ذلك، هو رجل لاه، فائدته كامنة في لعبة متعته التي تأتي منها متعة الآخرين». ويضيف: «ومحفوظ، هذا المزدوج الذي يتناطح فيه لاعب لاه ومؤرخ جهم، لا يذرف دمعة رثاء واحدة. اللاعب هو الكائن الذي يلعب من دون انتظار جدوى... فيما المؤرخ مهووس بالحقيقة، يتصورها منثورة هنا وهناك، وعليه أن يطاردها ويلمّ شتاتها ويجمعها ويبث الحياة فيها لتتألق، لكن حينما يجتمع اللاعب والمؤرخ، نصبح مع الكاتب بحيث يندمج الاثنان فتتهاوى الحدود بين اللاعب اللعوب والمؤرخ الجهم... ولا نعرف أين يبدأ أحدهما وأين ينتهي الآخر. كفّ محفوظ عن ممارسة كرة القدم ثم نذر نفسه للكتابة. لكنه، وهو يشيد صروحه الضخمة، الشبيهة بمعابد أسلافه وأهرامهم ومساجدهم، ويتقصّى الحقائق والأوهام والهواجس منتقلاً من كتابة تاريخ الدنيا في «أولاد حارتنا» و «الحرافيش»، إلى كتابة تاريخ مصر القديمة «أم الدنيا» في «رادوبيس» و «عبث الأقدار» إلى كتابة القاهرة في العصر الحديث... كان دائماً منطوياً على اللاعب الذي تحوّل بالمران والدربة إلى ساحر يخلب ألباب المتفرجين، ويخلط السم والترياق والدمعة بالضحكة. ألم يجعل من «موسى» في «أولاد حارتنا» حاوياً مروّض ثعابين؟ ومن المعلم «عرفة» صاحب وصفات لتقوية الباه ومازج سوائل تتحول إلى لهب؟ في كتابة محفوظ مراوغة كاملة، صراع يحاول كل طرف فيه أن يلغي الآخر ويدمره... كتابة ملتبسة خادعة تمارس الخيال بوصفه حقيقة، وتكتب العالم في أقصى احتمالاته فيصبح الواقع خيالاً. من ناحية نحن مع كتابة أخلاقية صارمة تصقل الفكرة وتزيّنها وتدعو إليها، لكننا من ناحية أخرى مع سرور في اللعب وتلذذ في المناورة».
جاهين الشقي
في كثير من قصائده يستخدم صلاح جاهين مفردات من الكرة، رغم انه لم يمارس هذه اللعبة، اكتفى فقط بالتمثيل والشعر والرسم، وفنون أخرى.. وكان حلمه فقط «يرقص باليه، يقول في واحدة من رباعياته: أنا قلبي كوره.. والفراودة أكم» يا ما انشطح وانشاط وياما اتعكم». وكان جاهين أهلاويا متعصبا، وكان زميلا لمحمود السعدني الذي يشجع بتعصب النادي الإسماعيلي، ودارت بينهما على صفحات مجلة صباح الخير التي تزاملا فيها معارك بسبب الكرة، فقد كتب جاهين في المجلة مراهنا السعدني على قدرة الأهلي على الفوز ببطولة الدوري ولكن فاز الإسماعيلي وقتها، خسر جاهين الرهان.. وحتى لا يشمت فيه السعدني ترك له هذه الرسالة: عزيزي السعدني - هل ارتحت الآن وهدأت أعصابك؟ لقد كنت طوال الشهور الماضية، نسخة جديدة من الواد الشقي بتاع زمان، الذي لا يكتفي وهو يتعارك في الحارة بالطوب الذي يمطر به الخصم، بل يظل يلاحقه بسيل من الشتائم المنتقاة، تتخللها صرخات بكاء وهمي، من اعتداءات وهمية يدعي أنها حدثت عليه، حتى تتكامل عناصر المعركة المادية والمعنوية والدعائية، وينال من خصمه بكافة الطرق، أو بإحداها إن لم تفلح الأخرى. لقد سمعت أنهم في الإسماعيلية كانوا يهتفون لك ويصيحون: أكتب يا سعدني وقول لصلاح جاهين! ماذا كانوا يريدون منك ان تقول لي؟ أن النادي الإسماعيلي نادي عظيم؟ ولاعبيه ممتازون، والدليل على ذلك فوزهم ببطولة الدوري.. وليعلم النادي الإسماعيلي البطل، وجمهوره المخلص السعيد أنني لم أكن ضد الإسماعيلية كناد أو كبلد، ولكنني كنت ضد افتراء السعدني.. وإذا كان الإسماعيلي بكل هذه العظمة والقوة وهو الأول في الدوري، فمعنى ذلك أن النادي الذي يليه في المكانة وهو الأهلي له علينا حق التشجيع والإعجاب والاحترام، خاصة أن عشرة من كبار لاعبيه، كانوا مكسورين، في أحرج وقت من أوقات التنافس على البطولة.. وموعدنا العام القادم الذي أرجو أن يكون النادي الأهلي فيه، قد استعاد فريقه التقليدي، وعندئذ ربما اصبح هو الأول فيستحق التهنئة. وربما كان الإسماعيلي هو الأول مرة أخرى.. فله تهنئتان».
الفاجومي
ومن جاهين إلى أحمد فؤاد نجم، الشاعر الذي اختتم حياته الأدبية بكتاب نثري بعنوان «يا أهلي يا حبي.. يا حته من قلبي».. وكان ثالث دواوينه الشعرية ديوان «حكاية الأهلي والزمالك» من الدواوين التي لم يضمها الفاجومي لأعماله الكاملة وهو الديوان الثالث له، ويحكي أحمد فؤاد نجم الأهلاوي جدا أنه ذات يوم كان عند صديقه فهمي عمر الإذاعي الشهير الزملكاوي جدا في مكتبه بالاذاعة، قائلاً إن عمر هو الذي شجعه لكتابة الديوان، وأهداه نجم عناوين القصائد المجهولة التي لم يسلط عليها الضوء، وكانت عبارة عن قصائد للاعبي الكرة، وكتب في مقدمة الديوان أنه يريد بهذه القصائد أن يساهم في «الارتقاء بهذه الرياضة الشعبية المحبوبة التي أرجو لها كل تقدم وازدهار». وبعيدا عن كرة القدم أشهر الألعاب، نجد غرام فتحي غانم بالشطرنج، أهم رياضة ذهنية، وقد استفاد من هذه اللعبة في أعماله المتعددة باعتبار أن الحياة لعبة شطرنج كبرى قطعها هي المال والسياسة والحب، كما أن لغته أشبه بهذه اللعبة، في تنقلاتها من جملة إلى أخرى.