لم يكن في الحسبان السقوط إلى حافة الهاوية، والتردي في منحدراتها إلى حد الضلال والضياع والشعور بعدم الأمان، وفقدان التوازن لفترة طويلة من حياتي، اكتسبت خلالها أقسى أنواع الألم ...، كان ذلك بسبب هفوة بسيطة كنت أظن أنها حق من حقوقي الحياتية الطبيعية كالآخرين
فالحب حينما يفاجئك على حين غرة، وتستجيب لندائه ليس ذنباً نعاقب علية، وانما هو حقاً من حقوقنا الثابتة التي فوضتها السماء لنا، ولكن أساليب ممارسته هي التي تجنح بنا أحياناً في منعطفات خطيرة لم نكن نتقصدها.
وكثيراً ما تغريك أشياء تنقاد خلفها، وتبقى أسيراً تحت تأثيرها، دون أن تحسب نتائجها، تأخذك بغرور عاطفي دون ارادتك وتمضي بعيداً مكابراً لا تلتفت إلى حيث بدأت، ولا أعرف إن كان ذلك غروراً أو تهوراً أو ضعفاً، ولكن بلحظة ما تجد نفسك تفكر بماضيك، لا تدري كيف بدأت القصة ولا تعرف كيف انتهت.
كان بيت قريبي الرابض في ذلك الحي موضع لقائي مع ثلة من أصدقائي في أماسي الصيف الحارة لتبادل الحديث والسمر على شرف زجاجة ويسكي أو عرق مسيح أو زحلاوي.
في إحدى تلك الأمسيات لمحتها واقفة على باب بيتها المحاذي لبيت قريبي تمسك مجلة، وتتابع خطواتي من أول الشارع حتى المرور بها ودخولي البيت، كانت (سهام) صبية سمراء بعينين سوداوين واسعتين وشعر أسود فاحم ينسدل على كتفيها، حسبت أنها لم تبلغ الرشد بعد، تجاوزتها دون أن ألتفت لها.
حست بعدم اهتمامي بها، وفي اليوم الثاني وجدتها كوقفتها بالأمس، وبنفس المتابعة، وحينما أخذت الخمرة طريقها إلى رأسي بدأت أفكر بها، وعند عودتي للبيت كانت سبباً في مغادرة الكرى عن عيني.
قررت في اليوم التالي إلقاء التحية عليها، إلا أنها ما إن رأتني حتى فتحت الباب على مصراعيها وراحت تمسح أرضية مدخل البيت وهي تزحف على ركبتيها نحو الباب، ومن جسدها المثير عرفت ان ثمارها ناضجة ترقب القطاف.
كانت تتقصد لفت نظري، لتؤكد لي برسالتها الواضحة ـ بوضعها هذا ـ لتقول:
" أني كبيرة يا أستاذ ولست طفلة كما تتصور."
وأنا قلتُ في نفسي:
" لقد وصلت الرسالة يا سهام."
أكثرت بالشرب تلك الليلة ليس كعادتي، مما لفت نظر أصحابي، وهم يتسألون إن كان هناك أمراً ما يشغلني؟ فنفيت ذك، وفي نفسي أقول أن هذه العطلة الصيفية ستكون مختلفة عن العطلة السابقة، ورحت أحلم بلقائها والتحدث معها.
عصر اليوم التالي كانت تنتظرني على عتبة بيتها، ولاح لي صدرها كأنه فناجين القهوة، سلمت عليها وردت السلام بأحسنه، وتوالت التحايا والتحدث باقتضاب كلما سنحت لنا الفرصة في الأيام اللاحقة, كانت ناجحة من الصف الثاني متوسط إلى الصف الثالث.
في صيف العام الثاني طلبت منها اللقاء في بيتنا ظهراً، قلتها بسرعة وأنا اقترب منها لأسمعها، أبقيتُ باب البيت مفتوحاً، وانتظرتها أكثر من ساعة بعد الغداء، لكنها لم تأتي، قلقت وانتابني القنوط وأنا أتساءل مع نفسي وأضع الاحتمالات حول أسباب تأخرها وأقول:
ـ إما امتنعتْ هي بذاتها أو أن حائلاً ما منعها.
لم أصبر على ذلك ورحت انتظر خروجها لدى الباب مساءاً، وتخطيت شارعهم لعدة مرات، كان بودي الدخول للبيت وسؤالها، لكنها وبلحظة ما فتحت الباب ومسحت الشارع بناظريها ولما رأتني اشارت لي بالقدوم.
حثثت الخطى نحوها ولما اقتربت منها اعتذرت بكلمات سريعة وبصوت منخفض:
" لم أستطع المجيء هذا اليوم، غداً آتيك."
تجاوزتها وعدت إلى البيت وقد استقرت نفسي وهدأ روعي، وفي اليوم التالي ظهراً وبعد أن يغط الوالد والوالدة بقيلولة ثقيلة، بقيت أنتظرها بفارغ الصبر، كان سريري قرب شباك غرفة الاستقبال القريبة من باب البيت، وفي كل لحظة أخرج أستطلع الشارع.
رأيتها في بداية الشارع قادمة، ولجتُ في البيت، وما هي إلا لحظات دخلتْ خلفي، سلمت بإخفات، وجلسنا على السرير، كانت خجلة في بادئ الأمر، وسألتني بصوت خفيض:
" هل تحبني؟"
فأبديت حبي الكبير لها وتفكيري المستمر بها في اليقظة والمنام، فابتسمت ونظرت بعيني وقالت:
" وأنا أهيم بك وأحلم بمقابلتك في كل أوقاتي."
أمسكت يدها وقبلت راحة كفها، ثم ملتُ عليها وقبلتها عدة قبلات من شفتيها، وجدتها تستجيب بقوة وتطلب الكثير، بقينا ساعة ثم نهضت واخبرتني بأنها تأخرت وستعود قبل استيقاظ والدتها، شيعتها وعند الباب أخبرتني بأنها ستاتي غداً، فنبهتها أن تطرق الشباك طرقتين قبل الدخول للبيت، استكشفت الشارع لها فوجدته فارغاً من المارة، والحقيقة لا أحد يخرج في ذلك الصيف القائظ، ثم ودعتها ومضتْ.
تكرر اللقاء بيننا كل يومين أو ثلاثة، وتطورت طقوسنا، فنقوم بخلع ثيابنا وننام على السرير عراة، لا يحجبنا عن السماء إلا شرشف خفيف، نبدأ بالقبل ثم اللعب بنهديها ثم النزول لأسفل بطنها حتى ننتشي، حذرين من ممارسة الجنس.
ظهرت نتيجتها ناجحة في الامتحان الوزاري للمتوسطات، هنأتها بالنجاح وقدمت لها هدية ثمينة، وقد خيرتني بين التقديم للإعدادية أو إلى دار المعلمات، فنصحتها بالثانية واتممت لها ملف التقديم وأرسلته إلى إدارة الدار، وهناك سألتني الكاتبة عن حضورها، ومن أكون بالنسبة لها، فأجبتها بأنها ابنة أختي فاستلمت الملف مني.
استمرت لقاءاتنا بحميمة أكثر وشغف وود، ثم انقطعت بعد ذلك لمدة أسبوع، كنت قلقا أن يكون أهلها قد اكتشفوا علاقتي بها، ولكني عرفت فيما بعد أن انقطاعها كان بسبب الدورة الشهرية من خلال العثور على قصاصة في شقوق الشباك تطمأنني عليها بحروفها الجميلة:
" لا تخاف نزلت عليَّ الدورة الشهرية ما إن تنقطع سأوافيك من جديد."
التقينا من جديد، أحسستُ بنشاطها أكثر من ذي قبل، وفي اللقاء الثاني كانت متهيجة جنسياً ومتلهفة للعناق إلى درجة أنها أول ما دخلت البيت عانقتني بشغف وقبل حارة اهتجتُ أنا الآخر، رفعتها ووضعتها على صدري ثم ألقيت بها على السرير.
بدأنا بتبادل القبل واللثم والعض، ثم تخلصنا من ثيابنا ورحنا في دوامة الحب لا ندري بما يدور حولنا غير بلوغ أقصى درجات النشوة، وفي اثناء ذلك شعرت بأني دخلت بها، ولكني غير واثق من ذلك حتى تحققت صحته بعد الانتهاء من العملية، فلقد رأيت قطرات من الدم على فخذيها وعلى الفراش.
من هنا بدأ القلق يغزو أم رأسي، ولكني هونت على نفسي وخاصة في لقاءاتنا اللاحقة، حتى مضى الشهر الثاني وفي بداية الشهر الثالث، اخبرتني بأن دورتها الشهرية مضت أيامها ولم تأتيها، قالتها ببرود ودون اكتراث ولعلها لم تدرك ما ذا يعني ذلك بالنسبة لها كونها جاهلة بأمور النساء.
ازداد قلقي حينما تأكدتً بأنها حامل، مضت الأيام سريعاً تلاحقها الشهور وبطنها تكبر، وأنا أكثر من الشرب لنسيان ما نحن فيه.
ظهرتْ نتائج القبول في دار المعلمات وكانت من بين المقبولات، وفي بداية العام باشرتْ هي كطالبة في الصف الأول من دار المعلمات، بيمنا سافرتُ أنا إلى عملي كمدرس في مدينة السماوة,
***
لقد انقلبت سعادتي حزناً وتعاسة وغادر النوم عينيّ وكنت أواري ذلك بالإكثار من الشرب لكي أنعم بساعة من النوم، وفي كل لقاء كنا نتحدث عن وضعنا وكيف التخلص من الجنين قبل أن يعلم أهلها، والخوف من معرفتهم بها مما يؤدي ذلك إلى قتلها غسلاً للعار، وغير ذلك من أمور محزنة،
كانت بداية الدوام صعبة بالنسبة لي ولها، وكنت اتحايل على مدير المدرسة في السماوة لمنحي اجازة اعتيادية أو ارجو من دكتور المدينة منحي اجازة مرضية لعدة أيام، لمتابعة ما يجري لحبيبتي (سهام) من تطورات، وقد حاولتْ خلال هذه الفترة اسقاط الجنين بوسائلها الخاصة دون جدوى.
قمت بحقنها حقنة زيتية لأسقاط الجنين وبدلا من أن تسقطه ثبتته أكثر، فاقترحت عليها السفر الى مدينة البصرة لأسقاطه، ولم تكن عندي معلومات عن الطبيبات اللواتي يفعلن ذلك ولا عناوينهن.
استطاعت السفر معي بحجة اشتراكها بسفرة مدرسية، ورحنا نجوب العيادات النسائية الواحدة بعد الأخرى دون جدوى مما اضطرنا للعودة والحزن يأكل قلبينا.
لما وجدت الطريق إلى الخلاص مفقود اعترفت لأختها الكبيرة (ملوك) بكل ما جرى بيننا، وفي الوقت نفسه تلقيت ارشادات من إحدى الطبيبات في السماوة في مراجعة طبيبة في منطقة حافظ القاضي في بغداد تستطيع اسقاط الجنين.
خططنا نحن الثلاثة أنا وهي وأختها السفر إلى بغداد، وكانت أختها معلمة في احدى المدارس بحجة سفرة مدرسية، وهناك توجهنا إلى مكان الطبيبة ودخلتا عليها وانا انتظرهما خارج العيادة وتم اللازم.
بتنا في أحد الفنادق تلك الليلة وفي الصباح الباكر توجهنا إلى مدينتنا وقد اخبرتهما الطبيبة بأن الجنين سيسقط بعد يومين أو ثلاث، وعليهما اختيار ممرضة لمساعدتها، أوصلتهما إلى مرأب مدينة العمارة ومنه سافرت إلى السماوة مكان عملي.
كنت قد أعطيتها رقم هاتف المدرسة وأخبرتها أن تتصل عصراً لتواجدي بها ذلك الوقت، أخذت وتيرة القلق تتصاعد بتصاعد الساعات، كنتُ بانتظار مكالمة هاتفية منها تخبرني عن سقوط الجنين أو لا، مضى يوم وأقبل اليوم الآخر وأخذ اليأس يتسلل إلي وفي كل دقيقة أنظر إلى الهاتف وأخاطبه بقلبي:
" لم أنت قاس معي وصامت لا تتكلم؟ بربي عليك قل شيئاً، لقد بات مصيري ومصير حبيبتي مرهون بصوتك؟ أرجوك انطق فما بات للصبر مكاناً في نفسي."
طولت في الدرس الأخير وانتهى الدوام وخرج كل من في المدرسة سواي وحارس المدرسة. بعد انتهاء الحصة توجهت نحو الإدارة وفي منتصف طريقي لها رنَّ الهاتف.
اسرعت نحوه، لكنه انقطع.
عرفت أنه منها، بقيت في الإدارة أنتظر وأتشاغل بترتيب الخرائط وتنظيمها، وبينما أنا كذلك رنَّ ثانية وبخطفة سريعة رفعتُ السماعة، فجاء صوتها عبر الهاتف تهنئوني بسقوط الجنين، هنأتها بحرارة وطبعت قبلة لها عبر الهاتف ثم ودعتها ونحن مسرورين.
رحت منتشياً لا تسعني الأرض وأنا أشكر الله على فضله، وكأن حملاً كبيراً أزيح عن كاهلنا، وكنت أفكر أن أضع حداً لهذه العلاقة، تمتعت بإجازة اعتيادية وعدت على جناح الطير أروم الوصول لها.
ما إن التقينا تعانقنا وجلسنا على السرير وراحت تصف لي معاناتها أثناء الولادة وفي عينيها دمعة، وهي تحدثني عن طفلنا وكان بعمر سبعة شهور، وتم دفنه على شاطئ نهر دجلة.
قبلتها من جبينها، وطيبت خاطرها بكلمات شفيفة، واهديتها قطعة ذهبية فرحت بها، وشكرتني على وقوفي معها في محنتها وعدم التخلي عنها.
دفعتُ أجور الممرضة التي قامت بتوليدها، وفي لقاءنا الثاني بعد الولادة عدنا إلى سابق عهدنا، ولكن هده المرة نفعل كما يفعل الزوج بزوجته وإننا حدرين ان نقع بالخطيئة مرة أخرى، وفي آخر مرة سالتني:
" هل سنبقى متخوفين هكذا ونحن نمارس الحرام؟ أليس هناك من قرار لأنهاء هذه المعاناة؟ لقد أثرت بي كلماتها، وعرفت أن الأوان قد حان للزواج منها، واخبرتها بنيتي، حين ذلك ففرحتْ وقبلتني.
فاتحت والدتي بالموضوع فوافقت مباشرة وهي بدورها حصلت على موافقة أبي، واختارت أمي يوم الجمعة لزيارة والدتها لطلب يد ابنتها، وكانت أمي لها علاقة طيبة مع أمها، لكن أبوها رفض هذه الخطوبة متذرعاً بوصفي خمار وسكير.
تزوجت أختها الكبيرة (ملوك) في مدينة البصرة، أحست أمها بأن (سهام) تسير نحو الخطيئة، وما هي إلا فترة وجيزة قام والداها بأخذها إلى بغداد وتزويجها من ابن كبير عشيرتهم للتقرب منه، وكان رئيس العشيرة قد طلب يدها قبل فترة ولم يردا عليه، وبذلك لم تتم دراستها تلك السنة واعتبرت راسبة في الصف الأول من دار المعلمات .
أنه الشؤم الذي يطاردني أينما رحلتُ وحللتُ، فلقد عاد القلق خوفاً أن يكتشف زوجها عدم عذريها ويطردها، ويعود بذلك كشف الخطيئة التي ما صدقنا أن اختفتْ باختفاء الجنين. وحمداً لله أنها أقنعت زوجها قبل الدخول بها بأنها سقطت من السلم وتمزق غشاء بكارتها، فتقبل الأمر ببساطة وتم الزواج.
في صيف ذلك العام نقلت عملي من مدينة السماوة إلى مدينتي العمارة، وقد سئمت الحياة، وفي كل أحوالي ألجأ إلى الخمر لأنسى وأعيش حالة غياب دائم عن ذكرها، لكن ذلك لم ينفع فقد بات خيالها يطاردني في كل زمان، ولقاءاتنا الحميمة لا تتركني، ثم سافرت إلى دول أوربا للقضاء على الفراغ جراء غياب الحبيب.
حين عودتي وجدت عدداً من الرسائل البريدية تنتظرني منها، ولما قرأتها كانت تشتكي لي من سوء معاملة زوجها وأهله لها وتناشدني بالمجيء للقاء بها، وكتبت لي العنوان مفصلاً.
مباشرة سافرت إلى بغداد وفي صباح اليوم التالي أخدت سيارة أجرة إلى منطقة (الوشاش) وقرب البريد نزلت، ورحت أحسب الفروع وأرقام الدور حتى توقفت أما البيت المحدد، هممت بطرق الباب لكني تردد! ورحت أتمشى إلى بداية الشارع، ثم عدت وتوقفت أمام البيت من جديد.
طرقت الباب، وبعد قليل خرجتْ هي طافحة بالنور والبهجة، ولما رأتني تفاجأت، أشرت لها بالسكوت بوضع سبابتي على فمي، كانت تريد الطيران من فرط فرحتها، وهي تنظر بعيني بدهشة واشتياق، ثم سألتها:
"هل هاذا بيت فلان؟ " باسم غريب
" لا أننا بيت أبو أحمد."
همست لها بأني سألتقي بها الساعة الرابعة عصراً في رأس الزقاق، فأجابتني بأنها لا تستطيع الخروج عصراً بل غداً الساعة التاسعة صباحاً قرب البريد، سمعتُ صوت عمتها تناديها وتسألها عن الطارق فأجابتها وهي ما تزال في عتبة الباب:
" أنه شخص غريب يسأل عن بيت أبو حسنين"
فردت عليها عمتها:
" ليس هناك أحد بهذا الاسم في شارعنا.
ثم ودعتها بقبلة هوائية من فمي، وردت هي الأخرى بقبلة لي.
مضيت وأنا على طول الشارع ألتفت لها فأراها ما تزال واقفة في عتبة الباب تنظر إلي حتى انعطفتُ في الشارع وعدتُ إلى الفندق.
لم أستطع مفارقة التفكير بها. ولم يفارقني صدى خيالها، ورحت أسترجع مشاعرها واحاسيسها وهي تنظر بعيني بفرح ممزوج بألم وفراق واشتياق، وفي دخيلتها كلام كثير وقصص عن ذلك الزواج وما خلفه الفراق من حزن دفين.
كان الوقت يمر طويلاً يقدر بشهور وأنا أعد الساعات والدقائق وهو متوقف لا يريد المضي، درت في شارع الرشيد أستدكر أيام دراستي الجامعية، ومساء قصدت شارع أبي نؤاس، شربت قليلاً وتناولت بعض اللحوم المشوية وعدت إلى الفندق.
غادرني النوم تلك الليلة، وبقيت أتقلب في فراشي حتى الصباح، جهزت نفسي ورحت أنتظرها قرب البريد، في الساعة التاسعة بالضبط حضرت، ومن هناك رحنا إلى بيت أقاربي، حدثتني كثيراً ومارسنا الجنس ثم عدنا، وفي الطريق نصحتها أن تضغط على زوجها لأجراء معاملة النقل من دار المعلمات في العمارة إلى دار المعلمات في بغداد.
ما أن سجلتُ مباشرتي في تربية ميسان حتى حصلت لي مشكلة مع أحد أعضاء حزب البعث، نُقِلتُ على أثرها إلى مديرية محافظة ديالى بأمر وزاري. باشرت هناك في بداية العام الدراسي، وكنت لا أبالي لهذه العقوبة بل صرتُ قريباً على حبيبتي. حيث سكنت مع ابنة خالتي وزوجها في منطقة القاهرة في بغداد وفي كل يوم أذهب إلى بعقوبة صباحاً وأعود بعد الظهر إلى بغداد
انتقلتْ سهام إلى دار المعلمات في بغداد في منطقة المنصور واشتركت مع بعض الطالبات بسيارة أجرة تنقلهم كل يوم إلى الدار وعند انتهاء الدوام تعود وتوزعهم على البيوت.
في المرة الثانية للقائي بها ذهبت إلى مدرستها في منطقة المنصور، وانتحلت صفة زوجها واخرجتها ومضيت بها إلى بيت ابنة خالتي مارست الجنس معها وقبل موعد انتهاء الدوام ارجعتها إلى البيت، ثم قصدت وزارة التربية وقدمت طلباً بنقلي إلى العمارة.
في المرة الثالثة وقفتُ قريباً من بيتهم وعند خروجها رأتني، وأخبرت سائق السيارة بأنها ستتعطل هذا اليوم من الدوام وعادت إلي، أخذتها إلى بيت ابنة خالتي، وكانت حاملاً في شهرها السادس، وهناك تمتعنا بصباح دافئ مفعم بالجنس.
بعد فترة صدر كتاب من وزارة التربية إلى مديرية تربية ديالى يدعوني بمقابلة السيد وكيل الوزارة لكني رفضت المثول عنده، ثم اتصل الوكيل هاتفيا بمدير التربية يدعوني بسرعة لمقابلة الوكيل دون تأخير. وقد منحني مدير التربية اجازة مفتوحة حتى اجراء المقابلة.
علمتنا السماء أن لا صفاء مطلق يسودها ولا غمام مطلق يلونها، فإنها رعناء متقلبة متذبذبة، في كل حين هي في شأن ولون، وفي كل زمن هي في حال، لا نأمن جوانبها ولا نسلم أوانها. فهي كبالون يغري الطفولة بألوانه وطوافه وفي لحظة ما ينفجر ليخلف صراخاً وألماً لهم.
قدمتُ إلى بغداد وقابلت وكيل وزارة التربية، وكان قد اطلع على ملفي الشخصي وأعجب فيه من خلال تقارير المشرفين وعدد التشكرات وفي اخلاصي بتأدية واجبي في التدريس على أتم وجه، وسألني في نهاية اللقاء عن رغبتي فأبديت له رغبتي في النقل إلى محافظتي العمارة.
انتهت المقابلة، وقد ارتاح لأجوبتي ووعدني بإنصاف حقي المشروع، وما دام مدير التربية منحني إجازة مفتوحة فكرت أولاً السفر إلى أهلي عدة أيام، سرعان ما بدلتُ رأيي وفكرت بملاقاة حبيبتي أولاً وبعدها أسافر للأهل في العمارة.
في اليوم التالي صباحاً كنت انتظرها في بداية شارعهم، ولما خرجت ورأتني تبادلنا التحية بالإشارات من بعيد، كنت سعيداً بقدومها، وكانت تبتسم لي، ولم يبقى بيننا سوى بعض خطوات لنلتقي، إلا أن ذلك اللقاء لم يتم .
كان زوجها قد علم بتفاصيل علاقتنا بطريقة ما، وراح يترقب ويتابع تحركاتها خفية وهي لا تدري بما بيته لها، وكان يحاول الإمساك بنا بالجرم المشهود، غير أنها وفي لحظة لقائنا حالتْ منها إلتفاتة فرأته يتابعها.
مباشرة تنحت عني ولم تلقي التحية بينما توجه هو نحوي بسكين صغيرة محاولا طعني، كنت في كل مرة أقابلها أحمل معي مسدس نوع (طارق) أخفيه تحت حزام البنطال من الخلف الجاكتة.
لما تقرب مني ورفع يده ماسكاً السكين تراجعت إلى الخلف سريعاً، واشهرت مسدسي نحوه ثم اطلقت رصاصة في الفضاء، فولى هارباً، تجمع الناس حولي وكان من بينهم رفاق في حزب البعث تنظيمات المنطقة.
تم التحقيق معي في الفرقة الحزبية وكانوا يتصورون أني أحد رفاق الحزب لحملي المسدس، ولكني اعترفت لهم بأني لست من أعضاء الحزب، فقاموا بتسليمي إلى أقرب مركز للشرطة.
بعد أسبوع أطلق سراحي من مركز الشرطة بكفالة أحد أقاربي في بغداد، بعد أن اخذت افادتي في التحقيق المبدئي في مركز الشرطة وتحويل ملف افادتي إلى القضاء، وحدد موعد المحاكمة في محكمة الكرخ.
في اليوم نفسه أجبرها زوجها وأهله على تقديم شكوى ضدي للتحرش بها وتحت الضغط والتهديد اخذوها إلى مركز الشرطة وقدمت الشكوى
عدتُ إلى أهلي واخبرتهم بالحادث، وقام كبار عشيرتنا بالاتصال بعشيرة أهل زوجها، وتم فصلهم بمبلغ مالي على اشهار المسدس بوجه زوجها على أن يتنازلوا عن دعواهم.
لكل شيء نهاية وكانت الفترة العصيبة بعد الحادث نهاية علاقتنا التي دامت سنين عديدة لا يمكن نسيانها بسهولة، ومن تلك اللحظة بدأتُ التفكير بوضع حد لتصرفاتي والركون إلى الاستقرار.
في اليوم المحدد للمحاكمة حضرت، ولما نودي باسمي دخلت قاعة المحكمة فسألني القاضي عن علاقتي بها، فنفيت معرفتي بها، ثم سألني عن تواجدي قريباً من بيتها فأجبته، بأني أبحث عن بيت كوني مدرس قدمت للجامعة لتكملة دراسة الماجستير. وعن سرقة حلقة زواجها التي أهدتها لي وقد احتفظت بها كذكرى لعلاقتنا الحميمة، فأجبته وهل يعقل هذا يا حضرة القاضي أن أسرق حلقة زواجها وأنا مدرس لدي راتب يكفيني وزيادة.
سكت القاضي ونظر بعيني غير مصدق لما أقول لكنه ارتأى الستر لنا، فصدر الحكم بمصادرة المسدس، وحرق ظرفا الإطلاقتين، علما بأني أطلقت اطلاقة واحدة، والسجن عامين مع وقف التنفيذ، وعلي الانتظار شهراً ليأخذ القرار الدرجة القطعية.
عدتُ إلى مدينتي وبعد مرور شهر ذهبت إلى المحكمة واستلمت كتاب الحكم، ومن هناك سافرت إلى مدينة بعقوبة سلمتُ كتاب الحكم فعدت إلى وظيفتي، وصُرِفتْ رواتبي، وفي الوقت نفسه بُلغتُ بصدور نقلي إلى مدينتي العمارة.
ركنت إلى الاستقرار والحكمة، سمعت باستشهاد زوجها في الحرب العراقية الإيرانية، وبعد مدة أشيع بأنها استشهدت بسيارة مفخخة، ومن ذلك الوقت يئست ورحت أبحث عن زوجة صالحة فساقها القدر إلي وعشت مع اسرتي بأمان.
بعد سنين عديدة فاجأني أخي الأصغر برؤية (سهام) في دائرة الأحوال المدنية في العمارة، لم اصدقه أولاً ولكن بتحرياتي الخاصة عرفتُ أنها اشاعة المقصود منها ابعادي عنها، فرحت لهاذا الخبر، وقد مضى قطار العمر يحمل المسافرين بأنينه وصرخات عجلاته.
الآن وأنا أكتب هذه القصة بلغت من العمر خمسة وسبعون عاماً، أي مر على قصتنا أكثر من خمسة وأربعين عاماً، ما أزال أتذكر تفاصيل تلك العلاقة بدقة، وكأنها حدثت بالأمس، أعيش عليها وكأنها جزءا من حياتي، وكم تمنيت أن تعود تلك الأيام، وأسير بها سيرة طيبة، نتزوج ونكون اسرة رائعة ونعيش في الأضواء بحب ووئام. رغم أني سعيد بزواجي وابنائي.
فالحب حينما يفاجئك على حين غرة، وتستجيب لندائه ليس ذنباً نعاقب علية، وانما هو حقاً من حقوقنا الثابتة التي فوضتها السماء لنا، ولكن أساليب ممارسته هي التي تجنح بنا أحياناً في منعطفات خطيرة لم نكن نتقصدها.
وكثيراً ما تغريك أشياء تنقاد خلفها، وتبقى أسيراً تحت تأثيرها، دون أن تحسب نتائجها، تأخذك بغرور عاطفي دون ارادتك وتمضي بعيداً مكابراً لا تلتفت إلى حيث بدأت، ولا أعرف إن كان ذلك غروراً أو تهوراً أو ضعفاً، ولكن بلحظة ما تجد نفسك تفكر بماضيك، لا تدري كيف بدأت القصة ولا تعرف كيف انتهت.
كان بيت قريبي الرابض في ذلك الحي موضع لقائي مع ثلة من أصدقائي في أماسي الصيف الحارة لتبادل الحديث والسمر على شرف زجاجة ويسكي أو عرق مسيح أو زحلاوي.
في إحدى تلك الأمسيات لمحتها واقفة على باب بيتها المحاذي لبيت قريبي تمسك مجلة، وتتابع خطواتي من أول الشارع حتى المرور بها ودخولي البيت، كانت (سهام) صبية سمراء بعينين سوداوين واسعتين وشعر أسود فاحم ينسدل على كتفيها، حسبت أنها لم تبلغ الرشد بعد، تجاوزتها دون أن ألتفت لها.
حست بعدم اهتمامي بها، وفي اليوم الثاني وجدتها كوقفتها بالأمس، وبنفس المتابعة، وحينما أخذت الخمرة طريقها إلى رأسي بدأت أفكر بها، وعند عودتي للبيت كانت سبباً في مغادرة الكرى عن عيني.
قررت في اليوم التالي إلقاء التحية عليها، إلا أنها ما إن رأتني حتى فتحت الباب على مصراعيها وراحت تمسح أرضية مدخل البيت وهي تزحف على ركبتيها نحو الباب، ومن جسدها المثير عرفت ان ثمارها ناضجة ترقب القطاف.
كانت تتقصد لفت نظري، لتؤكد لي برسالتها الواضحة ـ بوضعها هذا ـ لتقول:
" أني كبيرة يا أستاذ ولست طفلة كما تتصور."
وأنا قلتُ في نفسي:
" لقد وصلت الرسالة يا سهام."
أكثرت بالشرب تلك الليلة ليس كعادتي، مما لفت نظر أصحابي، وهم يتسألون إن كان هناك أمراً ما يشغلني؟ فنفيت ذك، وفي نفسي أقول أن هذه العطلة الصيفية ستكون مختلفة عن العطلة السابقة، ورحت أحلم بلقائها والتحدث معها.
عصر اليوم التالي كانت تنتظرني على عتبة بيتها، ولاح لي صدرها كأنه فناجين القهوة، سلمت عليها وردت السلام بأحسنه، وتوالت التحايا والتحدث باقتضاب كلما سنحت لنا الفرصة في الأيام اللاحقة, كانت ناجحة من الصف الثاني متوسط إلى الصف الثالث.
في صيف العام الثاني طلبت منها اللقاء في بيتنا ظهراً، قلتها بسرعة وأنا اقترب منها لأسمعها، أبقيتُ باب البيت مفتوحاً، وانتظرتها أكثر من ساعة بعد الغداء، لكنها لم تأتي، قلقت وانتابني القنوط وأنا أتساءل مع نفسي وأضع الاحتمالات حول أسباب تأخرها وأقول:
ـ إما امتنعتْ هي بذاتها أو أن حائلاً ما منعها.
لم أصبر على ذلك ورحت انتظر خروجها لدى الباب مساءاً، وتخطيت شارعهم لعدة مرات، كان بودي الدخول للبيت وسؤالها، لكنها وبلحظة ما فتحت الباب ومسحت الشارع بناظريها ولما رأتني اشارت لي بالقدوم.
حثثت الخطى نحوها ولما اقتربت منها اعتذرت بكلمات سريعة وبصوت منخفض:
" لم أستطع المجيء هذا اليوم، غداً آتيك."
تجاوزتها وعدت إلى البيت وقد استقرت نفسي وهدأ روعي، وفي اليوم التالي ظهراً وبعد أن يغط الوالد والوالدة بقيلولة ثقيلة، بقيت أنتظرها بفارغ الصبر، كان سريري قرب شباك غرفة الاستقبال القريبة من باب البيت، وفي كل لحظة أخرج أستطلع الشارع.
رأيتها في بداية الشارع قادمة، ولجتُ في البيت، وما هي إلا لحظات دخلتْ خلفي، سلمت بإخفات، وجلسنا على السرير، كانت خجلة في بادئ الأمر، وسألتني بصوت خفيض:
" هل تحبني؟"
فأبديت حبي الكبير لها وتفكيري المستمر بها في اليقظة والمنام، فابتسمت ونظرت بعيني وقالت:
" وأنا أهيم بك وأحلم بمقابلتك في كل أوقاتي."
أمسكت يدها وقبلت راحة كفها، ثم ملتُ عليها وقبلتها عدة قبلات من شفتيها، وجدتها تستجيب بقوة وتطلب الكثير، بقينا ساعة ثم نهضت واخبرتني بأنها تأخرت وستعود قبل استيقاظ والدتها، شيعتها وعند الباب أخبرتني بأنها ستاتي غداً، فنبهتها أن تطرق الشباك طرقتين قبل الدخول للبيت، استكشفت الشارع لها فوجدته فارغاً من المارة، والحقيقة لا أحد يخرج في ذلك الصيف القائظ، ثم ودعتها ومضتْ.
تكرر اللقاء بيننا كل يومين أو ثلاثة، وتطورت طقوسنا، فنقوم بخلع ثيابنا وننام على السرير عراة، لا يحجبنا عن السماء إلا شرشف خفيف، نبدأ بالقبل ثم اللعب بنهديها ثم النزول لأسفل بطنها حتى ننتشي، حذرين من ممارسة الجنس.
ظهرت نتيجتها ناجحة في الامتحان الوزاري للمتوسطات، هنأتها بالنجاح وقدمت لها هدية ثمينة، وقد خيرتني بين التقديم للإعدادية أو إلى دار المعلمات، فنصحتها بالثانية واتممت لها ملف التقديم وأرسلته إلى إدارة الدار، وهناك سألتني الكاتبة عن حضورها، ومن أكون بالنسبة لها، فأجبتها بأنها ابنة أختي فاستلمت الملف مني.
استمرت لقاءاتنا بحميمة أكثر وشغف وود، ثم انقطعت بعد ذلك لمدة أسبوع، كنت قلقا أن يكون أهلها قد اكتشفوا علاقتي بها، ولكني عرفت فيما بعد أن انقطاعها كان بسبب الدورة الشهرية من خلال العثور على قصاصة في شقوق الشباك تطمأنني عليها بحروفها الجميلة:
" لا تخاف نزلت عليَّ الدورة الشهرية ما إن تنقطع سأوافيك من جديد."
التقينا من جديد، أحسستُ بنشاطها أكثر من ذي قبل، وفي اللقاء الثاني كانت متهيجة جنسياً ومتلهفة للعناق إلى درجة أنها أول ما دخلت البيت عانقتني بشغف وقبل حارة اهتجتُ أنا الآخر، رفعتها ووضعتها على صدري ثم ألقيت بها على السرير.
بدأنا بتبادل القبل واللثم والعض، ثم تخلصنا من ثيابنا ورحنا في دوامة الحب لا ندري بما يدور حولنا غير بلوغ أقصى درجات النشوة، وفي اثناء ذلك شعرت بأني دخلت بها، ولكني غير واثق من ذلك حتى تحققت صحته بعد الانتهاء من العملية، فلقد رأيت قطرات من الدم على فخذيها وعلى الفراش.
من هنا بدأ القلق يغزو أم رأسي، ولكني هونت على نفسي وخاصة في لقاءاتنا اللاحقة، حتى مضى الشهر الثاني وفي بداية الشهر الثالث، اخبرتني بأن دورتها الشهرية مضت أيامها ولم تأتيها، قالتها ببرود ودون اكتراث ولعلها لم تدرك ما ذا يعني ذلك بالنسبة لها كونها جاهلة بأمور النساء.
ازداد قلقي حينما تأكدتً بأنها حامل، مضت الأيام سريعاً تلاحقها الشهور وبطنها تكبر، وأنا أكثر من الشرب لنسيان ما نحن فيه.
ظهرتْ نتائج القبول في دار المعلمات وكانت من بين المقبولات، وفي بداية العام باشرتْ هي كطالبة في الصف الأول من دار المعلمات، بيمنا سافرتُ أنا إلى عملي كمدرس في مدينة السماوة,
***
لقد انقلبت سعادتي حزناً وتعاسة وغادر النوم عينيّ وكنت أواري ذلك بالإكثار من الشرب لكي أنعم بساعة من النوم، وفي كل لقاء كنا نتحدث عن وضعنا وكيف التخلص من الجنين قبل أن يعلم أهلها، والخوف من معرفتهم بها مما يؤدي ذلك إلى قتلها غسلاً للعار، وغير ذلك من أمور محزنة،
كانت بداية الدوام صعبة بالنسبة لي ولها، وكنت اتحايل على مدير المدرسة في السماوة لمنحي اجازة اعتيادية أو ارجو من دكتور المدينة منحي اجازة مرضية لعدة أيام، لمتابعة ما يجري لحبيبتي (سهام) من تطورات، وقد حاولتْ خلال هذه الفترة اسقاط الجنين بوسائلها الخاصة دون جدوى.
قمت بحقنها حقنة زيتية لأسقاط الجنين وبدلا من أن تسقطه ثبتته أكثر، فاقترحت عليها السفر الى مدينة البصرة لأسقاطه، ولم تكن عندي معلومات عن الطبيبات اللواتي يفعلن ذلك ولا عناوينهن.
استطاعت السفر معي بحجة اشتراكها بسفرة مدرسية، ورحنا نجوب العيادات النسائية الواحدة بعد الأخرى دون جدوى مما اضطرنا للعودة والحزن يأكل قلبينا.
لما وجدت الطريق إلى الخلاص مفقود اعترفت لأختها الكبيرة (ملوك) بكل ما جرى بيننا، وفي الوقت نفسه تلقيت ارشادات من إحدى الطبيبات في السماوة في مراجعة طبيبة في منطقة حافظ القاضي في بغداد تستطيع اسقاط الجنين.
خططنا نحن الثلاثة أنا وهي وأختها السفر إلى بغداد، وكانت أختها معلمة في احدى المدارس بحجة سفرة مدرسية، وهناك توجهنا إلى مكان الطبيبة ودخلتا عليها وانا انتظرهما خارج العيادة وتم اللازم.
بتنا في أحد الفنادق تلك الليلة وفي الصباح الباكر توجهنا إلى مدينتنا وقد اخبرتهما الطبيبة بأن الجنين سيسقط بعد يومين أو ثلاث، وعليهما اختيار ممرضة لمساعدتها، أوصلتهما إلى مرأب مدينة العمارة ومنه سافرت إلى السماوة مكان عملي.
كنت قد أعطيتها رقم هاتف المدرسة وأخبرتها أن تتصل عصراً لتواجدي بها ذلك الوقت، أخذت وتيرة القلق تتصاعد بتصاعد الساعات، كنتُ بانتظار مكالمة هاتفية منها تخبرني عن سقوط الجنين أو لا، مضى يوم وأقبل اليوم الآخر وأخذ اليأس يتسلل إلي وفي كل دقيقة أنظر إلى الهاتف وأخاطبه بقلبي:
" لم أنت قاس معي وصامت لا تتكلم؟ بربي عليك قل شيئاً، لقد بات مصيري ومصير حبيبتي مرهون بصوتك؟ أرجوك انطق فما بات للصبر مكاناً في نفسي."
طولت في الدرس الأخير وانتهى الدوام وخرج كل من في المدرسة سواي وحارس المدرسة. بعد انتهاء الحصة توجهت نحو الإدارة وفي منتصف طريقي لها رنَّ الهاتف.
اسرعت نحوه، لكنه انقطع.
عرفت أنه منها، بقيت في الإدارة أنتظر وأتشاغل بترتيب الخرائط وتنظيمها، وبينما أنا كذلك رنَّ ثانية وبخطفة سريعة رفعتُ السماعة، فجاء صوتها عبر الهاتف تهنئوني بسقوط الجنين، هنأتها بحرارة وطبعت قبلة لها عبر الهاتف ثم ودعتها ونحن مسرورين.
رحت منتشياً لا تسعني الأرض وأنا أشكر الله على فضله، وكأن حملاً كبيراً أزيح عن كاهلنا، وكنت أفكر أن أضع حداً لهذه العلاقة، تمتعت بإجازة اعتيادية وعدت على جناح الطير أروم الوصول لها.
ما إن التقينا تعانقنا وجلسنا على السرير وراحت تصف لي معاناتها أثناء الولادة وفي عينيها دمعة، وهي تحدثني عن طفلنا وكان بعمر سبعة شهور، وتم دفنه على شاطئ نهر دجلة.
قبلتها من جبينها، وطيبت خاطرها بكلمات شفيفة، واهديتها قطعة ذهبية فرحت بها، وشكرتني على وقوفي معها في محنتها وعدم التخلي عنها.
دفعتُ أجور الممرضة التي قامت بتوليدها، وفي لقاءنا الثاني بعد الولادة عدنا إلى سابق عهدنا، ولكن هده المرة نفعل كما يفعل الزوج بزوجته وإننا حدرين ان نقع بالخطيئة مرة أخرى، وفي آخر مرة سالتني:
" هل سنبقى متخوفين هكذا ونحن نمارس الحرام؟ أليس هناك من قرار لأنهاء هذه المعاناة؟ لقد أثرت بي كلماتها، وعرفت أن الأوان قد حان للزواج منها، واخبرتها بنيتي، حين ذلك ففرحتْ وقبلتني.
فاتحت والدتي بالموضوع فوافقت مباشرة وهي بدورها حصلت على موافقة أبي، واختارت أمي يوم الجمعة لزيارة والدتها لطلب يد ابنتها، وكانت أمي لها علاقة طيبة مع أمها، لكن أبوها رفض هذه الخطوبة متذرعاً بوصفي خمار وسكير.
تزوجت أختها الكبيرة (ملوك) في مدينة البصرة، أحست أمها بأن (سهام) تسير نحو الخطيئة، وما هي إلا فترة وجيزة قام والداها بأخذها إلى بغداد وتزويجها من ابن كبير عشيرتهم للتقرب منه، وكان رئيس العشيرة قد طلب يدها قبل فترة ولم يردا عليه، وبذلك لم تتم دراستها تلك السنة واعتبرت راسبة في الصف الأول من دار المعلمات .
أنه الشؤم الذي يطاردني أينما رحلتُ وحللتُ، فلقد عاد القلق خوفاً أن يكتشف زوجها عدم عذريها ويطردها، ويعود بذلك كشف الخطيئة التي ما صدقنا أن اختفتْ باختفاء الجنين. وحمداً لله أنها أقنعت زوجها قبل الدخول بها بأنها سقطت من السلم وتمزق غشاء بكارتها، فتقبل الأمر ببساطة وتم الزواج.
في صيف ذلك العام نقلت عملي من مدينة السماوة إلى مدينتي العمارة، وقد سئمت الحياة، وفي كل أحوالي ألجأ إلى الخمر لأنسى وأعيش حالة غياب دائم عن ذكرها، لكن ذلك لم ينفع فقد بات خيالها يطاردني في كل زمان، ولقاءاتنا الحميمة لا تتركني، ثم سافرت إلى دول أوربا للقضاء على الفراغ جراء غياب الحبيب.
حين عودتي وجدت عدداً من الرسائل البريدية تنتظرني منها، ولما قرأتها كانت تشتكي لي من سوء معاملة زوجها وأهله لها وتناشدني بالمجيء للقاء بها، وكتبت لي العنوان مفصلاً.
مباشرة سافرت إلى بغداد وفي صباح اليوم التالي أخدت سيارة أجرة إلى منطقة (الوشاش) وقرب البريد نزلت، ورحت أحسب الفروع وأرقام الدور حتى توقفت أما البيت المحدد، هممت بطرق الباب لكني تردد! ورحت أتمشى إلى بداية الشارع، ثم عدت وتوقفت أمام البيت من جديد.
طرقت الباب، وبعد قليل خرجتْ هي طافحة بالنور والبهجة، ولما رأتني تفاجأت، أشرت لها بالسكوت بوضع سبابتي على فمي، كانت تريد الطيران من فرط فرحتها، وهي تنظر بعيني بدهشة واشتياق، ثم سألتها:
"هل هاذا بيت فلان؟ " باسم غريب
" لا أننا بيت أبو أحمد."
همست لها بأني سألتقي بها الساعة الرابعة عصراً في رأس الزقاق، فأجابتني بأنها لا تستطيع الخروج عصراً بل غداً الساعة التاسعة صباحاً قرب البريد، سمعتُ صوت عمتها تناديها وتسألها عن الطارق فأجابتها وهي ما تزال في عتبة الباب:
" أنه شخص غريب يسأل عن بيت أبو حسنين"
فردت عليها عمتها:
" ليس هناك أحد بهذا الاسم في شارعنا.
ثم ودعتها بقبلة هوائية من فمي، وردت هي الأخرى بقبلة لي.
مضيت وأنا على طول الشارع ألتفت لها فأراها ما تزال واقفة في عتبة الباب تنظر إلي حتى انعطفتُ في الشارع وعدتُ إلى الفندق.
لم أستطع مفارقة التفكير بها. ولم يفارقني صدى خيالها، ورحت أسترجع مشاعرها واحاسيسها وهي تنظر بعيني بفرح ممزوج بألم وفراق واشتياق، وفي دخيلتها كلام كثير وقصص عن ذلك الزواج وما خلفه الفراق من حزن دفين.
كان الوقت يمر طويلاً يقدر بشهور وأنا أعد الساعات والدقائق وهو متوقف لا يريد المضي، درت في شارع الرشيد أستدكر أيام دراستي الجامعية، ومساء قصدت شارع أبي نؤاس، شربت قليلاً وتناولت بعض اللحوم المشوية وعدت إلى الفندق.
غادرني النوم تلك الليلة، وبقيت أتقلب في فراشي حتى الصباح، جهزت نفسي ورحت أنتظرها قرب البريد، في الساعة التاسعة بالضبط حضرت، ومن هناك رحنا إلى بيت أقاربي، حدثتني كثيراً ومارسنا الجنس ثم عدنا، وفي الطريق نصحتها أن تضغط على زوجها لأجراء معاملة النقل من دار المعلمات في العمارة إلى دار المعلمات في بغداد.
ما أن سجلتُ مباشرتي في تربية ميسان حتى حصلت لي مشكلة مع أحد أعضاء حزب البعث، نُقِلتُ على أثرها إلى مديرية محافظة ديالى بأمر وزاري. باشرت هناك في بداية العام الدراسي، وكنت لا أبالي لهذه العقوبة بل صرتُ قريباً على حبيبتي. حيث سكنت مع ابنة خالتي وزوجها في منطقة القاهرة في بغداد وفي كل يوم أذهب إلى بعقوبة صباحاً وأعود بعد الظهر إلى بغداد
انتقلتْ سهام إلى دار المعلمات في بغداد في منطقة المنصور واشتركت مع بعض الطالبات بسيارة أجرة تنقلهم كل يوم إلى الدار وعند انتهاء الدوام تعود وتوزعهم على البيوت.
في المرة الثانية للقائي بها ذهبت إلى مدرستها في منطقة المنصور، وانتحلت صفة زوجها واخرجتها ومضيت بها إلى بيت ابنة خالتي مارست الجنس معها وقبل موعد انتهاء الدوام ارجعتها إلى البيت، ثم قصدت وزارة التربية وقدمت طلباً بنقلي إلى العمارة.
في المرة الثالثة وقفتُ قريباً من بيتهم وعند خروجها رأتني، وأخبرت سائق السيارة بأنها ستتعطل هذا اليوم من الدوام وعادت إلي، أخذتها إلى بيت ابنة خالتي، وكانت حاملاً في شهرها السادس، وهناك تمتعنا بصباح دافئ مفعم بالجنس.
بعد فترة صدر كتاب من وزارة التربية إلى مديرية تربية ديالى يدعوني بمقابلة السيد وكيل الوزارة لكني رفضت المثول عنده، ثم اتصل الوكيل هاتفيا بمدير التربية يدعوني بسرعة لمقابلة الوكيل دون تأخير. وقد منحني مدير التربية اجازة مفتوحة حتى اجراء المقابلة.
علمتنا السماء أن لا صفاء مطلق يسودها ولا غمام مطلق يلونها، فإنها رعناء متقلبة متذبذبة، في كل حين هي في شأن ولون، وفي كل زمن هي في حال، لا نأمن جوانبها ولا نسلم أوانها. فهي كبالون يغري الطفولة بألوانه وطوافه وفي لحظة ما ينفجر ليخلف صراخاً وألماً لهم.
قدمتُ إلى بغداد وقابلت وكيل وزارة التربية، وكان قد اطلع على ملفي الشخصي وأعجب فيه من خلال تقارير المشرفين وعدد التشكرات وفي اخلاصي بتأدية واجبي في التدريس على أتم وجه، وسألني في نهاية اللقاء عن رغبتي فأبديت له رغبتي في النقل إلى محافظتي العمارة.
انتهت المقابلة، وقد ارتاح لأجوبتي ووعدني بإنصاف حقي المشروع، وما دام مدير التربية منحني إجازة مفتوحة فكرت أولاً السفر إلى أهلي عدة أيام، سرعان ما بدلتُ رأيي وفكرت بملاقاة حبيبتي أولاً وبعدها أسافر للأهل في العمارة.
في اليوم التالي صباحاً كنت انتظرها في بداية شارعهم، ولما خرجت ورأتني تبادلنا التحية بالإشارات من بعيد، كنت سعيداً بقدومها، وكانت تبتسم لي، ولم يبقى بيننا سوى بعض خطوات لنلتقي، إلا أن ذلك اللقاء لم يتم .
كان زوجها قد علم بتفاصيل علاقتنا بطريقة ما، وراح يترقب ويتابع تحركاتها خفية وهي لا تدري بما بيته لها، وكان يحاول الإمساك بنا بالجرم المشهود، غير أنها وفي لحظة لقائنا حالتْ منها إلتفاتة فرأته يتابعها.
مباشرة تنحت عني ولم تلقي التحية بينما توجه هو نحوي بسكين صغيرة محاولا طعني، كنت في كل مرة أقابلها أحمل معي مسدس نوع (طارق) أخفيه تحت حزام البنطال من الخلف الجاكتة.
لما تقرب مني ورفع يده ماسكاً السكين تراجعت إلى الخلف سريعاً، واشهرت مسدسي نحوه ثم اطلقت رصاصة في الفضاء، فولى هارباً، تجمع الناس حولي وكان من بينهم رفاق في حزب البعث تنظيمات المنطقة.
تم التحقيق معي في الفرقة الحزبية وكانوا يتصورون أني أحد رفاق الحزب لحملي المسدس، ولكني اعترفت لهم بأني لست من أعضاء الحزب، فقاموا بتسليمي إلى أقرب مركز للشرطة.
بعد أسبوع أطلق سراحي من مركز الشرطة بكفالة أحد أقاربي في بغداد، بعد أن اخذت افادتي في التحقيق المبدئي في مركز الشرطة وتحويل ملف افادتي إلى القضاء، وحدد موعد المحاكمة في محكمة الكرخ.
في اليوم نفسه أجبرها زوجها وأهله على تقديم شكوى ضدي للتحرش بها وتحت الضغط والتهديد اخذوها إلى مركز الشرطة وقدمت الشكوى
عدتُ إلى أهلي واخبرتهم بالحادث، وقام كبار عشيرتنا بالاتصال بعشيرة أهل زوجها، وتم فصلهم بمبلغ مالي على اشهار المسدس بوجه زوجها على أن يتنازلوا عن دعواهم.
لكل شيء نهاية وكانت الفترة العصيبة بعد الحادث نهاية علاقتنا التي دامت سنين عديدة لا يمكن نسيانها بسهولة، ومن تلك اللحظة بدأتُ التفكير بوضع حد لتصرفاتي والركون إلى الاستقرار.
في اليوم المحدد للمحاكمة حضرت، ولما نودي باسمي دخلت قاعة المحكمة فسألني القاضي عن علاقتي بها، فنفيت معرفتي بها، ثم سألني عن تواجدي قريباً من بيتها فأجبته، بأني أبحث عن بيت كوني مدرس قدمت للجامعة لتكملة دراسة الماجستير. وعن سرقة حلقة زواجها التي أهدتها لي وقد احتفظت بها كذكرى لعلاقتنا الحميمة، فأجبته وهل يعقل هذا يا حضرة القاضي أن أسرق حلقة زواجها وأنا مدرس لدي راتب يكفيني وزيادة.
سكت القاضي ونظر بعيني غير مصدق لما أقول لكنه ارتأى الستر لنا، فصدر الحكم بمصادرة المسدس، وحرق ظرفا الإطلاقتين، علما بأني أطلقت اطلاقة واحدة، والسجن عامين مع وقف التنفيذ، وعلي الانتظار شهراً ليأخذ القرار الدرجة القطعية.
عدتُ إلى مدينتي وبعد مرور شهر ذهبت إلى المحكمة واستلمت كتاب الحكم، ومن هناك سافرت إلى مدينة بعقوبة سلمتُ كتاب الحكم فعدت إلى وظيفتي، وصُرِفتْ رواتبي، وفي الوقت نفسه بُلغتُ بصدور نقلي إلى مدينتي العمارة.
ركنت إلى الاستقرار والحكمة، سمعت باستشهاد زوجها في الحرب العراقية الإيرانية، وبعد مدة أشيع بأنها استشهدت بسيارة مفخخة، ومن ذلك الوقت يئست ورحت أبحث عن زوجة صالحة فساقها القدر إلي وعشت مع اسرتي بأمان.
بعد سنين عديدة فاجأني أخي الأصغر برؤية (سهام) في دائرة الأحوال المدنية في العمارة، لم اصدقه أولاً ولكن بتحرياتي الخاصة عرفتُ أنها اشاعة المقصود منها ابعادي عنها، فرحت لهاذا الخبر، وقد مضى قطار العمر يحمل المسافرين بأنينه وصرخات عجلاته.
الآن وأنا أكتب هذه القصة بلغت من العمر خمسة وسبعون عاماً، أي مر على قصتنا أكثر من خمسة وأربعين عاماً، ما أزال أتذكر تفاصيل تلك العلاقة بدقة، وكأنها حدثت بالأمس، أعيش عليها وكأنها جزءا من حياتي، وكم تمنيت أن تعود تلك الأيام، وأسير بها سيرة طيبة، نتزوج ونكون اسرة رائعة ونعيش في الأضواء بحب ووئام. رغم أني سعيد بزواجي وابنائي.