نتخيل المدينة الحلم .. نسبح في أوهام البحث عنها ..نهاجر إليها مبهورين ..نركب البحر والفضاء والصحاري .. نغوص في أكداس الكتب القديمة لكي نتبين معالمها أو نمس أسوارها, ولا نمس سوى السراب, ونضيع في متاهات التنظير, لشكلها الموعود, شوارعها, أزقتها, نسائها, أسواقها, مكتباتها, كنائسها, مساجدها ونسقط في براثن الواقع المر , فالمدن جميعها متماثلة مهما كبرت وامتدت, وتضاعف عدد سكانها , وارتفعت ناطحات السحاب لتعانق الغيوم, ولا تعانق البشر, فالإنسان في المدينة الجديدة, غريب يضاهي غريب ألبير كامي , مهما تأصل, ضائع لا يعرف لماذا قذف نفسه وسط هذا البحر الهائج.. يتلمس قدره.. وسط ركام أضواء الليزر الحارقة ..يتعرى كأغصان أشجار الخريف ..يعود إلى حلم انطونيو .. يغازل كليوباترا العاشقة..يقلب الصفحات .. يتأمل محاسنها, يقطع الأوراق الصفراء واحدة بعد أخرى , يصرخ , يتمرد ولا يجد غير صدى بعيد..بعيد ... يلون أيامه بأمل ضبابي, ولكن أصوات الترام, والقطارات القادمة عبر الأفق تقتحم الضباب كحيوان أسطوري مخيف, وتقترب نحوه بسرعة, يهرب أمامها, يرفع الراية, يستسلم لمصيره المظلم..يعلن انسحابه الكامل..يتراجع نحو الحي الصغير, يؤسس مملكته الصغيرة.. يرسم معالم حياته الجديدة.. فالحركة خارج هذا الحي محفوفة بالمخاطر والصعاب, وهي كبيرة من الكبائر ينبغي أن يحسب لها ألف حساب , ويتلاشى الحي الصغير يوما بعد آخر ليصير زقاقا أو عمارة سكنية ويضيق حتى يصل إلى حدود البيت المتواضع الذي يعيش فيه الإنسان وتموت الحركة وتتقلص حدودها, وتنسحب الحياة..تلونها أوراق الخريف الصفراء.. ويظل حلم البحث عن المدينة ..حلماً يهز شباك المخيلة الخاملة في ليالي الشتاء القاسية. للخروج من عنق الزجاجة المفروض, ويقاوم الفرد غربته, ويغتال رغباته الآنية, لدحض هيمنة العصر الجديد, وبالبحث عن منافذ , تنقذه من الأسرالمفروض, ومن السجن الرهيب, يستعير سلوك النمل, يقتات بالقليل, ليوفر لمعركته القادمة, ينتظر الأشهر الطويلة, وتنقشع الغيوم في الصيف ويحمل أمتعته ويرحل بعيدا عن البيت والحي , والمدينة القديمة , نحو أفق آخر بعيد , وتنطلق الجموع من كل فج عميق لتلاقي أسراب البشر القادمة من المدن الصناعية الكبرى في محطات الحافلات, تحمل فرح القهر والكبت و الحرمان .
ويتبخر سكان المدن ..تصير ركاما مخيفا, وتنحسر الحركة في الشوارع الخلفية وتختفي السيارات, وعواء الترام الذي يثير الشفقة, ويرحل فقراء محطات القطار المظلمة نحو الحدائق البعيدة .....
الإسكندرية تتحول إلى مدينة أخرى في الصيف لا أعرف أسمها, يغادرها سكانها ليتمكن الزوار الجدد من معانقتها بلا منافس..لكنها فاتنة لا تستكين لغزل عشاق جدد, ترفض بإصرار أن تكون معشوقة لطرف دون الآخر ..تفتح نوافذها و أبوابها .. تغني و تغازل حلم المغادرين و ترقص للقادمين.. تعالوا ... تعالوا ويستجيب الملايين لمدينة الحب, يتغير جلدها وتقتحمها أفواج الغرباء, لهجات متنافرة, وأزياء متناقضة, حيث لا تستطيع دور السينما أن تغمض عيونها, خوفا من المصير المجهول .... لكنها فاتنة في الشتاء ..أكثر رقة ووداعة , أليفة بسكانها القدم ..متسامحة..رحيمة...وإسكندرية أغنية عشقها أحمد فكرون....رائد الأغنية الحديثة في ليبيا فغنا لها..
جينالك والبلح أخضر
ومشينا والبلح أحمر
والشمس ضحكه هلاليه
آه يا اسكندرية
بحرك أزرق واصفر واحمر
والنسمه ماشيه بتتمختر
زي البنات ساعةْ المغرب
باحسّ بالفرح يقرّب
ويدق قلبي وأتذكَّر
يوم ما حبيتك إنتي
وآه يا اسكندرية
آه ولمّا .. آه ولمّا
لمّا باكون وِسْط اللمّه
يتوه كتير وسط الزحمه
لكن بشوف قلبك بيتي
ما انتي الهوا وانتي النسمه
معايا مهما بعيده كُنتي
وآه يا اسكندرية
نغم نسيمك مزاميري
مشيت معاكي مشاويري
وعشنا ياما في سفينه
بتلف من مينا لمينا
دايمًا الفرحه تجيبنا
نعيش سوا مهما بعدتي
وآه يا اسكندرية
لما أغني بكون موالك
ييجي النسيم يرسم عشاقك
بانيتيلي ياما قصور في رمالك
ده الحب عاش في القلب عشانك
عصفور في قلبي اللي نادالك
سهرانه دايمًا ولا نمتي
وآه يا اسكندرية
أما الغرباء, فالصيف حلمهم في هذه المدينة البهية التي تهجرهم طوال الشتاء... حتى يجدون أنفسهم بين أحضانها صيفاً ... يمارسون العشق بجنون يفوق جنون قيس .. و بجسارة روميو.. يقتربون من حلمهم المفقود .. يغازلوها كما لم يغازل رجل أنثى .. و لكنها عصية على القلوب .. شقية كطفلة يافعة , فهل تحتفظ لهم بالود أم تنقض عهدها ؟ لا أحد يدري ؟
ولكن من يعرف هذه الفاتنة, يعرف أن الحب فيها صعب المنال لأنها بحرية المزاج .. فلا تمنوا أنفسكم أيها الغرباء بالحلم, فالحلم كأمواجها متعدد الأشكال والألوان... والمدينة الحلم أبعد من أن تهب قلبها لعاشق واحد.
ويتبخر سكان المدن ..تصير ركاما مخيفا, وتنحسر الحركة في الشوارع الخلفية وتختفي السيارات, وعواء الترام الذي يثير الشفقة, ويرحل فقراء محطات القطار المظلمة نحو الحدائق البعيدة .....
الإسكندرية تتحول إلى مدينة أخرى في الصيف لا أعرف أسمها, يغادرها سكانها ليتمكن الزوار الجدد من معانقتها بلا منافس..لكنها فاتنة لا تستكين لغزل عشاق جدد, ترفض بإصرار أن تكون معشوقة لطرف دون الآخر ..تفتح نوافذها و أبوابها .. تغني و تغازل حلم المغادرين و ترقص للقادمين.. تعالوا ... تعالوا ويستجيب الملايين لمدينة الحب, يتغير جلدها وتقتحمها أفواج الغرباء, لهجات متنافرة, وأزياء متناقضة, حيث لا تستطيع دور السينما أن تغمض عيونها, خوفا من المصير المجهول .... لكنها فاتنة في الشتاء ..أكثر رقة ووداعة , أليفة بسكانها القدم ..متسامحة..رحيمة...وإسكندرية أغنية عشقها أحمد فكرون....رائد الأغنية الحديثة في ليبيا فغنا لها..
جينالك والبلح أخضر
ومشينا والبلح أحمر
والشمس ضحكه هلاليه
آه يا اسكندرية
بحرك أزرق واصفر واحمر
والنسمه ماشيه بتتمختر
زي البنات ساعةْ المغرب
باحسّ بالفرح يقرّب
ويدق قلبي وأتذكَّر
يوم ما حبيتك إنتي
وآه يا اسكندرية
آه ولمّا .. آه ولمّا
لمّا باكون وِسْط اللمّه
يتوه كتير وسط الزحمه
لكن بشوف قلبك بيتي
ما انتي الهوا وانتي النسمه
معايا مهما بعيده كُنتي
وآه يا اسكندرية
نغم نسيمك مزاميري
مشيت معاكي مشاويري
وعشنا ياما في سفينه
بتلف من مينا لمينا
دايمًا الفرحه تجيبنا
نعيش سوا مهما بعدتي
وآه يا اسكندرية
لما أغني بكون موالك
ييجي النسيم يرسم عشاقك
بانيتيلي ياما قصور في رمالك
ده الحب عاش في القلب عشانك
عصفور في قلبي اللي نادالك
سهرانه دايمًا ولا نمتي
وآه يا اسكندرية
أما الغرباء, فالصيف حلمهم في هذه المدينة البهية التي تهجرهم طوال الشتاء... حتى يجدون أنفسهم بين أحضانها صيفاً ... يمارسون العشق بجنون يفوق جنون قيس .. و بجسارة روميو.. يقتربون من حلمهم المفقود .. يغازلوها كما لم يغازل رجل أنثى .. و لكنها عصية على القلوب .. شقية كطفلة يافعة , فهل تحتفظ لهم بالود أم تنقض عهدها ؟ لا أحد يدري ؟
ولكن من يعرف هذه الفاتنة, يعرف أن الحب فيها صعب المنال لأنها بحرية المزاج .. فلا تمنوا أنفسكم أيها الغرباء بالحلم, فالحلم كأمواجها متعدد الأشكال والألوان... والمدينة الحلم أبعد من أن تهب قلبها لعاشق واحد.