ـ لماذا يضع هذا السيد قناعاً على نصف وجهه ؟ يا أبي
ـ حتى لا يأكل الذباب أنفه .
ـ لماذا تكذب على الصغير ؟ قالت الكلبة لزوجها الكلب
ـ لقد قلت له ما اعتقدته صحيحا ، فطالما ضايقني الذباب وأنا أحشر أنفي في ركام النفايات باحثا عن فضلات طعام ، وطالما فكرت في وسيلة أذود بها عن أنفي كي أبعد عنه تلك الحشرات الوقحة وها أن ذلك الشاب المهذب الأنيق والذي لم يرْمِنا بحجركَعَادة أبناء الزِّنا ، قد ذكرني بكيفية الذود عن وطن أنفي .
ـ إن ذلك القناع يسمى كِمامة والذي يلبسه يفترض أن يكون طبيباً ، قالت الأم لابْنِها الجرو ثم
أضافت ׃
ـ لقد رأيت الأطباء يلبسون الكمامات في مستشفى عمومي حيث كان يصحبني كلب مدير المشفى ، كان الكلب ابن أصُول ومدِينياً وكان الأكل متوفراً في بيت رئيس المستشفى ......
صرخ الجرو ׃
ـ أريد كمامة كي أصير طبيباً .
إضطجع على الأرض وشرع يتمرغ ويعوي ويَرْكل بقوائمه ، مرَّ رجل قريباً منه وسدَّد إليه نظرة أخْرَسَته ، كانت عينا الرجل جاحظتين و مخيفتين .
ـ إنتظر حتى يلتحق أبوك بعمله في المدينة ، ثم يشتري لك دزينة من الكمامات تكفيك لسنوات .
تابعت أسرة الكُليْب سيرها متوجهة خارج الحي حيث تضطجع حاويات مبقورة الأحشاء ومجردة من درَّاجاتها ، عجِب الكلب من خُلُو الدروب من الأطفال الذين كانوا سابقا يملؤونها بضجيجهم وسبابهم االمخل بالحياء وتَنابُزِهِم بألقاب ، أطلقوها على بعضهم البعض ، وهم يتقاذفون كرة مهترئة . كما لم يسمع أصوات بائعي السردين ينادون على بضاعتهم تتبعهم القطط الضالة طمعا في حسَك سردينة أو رأسها ، كما لاحظ أن محل الحلاق حميد كان مغلقاً ومن عادته في ذلك الوقت أن يكون قد كنَس الجَزَّة الأولى لأول زبون...وحده " سعيدٌ " البقال كان يبدو من خلف الكونطوان وهو يهرش رأسه الصلعاء .
المسالك داخل الحي شبه خالية ، والأرجل القليلة التي تخطر في الدروب كانت تلبس كماماتها وتتجنب المرور قرب بعضها البعض .
ـ إني جائع يا أمي!! قال الصغير .
ـ إننا نكاد نصل إلى حيث نتوجه ، قالت الكلبة وأضافت ׃
ـ اسرِعا إذن ، قبل أن يحضر النبَّاشون والمتشردون والمجانين ويمنعون عنا الحاويات .
لمّا أشرفوا على مكان صناديق القمامة ، تفاجؤوا إذ لاحظوا كثرة النفايات التي أحاطت بها
وامتدت على مساحة كبيرة ، لأن شركة تدبير قطاع النظافة لم تُخْل المكان من الأزبال
نظرا لإضراب عمال النظافة . كانت النَّثانَة لا تحتمل . فكر الكلب << ربما لهذا لَبِس سكان الحي الكمامات>> لكنه لم يكلم الكلبة في هذا الشأن خوفاً من أن تسِمَه ب "البلادة والغباء " كما عهدت أن تفعل لما يختلفان في شيء .
لمح الصغيروالأسْرة تقترب من المَطْرح ، شيئاً أثار إنتباهه جرى في اتجاهه ثم إلتقطه وطفق يصرخ ׃
ـ كمامة ! كمامة !
لبسها ثم استدار ناحية أمه
ـ كيف أبدو لك
ـ كجرو جميل . قالت الأم
شرع الأب والأم يتشممان ركام القمامة كان الصغير قد نسي أمر الجوع وتابع تغيير وضع الكمامة على وجهه إلى أن ثبَّتها على وضعية أخيرة أخفت معها خطمه ، مشى فوق كومات الأزبال إلى أن عثرعلى فردة جزمة مطاطية دخلها وَسَوَّى نفسه في وسطها ولم يعد يبدو منه غير وجهه المَخْفي خلف الكمامة ، تسلَّى بتأمل ما حوله ، كانت المزبلة غاصة بالحفاظات وأوراق المرحاض الصحية لكنها لم تَخْل من بعض فُضلات الطعام ، هذا ما خمَّنه لمَّا رأى والديه يقتسمان شيئاً ما ويلوكانه ، لكنه لم يهتم لذلك حيث أَسِرته السعادة التي إسْتشْعرها داخل الفردة الحذائية ولم يفق من غفلته إلا على صوتي والديه يدعوانه إلى الفرار .
ـ وآهرب آلمسخوط ، العتروس جاك .
ليس بعيدا منه ، يتقدم في اتجاهه شبح تعرَّف عليه من خلال سواد بشرة جدعه العاري وشعره الأشعث ثم من خلال سرواله الجينز القصير ، بصعوبة طَفر الجرو من فردة الحذاء وجرى ليلتحق بأبويه حيث ينتظرانه منخرطين في موجة من النباح الهستيري ، إستخرج العتروس حجرا من أحد جيوب سرواله ، قذفه في إتجاه الجرو ، مرَّ الحجر محادياً لإحدى أذنيه .
ـ بقى ليك من الطبيب غير لكمامة ، قريتي بْحَال الطبيب "آلمجحوم " . قال العتروس ساخراً وغاضباً ثم إلتقط قنينة صادفها أمامه بجانب إحدى الحاويات و رشق بها الجرو الذي كان قد أسلم ساقيه للريح ، لم تُخْطئه الزجاجة التي إستقرت على رأسه ، إزداد عواؤه وكان مروَعاً ويسمع أزيزاً داخل جمجمته ، وبدت له المسافة التي تفصله عن أهله ، أبَدِية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحماد بوتالوحت
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1205811619764141&id=100010059425273
ـ حتى لا يأكل الذباب أنفه .
ـ لماذا تكذب على الصغير ؟ قالت الكلبة لزوجها الكلب
ـ لقد قلت له ما اعتقدته صحيحا ، فطالما ضايقني الذباب وأنا أحشر أنفي في ركام النفايات باحثا عن فضلات طعام ، وطالما فكرت في وسيلة أذود بها عن أنفي كي أبعد عنه تلك الحشرات الوقحة وها أن ذلك الشاب المهذب الأنيق والذي لم يرْمِنا بحجركَعَادة أبناء الزِّنا ، قد ذكرني بكيفية الذود عن وطن أنفي .
ـ إن ذلك القناع يسمى كِمامة والذي يلبسه يفترض أن يكون طبيباً ، قالت الأم لابْنِها الجرو ثم
أضافت ׃
ـ لقد رأيت الأطباء يلبسون الكمامات في مستشفى عمومي حيث كان يصحبني كلب مدير المشفى ، كان الكلب ابن أصُول ومدِينياً وكان الأكل متوفراً في بيت رئيس المستشفى ......
صرخ الجرو ׃
ـ أريد كمامة كي أصير طبيباً .
إضطجع على الأرض وشرع يتمرغ ويعوي ويَرْكل بقوائمه ، مرَّ رجل قريباً منه وسدَّد إليه نظرة أخْرَسَته ، كانت عينا الرجل جاحظتين و مخيفتين .
ـ إنتظر حتى يلتحق أبوك بعمله في المدينة ، ثم يشتري لك دزينة من الكمامات تكفيك لسنوات .
تابعت أسرة الكُليْب سيرها متوجهة خارج الحي حيث تضطجع حاويات مبقورة الأحشاء ومجردة من درَّاجاتها ، عجِب الكلب من خُلُو الدروب من الأطفال الذين كانوا سابقا يملؤونها بضجيجهم وسبابهم االمخل بالحياء وتَنابُزِهِم بألقاب ، أطلقوها على بعضهم البعض ، وهم يتقاذفون كرة مهترئة . كما لم يسمع أصوات بائعي السردين ينادون على بضاعتهم تتبعهم القطط الضالة طمعا في حسَك سردينة أو رأسها ، كما لاحظ أن محل الحلاق حميد كان مغلقاً ومن عادته في ذلك الوقت أن يكون قد كنَس الجَزَّة الأولى لأول زبون...وحده " سعيدٌ " البقال كان يبدو من خلف الكونطوان وهو يهرش رأسه الصلعاء .
المسالك داخل الحي شبه خالية ، والأرجل القليلة التي تخطر في الدروب كانت تلبس كماماتها وتتجنب المرور قرب بعضها البعض .
ـ إني جائع يا أمي!! قال الصغير .
ـ إننا نكاد نصل إلى حيث نتوجه ، قالت الكلبة وأضافت ׃
ـ اسرِعا إذن ، قبل أن يحضر النبَّاشون والمتشردون والمجانين ويمنعون عنا الحاويات .
لمّا أشرفوا على مكان صناديق القمامة ، تفاجؤوا إذ لاحظوا كثرة النفايات التي أحاطت بها
وامتدت على مساحة كبيرة ، لأن شركة تدبير قطاع النظافة لم تُخْل المكان من الأزبال
نظرا لإضراب عمال النظافة . كانت النَّثانَة لا تحتمل . فكر الكلب << ربما لهذا لَبِس سكان الحي الكمامات>> لكنه لم يكلم الكلبة في هذا الشأن خوفاً من أن تسِمَه ب "البلادة والغباء " كما عهدت أن تفعل لما يختلفان في شيء .
لمح الصغيروالأسْرة تقترب من المَطْرح ، شيئاً أثار إنتباهه جرى في اتجاهه ثم إلتقطه وطفق يصرخ ׃
ـ كمامة ! كمامة !
لبسها ثم استدار ناحية أمه
ـ كيف أبدو لك
ـ كجرو جميل . قالت الأم
شرع الأب والأم يتشممان ركام القمامة كان الصغير قد نسي أمر الجوع وتابع تغيير وضع الكمامة على وجهه إلى أن ثبَّتها على وضعية أخيرة أخفت معها خطمه ، مشى فوق كومات الأزبال إلى أن عثرعلى فردة جزمة مطاطية دخلها وَسَوَّى نفسه في وسطها ولم يعد يبدو منه غير وجهه المَخْفي خلف الكمامة ، تسلَّى بتأمل ما حوله ، كانت المزبلة غاصة بالحفاظات وأوراق المرحاض الصحية لكنها لم تَخْل من بعض فُضلات الطعام ، هذا ما خمَّنه لمَّا رأى والديه يقتسمان شيئاً ما ويلوكانه ، لكنه لم يهتم لذلك حيث أَسِرته السعادة التي إسْتشْعرها داخل الفردة الحذائية ولم يفق من غفلته إلا على صوتي والديه يدعوانه إلى الفرار .
ـ وآهرب آلمسخوط ، العتروس جاك .
ليس بعيدا منه ، يتقدم في اتجاهه شبح تعرَّف عليه من خلال سواد بشرة جدعه العاري وشعره الأشعث ثم من خلال سرواله الجينز القصير ، بصعوبة طَفر الجرو من فردة الحذاء وجرى ليلتحق بأبويه حيث ينتظرانه منخرطين في موجة من النباح الهستيري ، إستخرج العتروس حجرا من أحد جيوب سرواله ، قذفه في إتجاه الجرو ، مرَّ الحجر محادياً لإحدى أذنيه .
ـ بقى ليك من الطبيب غير لكمامة ، قريتي بْحَال الطبيب "آلمجحوم " . قال العتروس ساخراً وغاضباً ثم إلتقط قنينة صادفها أمامه بجانب إحدى الحاويات و رشق بها الجرو الذي كان قد أسلم ساقيه للريح ، لم تُخْطئه الزجاجة التي إستقرت على رأسه ، إزداد عواؤه وكان مروَعاً ويسمع أزيزاً داخل جمجمته ، وبدت له المسافة التي تفصله عن أهله ، أبَدِية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحماد بوتالوحت
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1205811619764141&id=100010059425273