يتمطَّى سيِّد المكان فى كسل نافضاً عن نفسه عناء اليوم، تستنشق جزيئاته ذرات الهواء النقىّ... أغفو و أصحو على زمجرة غيلانه المتلاحقة ، تأتى من قلب الظلام لتنكسر سطوتها وتسقط صرعى على صخور الشاطئ ، لم أدعه يستمتع بوحدته لسويعات قليلة قبل شروق الشمس ، أردت أن أشاركه عزلته لأهنأ بعزلتى .
هناك فى الشرفة ، أراهم من مكانى يتبادلون السباب والمزاح ،دون أن تنتقل أعينهم عن الشاشات اللامعة ، التى انعكست إضاءتها على وجوههم ، تنشغل أمهم بترتيب ما أحدثوه من فوضى.
الظلام والهدوء يقطعهما من وقت لآخر صوت الموج الهادر ،وأصوات بعيدة لرواد الشاليهات، وددت لو ينشغل عنى العاملون على نظافة المكان. ما بين اليقظة والحلم، شعرت بخطواته المتثاقلة تقترب ببطء مكتوم على الرمال المبللة ، ( أصبح الجوّ بارداً...)، قالها وعدّل من وضع كوفيته حول رقبته، ظننت أنه لا يكلمنى حتى افترش الرمال فى وضع مقابل لى وأعاد جملته - وكأن البرد كان فى انتظار جملة الرجل حتى جعلنى أشعر به – وضعت منشفتى على كتفيّ ، مع الظلام وضعف الإضاءة القادمة من فنار قريب ، اختلطت أمام عينيّ الناعستين ملامحه ، فبدا وجهه حجرىٌ مصمت .
التفتُّ تلقائياً إلى الشرفة ، تبع نظراتى ،وهمهم بشئ ما لم أتبينه ، كان صوته مبحوحاً عميقاً كأنه يأتى من قلب الليل.
- ( أولادك ؟ ) ، ضاغطاً على الأحرف وببطء قالها ، مشيراً إلى الشرفة ،أومأت له بالإيجاب.
- ( فى الصيف الماضى كانوا هنا ،وكنت أنا فى الخارج لأعوام أجلب لهم المال ليستمتعوا ، ولم أستمتع أنا بهم)، قالها وأدار ظهره لى مواجهاً البحر ، وألقم الموج بضع حصوات .
بدّد بهدوئه وحديثه المقتضب رغبتى فى العزلة ، انتبهت فى جلستى ولم أقاطعه ، أردت أن أسمع ، لكنه لم يتكلم ثانية ، ومن حين لآخر يسعل سعالاً يرتج جسده معه ، يداعب الرمال بأصبعه السبّابة .
ثقيلاً ،بارداً كقطعة من الليل ، انكمش فى عزلته وتركنى لعزلتى من جديد ، أراه وقد صار طيفاً ذاب حضوره مع صمت المكان وهدوئه.
سحب الليل قناعه الأسود تدريجياً ليسفر عن وجه النهار ، كادت الشمس أن تشرق ، هبّ الغريب واقفاً ، تابعت عيناى خطواته المتثاقلة، ألقى نظرة أخيرةعلى الشرفة - التى أصبحت خالية - ومشى دون سلام.
كان يسير باتجاه شروق الشمس التى رسمت حدود جسده أشعتها الوليدة ،وكأنها تبتلعه داخلها.
وقفت تاركاً المكان للقادمين ... لفت نظرى تلك الجملة المحفورة على الرمال والتى يحاول الموج الوصول إليها؛ ليطمسها ( يا بحر رجع لى ابنى تانى)، نظرت إلى حيث يسير ... كان يمضى نحو خط الأفق حيث تضع الشمس قبلتها الأولى على وجه الأرض ، قبل أن تسرع وتتربع على عرش السماء .
الرذاذ المالح يصفع خيالى الناعس لأرى تلك العوامة تراقص الموج ، وفى بقعة ما يوشوش البحر بأسراره الدفينة لذلك الجسد الصغير القابع فى جوفه.
رحاب محمد البسيونى
مصر
هناك فى الشرفة ، أراهم من مكانى يتبادلون السباب والمزاح ،دون أن تنتقل أعينهم عن الشاشات اللامعة ، التى انعكست إضاءتها على وجوههم ، تنشغل أمهم بترتيب ما أحدثوه من فوضى.
الظلام والهدوء يقطعهما من وقت لآخر صوت الموج الهادر ،وأصوات بعيدة لرواد الشاليهات، وددت لو ينشغل عنى العاملون على نظافة المكان. ما بين اليقظة والحلم، شعرت بخطواته المتثاقلة تقترب ببطء مكتوم على الرمال المبللة ، ( أصبح الجوّ بارداً...)، قالها وعدّل من وضع كوفيته حول رقبته، ظننت أنه لا يكلمنى حتى افترش الرمال فى وضع مقابل لى وأعاد جملته - وكأن البرد كان فى انتظار جملة الرجل حتى جعلنى أشعر به – وضعت منشفتى على كتفيّ ، مع الظلام وضعف الإضاءة القادمة من فنار قريب ، اختلطت أمام عينيّ الناعستين ملامحه ، فبدا وجهه حجرىٌ مصمت .
التفتُّ تلقائياً إلى الشرفة ، تبع نظراتى ،وهمهم بشئ ما لم أتبينه ، كان صوته مبحوحاً عميقاً كأنه يأتى من قلب الليل.
- ( أولادك ؟ ) ، ضاغطاً على الأحرف وببطء قالها ، مشيراً إلى الشرفة ،أومأت له بالإيجاب.
- ( فى الصيف الماضى كانوا هنا ،وكنت أنا فى الخارج لأعوام أجلب لهم المال ليستمتعوا ، ولم أستمتع أنا بهم)، قالها وأدار ظهره لى مواجهاً البحر ، وألقم الموج بضع حصوات .
بدّد بهدوئه وحديثه المقتضب رغبتى فى العزلة ، انتبهت فى جلستى ولم أقاطعه ، أردت أن أسمع ، لكنه لم يتكلم ثانية ، ومن حين لآخر يسعل سعالاً يرتج جسده معه ، يداعب الرمال بأصبعه السبّابة .
ثقيلاً ،بارداً كقطعة من الليل ، انكمش فى عزلته وتركنى لعزلتى من جديد ، أراه وقد صار طيفاً ذاب حضوره مع صمت المكان وهدوئه.
سحب الليل قناعه الأسود تدريجياً ليسفر عن وجه النهار ، كادت الشمس أن تشرق ، هبّ الغريب واقفاً ، تابعت عيناى خطواته المتثاقلة، ألقى نظرة أخيرةعلى الشرفة - التى أصبحت خالية - ومشى دون سلام.
كان يسير باتجاه شروق الشمس التى رسمت حدود جسده أشعتها الوليدة ،وكأنها تبتلعه داخلها.
وقفت تاركاً المكان للقادمين ... لفت نظرى تلك الجملة المحفورة على الرمال والتى يحاول الموج الوصول إليها؛ ليطمسها ( يا بحر رجع لى ابنى تانى)، نظرت إلى حيث يسير ... كان يمضى نحو خط الأفق حيث تضع الشمس قبلتها الأولى على وجه الأرض ، قبل أن تسرع وتتربع على عرش السماء .
الرذاذ المالح يصفع خيالى الناعس لأرى تلك العوامة تراقص الموج ، وفى بقعة ما يوشوش البحر بأسراره الدفينة لذلك الجسد الصغير القابع فى جوفه.
رحاب محمد البسيونى
مصر