مقتطف محمود شاهين - (10) فاسق وبغي وقوّاد!

( الفصل العاشر من رواية قصة الخلق )

( خاص بمن هم فوق سن العشرين )

مساعدة محمود أبو الجدايل ولمى لأم بشير، فتحت لها نافذة مشرقة على الحياة، لم تكن تحلم بها ، غير أنها كانت محاصرة ممن يستغلون ظروفها . فكرت في أن تلجأ إليهما لعلهما ينقذانها من وضع فظيع . وهما بدورهما كانا يفكران في ما ستؤول إليه حياتها بعد وقوفهما معها ، فهل ستتوقف عن ممارسة الدعارة إذا كانت تمارسها ؟ وما هو عملها الآخر إن لم تكن تعمل في الدعارة؟ محمود كان متفائلا "بدت لي سيدة طيبة ويستحيل أن تستمر في الدعارة إن كانت تمارسها ، طالما شعرت بوقوفنا معها" وكان هذا إحساس لمى أيضا ، التي طلب إليها محمود أن تتابع أحوالها قدر الامكان .

منذ الليلة الأولى لزيارتهما ، شرعت أم بشير في كتابة ما اعتبرته مأساتها ، لإحساسها بأنها لا تستطيع التحدث إلى محمود أو حتى إلى لمى بشكل مباشر ، ثم إنها لا تريد أن تثقل عليهما بشغل وقتهما .. وحين اتصلت بها لمى بعد بضعة أيام للإطمئنان عليها ، قالت لها أنها في حاجة إلى مساعدتهما ، وأنها كتبت رسالة إليها ، تتحدث فيها عن واقعها .

أرسلت لمى سائقا حمّلت سيارته بمواد تموينية للأسرة ، وحمّلته أم بشير سلامات حارة للسيد والسيدة .

جلست لمى إلى جوار محمود في صالون بيته . فضت غلاف الرسالة التي كانت موجهة إليها، وشرعت في القراءة على مسمع محمود :

سيدتي الفاضلة . لا يسعني في هذه الرسالة إلا أن أتقدم إليك بجزيل شكري وامتناني ، على ما قدمته لي مع السيد العظيم محمود أبو الجدايل . لا تلوميني سيدتي إذا ما رأيتُ ألوهة في الرجل الذي اختار دون غيره أن يقف مع أسرة من حاول قتله. ولا تلوميني سيدتي إذا ما رأيت ألوهة فيك أيضا . فأنتما لا تعرفان مدى الذّل الذي كنت أرزح وأطفالي تحته ، وقد لا تعرفان أن مساعدتكما لنا كانت بوارق أمل أنارت طرقها في غياهب ظلام أيامنا . فاسمحي لي يا سيدتي أن أنحني على قدميك أيضا لأقبلهما تقرّبا إلى ألوهية أراها فيك !

أنا يا سيدتي سليلة أسرة تدين ببقائها إلى خم دجاج ! كانت أمي طفلة في حدود الخامسة من عمرها ، حين داهمت عصابات الأرغون وشتيرن بلدة دير ياسين عام 1948 بعد استشهاد القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني، وشرعت في بقر البطون وقلع العيون وقطع الرؤوس والأيدي والأرجل والآذان، في أفظع مجزرة من مجموعة مجازر قامت بها هذه العصابات وغيرها .. خبأت جدتي أمي في خم الدجاج ، وطلبت إليها أن تكتم أنفاسها حتى لا يذبحها اليهود، ولا تحاول الخروج أبدا مهما طال الزمن، إلى أن يأتي من يخرجها. كان معظم رجال العائلة وبينهم جدي وأخوالي الثلاثة قد استشهدوا في الدفاع عن القرية حسب ما عرفت من أمي ، أما من بقي حيأ منهم فقد أعدم ، ولم تذكر مدونات التاريخ أن رجلا واحدا قد نجا من القرية . أما جدتي وباقي الفتيات والنساء فقد قتل معظمهن، ونكّل بأخريات، واغتصب بعض الفتيات والنساء منهن ! لم ينج من عائلتنا امرأة أو فتاة ، ممن نكّل بهن وطردن شبه عاريات إلى الأحياء العربية من القس.

ظلت أمي مختبئة في خم الدجاج لقرابة ست ساعات . حين سمعت لغطا بعد قليل من الهدوء . كانت العصابات قد انسحبت من البلدة بعد أن دمرت كل شيء حتى المدرسة والمسجد . وألقت بعض الجثث والأوصال في بئر .. دخل الصليب الأحمر إلى البلدة وراح يجمع الجثث ويبحث عن أحياء فيها .. عثروا على بعض الأطفال الذين خبأهم أهلهم في أخمام الدجاج أو تحت ألقان العجين أو في الطوابين ومذاود الحمير، أو في جحور وحفر في أحياء البلدة .. كانت أمي من هؤلاء الأطفال ، فوجئت بالخم يفتح وأيدي تمتد لأخذها ، شرعت في الصراخ . هدأها صوت امرأة طالبا إليها أن لا تخاف . كانت أمي تتمتع بذاكرة قوية وتتذكر أيام طفولتها وهي ترويها لي ، ومن أهمها ذلك اليوم الرهيب في خم الدجاج .

انتهت أمي مع بعض الأطفال إلى دار للأيتام ، وضعهم الصليب الأحمرفيها . وظلت تدرس وتعمل في هذه الدار إلى أن تزوجت من شاب دون أن تكمل تعليمها ؟ نزحت مع الشاب على أثر حرب 1967 إلى الضفة الشرقية . أقاما في مخيم البقعة للاجئين . لم تنجب من الشاب ، ما دفع إلى الاعتقاد أنها عاقر، وهي لم تكن كذلك . كان العقر من الشاب. سافر الشاب إلى لبنان بحثا عن عمل . ووعد أمي أنه سيعود ويصحبها ما أن يستقر هناك ، لكنه لم يعد حتى يومنا . وبقيت أمي وحدها ، تقيم في خيمة دون معين لها في الحياة . راحت تبحث عن عمل في فنادق عمان ، عثرت بعد أيام من البحث، على عمل ، كعاملة تنظيفات في أحد الفنادق . تركت خيمة البقعة واستأجرت غرفة في مخيم الوحدات . تعرفت إلى شاب كان يعمل نادلا في الفندق الذي تعمل فيه ، تزوجت منه بعد بضعة أعوام . ومن سوء حظها أنه غادر إلى لبنان بحثا عن عمل هو الآخر ولم يعد ، فقد انضم إلى فصيل فلسطيني ليستشهد في حرب 1982على الفلسطينيين في لبنان. بعد مغادرة الزوج بأيام تبين أنها حامل بي . وهكذا جئت إلى الحياة عام 1981 في مخيم الوحدات. درست في مدارس المخيم حتى أنهيت المرحلة الاعدادية ، وخرجت إلى العمل لمساعدة أمي ، التي كانت تعاني من أمراض مختلفة بين فترة وأخرى ، وحين كانت تستريح في البيت لبضعة أيام ،كنت أذهب للعمل بدلا عنها. تعرضت لمحاولة اغتصاب من قبل صاحب الفندق . نجحت بما أوتيت من قوة في منعه من فض بكارتي ، التي تعلمت أن شرفي يكمن فيها !! لم أخبر أمي بما حدث معي حتى لا أضاعف معاناتها من الاكتئاب والتهابات القولون والمعدة والأمعاء وغير ذلك من الأمراض. وتوقعت أن تكون أمي قد تعرضت للأمر نفسه ، أوأنها قبلت على مضض أن تقيم علاقة معه. وهذا ما قبلت به أنا أيضا مرغمة ، شريطة أن لا يفتض بكارتي ! وهذا ما لم يصمد طويلأ أمام قسوة الحياة ، وعدم وجود من يحميني وأمّي ، ليغدو كل جسدي مباحا لهذا العجوزالقذر!



رحلت أمي عن الدنيا بعد قرابة خمسة أعوام من مكابدتها مع امراض مختلفة . ساعدني بعض أهل الخير على دفنها .. وبدأ المدير وهو يتخطى السبعين من عمره، يقلل من استدعائي إلى غرفة نومه ليعبث بجسدي بما لا يخطر على بال !

قرابة ثلاث سنوات فقط كانت تفصلني عن سن الثلاثين، دون أن أعرف أي شيئ عن مستقبل حياتي، بعد رحيل هذا العجوز الذي كان يغتصبني منذ اثني عشرعاما. في جلسة بعد ممارسة مقبولة معي ، بدا لي خلالها هادئا ، طرحت عليه ما كنت قد طرحته عليه من قبل ، أن يكتب لي عقد زواج بأي شكل ، يثبت أنني كنت متزوجة، حتى أجد تبريرا لعدم عذريتي إذا ما تقدم إليّ أحد للزواج . وأقسمت له أنني لن أطلع اسرته على هذا العقد، ولن أطالب بأية حقوق. وافق . أحضر لي بعد أيام عقد نكاح عرفي بتوقيع شيخ وشاهدين . وطلب إلي أن أوقع عليه بدوري ، بعد أن خربش بدوره ما يمكن أن يعتبر توقيعه. أراحني العقد نسبيا رغم قناعتي أن كل ما فيه لا صحة له ، إلا انتهاك جسدي من قبل هذا العجوز!

لم يمكث طويلا بعد ذلك اليوم . فقد مرض مرضة الموت .. الشيء الوحيد الذي يمكن أن أذكره له أنه أعطاني مبلغ خمسمائة دينار وصرفني من العمل ، ربما ليضمن ابتعادي عن أسرته ومعارفه ، مما قد يدفعني إلى البوح ببعض أسراره .

بدأت ولأول مرة في حياتي أشعر أنني أملك نفسي ولا أحد يستغلني ، وتمنيت لو أظل كذلك مدى حياتي . أقبلت على قراءة الروايات بنهم ، أعادتني رواية " الهجرة إلى الجحيم " لمحمود شاهين إلى تفاصيل مجزرة دير ياسين ، وخلال قراءتي لتفاصيل المجزرة كنت أتخيل طفولة أمي قابعة في عمق خم الدجاج ، وهي ترتجف وبالكاد تتنفس . ثمة تفاصيل لجرائم فظيعة اقشعر لها بدني. لم أتعاطف كثيرا مع هذا المهاجر البولندي وطفليه ، لكني تعاطفت مع الفنان الفلسطيني أبراهام ومع محبوبته التي ذبحت ( إيريس) ! وأحببت الفدائي فداء وراحيل التي غرقت في حبّه . تعيش تحررا تحسد عليه ..

أدهشني دوستويفسكي وهو يغوص في أعماق شخصياته لينشرها على الملأ .. حزنت على سونيا العاهرة في الجريمة والعقاب .. أحسست بمأساتها وعذاباتها .. وتعاطفت مع راسكولنيكوف رغم قتله للعجوز.

يأبى القدر أن يبقى بعيدا عنّا يا سيدتي ، فيحيك لنا مصائرنا في غيبة منّا .. كنت أشاهد خلال مروري أمام مقهى رصيفي مجاور لحارتي ، رجلا يجلس أمام كنبة صغيرة على زاوية المقهى يدخن الأرجيلة . ما أن أطل من رأس الحارة حتى أحس بعينيه ترقبانني. مرة واحدة أدرت وجهي قليلا نحوه وأنا أمر من أمامه فابتسم لي . تابعت طريقي دون أن أبتسم له طبعا ، لكن بالمقابل لم أرسم على شفتي ما يشير إلى أنني ضد أن يبتسم لي. فالإبتسامة تظل ابتسامة مهما كان ما تخفيه .. بعد بضعة أيام من تلك الابتسامة، زارتني سيدة مسنّة ادعت أنها خطّابة . سألتها عن عمر العريس وماذا يعمل . أجابت أنه في الخامسة والثلاثين وأنه يعمل في قصارة البناء.

قلت لها أن لا مانع لدي أن أتعرف إليه. فاجأتني حين قالت لي أنني أعرفه، فهو رجل الأرجيلة إياه . طلبت إليها أن تحضره معها في زيارة ثانية . وهذا ما تم . يلتقي الرجل معي بانتمائه إلى أسرة فلسطينية استشهد معيلها في حرب 48، ونزحت الزوجة مع ابن وابنة إلى الضفة الشرقية . وهو ابن لهذه الابنة . أما الابن فقد استشهد في عملية فدائية . والأب كذلك . ولم يبق من الأسرة غيره على قيد الحياة . ربما كان لمجموعة هذه النقاط النكبوية بيننا، دور في موافقتي على الارتبا ط به . لم ينل من التعليم إلا الابتدائية ، وليس لديه أي اهتمامات ثقافية . لم يكن وسيما ، غير أن شكله كان مقبولا . يدخن بشراهة، وهذا أول شيء كرهته فيه بعد الزواج . أما الشيء الثاني الذي كرهته فيه، فكان شبقه ، يمارس الجنس مرتين في اليوم كحد أدنى. ودون أي اعتبار لوجودي معه كشريكة في العملية، إلا بما يؤجج رغبته ، كأن أقوم بأوضاع معينة يحبها ، أو أتلفظ بتعابير وقحة يطلبها، تشير إلى سلطته المطلقة على كل عضو في جسدي، ليغدو جسدي مجرد وعاء يطفئ شهوته فيه خلال دقائق محدودة ، دون أي اهتمام لحاجات هذا الجسد. وحين أكون مريضة يلجأ إلى الاستمناء على جسدي أويقوم بفعله في فمي، أو يبحث عن عاهرة عبر صديق له، عرفت فيما بعد أنه قواد ، ومن أغرب وأعجب وأفظع ما حدث لي أن يصبح هذا القوّاد، قوادا لي أيضا، بعد أن ضاقت الحياة في وجهي وجاع أولادي على أثراعتقال هذا الزوج البائس بعد محاولته اغتيال الكاتب محمود أبو الجدايل .

قد ترغبين في أن أتعجل السرد يا سيدتي لتعرفي التحوّل الذي طرأ على زوجي حتى تحوّل إلى مدافع عن الله . وها أنا أفعل ياسيدتي ، ولإحساسي أنني أطلت عليك في المقدمة .

لم يكن لزوجي البائس أي اهتمامات دينية على الاطلاق ، إلى أن تعرف إلى شيخ يدعي أنه من أصحاب الدعوة ، ومن دعاة العودة إلى الاسلام الصحيح الذي لم يعد يتبعه أحد ، ولذلك ضاعت فلسطين ، كما ضاعت انتصارات المسلمين .. لا أعرف كيف استطاع هذا الرجل أن يقلب حياة زوجي رأسا على عقب . كان أول شيء فعله هو أنه حطم التلفاز ، وقال إنه لا يريد أن يرى صورا أو يسمع موسيقى أو يستمع إلى أغان . فكل هذه المسائل محرمة في الاسلام ! وفرض علي وعلى طفلتنا الحجاب خارج البيت . وأدمن الصلاة وقراءة القرآن، وغير نوع لباسه إلى ما يعتقد أنه لباس صحابة النبي. وراح يستشعر في نفسه أنه صحابي ومن صحابة الرسول . أما عن سلوكه الجنسي فلم يتغير شيء على الاطلاق . بل ازداد الأمر سوءا ، حين أقنعه الشيخ ، أنه يحق للمسلم أن يبيح لصديقه المسلم، ممارسة الجنس مع زوجته . وهكذا أصبح الشيخ يضاجعني على مرأى عيني زوجي أحيانا ، وبوحشية فاقت وحشية زوجي ، إلى حد أنني أشعر بالاختناق في كل مرة يضاجعني ، بينما زوجي يتمتع وهو يراني أكاد أختنق من قضيب هذا القذر!

لم أكن أعرف أنني امرأة ضعيفة إلى هذا الحد يا سيدتي . وأن المقاومة السلبية مهما بلغت من الشدة تبقى سلبية ، وأنه لا مجال في هذه الحال إلا للرفض المطلق ، وليس تقبل الأمر بالإكراه أو على مضض! ربما كان للأطفال دورفي تقبل هذا الذل، فلم أكن أتصور أن أرى أطفالي مشردين.

كانت هذه حالي قبل عملية الاغتيال . أما بعدها فقد كانت أسوأ بكثير . فقبل عملية الاغتيال لم أكن مسؤولة عن إعالة الأطفال . أما بعدها فقد أصبحت أنا المسؤولة في مجتمع لا يرحم يا سيدتي .

كثر الحديث في المجتمع عن الكفر والإلحاد ، وكثرت بالمقابل عمليات الإرهاب التي كان من أبرزها اغتيال الكاتب ناهض حتر. وبدأ اسم محمود أبو الجدايل يتردد بين زوجي وأصدقائه كملحد لا بد من قتله دفاعا عن الله ، لينعموا بدخول الجنة حيث الحياة الأبدية مع حور العين في ظلال العرش الإلهي !! الربط بين الأمرين لم يكن يتم علانية ، لكن حديث الجنة وحور العين كان أمتع الأحاديث في سهرات زوجي مع أصدقائه المؤمنين . فجأة أصبح هؤلاء البشر على استعداد لبيع الدنيا بما فيها مقابل ذلك .. والطريق إلى الجنة ليست إلا الجهاد في سبيل الله ! ولا شك أن قتل ملحد ، أو كافر، جهاد ، حسبما يعتقدون .

فاجأتني محاولة اغتيال محمود أبو الجدايل كما فاجأت كثيرين . لا أعرف كيف حصل زوجي على مسدس ومتى . ولم يلمح إلى ذلك إطلاقا أمامي. ولم يبد عليه أنه قلق علي أو على أولاده ، فنحن لم نعد أكثر من متاع دنيا لا حاجة له به !

هنا بدأت مصيبتي الفظيعة يا سيدتي. لم يترك زوجي مالا لدينا إلا ما يكفينا لبضعة أيام .. وكان علي أن أتدبر الأمر بسرعة . فكرت في البحث عن عمل مهما كان ، لكني احترت في أمر الأطفال. فكيف سأوفق بين العمل وتربية الأطفال؟ ومع ذلك حاولت ، إنما دون جدوى، لم أعثر على أي عمل . لجأت إلى هذا الشيخ الفاسق الذي يضاجعني ويفرض علي ما لا يتصوره عقل خلال الممارسة . خصص لي مبلغ ثلاثين دينارا في الشهر، واشترط علي أن أمتعه أكثر ليزيد المبلغ .. آه آه يا سيدتي ، ماذا أفعل لهذا الفاسق لأمتعه أكثر، فجسدي كله مباح له ليعبث به كيفما يشاء، هل أسجد لقضيبه ؟ سجدت يا سيدتي ولم يبق إلا أن أصلي له ، وأقول فيه شعراً! كفرت بالحياة ، وبالآلهة ، وبالدول ، وبالبشر، يا سيدتي ، ولم يمنعني من الانتحار إلا وجود الأطفال ، رغم أن إعالتهم بهذه الطريقة ليست إلا شكلاً آخر للإنتحار، بل أسوأ أنواع الانتحار.

زارني القواد الذي لم أكن أعرف أنه قواد، محتجّاً بالإطمئنان على أحوال زوجة صديقه في غيابه في السجن . أعطاني عشرين دينارا ، ولم ينصرف قبل أن يضاجعني يا سيدتي..

أحمد الله أن هذا البائس الأحمق زوجي استطاع أن يتملك هذا المكان الصغير من الأرض وأن يبني فيه كوخا ، وإلا لأصبحت حياتنا جحيما ، فنحن على الأقل سلمنا من دفع أجرة بيت ، ولا ندفع إلا مقابل الكهرباء والماء وضريبة التلفاز المحطم ! وما تبقى لا يكفي لوأد جوع أسرة من أربعة أشخاص .. بدأ سوء التغذية يظهر عليّ أولا لأنني كنت أفضل صحة الأطفال على صحتي، لكنه لم يتأخر كثيرا حتى بدأ يظهر عليهم .

كان بعض أصحاب زوجي قد زاروني وضاجعوني ، بدافع من القواد نفسه، أو بدافع منهم ، ولم يكن من بين جميع من يعتبرون أصدقاء زوجي من زارني بدافع انساني ، كلهم كانوا يرغبون في مضاجعتي ، ولم تكن الصداقة إلا وهما لا وجود له على الإطلاق. والأمر نفسه لا يختلف عن أخوة الإيمان. إنه مجرد هراء. كهراء هذا الشيخ الفاسق .

صارحني القواد بأنه لم يطلب مني أتعابا مقابل مضاجعة بعض الأشخاص ، نظرا لظروفي الصعبة ، لكن من الآن فصاعدا لا بد من أتعاب إذا ما أحببت الاستمرار في العمل معه .. وافقت .. فالظروف قد تزداد سوءا .. وقد لا تصدقين أن حقوق القواد هي مناصفة معي يا سيدتي. فكان لا بد أن يلقي القواد علي محاضرة في أصول المهنة ، التي لم تعد مجرد فتح ساقين لرجل يولج قضيبه للحظات لينتشي وينصرف . لا، فالممارسة أنواع ، والرغبات أنواع وأشكال ، ولكل سعره . ويمكن تلخيص هذه الممارسات في ثلاثة أنواع : الممارسة الفرجية . والممارسة الدبرية . والممارسة الفموية . الممارسة الفرجية هي أرخص الممارسات . وسعرها عشرة دنانير . يأتي بعدها الممارسة الدبرية وسعرها عشرون دينارا ، ومن ثم تأتي الممارسة الفموية وسعرها ثلاثون دينارا ! الممارسة الكاملة للأنواع كلها سعرها خمسون دينارا !

لن أطيل الحديث يا سيدتي فثمة الكثير مما يتبع هذه الممارسات وقد يتطلب زيادة السعر .. وثمة ما يتعلق بالوقت الذي يمكنني أن أستقبل فيه زبونا أو أذهب إلى بيته ، ومسائل أخرى كثيرة تتعلق بالكم والكيف والزمن وغيرذلك ..

هذه حياتي باختصار يا سيدتي . لتعرفا مدى ما شكلته زيارتكما ومساعدتكما لي من انقاذ كان أشبه بحلم أسطوري لا يصدق . فهل تلومانني إذا ما اعتبرتكما إلهاً وإلهة ، وسط عالم وحشي أعيش فيه !

وإني لآمل يا سيدتي أن تتمكنا من مساعدتي لإنقاذي من براثن الفاسقين والقوادين والمتاجرين بالدين . وترك هذا المكان الذي لم أعد أحتمل بقائي وأولادي فيه ، لما شكله من أيام قهر وذل ومعاناة عشتها فيه . علما أنني سأقدم كل مساعدة ممكنة تطلبها مني القوى الأمنية، تتعلق بمعلومات عن هؤلاء الأشخاص الذين كان يتعامل معهم زوجي.

محبتي واحترامي سيدتي .

مجهولة الأب :

بشرى ابنة الغيب !

*******

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...