رسائل الأدباء رسالة من غرامشي الى جواليا شاخت

(فيينا) 6 آذار 1924

عزيزتي,

أود تقبيلك في عينيك ﻷجفف الدموع التي اكاد أراها, والتي اكاد اشعر بها على شفتي, كما في المرات السابقة التي جعلتك فيها مساوئي تبكين. إننا نسيء الى انفسنا; ويعذب أحدنا الاخر لاننا بعيدون واحدنا عن الاخر, وما عاد باستطاعتنا العيش هكذا. ولكنك تشعرين بيأس كبير, لماذا؟ لقد وعدتيني مرات عديدة انك ستكونين قوية, وأنا صدقتك, ومازلت اصدق انك قوية, أقوى مما تظنين,وكثيرا ما تكونين اقوى مني, وكل ما هنالك انني اعتدت حياة العزلة التي عشتها منذ طفولتي, واعتدت اخفاء مشاعري خلف قناع من الصلابة او خلف ابتسامة ساخرة. وهذا هو كل الفارق بيننا. ولقد ازعجني هذا لفترة طويلة. لفترة طويلة كانت حياتي مع الاخرين كتلة من التعقيدات, اشبه بضرب او قسمة على الرقم 7 لكل شعور حقيقي, خشية ان يعرف الاخرون شعوري الحقيقي. ثم, ما الذي منعني ان اصبح خرقة منشأة؟ انها غريزة العصيان التي اتجهت ضد الاغنياء عندما كنت ولدا صغيرا, ﻷني لم اكن استطيع متابعة الدراسة انا الذي حصلت على علامات كاملة في كل مواد الدراسة الابتدائية, بينما كان ابن اللحام . وابن الصيدلي وابن تاجر الاقمشة يستطيعون متابعة دراستهم. وتوسع هذا الشعور الداخلي ليشمل كل الاغنياء الذين يضطهدون فلاحي ساردينيا, وكنت انذاك افكر بضرورة النضال في سبيل الاستقلال الوطني للجزيرة. كم مرة ردتت فيها كلمة "الى البحر يا أبناء القارة". ثم عرفت الطبقة العمالية لمدينة صناعية, وفهمت ما كانت تعنيه حقيقة اشياء ماركس التي كنت قد قرأتها قبلا من قبيل الفضول الفكري , وهكذا أُغرمت بالحياة وبالنضال من اجل الطبقة العمالية. وكم من مرة سألت نفسي فيها اذا كان من الممكن لانسان ان يربط نفسه بجمهور معين اذا كان هذا الانسان ما استطاع ابدا ان يحب احدا, ولا حتى من اقربائه. واذا كان للمرء ان يحب جماعة اذا كان ما احب بعمق أيا من المخلوقات الانسانية الفردية! ألم يكن لهذا ان ينعكس على حياتي كمناضل؟ ألم يكن له ان يصيب بالعقم نوعيتي الثورية, وان ينزلها الى مرتبة الحالة الفكرية ومرتبة الحساب الرياضي فحسب؟ لقد فكرت كثيرا بهذه الامور, وعدت الى التفكير بها في هذه الايام, لأني فكرت بك كثيرا, وبأنك دخلت في حياتي فمنحتني الحب, ومنحتني ما كان ينقصني دوما فيجعلني سيء الخلق ومشتتا. أحبك كثيرا,يولكا, أحبك لدرجة لا الاحظ فيها اسائتي اليك في بعض الاحيان, لاني أنا بلا شعور.

كتبت اليك وطلبت منك المجيء لاني وجدت في رسائلك اشارة الى رغبة في المجئ. لقد فكرت انا ايضا بأهلك ولكن الا يمكنك المجي لبضعة شهور؟ هل تعتقدين انه سيستحيل عليك, ترك العائلة حتى لمدة محدودة ؟ كم هو رائع ان نأخذ فرصة جديدة للحياة معا, بسعادة, كل يوم, وكل ساعة, وكل دقيقة, وان يحب احدنا الاخر, وان يكون واحدنا قريبا من الاخر. لكأني اشعر بوجنتك تلتصق بوجنتي, وبيدي تداعب رأسك لتقول لك اني احبك حتى لو لم أمسك الفم عن الكلام.

تصاعد الدم الى رأسي عندما قرأت رسالتك. وانت تعرفين السبب. ولكن إشارتك مموهة وانا اشعر بالذوبان, لأني اريد ان اضحك وان اشعر انا ايضا بحياة جديدة توحد حياتينا اكثر مما هما فعلا موحدتان, يا حبيبتي الغالية جدا جدا.

استلم هذه الايام رسائل كثيرة من الرفاق الايطاليين. انهم يبحثون لدي عن الايمان والحماسة والارادة والقوة. يعتقدون اني نبع لا ينضب, واني في وضع لا يمكن ان تنقضي فيه هذه المؤهلات, بل وبكميات اوزع منها على الاخرين. وهم -في ايطاليا- في قلب الصراع الملتهب, ضائعون ونفسياتهم بالحضيض. اشعر بقلق عميق في بعض الاحيان. استلمت رسالة من رفيقة روسية تقيم في روما, وكانت رفيقة لروزا لوكسمبورغ وللييبكنيخت, ونجت انذاك بطريق الصدفة, او بالاحرى بجهد ارادي ضخم جدا امام المجزرة, هي ايضا تكتب لي وقد خذلتها الشجاعة, ويغمرها شعور بخيبة الامل. وهي ليست ايطالية. ولا يمكن ان يكون عندها تبرير لهذا الشعور.

انهم يطلبون الكثير مني , وينتظرون الحصول على الكثير, وهذا ما يؤثر فيي بشكل مدمر. لقد ساءت أوضاع الحزب كثيرا خلال الاشهر القليلة. لقد انسحب بورديغا للاعتزال في الاقينتينو, وتصرفه هذا أدى الى تعطبيل كل الية الحياة العامة للرفاق. لقد نجحت بالكاد في انقاذ البعض من هذه الحالة, ولكن هل هذا يكفي؟ ما زلت اذكر مشهدا رأيته ذات مرة في تورينو, خلال احتلال المصانع. كانت اللجنة العسكرية تناقش الحاجة التي قد تطرأ في اليوم التالي لانطلاق العمال في هجمة الى خارج المصنع. كان كل اعضاء اللجنة أشبه بالسكارى, وكانو يتماسكون بالايدي فيما بينهم. كانت المسؤولية تسحقهم وتطحنهم فتاتا. أحد هؤلاء الاعضاء في اللجنة, وكان قد حارب مدة خمس سنوات كطيار وواجه الموت مئات المرات قفز الى قدميه, فاهتز وكاد يقع ارضا. بضغط كبير على الاعصاب استطعت ان اتدخل واجعلهم يبتسمون, بنكتة مرحة, ثم اعتدهم الى الحالة الطبيعية والى العمل المثمر. ولكني ما عدت اليوم استطيع عمل الشيء نفسه. في حزبنا كلهم من الشباب, وبدلا من ان تؤدي ردات الفعل الى تلاحمهم فقد اكلت اعصابهم وارادتهم. وانا نفسي لماذا بقيت مريضا مدة طويلة, وما زال المرض يؤثر بي؟ كنت اشعر دائما ان حياتي معلقة بخيط رفيع, وأشعر ان هذا الخيط انقطع فجأة, بعد وصولي الى موسكو, عندما صرت في مكان امين استطيع البقاء فيه هادئا. اني بحاجة اليوم الى ان اكون في غاية القوة, ولكن كيف استطيع ذلك اذا كنتِ بعيدة عني وانتِ الجزء الاكبر مني؟ تعالي يولكا, ولو لفترة زمنية قصيرة, حتى اشعر بكِ قريبة مني, وحتى اتمكن من تحقيق قفزة في العمل أعلى بكثير ممت حققت حتى الان

أنطونيو
جوليا شاخت وابناء غرامشي juilia schakht gramsci sons

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...