( الفصل التاسع عشر من قصة الخلق )
أم بشير قررت أن تتخلى عن متعة الجسد، وأن تقتل الشهوة ما استطاعت ، وتتبتل إلى الله . فقد رأت من ذكورالرجال ما أثار اشمئزازها وسخطها إلى الأبد .. تحجبت وارتدت الزي الأسود الطويل . ولم يعد يبدو من جسمها غير وجهها وكفيها. تصلي الصلوات في أوقاتها وتتضرع إلى الله أن يبعد عنها كوابيس ليالي الزمن الزنيم ، ورؤية غابة من السوآت الذكورية تحاصرها وتشرع في الانقضاض عليها لتنهش جسدها دون رحمة ، متوغلة فيه إلى ما هو أبعد من حدود الممكن، إلى ما هو فظيع جداً ، مقابل بضعة الدنانيرالتي تقيت بها جوع أولادها .. حين تدهمها هذه الكوابيس توقظها من النوم ولا تدع إليه سبيلا .. وكانت تأمل من الصلاة والتبتل ما يبعدها عنها.. محمود أبو الجدايل طلب إلى أم أمل أن تعلمها الخياطة ، ليفتح لهما مشغلا تعتاش الأسرتان منه ، ويشغل بضع عاملات أيضا .. رأى محمود التبدل في حياتها ولم يتدخل فيها ، مدركا ما عانته في السنين السابقة ودوره في هذا التحوّل.. تستمع بشغف إلى الحوارات معه على قناة أفق المعرفة، وتقرأ بعض أفكاره وكتبه على الشبكة العنكبوتية ، وتعرف أن فهمه للألوهة مختلف ، ومع ذلك لم تستطع إلا أن تصلي ، وحين سألته رأيه في تبتلها ، قال لها بعض ما قاله لأم أمل ذات يوم " تبتلي طالما أن التبتل يريحك نفسياً" وهذا ما جعل إيمانها بفكره يزداد، فراحت تنذر صلاتها إلى إلهه، رغم أنها تقوم على طقس ومفردات يعودان إلى الإله في مفهومه الاسلامي.
*****
تتحسس لمى بطنها في محاولة لتلمس الجنين في رحمها والتودد إليه ، غير مصدقة أنها ستصبح أمّاً . تخاطب محمود:
- حبيبي هل تتصور أنني سأكون أمّاً ناجحة !
- ولماذا لا ؟ ماذا ينقصك لكي تكوني أمّا ؟
- لا أعرف ! أشعر أن الأمومة مسألة صعبة لا تقدر أي امرأة عليها !
- أكيد تتطلب مسؤولية وعناية بالمولود وما إلى ذلك ، لكن الأمر ليس بهذه الصعوبة .. المسألة تتعلق بالتكيف مع وضع جديد لم تعتادي عليه.
- آمل أن أنجح في الأمر.
- ستنجحين حبيبتي .. ليس في الأمر معجزة . وسأساعدك قدر استطاعتي .. وقد نحضر مربية للمولود إن فشلنا في العناية به !
- مربية ؟! مسألة لم تخطر على بالي ..
- قد تخطرفي وقتها !
مرت أسابيع لم يتلق فيها محمود أي تهديدات أو محاولات ارهابية ،وكأن اعتقال الشيخ ومن معه قد وضع حدّاً لها . إلى أن تلقى رسالة على الهاتف
تنذره بأن ساعته آزفة لا محالة ما لم يعلن توبته وعودته إلى الله ، ويوقف بث حلقات الزندقة على قناة أفق المعرفة . لم يخبر لمى بالرسالة ، ليبقيها بعيدة قدر الامكان عمّا يواجهه من مخاوف ، لكنه أخبر مسؤول الأمن الذي وعده باستمرار البحث عن هذه الجماعات الارهابية ، إلى أن يتم القضاء عليها.
الأحكام صدرت بسجن الشيخ خمسة عشر عاما مع الأشغال الشاقة لاتهامه بتشكيل خلية تخريبية وتحريضه على اغتيال محمود أبو الجدايل ! وصدرت بسجن القواد واثنين من الخلية عشرة أعوام مع الأشغال الشاقة . أما عقاب فقد حكم عليه ثلاثة عشر عاما مع الأشغال أيضا ، لانتمائه للخلية إياها ، ولاشتراكه في قتل شفق واغتصابها مع أخيها .. شفيق لم يثبت عليه الانتماء للخلية الارهابية التي يرأسها الشيخ الاب، لكن ثبت أنه اغتصب أخته شفق مع عقاب ومن ثم قام بذبحها ، فحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما مع الأشغال الشاقة. هذا الحكم أرضى كثيرين لأنه لم يأخذ بقصة القتل بدواعي الشرف ، وتجاهلها تماما، غير أنه لم يرض آخرين أيضا، كونه لم يصدر بالإعدام .
*****
أسيل وهي تطالع مقالات محمود أبو الجدايل على الشبكة العنكبوتية ، في محاولة للتحضير للحلقة القادمة من الحوارمعه ، رأت مقال تحت عنوان " التذبذب الكمي" يرد فيه على أحمد ماهر، تتوضح فيه نشأة الخلق وتطوره ، ربما بقدر أكبر مما جاء في الحوار مع محمود أبو الجدايل ، ومما جاء فيه :
"حين لم يكن في الوجود إلا العقل الطاقوي المطلق الذي يعبر عنه في الفيزياء التقليدية بالعدم أي الخلاء الخالي من العناصر المادية والزمكان ( الزمان- المكان ) قرر أن يكون شيئا فقام بعمل ما يعرف بالتذبذب الكمي في الفيزياء الكوانتية " وهو عبارة عن النشاط الذي تتأرجح فيه الطاقة في الفراغ كأمواج البحر، راقصة بين نشوء الجسيمات واندثارها في دورة مستمرة من الحياة والموت، تتفاعل فيها الأجسام الافتراضية التي تنتج من العقل الطاقوي في عربدة صاخبة مكتظة بالحياة " وهو ما يطلق عليه الفيزيائي الفلكي سليم زاروبي "التموج الهادر من نقطة لأختها" أي التذبذب الكمي . من هذا التذبذب وصراعاته نشأ الانفجار الكوني الذي جاء منه الوجود . أي نحن أمام وجود شبه عدمي ينشئ ذاته من عقل طاقوي. غير أن هذا العقل له قدرة على أن يوجد ذاته في مادة وطاقة مختلفتين . رغم انه عقل غير متطور. ويمكن القول إنه عقل بدائي .. وظل هذا العقل يعمل ويطور نفسه بنفسه طوال مليارات الأعوام قبل التذبذب الكمي وبعده ، وما عرفه العلم هو ما بعد الانفجار ولا يعرف ما قبله غير الخلاء العدمي ،إلى أن اكتشفت الفيزياء الكوانتية التذبذب الكمي .دامت عملية خلق العقل الطاقوي لأجسام مادية يتجسد فيها قرابة أربعة عشر مليار عام بعد الانفجار . وكان أفضل ما تجسدت فيه حتى يومنا هو الانسان . الذي منحه العقل الطاقوي الكوني الخالق عقله ليكون مشاركا له في عملية الخلق . فقد وجد العقل الطاقوي أنه غير قادر على بناء مدن وإنشاء صناعة وتطورعلوم وإقامة حضارة وخلق ثقافة . فكان لا بد من خلق الانسان ليضع عقله فيه، ليرى الخالق ( العقل الطاقوي ) ذاته فيه وليعمل معه على تطوير عملية الخلق نفسها، بما في ذلك فهم الخالق لنفسه . فعملية الخلق أصبحت تكاملية – بعد خلق الانسان - بين العقل الطاقوي والعقل الانساني الذي هو جزء من العقل الطاقوي الكوني .. وهذا يعني أن الوجود واحد وليس وجودين خالق ومخلوق . نحن أمام خالق يخلق نفسه بنفسه لنفسه . وأن غايته من الخلق التي لم تكتمل بعد بل إنها ما تزال تحبو، هي بناء حضارة انسانية تتحقق فيها قيم الخير والعدل والمحبة والجمال. وما الأفكار التي يطرحها البشرحول الأمر نفسه إلا أفكار الخالق نفسه . وكل فكر ظهر في التاريخ البشري هو بفعل طاقة هذا العقل الطاقوي .. وقد شاء هذا العقل الخالق أن يكون العقل مخيرا لا مسيرا لإغناء العقل الكلي الكوني ، فالحضارة لا يمكن أن تنشأ من عقل منغلق على نفسه . مشكلة الانسان أنه لا يدرك حتى يومنا الغاية من الوجود، وبالتالي الغاية من وجوده، وأن الألوهة (إن تقبل العقل الخالق أن تطلق عليه ) موجودة فيه "
وبعد أن قرأت أسيل المقال . قررت أن تطرق في الحلقة القادمة مع محمود أبو الجدايل مسألة الفكر وكيف يكون فكرا للإنسان وللقائم بالخلق في الوقت نفسه، من ضمن ستطرقه من مسائل معه .
****
أم بشير قررت أن تتخلى عن متعة الجسد، وأن تقتل الشهوة ما استطاعت ، وتتبتل إلى الله . فقد رأت من ذكورالرجال ما أثار اشمئزازها وسخطها إلى الأبد .. تحجبت وارتدت الزي الأسود الطويل . ولم يعد يبدو من جسمها غير وجهها وكفيها. تصلي الصلوات في أوقاتها وتتضرع إلى الله أن يبعد عنها كوابيس ليالي الزمن الزنيم ، ورؤية غابة من السوآت الذكورية تحاصرها وتشرع في الانقضاض عليها لتنهش جسدها دون رحمة ، متوغلة فيه إلى ما هو أبعد من حدود الممكن، إلى ما هو فظيع جداً ، مقابل بضعة الدنانيرالتي تقيت بها جوع أولادها .. حين تدهمها هذه الكوابيس توقظها من النوم ولا تدع إليه سبيلا .. وكانت تأمل من الصلاة والتبتل ما يبعدها عنها.. محمود أبو الجدايل طلب إلى أم أمل أن تعلمها الخياطة ، ليفتح لهما مشغلا تعتاش الأسرتان منه ، ويشغل بضع عاملات أيضا .. رأى محمود التبدل في حياتها ولم يتدخل فيها ، مدركا ما عانته في السنين السابقة ودوره في هذا التحوّل.. تستمع بشغف إلى الحوارات معه على قناة أفق المعرفة، وتقرأ بعض أفكاره وكتبه على الشبكة العنكبوتية ، وتعرف أن فهمه للألوهة مختلف ، ومع ذلك لم تستطع إلا أن تصلي ، وحين سألته رأيه في تبتلها ، قال لها بعض ما قاله لأم أمل ذات يوم " تبتلي طالما أن التبتل يريحك نفسياً" وهذا ما جعل إيمانها بفكره يزداد، فراحت تنذر صلاتها إلى إلهه، رغم أنها تقوم على طقس ومفردات يعودان إلى الإله في مفهومه الاسلامي.
*****
تتحسس لمى بطنها في محاولة لتلمس الجنين في رحمها والتودد إليه ، غير مصدقة أنها ستصبح أمّاً . تخاطب محمود:
- حبيبي هل تتصور أنني سأكون أمّاً ناجحة !
- ولماذا لا ؟ ماذا ينقصك لكي تكوني أمّا ؟
- لا أعرف ! أشعر أن الأمومة مسألة صعبة لا تقدر أي امرأة عليها !
- أكيد تتطلب مسؤولية وعناية بالمولود وما إلى ذلك ، لكن الأمر ليس بهذه الصعوبة .. المسألة تتعلق بالتكيف مع وضع جديد لم تعتادي عليه.
- آمل أن أنجح في الأمر.
- ستنجحين حبيبتي .. ليس في الأمر معجزة . وسأساعدك قدر استطاعتي .. وقد نحضر مربية للمولود إن فشلنا في العناية به !
- مربية ؟! مسألة لم تخطر على بالي ..
- قد تخطرفي وقتها !
مرت أسابيع لم يتلق فيها محمود أي تهديدات أو محاولات ارهابية ،وكأن اعتقال الشيخ ومن معه قد وضع حدّاً لها . إلى أن تلقى رسالة على الهاتف
تنذره بأن ساعته آزفة لا محالة ما لم يعلن توبته وعودته إلى الله ، ويوقف بث حلقات الزندقة على قناة أفق المعرفة . لم يخبر لمى بالرسالة ، ليبقيها بعيدة قدر الامكان عمّا يواجهه من مخاوف ، لكنه أخبر مسؤول الأمن الذي وعده باستمرار البحث عن هذه الجماعات الارهابية ، إلى أن يتم القضاء عليها.
الأحكام صدرت بسجن الشيخ خمسة عشر عاما مع الأشغال الشاقة لاتهامه بتشكيل خلية تخريبية وتحريضه على اغتيال محمود أبو الجدايل ! وصدرت بسجن القواد واثنين من الخلية عشرة أعوام مع الأشغال الشاقة . أما عقاب فقد حكم عليه ثلاثة عشر عاما مع الأشغال أيضا ، لانتمائه للخلية إياها ، ولاشتراكه في قتل شفق واغتصابها مع أخيها .. شفيق لم يثبت عليه الانتماء للخلية الارهابية التي يرأسها الشيخ الاب، لكن ثبت أنه اغتصب أخته شفق مع عقاب ومن ثم قام بذبحها ، فحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما مع الأشغال الشاقة. هذا الحكم أرضى كثيرين لأنه لم يأخذ بقصة القتل بدواعي الشرف ، وتجاهلها تماما، غير أنه لم يرض آخرين أيضا، كونه لم يصدر بالإعدام .
*****
أسيل وهي تطالع مقالات محمود أبو الجدايل على الشبكة العنكبوتية ، في محاولة للتحضير للحلقة القادمة من الحوارمعه ، رأت مقال تحت عنوان " التذبذب الكمي" يرد فيه على أحمد ماهر، تتوضح فيه نشأة الخلق وتطوره ، ربما بقدر أكبر مما جاء في الحوار مع محمود أبو الجدايل ، ومما جاء فيه :
"حين لم يكن في الوجود إلا العقل الطاقوي المطلق الذي يعبر عنه في الفيزياء التقليدية بالعدم أي الخلاء الخالي من العناصر المادية والزمكان ( الزمان- المكان ) قرر أن يكون شيئا فقام بعمل ما يعرف بالتذبذب الكمي في الفيزياء الكوانتية " وهو عبارة عن النشاط الذي تتأرجح فيه الطاقة في الفراغ كأمواج البحر، راقصة بين نشوء الجسيمات واندثارها في دورة مستمرة من الحياة والموت، تتفاعل فيها الأجسام الافتراضية التي تنتج من العقل الطاقوي في عربدة صاخبة مكتظة بالحياة " وهو ما يطلق عليه الفيزيائي الفلكي سليم زاروبي "التموج الهادر من نقطة لأختها" أي التذبذب الكمي . من هذا التذبذب وصراعاته نشأ الانفجار الكوني الذي جاء منه الوجود . أي نحن أمام وجود شبه عدمي ينشئ ذاته من عقل طاقوي. غير أن هذا العقل له قدرة على أن يوجد ذاته في مادة وطاقة مختلفتين . رغم انه عقل غير متطور. ويمكن القول إنه عقل بدائي .. وظل هذا العقل يعمل ويطور نفسه بنفسه طوال مليارات الأعوام قبل التذبذب الكمي وبعده ، وما عرفه العلم هو ما بعد الانفجار ولا يعرف ما قبله غير الخلاء العدمي ،إلى أن اكتشفت الفيزياء الكوانتية التذبذب الكمي .دامت عملية خلق العقل الطاقوي لأجسام مادية يتجسد فيها قرابة أربعة عشر مليار عام بعد الانفجار . وكان أفضل ما تجسدت فيه حتى يومنا هو الانسان . الذي منحه العقل الطاقوي الكوني الخالق عقله ليكون مشاركا له في عملية الخلق . فقد وجد العقل الطاقوي أنه غير قادر على بناء مدن وإنشاء صناعة وتطورعلوم وإقامة حضارة وخلق ثقافة . فكان لا بد من خلق الانسان ليضع عقله فيه، ليرى الخالق ( العقل الطاقوي ) ذاته فيه وليعمل معه على تطوير عملية الخلق نفسها، بما في ذلك فهم الخالق لنفسه . فعملية الخلق أصبحت تكاملية – بعد خلق الانسان - بين العقل الطاقوي والعقل الانساني الذي هو جزء من العقل الطاقوي الكوني .. وهذا يعني أن الوجود واحد وليس وجودين خالق ومخلوق . نحن أمام خالق يخلق نفسه بنفسه لنفسه . وأن غايته من الخلق التي لم تكتمل بعد بل إنها ما تزال تحبو، هي بناء حضارة انسانية تتحقق فيها قيم الخير والعدل والمحبة والجمال. وما الأفكار التي يطرحها البشرحول الأمر نفسه إلا أفكار الخالق نفسه . وكل فكر ظهر في التاريخ البشري هو بفعل طاقة هذا العقل الطاقوي .. وقد شاء هذا العقل الخالق أن يكون العقل مخيرا لا مسيرا لإغناء العقل الكلي الكوني ، فالحضارة لا يمكن أن تنشأ من عقل منغلق على نفسه . مشكلة الانسان أنه لا يدرك حتى يومنا الغاية من الوجود، وبالتالي الغاية من وجوده، وأن الألوهة (إن تقبل العقل الخالق أن تطلق عليه ) موجودة فيه "
وبعد أن قرأت أسيل المقال . قررت أن تطرق في الحلقة القادمة مع محمود أبو الجدايل مسألة الفكر وكيف يكون فكرا للإنسان وللقائم بالخلق في الوقت نفسه، من ضمن ستطرقه من مسائل معه .
****