كنتُ ذات ليلة أسير في شارع مظلم لا أعرفه، صدمتني آلية ضخمة، فتمزقتُ أشلاءً أتعبَت بعضَ المارةِ الأخيار في تجميعي، تصادف أنّ طبيباً شاباً حالماً يعيش منعزلا في الجوار، ينبعث من مسكنه ضوء خافت وصوت ملائكي.
وضعوني على طاولة العشاء المستطيلة، وولوا مسرعين، أشفقت على الشاب المسكين وهو ينفث من "غليون" أنيق معلق بفمه سحائب دخان خفيف أنعشتني، فابتسم فمي رغماً عني ..يبدو أنه كان سعيدا بقدرته على الابتسام.
كان الطبيب يهرش في شعره الناعم ويقلب وجهه في القطع المتناثرة، يقطب جبينه تارة ويفرده تارة، يغمغم يائساً تارة، ويتأوه متضامناً أخريات، لن أكون غاضباً منه لو تركني حتى ألفظ آخر شهقة من القلائل المتبقيات، ولكني صليت في سري أن ينجح ...لأنه يستحق،
ولم يكن بيدى الملقاة عند قدمي حيلة لأساعده بها، ولذا سُرّت جدا أجزائي حين فرك يديه الرقيقتين وغسلهما بالمطهر جيداً ثم ألبسهما ذلك "الجوانتي" المطاطي الأبيض، وشرع ينظف الدماء بخرقة كبيرة ثم بقطع صغيرة من القطن، وراح يطلق صفيراً متوائماً مع الأغنية الصادرة من "الريكوردر" الأنيق على الرفّ وسط كمية من الكتب الإنجليزية والألمانية والفرنسية وقليل منها باللغة العربية، فطن عقلي وهو يطل من الثقب الواسع في مؤخرة الجمجمة أن الوقت سيطول به، فجروحي خطيرة وتكاد لا تجد قطعة مكانها، فأخذت عيني الملقاة على جانب الطاولة تراقب المكان الذي ينم عن ذوق رفيع في اختيار القطع وفوضى عارمة في ترتيبها، لمَحَت قفصاً ملونًا جميلاً ملقىً أمام "الحمّام" يتناغى بداخله طائران رقيقان، لم أتاكد من نوعهما،... استعنت بعيني الأخرى فالأولى يبدوا أن شيئاً ما أفسدها و الثانية كانت قريبة أكثر من المطبخ الذي تصدر منه روائح مخلفات وبن وشاي ولا أثر لرائحة الطعام ، وعلى حوض الغسيل يقبع كتاب مفتوح لمحت على جلدته صورة لرجل بلحية كبيرة وصلعة أكبر، لم أستبن اسم الكتاب، كان باب "الثلاجة" مفتوحًا على آخره ...رأت عيني هناك بعض المعلبات والأكياس وبرطمانين أوثلاثة بهم قطع لحم تعوم وسط مادة صفراء، أظلمت الدنيا للحظات أو هكذا خُيّل إليّ حين أفقت وأنا ملقى على سرير، لا أدري كيف انتقلتُ من المائدة إليه، ولكن حين حاولت تحريك يدي وقدميّ ولم أر أي أثر للدماء، أدركت أني جئت إلى هنا جسداً كاملاً نظيفاً،
الشمس ترسل أشعتها الذهبية من النافذة الغربية، وكنت أشعر بوهن شديد وحلقي جاف، أدهشني أنني نهضت بسهولة.. هتفتُ بجزل طفولي "يالك من طبيب عبقري ..أيها الشاب"، لا أثر له في المنزل ولكن توجد بعض بقع دماء على مائدة الطعام.. بجوارغليون أنيق، وفي السلة المقلوبة في ركن قصيّ قطع قطنيه دامية، توجهت مباشرة للمطبخ ..اختفى الكتاب الضخم و"الثلاجة" ما زالت مفتوحة، كان البرطمانان مكانهما ولكنهما فارغيْن، شربت جرعة ماء ولم أشبع عطشي حيث تنامى إلى مسامعي صوت جلبة غير بعيد، في طريقي للباب اصطدَمَت قدمي بالقفص الملون، انقبض قلبي حين وجدت طائراً واحداً مكوّماً في الزاوية.. يبدو عليه الحزن،
من زي الرجال وعرباتهم بالخارج تبين لي أنها الشرطة.. ونفر قليل من العامة، منعوني أن أجتاز السياج المحيط بالآلية التي تقف في منتصف الطريق، سألت أقرب الملتفين حولها عمّا حدث.. أخبرني وهو يهز رأسه بحسرة:
هذه الألية صدمت فتاة في مثل طولك بالأمس، كانت تجري مهرولة من هذا المنزل القريب..
أخذت اعبث بلحيتي الكثة وأنا أتأمل منزل الطبيب الشاب وأسأل نفسي بدهشة
" أين ذهب هذا الطبيب العبقري"
وضعوني على طاولة العشاء المستطيلة، وولوا مسرعين، أشفقت على الشاب المسكين وهو ينفث من "غليون" أنيق معلق بفمه سحائب دخان خفيف أنعشتني، فابتسم فمي رغماً عني ..يبدو أنه كان سعيدا بقدرته على الابتسام.
كان الطبيب يهرش في شعره الناعم ويقلب وجهه في القطع المتناثرة، يقطب جبينه تارة ويفرده تارة، يغمغم يائساً تارة، ويتأوه متضامناً أخريات، لن أكون غاضباً منه لو تركني حتى ألفظ آخر شهقة من القلائل المتبقيات، ولكني صليت في سري أن ينجح ...لأنه يستحق،
ولم يكن بيدى الملقاة عند قدمي حيلة لأساعده بها، ولذا سُرّت جدا أجزائي حين فرك يديه الرقيقتين وغسلهما بالمطهر جيداً ثم ألبسهما ذلك "الجوانتي" المطاطي الأبيض، وشرع ينظف الدماء بخرقة كبيرة ثم بقطع صغيرة من القطن، وراح يطلق صفيراً متوائماً مع الأغنية الصادرة من "الريكوردر" الأنيق على الرفّ وسط كمية من الكتب الإنجليزية والألمانية والفرنسية وقليل منها باللغة العربية، فطن عقلي وهو يطل من الثقب الواسع في مؤخرة الجمجمة أن الوقت سيطول به، فجروحي خطيرة وتكاد لا تجد قطعة مكانها، فأخذت عيني الملقاة على جانب الطاولة تراقب المكان الذي ينم عن ذوق رفيع في اختيار القطع وفوضى عارمة في ترتيبها، لمَحَت قفصاً ملونًا جميلاً ملقىً أمام "الحمّام" يتناغى بداخله طائران رقيقان، لم أتاكد من نوعهما،... استعنت بعيني الأخرى فالأولى يبدوا أن شيئاً ما أفسدها و الثانية كانت قريبة أكثر من المطبخ الذي تصدر منه روائح مخلفات وبن وشاي ولا أثر لرائحة الطعام ، وعلى حوض الغسيل يقبع كتاب مفتوح لمحت على جلدته صورة لرجل بلحية كبيرة وصلعة أكبر، لم أستبن اسم الكتاب، كان باب "الثلاجة" مفتوحًا على آخره ...رأت عيني هناك بعض المعلبات والأكياس وبرطمانين أوثلاثة بهم قطع لحم تعوم وسط مادة صفراء، أظلمت الدنيا للحظات أو هكذا خُيّل إليّ حين أفقت وأنا ملقى على سرير، لا أدري كيف انتقلتُ من المائدة إليه، ولكن حين حاولت تحريك يدي وقدميّ ولم أر أي أثر للدماء، أدركت أني جئت إلى هنا جسداً كاملاً نظيفاً،
الشمس ترسل أشعتها الذهبية من النافذة الغربية، وكنت أشعر بوهن شديد وحلقي جاف، أدهشني أنني نهضت بسهولة.. هتفتُ بجزل طفولي "يالك من طبيب عبقري ..أيها الشاب"، لا أثر له في المنزل ولكن توجد بعض بقع دماء على مائدة الطعام.. بجوارغليون أنيق، وفي السلة المقلوبة في ركن قصيّ قطع قطنيه دامية، توجهت مباشرة للمطبخ ..اختفى الكتاب الضخم و"الثلاجة" ما زالت مفتوحة، كان البرطمانان مكانهما ولكنهما فارغيْن، شربت جرعة ماء ولم أشبع عطشي حيث تنامى إلى مسامعي صوت جلبة غير بعيد، في طريقي للباب اصطدَمَت قدمي بالقفص الملون، انقبض قلبي حين وجدت طائراً واحداً مكوّماً في الزاوية.. يبدو عليه الحزن،
من زي الرجال وعرباتهم بالخارج تبين لي أنها الشرطة.. ونفر قليل من العامة، منعوني أن أجتاز السياج المحيط بالآلية التي تقف في منتصف الطريق، سألت أقرب الملتفين حولها عمّا حدث.. أخبرني وهو يهز رأسه بحسرة:
هذه الألية صدمت فتاة في مثل طولك بالأمس، كانت تجري مهرولة من هذا المنزل القريب..
أخذت اعبث بلحيتي الكثة وأنا أتأمل منزل الطبيب الشاب وأسأل نفسي بدهشة
" أين ذهب هذا الطبيب العبقري"