1
ولكلِ شيءٍ إذا فارقته عوض
وليس لله إن فارقتَ من عوض ِ
" ابن عربي "
كلٌ منا يعرف موقف الإسلام من الخمرة ، والاستناد إلى هذا الموقف أتى بالنصوص الصريحة القرآنية في اجتنابه القطعي ، بعد أوّلَ البعضُ الآية الأولى في عدم الاقتراب من الصلاة في حالة السكر ِ على أنها تنبّــه المخمور ( الشارب ) ألاّ يُــصلي وهو في حالة سكر أو محتسياً القليل منها . ونشير هنا إلى بعض الأشخاص من معاصري الرسول ( ص ) ومن الصحابة عينهم أو أتباعهم ، مثل سيدنا عمر بن الخطاب وشغفه في شرب الخمرة قبل الإسلام وبعد إسلامه إلى أن نزلت الآية الكريمة في تحريم الخمر واجتنابه .. وللأحاديث النبوية الأمثلة الكثيرة في التنبيه والنهي القطعي في احتساء الخمر والجلوس في مجالسها أو صحبة الخمر ومرافقتهم . وهناك من العلماء من ضربوا لنا أمثلة جمّـة في شأن الخمرة وتواتر الأحاديث في أمرها . بدت الكثير من الإشاعات والتدليس أيضا ً حول بعض الخلفاء الراشدين على أنهم جالسوا الخمرةَ والغواني والطرب والرقص ، وأهملوا وأعرضوا عن تصريف شؤون المسلمين ، ودخلوا في الغواية والإسراف في المجون واللعب والطيش ! ؛ وهذا التدليس والوضع في بعض الكتب التي تنقل سيرة القدماء والعظماء تدليسٌ مقصود (( سياسي )) يضرب أطنابه في عقول الأجيال التابعة غير الواعية والمثقفة إسلامياً أو تاريخياً بشكل ٍ معتدل ورزين ، ويشتت الإرث التاريخي حول بعض أعلام الإسلام قديماً وأعمدته وخاصة ً في عهد العباسيين وما يليه في مسألة الالتزام والابتعاد عن ما حرّمَ الله وتحديدا ً الخمرة . إذ عمل البعضُ على مسألة التدليس أبان ذاك العصر طمعاً بالملك ولإقصاء اليد التي كانت تضرب من حديد في شأن محارم الله والعدل بين العامة وغيرها من شروط الإسلام والحياة ، وكان هذا العمل يلازمه توجيهٌ ــ فارسي ــ تحت الخفاء بمساعدة المذكورين آنفاً وبعض الطامعين من حاشية القصر ومَــن ديْـدَنَ ديْـدنَــهم .
ونعود هنا إلى الموضوع الرئيس الذي أدخلنا إلى بعض التشعّبات التاريخية في شأن التُهم التي دُسَّتْ بحق ِ مَـن وصِـفوا بمعاقرة الخمرة .
يقول ابن الرومي :
أحلَّ العراقي النبيذ َ وشربــــه
وقال الحرامان المدامة والسُــكرُ
وقال الحجازيُ الشرابان واحدٌ
فحلَّت لنا بين ختلافهما الخمـــــرُ
سآخذُ من قوليهما طرفيهـــما
وأشربها لأفارق الوازرَ الـــوزرُ
وكانت الخمرة في الجاهلية وفي بداية الإسلام من الأساسيات والأولويات في الحياة اليومية عند العرب ؛ وكان الشعراء يبدعون في وصفها ووصف حالاتهم معها والافتخار بها في مجالسهم ومجالس الغناء واللهو ، وكان لها مقام المرأة وحسنها أو أكثر من حيث سلب اللب وإضفاء الحالة التي تسري في عقولهم وقلوبهم مثل نسمة عليلة ونشوة ٍ جميلة ورغبة ٍ جامحة في امتلاك كل شيء ٍ حَــسن . كما جاء في المثل العربي (( أهلكَ الرجال الأحمران .. اللحمُ والخمرُ ))
ويقولون عندما حاول أبو الحفص القريعي أن يستعيض عن شرب الخمر ِ باللبن أورثه شربه المغص ووجع البطن فقال :
قد هجرتُ النبيذَ مُـذ هُـنَّ عندي
وتمزّزتُ رِسلهنَّ مذيقــــا
فوجدتُ المذيقَ يوجعُ بطني
ووجدتُ النبيذَ كان صديقا
يَعِـدُ النفسَ في العشيِ مناها
ويسلُ الهمومَ سلاً رقيقــــا
هوامش : الخمر في الإسلام د . سليمان حريتاني دار الحصاد للنشر والتوزيع إنظر إلى الصفحة 8 .
سكرتَ من المعنى الذي هو طيب
ولكن سُــكري بالمحبة ِ أعجب
وما كلُ سكران ٍ يُـحَدّ بواجب ٍ
ففي الحب ِ سكرانٌ ولا يتأدب
تقوم السكارى عن ثمانين جلدة
صحاةً وسكران المحبّة يُصْلَب
" الحلاج "
أما الخمرة الأخرى التي تغنى بها شعراء الصوفية والصوفيون ، وشربوها بطريقة ٍ روحية كما الحلاج وابن عربي لها أمثلة جمة في التغني بالسكر الروحي بدون المدامة والكرمة ، كما أشار الحلاج في الأبيات أعلاه أن الحبَ هو سكرة المحبين للمحبوب وشغفه بروحه ووجوده على المستوى الإلهي غير المرئي والمحسوس في الروح وفي القلب ، ما يؤدي إلى ثمالة المحبوب بحبيبه وولهه ِ . وقد أشار ابن عربي إلى السكر في المحبوب والهلاك بعد الهيام في أبيات ٍ ثلاث إذ يقول هنا ابن عربي :
هكذا يعرف الحبيب فمن لم
يعرف الله هكذا فاتركوه
خضعوا لي فمرّ قلبي إليهم
وأتى بابهم فما تركــــوه
ملكوه حتى إذا هام فيهــــم
ملكوه وبعد ذا أهلكــــوه
هوامش :كتاب التجليات ابن عربي 1948 \الطبعة الأولى جمعية دائرة المعارف العثمانية إنظر إلى صفحة 208.
إذاً هناك صلة وصل وقاسم مشترك بين الثمالة الإلهية عند الصوفية والثمالة الدنيوية في الخمرة وما تفعله الخمرة الروحية ( الحب ) بالبشر وما تزرعه الخمرة الدنيوية التي تفعل فعلتها وتغرس نشوتها وتغير الألباب وتزيدُ من التعلق بالمحبوب والشغف بالتقرب إليه أكثر وامتلاك قرارته كما تملك الخمرة قرارة َ المخمور آنياً ( مرحلياً ) عوضاً عن الخمرة الروحية المستمرة الأزلية والتي لا يصحو المخمور منها قطعاً .
كفرتُ بدين الله والكفرُ واجبٌ
لــــديّ وعند المسلمين قبــــــحُ
***
(( في السكر الروحاني والعذاب ))
لم أُسلم النفسَ للأسقام ِ تُـتْلِفها
إلا لعلمي بأنّ الموتَ يُـحييها
ونظرةٌ منكَ يا سؤلي ويا أملي
أشهى إليّ من الدنيا وما فيها
نفسُ المُـحب ِ على الآلام صابرةٌ
لعلَّ مُــسْقمها يوما ً يداويها
هوامش : ديوان الحلاج ـ المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون انظر إلى الصفحة 39 .
يتبع .. أحمد بغدادي
.../...
خاص ألف
www.facebook.com
ولكلِ شيءٍ إذا فارقته عوض
وليس لله إن فارقتَ من عوض ِ
" ابن عربي "
كلٌ منا يعرف موقف الإسلام من الخمرة ، والاستناد إلى هذا الموقف أتى بالنصوص الصريحة القرآنية في اجتنابه القطعي ، بعد أوّلَ البعضُ الآية الأولى في عدم الاقتراب من الصلاة في حالة السكر ِ على أنها تنبّــه المخمور ( الشارب ) ألاّ يُــصلي وهو في حالة سكر أو محتسياً القليل منها . ونشير هنا إلى بعض الأشخاص من معاصري الرسول ( ص ) ومن الصحابة عينهم أو أتباعهم ، مثل سيدنا عمر بن الخطاب وشغفه في شرب الخمرة قبل الإسلام وبعد إسلامه إلى أن نزلت الآية الكريمة في تحريم الخمر واجتنابه .. وللأحاديث النبوية الأمثلة الكثيرة في التنبيه والنهي القطعي في احتساء الخمر والجلوس في مجالسها أو صحبة الخمر ومرافقتهم . وهناك من العلماء من ضربوا لنا أمثلة جمّـة في شأن الخمرة وتواتر الأحاديث في أمرها . بدت الكثير من الإشاعات والتدليس أيضا ً حول بعض الخلفاء الراشدين على أنهم جالسوا الخمرةَ والغواني والطرب والرقص ، وأهملوا وأعرضوا عن تصريف شؤون المسلمين ، ودخلوا في الغواية والإسراف في المجون واللعب والطيش ! ؛ وهذا التدليس والوضع في بعض الكتب التي تنقل سيرة القدماء والعظماء تدليسٌ مقصود (( سياسي )) يضرب أطنابه في عقول الأجيال التابعة غير الواعية والمثقفة إسلامياً أو تاريخياً بشكل ٍ معتدل ورزين ، ويشتت الإرث التاريخي حول بعض أعلام الإسلام قديماً وأعمدته وخاصة ً في عهد العباسيين وما يليه في مسألة الالتزام والابتعاد عن ما حرّمَ الله وتحديدا ً الخمرة . إذ عمل البعضُ على مسألة التدليس أبان ذاك العصر طمعاً بالملك ولإقصاء اليد التي كانت تضرب من حديد في شأن محارم الله والعدل بين العامة وغيرها من شروط الإسلام والحياة ، وكان هذا العمل يلازمه توجيهٌ ــ فارسي ــ تحت الخفاء بمساعدة المذكورين آنفاً وبعض الطامعين من حاشية القصر ومَــن ديْـدَنَ ديْـدنَــهم .
ونعود هنا إلى الموضوع الرئيس الذي أدخلنا إلى بعض التشعّبات التاريخية في شأن التُهم التي دُسَّتْ بحق ِ مَـن وصِـفوا بمعاقرة الخمرة .
يقول ابن الرومي :
أحلَّ العراقي النبيذ َ وشربــــه
وقال الحرامان المدامة والسُــكرُ
وقال الحجازيُ الشرابان واحدٌ
فحلَّت لنا بين ختلافهما الخمـــــرُ
سآخذُ من قوليهما طرفيهـــما
وأشربها لأفارق الوازرَ الـــوزرُ
وكانت الخمرة في الجاهلية وفي بداية الإسلام من الأساسيات والأولويات في الحياة اليومية عند العرب ؛ وكان الشعراء يبدعون في وصفها ووصف حالاتهم معها والافتخار بها في مجالسهم ومجالس الغناء واللهو ، وكان لها مقام المرأة وحسنها أو أكثر من حيث سلب اللب وإضفاء الحالة التي تسري في عقولهم وقلوبهم مثل نسمة عليلة ونشوة ٍ جميلة ورغبة ٍ جامحة في امتلاك كل شيء ٍ حَــسن . كما جاء في المثل العربي (( أهلكَ الرجال الأحمران .. اللحمُ والخمرُ ))
ويقولون عندما حاول أبو الحفص القريعي أن يستعيض عن شرب الخمر ِ باللبن أورثه شربه المغص ووجع البطن فقال :
قد هجرتُ النبيذَ مُـذ هُـنَّ عندي
وتمزّزتُ رِسلهنَّ مذيقــــا
فوجدتُ المذيقَ يوجعُ بطني
ووجدتُ النبيذَ كان صديقا
يَعِـدُ النفسَ في العشيِ مناها
ويسلُ الهمومَ سلاً رقيقــــا
هوامش : الخمر في الإسلام د . سليمان حريتاني دار الحصاد للنشر والتوزيع إنظر إلى الصفحة 8 .
سكرتَ من المعنى الذي هو طيب
ولكن سُــكري بالمحبة ِ أعجب
وما كلُ سكران ٍ يُـحَدّ بواجب ٍ
ففي الحب ِ سكرانٌ ولا يتأدب
تقوم السكارى عن ثمانين جلدة
صحاةً وسكران المحبّة يُصْلَب
" الحلاج "
أما الخمرة الأخرى التي تغنى بها شعراء الصوفية والصوفيون ، وشربوها بطريقة ٍ روحية كما الحلاج وابن عربي لها أمثلة جمة في التغني بالسكر الروحي بدون المدامة والكرمة ، كما أشار الحلاج في الأبيات أعلاه أن الحبَ هو سكرة المحبين للمحبوب وشغفه بروحه ووجوده على المستوى الإلهي غير المرئي والمحسوس في الروح وفي القلب ، ما يؤدي إلى ثمالة المحبوب بحبيبه وولهه ِ . وقد أشار ابن عربي إلى السكر في المحبوب والهلاك بعد الهيام في أبيات ٍ ثلاث إذ يقول هنا ابن عربي :
هكذا يعرف الحبيب فمن لم
يعرف الله هكذا فاتركوه
خضعوا لي فمرّ قلبي إليهم
وأتى بابهم فما تركــــوه
ملكوه حتى إذا هام فيهــــم
ملكوه وبعد ذا أهلكــــوه
هوامش :كتاب التجليات ابن عربي 1948 \الطبعة الأولى جمعية دائرة المعارف العثمانية إنظر إلى صفحة 208.
إذاً هناك صلة وصل وقاسم مشترك بين الثمالة الإلهية عند الصوفية والثمالة الدنيوية في الخمرة وما تفعله الخمرة الروحية ( الحب ) بالبشر وما تزرعه الخمرة الدنيوية التي تفعل فعلتها وتغرس نشوتها وتغير الألباب وتزيدُ من التعلق بالمحبوب والشغف بالتقرب إليه أكثر وامتلاك قرارته كما تملك الخمرة قرارة َ المخمور آنياً ( مرحلياً ) عوضاً عن الخمرة الروحية المستمرة الأزلية والتي لا يصحو المخمور منها قطعاً .
كفرتُ بدين الله والكفرُ واجبٌ
لــــديّ وعند المسلمين قبــــــحُ
***
(( في السكر الروحاني والعذاب ))
لم أُسلم النفسَ للأسقام ِ تُـتْلِفها
إلا لعلمي بأنّ الموتَ يُـحييها
ونظرةٌ منكَ يا سؤلي ويا أملي
أشهى إليّ من الدنيا وما فيها
نفسُ المُـحب ِ على الآلام صابرةٌ
لعلَّ مُــسْقمها يوما ً يداويها
هوامش : ديوان الحلاج ـ المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون انظر إلى الصفحة 39 .
يتبع .. أحمد بغدادي
.../...
خاص ألف
Bei Facebook anmelden | Facebook
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.