الشيخ عبد الجليل بدزي - قصائد " الحراز" بين الواقعية والخيال

تابعت باستغراب وأسف تدوينة كتبها أحد الإخوة الجزائريين على موقع (حنا لي زاهيست) تتناول موضوع "الحراز" في الملحون المغربي، ومَرَدّ شعوري بالاستغراب مما جاء في هذه التدوينة، هو أنني لم أفهم الغاية منها لأنها لم تقل شيئا، كما أن المعلومات التي تداولها الذين علقوا على هذه التدوينة كلها تعليقات واهية وغير صحيحة، وحتى أضع كل المتابعين في الصورة، أنشر النص الكامل لهذه التدوينة التي نشرت بتاريخ 08/03/2017، يقول فيها صاحبها:

قصيدة الحراز:

تختلف قصائد الحراز في هيكلة قياسها و بنائها الشعري باختلاف الشعراء ,, كما أنها تتراوح مابين المبيت - مكسور الجناح و السوسي المزلزق (قاف معقودة).فنجد بحر السوسي المزلوق نال حصة الأسد في هذا الغرض بحكم أن هذا الأخير شعرا نثريا يوحي إلى القصة المتوفية الشروط و توفرها على نقاط اساسية لبناء القصة. متمثلة في الحدث . الشخصيات . المكان و الزمان . بالاضافة لما نجده من وصف للأشخاص والأماكن و الحوار الذي يدور بين الأشخاص في معظم أقسام القصيدة . و هذه العناصر تعد من الثوابت في هذ النوع الشعري النثري القصصي المتمثل في قصائد الحراز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا نص التدوينة كما وردت في الموقع المذكور، والأنكى والأدهى من كل شيء، تعليقات الإخوة المتابعين التي كان بعضها ينوه والأخر يضيف وثالث يشرح، وكلام من هنا وهناك لا يعدو كونه رجما بالغيب، تحس وأنت تتابعه بنوع من الغبن جراء كثرة الأخطاء التي وقع فيها هؤلاء الإخوة، والتي أتمنى أن تكون قد صدرت عنهم بدون قصد، حتى لا ندخلها في باب المغالطات.
ذلك أن هناك من أشار إلى أن هذه القصيدة عبارة عن قصة، وفريق قال بواقعيتها، وأنها أخذت من الواقع المغربي، وهناك من قال بأن "الحراز" ساحر مجنون... إلى أخر ما ورد في هذه التعليقات التي تكشف ضمور الحقيقة لدى هؤلاء الإخوة المشاركين في النقاش، وأنهم كانوا فقط يخبطون خبط عشواء دون حسيب ولا رقيب.
والحقيقة أن هذه القصيدة بعيدة عن مجال القصة، حيث الملحون لا يتضمن قصصا على الإطلاق، بل يكتب الشيوخ حكايات، والفرق كبير بين القصة والحكاية.
وإن صح أن الشيخ الجيلالي امتيرد كان أسبق زمنا من الشيخ محمد المغاري صاحب قصيدة "حراز راضية"، يكون الشيخ الجيلالي أول من كتب في موضوع الحراز، وقد تناول من خلاله موضوعا اقتصاديا خلف وضعا اجتماعيا محزنا، ذلك أن المغرب على عهد السلطان محمد بن عبد الله، عاش أزمة اقتصادية خانقة نتيجة انحباس المطر، وإصابة المغرب بموجة من الجفاف والأوبئة، حتى كان الناس يموتون على قارعة الطريق دون أن يجدوا من يدفنهم، وقد خلت الأسواق من السلع، وعاش الناس وضعا استثنائيا مهينا زاد من حدة وطأته ظهور جماعة من المحتكرين والمضاربين الذين اغتنوا على حساب معاناة الناس، يخفون السلع، ويبيعونها عندما تكون الحاجة إليها أشد بأثمنة باهضة، ولا أحد يحاسبهم على ذلك.
وقد بادر الشيخ الجيلالي امتيرد إلى توجيه سهام النقد لفئة المحتكرين هؤلاء، ينتقدهم ويفضحهم، فكانت قصائد "الحراز" وسيلته إلى ذلك، حيث تتضمن كل قصيدة منها ثلاث شخصيات محورية هي: "الحراز"، ويرمز للمضارب الذي يحتكر السلع، وقد شن عليه الشيخ الجيلالي حربا كلامية وصفه من خلالها بأبشع الصفات، وأنه قاسي القلب، ليست الإنسانية من طباعه، لا يرحم أحدا، ولا يعرف سوى مصلحته الشخصية، إضافة إلى أنه فاسق فاجر يصل إلى تحقيق أهدافه بأبشع الوسائل حتى المحرمة منها كالسحر والشعوذة مثلا، أما شخصية "العاشق"، فيرمز بها الشاعر إلى المستهلك المقهور من طرف المحتكر الفاجر، والذي يتوسل بالحيل للوصول إلى السلعة التي تعتبر غايته انطلاقا من كونها تضمن حياته وحياة أسرته، أما الشخصية الثالثة، فهي شخصية "المعشوقة"، ولا يخفى عليكم الآن أنها السلعة التي يحتكرها ويخفيها الحراز/المضارب، والتي يسعى عاشقها لاقتناصها، وقد صاغ الشاعر حكايته هاته في أسلوب سردي حواري يسعى من ورائه إلى تجسيد القيم المعنوية ووضعها شاخصة أمام عيني المتلقي، ولهذا السبب كانوا يسمون هذا النوع من الكتابات ب "الترجمة" أو "التراجم"، أي أنها تترجم المعاني والقيم الثاوية في الأعماق، وتخرجها بادية للعيان بكل وضوح، إن شخصية "الحراز" شخصية مختلقة من طرف الشيخ، لكن لها معادلها الحقيقي في الواقع، إنه هو كل شخص أو شيء يمنعك من الوصول إلى مبتغاك والتصرف فيه بكل حرية حسب إرادتك، وهو في قصائد الملحون شخص بمواصفات معينة أضفاها عليه الشيخ الذي أبدعه كما أشرت إلى ذلك قبلا.
ثم أعود للموضوع السابق الذكر، حيث توجه بعض الإخوة الذين ناقشوا وشرحوا وبحثوا في شخصية "الحراز" إلى كونه ساحر ماكر مشعوذ يستعمل السحر الأسود والأصفر والأخضر، كما استدلوا على صحة أقوالهم بشرح بعض الكلمات شرحا خاطئا ينم عن عدم معرفتهم باللغة التي كتبت بها هذه القصائد، وهكذا أصبح رومان الأزرق رومال، وأشير إليه على أنه ملِكٌ كان يحكم الجن، كما ذكر على أنه مَلَكٌ متخصص بالأعمال ويأتي الإنسان في قبره قبل ملكي السؤال، وأشار آخر إلى أن رومال هي الصحيفة التي يكتب فوقها... إلخ، أما المثير للضحك حقيقة، هو إشارة أحدهم يشرح القرقابات والمايات، حيث اعتبر القرقاب هو اللوح الذي كان طلبة القرآن يكتبون عليه من أجل الحفظ داخل المسجد، والمايات أصوات الطلبة وهم يتلون القرآن، وكلام من هنا، وهرطقة من هناك، مما يستحيل معه على إنسان عاقل ينشد معرفة حقيقة واحدة أن يجدها في كل هذا الخليط.
وهنا أشير إلى أن النقاش بين هؤلاء الإخوة كان منصبا على قصيدة "حراز عويشة" للشيخ المكي واجو دون غيرها من القصائد، مما يكشف عن أحد الأمرين: إما أن هؤلاء الإخوة لا يملكون ولم يقرأوا حرازا غيره، أو أن خلفية التناول لم تكن بريئة، ذلك أن الملحون المغربي مليء بقصائد الحراز وصورة هذه الشخصية بعيدا عن السحر والهرطقات الأخرى، بل إن الشيخ المكي واجو له حرازين آخرين غير هذا، فلماذا تناول قصيدة "حراز اعويشة" بالخصوص؟ إنها أسئلة بدون خلفيات تذكر، أحاول من خلالها أن أنعش ذاكرة الإخوة الباحثين والمتعطشين للمعرفة لا غير، وسنعود لشرح قصيدة الشيخ "المكي لبصير"، ولكن قبل ذلك، نطلع على بدايات لبعض قصائد الحراز لدى "أشياخ" آخرين، فهذا الشيخ الجيلالي امتيرد يقول في حربة/ خماسية حرازه:
حراز لالة لرسامه جيته انصيب قلبه نصراني + كيف عارف غدارْ
ويقول في القسم الأول:
حراز كافر ونصراني + شتوَة وصيف كيرعاني
حاضي احريص+ كل مَّا كنَبْني إِيريبه + واخزوبه عداوْ عن اخزوبي + والباب اللي افتحت ليه إيسده + احرام ما ابغى يتعاما + حتى ارقيب مَاهُو عندُه مثلي + يكرهني من قلبه واجوارحْ داتُه + وِإلى إيشوفني يتكحل بمحاور العما + ويزيد اضلال وانفاق + وانولي اثقل من الرصاص + عنده شُفَة وحدة يكرهها فخيالي + يصقل اجبهته ويعكد العبسا فسيفته + ويولي قلبه اظلام + واقسى من صلد الصم ليس يرطاب ولا يليان + ما يحن ما يشفق من اعبيد ربي + تحسابه يا لطيف كافر متمادي من اسلالت الكفار +

أما الشيخ "محمد المغاري" في قصيدته "حراز راضية" التي يقول في حربتها:
مال حــرازك يا لغــزال راضية * قاري بيبان الحيـال لكــن انــداز
فإنه يقول في القسم الأول:
اكتمـــت كـــرحتــي وســـراري * وطويـت عـن اجمار اصياري *
وبقيت كانخمم وحدي ونجول * آش نعمل مع الحراز * واش من حيلة تنفعني معاه * حرز عني توكت اللبية * شملالي زينت السمية * وحجبها عن عيون غيره * وجلس حاضي على الدوام * وتركني نشكي من اللظى فالقلب ألعروق * كل من شاف اخيالي تايقول هذا ماله * مجدوب أو لهوى هزه * وأهل الغرام عرفو حالي * من غير الذي ما جرب ولا عرف بين الحراز أوقيح يا الفاهم * قلبه صفوة ما شفق من حالي * لكن بالحيال انخدعه * عندي شي امناصف فيها تفهى العقول * قلت أراسي خمم باش تغلب هذ الحراز به ترجح وتفوز ابراحت
العقـــل من لا حال اهــواك ناسيـا * جـرح اهواها ما نظن ترفيه اغراز
أنظفـــر بغـــزالي وتعـود راضية * فبساط امبــــرزة كبالــــي تبــــراز
امناصفي ما تخفى لهـــل المشاليـا * وصنايع لحيال باش نغوي الحـراز

وحتى لا نتيه في طريق أخرى ونبتعد عن الأهم الذي نناقشه، أقول لكل الإخوة الذين رأوا في "الحراز" دلالة على شخصية المشعوذ، وأنها انبثقت من مجتمع هو المجتمع المغربي المليء بالخرافات والشعوذات والسحر، أقول لهؤلاء الإخوة، إن الشيخ المكي واجو كتب قصيدة الحراز هاته انطلاقا من وعيه الذي تشكل عبر ما كان يعيشه ويسمعه من خرافات وأساطير تنقلها "السير الشعبية"، وخاصة منها سيرة "الأمير سيف بن ذي يزن"، والذي يقال حسب الحكاية أنه انطلق من أرض اليمن نحو مصر في صراع دائم مع الأحباش، حتى استطاع أن يحكم الدنيا ككل، ودان له الكثير من الجيوش والعسكر، والجن وحكماء الإنس وما إلى ذلك مما نسمعه عند نبي الله سليمان، وهذه السيرة هي التي غدت مخياله الشعبي، وأخذ من حكاياتها ومعانيها ما حكاه في قصيدته مما لا يتيسر فهمه إلا بالرجوع لهذه الحكايات الأسطورية، فكيف لنا أن نعرف من هو "رومان الأزرق" إذا لم نقرأ سيرة الأمير سيف بن ذي يزن؟ وهذا على سبيل المثال لا الحصر، ولذلك نجد من بين الإخوة الذين علقوا على التدوينة السابقة من قال إلى أن رومان هذا اسمه رومال، وهو ملك الجن، فعارضه من أشار إلى أنه ملك، أو كتاب أو غير ذلك، في حين أن رومان الأزرق شخصية من شخصيات "الأزلية"، وتقول الحكاية أنه كان فارسا جبارا، وكاهنا مريدا، وساحرا تخشاه الجن، وله كتاب سماه "الجردبية"، جمع فيه كل ما يعرفه عن السحر وضمنه أقساما يخافها الجن فتخدمه، وسأعمل على نشر النص كاملا، وشرح بعض كلماته التي أجدها معقدة، على أني أرجو إعادة قراءة القصيدة في ظل المعلومات الجديدة.
وبداية أشير إلى أن الشيخ المكي واجو لبصير صاحب هذه القصيدة، منحدر من منطقة أزمور قرب مدينة الجديدة، وهي من القلاع الأصيلة في الملحون نظما وإنشادا، وعاش في مدينة مراكش حيث كان يمتهن الحلقة التي كان يؤدي فيها قصائد الملحون التي ينظمها بنفسه، ومنها هذه القصيدة التي سأكون مضطرا لنشرها وشرحها حتى يتبين للإخوة الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر:

الحربـــــة:
أمـن هــو يصغـى ليــا * كيف جرى بين لعشيق وعويشة والحراز * حراز حكيم من لحكاز*

لقد كان الشيخ المكي واجو كما سبق ذكر ذلك، يمارس فن الحلقة بساحة جامع الفناء بمراكش، وكان ينشد قصائده التي ينظمها أمام جمهوره الذي يكرمه ماديا، ولهذا سنجد مبرر هذه البداية على مستوى الحربة:" أمن هو يصغى ليا"، أي يامن يسمعني سأحكي لكم حكاية العشيق ومعشوقته والحراز الذي فرق بينهما وهو من الحجاز.
القســـــم الأول:

حـراز حكيــم مـن لحكـاز * واطلع للغـرب على البـراز*
قاري جردبية ديال رومان الأزرق يا فهيم * وميسر كذا من حكيم * قاري علم التنجيم كايحقه وشجيع الفرسة * ومعلم في حرب النسا * ومبلي بالطاسة * وسالباه الكلسة بين البنات * جايل عنهم طول الحيات * جال مدون أقريات خاصاه اغزالة عنها يدور * فتش لمداين والدشور * يوم أوصل لأزمور * صاب بنت ظريفة * عذرة وباهية ولطيفة * فالعود كاتخبل وتصيح معاه بالحكازي وشغال الشام * صايلة بهم عن جمع الريام * وعيوط الغرب مع الكلام * أبنت اطناش العام عندها فعمرها * عذرة امخنطرة فصغرها * عندي كابرة فالعشرة * ولا تصيب عني صبرا * في كل يوم ما تخطاني * حتى جا الحراز امطور فالبلاد * باعوها لو حساد * كايحسدوني فهلال العياد * وعمل عنها لرصاد فالقصر * واسكن بين الواد والبحر * واتملك بها
وملكته لغزال العذرييا * واحكم عنه مير زينها وكفر الحـراز * واعمل لرصاد على المكاز*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معجم القسم الأول: الحكيم: حاذق في علم السحر/ الغرب: المغرب/ البراز: الحرب والمبارزة/ جردبية: سبق شرحها، ونفس الشكل بالنسبة لرومان الأزرق/ الطاسة: المقصود يها هنا "آنية الخمر"/ لرصاد: الجن الذين يتحكم فيهم الحراز/ المكاز: أي الطريق.
في هذا القسم، يصف الشيخ هذا "الحراز" على أنه حكيم أي ساحر من الحجاز، جاء للغرب أي المغرب من أجل اختبار نفسه وقدرته على الحروب، قرأ كتب السحر، وخاصة كتاب رومان الأزرق، وحذق فن السحر والتنجيم حتى برع فيه، وفي نفس الوقت كان يخمر كثيرا ويجالس الفتيات ويحبهن، وقد خرج من بلده أساسا بحثا عن فتاة جميلة، أخبره بعض حساد العشيقين أنها توجد بمدينة أزمور، فاقتنصها، وسكن بها في موضع صعب الوصول إليه، ووضع على الطريق خدامه من الجن يخبرونه إن اقترب غريب من القصر.

القســـــم الثاني:

غابــت عنـي تــاج البكــار * سبــع إيــام افقـدت الخبــار*
اصبح عني بشار * كايبشرني بخبار الغزال * عند الحكيم أمن تسال * من جانا للمغرب بالسحر * ورصدها في داخل القصر * سلباته بالزين والشعر * والشامة والخال والشفر * والعنين كوابس الغدر * والخد العكري بلا عكر * والمعنى فالنقط والشعر * وَنَا نَطـَّوَّرْ * قلت له اجميع اصحابي اطيار * ونفرقه عن تاج البكار * ونعجب به إلى اعطات فيه الوجبة بمحاربة * درت اخصايل لمغاربة * زولت الجلابة * ودرت كسوت قاضي * لكتاب دايره فاللبدة * تسبيح اليوسر فى يميني * لحية كاسلوك الفضة * أوصلت باب لقصر * نطقوا لرصاد كايقولوا تتجاوب يا حكيم * اخرج حراز الريم قال ليا آش عنى بك يا مغربي ونطقت أقلت له * أنا قاضي لبلاد جيت نستبرك منك يا حكيم * ونطعمك في حق الكريم * تمشي عندي للدار للضيافة * وانطق هو وقال ليا معتزلي ما انأمن شي في بعض لسلام * أماكولك عني احرام * أنت قاضي خداع
رح في حالك صد اعليا * واش القاضي تايكون مثلك جيتي هماز * واطلع القصره كـن باز*

وفي القسم الثاني، أوضح المعشوق أنه افتقد حبيبته مدة سبعة أيام، وبدأ يبحث عنها في كل مكان، حتى بشره أحد عيونه أن معشوقته توجد بقصر الساحر الحراز، وأن لا سبيل إلى الوصول إليها إلا بالحيلة، لذلك جاءه أول الأمر وهو متخف في لباس قاضي الإسلام، لكن الحراز لم تجز عليه هذه الحيلة فطرده بحجة أنه معتزلي نسبة إلى المعتزلة، ولا يميل إلى مذهب أهل السنة، مع إشارة إلى أن كلمة (امطور) في اللهجة الدارجة المغربية، تعني أنه واسع الحيلة، شاطر.

القســـــم الثالث:

حـــراز امطـور بالشكــال * ونا نـرجــع لو بالحيــال *
صاحب بويا رحال درت عشرة بكطاطي صايلين * ومقارج لهم طايبين * وشمعهم مشعولين* ولبنادر عشرة متسخنين * وحنيا جدبانين كاملين * واقصدنا باب القصر * نطقوا لرصاد ابداو تايقولوا تتجاوب يا حكيم * اخرج حراز الريم * كن جن امطور عينيه كايدوروا في راسه زدت له * سلمت عليه اغفل كاع ما رد عليا شي اسلام * قلت فقلبي ولد الحرام * اجدبت عليه وقلت له * قل امرحبا بأهل الكمال * تعرف سيدي رحال جدنا * ونتيا جيتي لغربنا * لازم مانوريوك سرنا * دخلنا للدار فالقصر* وكرمنا بالعود والزهر * جبنا لك السر والستر * والظالم صاكر* ليس جاوبني عن هاذ القوال* عاد اتلفت فيا وقال * نعرف سيدي رحال حق وَلِيْ الله اكميل ليس نبي ولا مرسال * جبتوا لو مذهب هذ الحيال * ونتما يا عشرة طوال * بكطاطيكم كيف الكبال * وركابيكم كيف الجمال * أحاضشكم ختال *
جابكــم أنتما لحميـة * أدار فلـرصاد وقـال كــرموهــم بالعكـــاز * وافلــت أنا بين الغـــراز*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معجم القسم الثالث: بويا رحال: ولي صالح بالمغرب صاحب طريقة صوفية، وهو أب بويا عمر، ومريدوه الذين يتبعونه، كانوا يلبسون لباسا صوفيا خشنا محصورا عن الركبة، ويحلقون شعرهم إلا قليل منه يبقى في مؤخرة الرأس يسمة "الكطاية" بنطق الكاف جيما مصرية، والجمع "اكطاطي"/ صاكر: والكاف جيم مصرية، أي صامت ينظر بإمعان المتيقظ/

في هذا القسم، لجأ العاشق إلى حيلة أخرى، ذلك أنه أتى ببعض مريدي الولي الصالح بويا رحال، وهؤلاء لهم صفات لا تخفى عن غيرهم، لباسهم الصوف الذي ينحسر عند الركبة، ويعزفون إيقاعات يرددون على أنغامها أذكارا ومدحا لهذا الولي، حتى إذا بلغوا مرحلة الجذبة، بدأوا يشربون الماء الساخن دون أن يتأثروا بشيء، رؤوسهم حليقة إلا من بعض الشعر الذي يبقى متدليا في مؤخرة الرأس يسمى عند المغاربة ب(الكطاية) بنطق الكاف جيما مصرية، وجمعها (اكطاطي)، والكبال هو الذرة قبل أن تقطف وينتزع حَبُّهَا، لكن الحراز انتبه للحيلة مرة أخرى، فطرد العشيق بعد أن أشبع مرافقيه ضربا.

القســــم الرابع:

حــراز ارهيــب قـديم فــات * احكيــــت افعالــه للبنــات *
قالو ليا الشيخات يا العاشق نمشيوا معاك بالرباعة بطناش من البنات * غير الخودات الفايزات* ثلاثة مولوعات صايلات ابنقط الكمانجات * وثلاثة عوادات حافظين الآلات على التبات * وثلاثة طرارات * حافظين اقصايدهم والبيات * وثلاثة ركازات * تايسلبوا من كان قديم تاب * ويردوا الشايب للشباب ينسى شيبه * ونطقت قلت لهم هذا هو النزول * هذ الحيلة هي الدخول * قامت بنت البتول * لبستني كسوة ذهب أحرير * ونا باقي زين أصغير * لا لحية لا شارب كن عذرة كي هدت للصيام * وفناها لهوى والغرام * بعيون اجعاب اروام * والخدود أورادة * والفم كاخويتم وشفايف لاويين * قومان ابحبي كاويين * والتحليقة جمعات المطاوي * وتلحفت ابحايك المحربل * قالو لبنات يا الشيخة زدي قدامنا * سميناك أمي يامنة* ضحكوا لبنات وجات لالة ملكة * هي وخيتها فطومة * والريم حادة والسعدية * ولغزال زهرة * وعبوش أراضية * أمنانة والزاهية * ورحيمو وخديجة ولالة حبيبة هاذو طناش * درجوا بمشاشي والقماش * والمعون امقوم كل عذرة نحكيها شي اغزال * كا تطعن من شوف النجال * والقصة يا علال * حيث زدت أنيا قدامهم * حتى أوصلنا للقصر * أنطقوا لرصاد بداوا تايقولوا تتجاوب يا حكيم * وخرج حراز الريم * شافنا بندقنا لو بالجميع * ودويت أنا دغيا معاه * أطلبته ضيف الله * قال ليا * ومنين أنتم * قلت لو جينا لك من فاس * يا حكيم أنت عز الناس * جبت لك ارباعت لوناس * للزهو والنقط مع الكاس والزهو والسلوان معاك فالقصر * والظالم صاكر * تايمسق فيا ونشوف فيه يضحك ونا فرحان قلت غادي ندخل * ودوى وقال ليا فين الشيخة قلت لو أنا هي يا حكيم * قال أنتيا حصلة * وجايا عندي بمحلة * روحي شفي شي قشلة
تبيتك يا بنـت الــزغبية * أنتيـا وطنـــاش خصكـــم طباخ أخبـاز * روحوا للحـارة تاكــراز *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعجم: رهيب: أي ملم بكل الحيل لا يستطيع أحد أن يغلبه/ هدت للصيام: أي لم يسبق لها أن صامت، وسيكون هذا عامها الأول/ اجعاب: بندقيات/ جمعات لمطاوي: أي أكملت كل شيء/ تيمسق: ينظر بإمعان كبير ويلوي شفتيه احتقارا.

ثم اتجه العشيق دون يأس للفتيات، مادام يعرف أن الحراز يعشقهن ومستعد أن يدفع الأموال في سبيل المرح معهم، وهكذا اختار 12 فتاة حاذقات في مجال العزف والرقص والغناء، ولبس هو لباس أنثى وأصبح رئيسهن، واتجهوا إلى القصر، وخاطب العشيق الحراز بما جاء به من فشور وهو متخف في صفة رئيسة الفرقة الموسيقية، لكنها أيضا حيلة كشفت، وطرد العشيق وجماعته دون رحمة.

القســــم الخامس:

وبقيـــت انخمـــم يــا فهيـــم * باش انولــي عنـد الحكيـــم *
هندسته واجبرته ارهيب حايل * متطور بالحيال * وابقيت انخمم فالفعال * قلت أراسي لعبيد* ما ينفعوا فالحزة غير زيد * جرب فالك إلى هو اسعيد * اعرضت على طناش من لعبيد * أزدت طناش من الخدم * قلت الهم ألعبيد دردبا فالقصبة عند الحكيم * كالوا ليا نمشيوا غير قوم راسك * ودويت قلت لهم درت المسوس والبسيسة والزميطة * ودرت دغنو واجبابن دا الحليب * عمرت الميدة بالودع * درت اكساوي لملوك فالطبيقة واحكوكا دالبخور* قومت اكناوة فالظهور * بالقرقابات وكانكات * إطلقوا شي مايات والخدم إيجدبوا * وطبول كاترعد أوصلنا للقصر * نطقوا لرصاد بداوا تايقولوا تتجاوب يا حكيم * اخرج حراز الريم شاف فينا وبدا يضحك قال زيد * لاش اقدمتوا هيا عبيد * زدت أنيا عنده * وبست يده * ونطقت أقلت له * أنا عزي بلخير جيت عندك صالح ابلادنا * وقالوا لك اسيادنا * دارك محسوبة دارنا * دخل هذ الميدة ألالة وفرح بينا يا حكيم * تعرف احنا لعبيد ما علينا حجبة * خدامين ناس الرحبة * ودوى وقال ليا: تريكت حام ليس فيكم صالح * العبد إلى يشبع إيولي يفسق * ويلى إيجوع إيولي يسرق *
منكــم اجميع الآدييـا * لــو اجبرتوا لحكام كلكــم اتحـرقوا بالكاز * ذهبـوا يا شبهات المعـاز*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعجم: الحزة: عندما تتعقد الأمور/ دردبة: طقس صوفي خاص بفرق (اكناوة)، يحيونه ليلة كاملة يدعون من خلاله أنهم يستدعون الجن من أجل شفاء مريض، أو طرد نحس، أو تحقيق غرض غير متيسر/ المسوس والبسيسة والزميطة دغنو اجبابن ذا الحليب: وهذه كلها أطعمة يأكلها الجن حسب (اكناوة)/ لودع واكساوي لملوك والطبيقة: إكسوسوارات وأواني البخور/ الظهور: وقت الظهر/ القرقابات: ألة موسيقية حديدية شبيهة بالرقم ثمانية، تعزف كالصناجات/ المايات: الأغاني الخاصة ب(كناوة)/ تريكت حام: أي يا أبناء حام، وحام هذا ابن نبي الله نوح الذي كان من نسله الزنوج، وسام: أخو حام ومن نسله خرج الجنس الأبيض، ويافث أخوهم، وعنه صدر الجنس الأصفر، هكذا جاء في حكاية "سيف بن ذي اليزن التي تأثر بها المكي واجو/ الكاز: هي الغاز/ المعاز: الضأن.

وبعد أن أعيته الحيل، قرر أن يأتيه في صورة (اكناوة)، وهي فرقة غنائية أغانيها من تخوم إفريقيا، لذلك فالذين يعزفونها رجال ونساء سود، للغايات التي سبق أن ذكرتها، لكن الحراز انتبه لهم مرة أخرى وطردهم شر طردة بعد أن سبهم وقبحهم.

القســــم السادس:

وليـــت العنــده يــا رسيـــخ * غيــر ابوحـدي لكن شيــخ *
امعيا هجهوجي امتحفه بهجاوي * بلغة امفركة والخيط على الراس * والتعكريطة والخنجر والحيالة والجهد مع الصغر * ونصرته في باب القصر * وانطقت ابسرابة امع القصيدة نطقوا لرصاد ابداو تايقولوا تتجاوب يا حكيم * اخرج حراز الريم * قامت الدامي تبعاته امنين سمعوا صوتي وقفوا بزوج * اغْنِيتْ عليه وصرت كانكرح * نسمع فيها تقول لو هذا شيخ أديب يا حكازي دبا يدخل لا تزيد عليا حتى اكلام * إفرجنا هذ النهار * قال لها يا سود الشفار * مانامن فيه يشوف في خيالك ما يدخل للقصر * قالت لو تسمع يا حبر * احنا فالغرب الشيخ والنسا خاوة فالكلسة * لا تخشب عنه * اخرج قل له امرحبا * ورمات على الذيب الخشبة وحنا اقفاه * اخرج عندي ونا كانكرح حتى كملت القصيدة من سبعة دالقسام * أزاد اسبقني للسلام * زد امرحبا بك ألشيخ * هذا يوم اسعيد قال ليا بوجود الحاكمة * ضحكات عليه الناجمة * قالت لي ياد الشيخ زيد بك امرحبا * كـُوَّنْتْ عنها فالحسبة * ودخلنا للقبة شلا نوصف صنعت الحكما أيا فهيم * أنا والدامي والحكيم * مسق فيا ودوى وقال ليا * كب أدندن يا مغربي * ورفدت الهجهوج وصرت كانكرح ونقول فالقصيدة بالغوص * أباشت العوارم كيف المعمول * كاتجاوبني بالغنة تقول ليا كرصي * دبا اتريت باش انشمس * حتى ابغات وارشق لها * سوات عودها بيديها * وبدات كاتخبل وتطيح عليه بالتواشي وتطيب فيه باللطافة * ورمات إيديها الجيبه جبدات الخاتم ألطاسة وقطيب الرصد * أطارت الديك الجيه أيا فهيم * قالت لو تسمع يا حكيم * هذا هو محبوب خاطري وأنت عذبتيه ألظالم كي نعمل لك ها حكمتك حصلت في يدييا * دبا ولي قـــرد زد فــرجنا بالتنقـاز * وشحطاتــه بقطيــب داز*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعجم: الرسيخ: العاقل/ الهجهوج: ألة موسيقية/ امتحفو: زينه وزخرفه/ بهجاوي: يبهج الخاطر/ اغنيت عليه: صرفت عنه النظر وكأنني لم أره/ لا اتخشب عنه: لا تغلق دونه الباب/ كونت: أي سكتت ولم أجبها/ الغوص: كلام لا يفهمه إلا اثنان يتفقان عله، والثالث الجالس معهما لا يفهم شيئا/ الغنة: نفس النغمة والميزان، وكأنها تغني معي/ كرصي بنطق الكاف جيما مصرية: أي اصبر/ اتريت: كلمة أمازيغية تعني أريد/ التواشي: لكذوب والتصنع/

وفي النهاية، لاحظ العاشق أن هذه الحيل كلها لا فائدة منها، وأن هذا الحراز يكشفه في كل مرة، لذلك قرر أن يغامرة هذه المرة وحده، فتقمص صفة شيخ من أشياخ الملحون، وقدم إلى القصر ينشد جانبا من قصائد الملحون، وأراد الحراز أن يطرده، لكن المعشوقة أبت ذلك، وطلبت منه أن يدخله القصر، وألا يغلق عليه الباب، فخضع لإرادتها، وأدخله، وعندما رأته وعرفته عشيقها، رحبت به، لكنه لم يجبها، وبقي حتى أنهى قصيدته من سبعة أقسام، وبعد أن أمعن فِيَ النظر، طلب مني أن أستمر في الغناء، عند ذلك بدأ يلاغي محبوبته ويتواصل معها بلسان لا يفهمه الحراز، وفي النهاية، أخذت منه حكمته أي (الخاتم والطاسة واقطيب الرصد)، وأخبرته الحقيقة، وصيرته قردا.

القســــم السابع:

رداتــــه قـــرد امجـادبـــي * قالـــت ليــا يــا طالبـــي *
هذا هو لعده اللي فرقنا هذي عشرين يوم * هاني حصلته لك واش صافي شغلي ولا ألا* قلت ابرابو يا لالة * قالت لي يا لحبيب * ها الخاتم والطاسة والقطيب * وكعد نزهاوا ابزوج فالقصر* والحراز إيشوف بالنظر * ومعاه اندبر * يا حبيب الخاطر * أدوك التواشي باش اقدمتي العندنا غير اتواشي حافيين * لو جيتي شيخ أديب كيف دبا كن ادخلتي للقصر * أتظفر بيا يا الشيخ * قلت لها هذا ما كتاب * صحا لك أبنت الصواب * سمعي مني لخطاب* حرمت اخدودك يا سود النجال * ادخيل السالف والدلال * العفة للرجال * يا العذرة هذ الحراز رجعيه ابنادم * وأمري العفريت إيشيله للحكاز * يديه العند أمه اتقفزه وتعلمه حرب النسا * قالت لي علا وعسى * ما نفعل إلا ما تريد * جبدات الطاسة والقطيب * اطلع عفريت ازرق قال لها أذنيني يا غزال * قالت هذ الحراز عذبه * الديه الحكاز سيبه * شيله يا عفريت تم شاله وزعق أسار به
قالــــت ليــا لخييــــة * أجي يا حبيبي انعـــذبه ببــاه بالتكـــراز * والحــراز امشــى للحكاز*
يـاك أنــا زمورييـــة * وتـرابي لمحــارفي قلــت أسيف الهماز * من حازك عل لحسود فاز*
قلــت الها سمعي لييا * أنـــت ليا حكمـــة أفايـــدة أعينيــن الباز * من دون امزاح ألا اطناز*
خـــذ المعنى حسييـا *اعـزل من خلطة امخلطة بالتمرمع الغـاز* والحلـوف اسميـن والمعاز* والمـولى يسمـــح ليا * ما شفـت اعويشة ولا دابـزت مع حراز * ولا نحمــل قــوم الــدبــاز*
غير افراجة واشجية * قال المكي جــل فاللغا يا فاهـم لـــرماز * وطوي وجمع شغل الدراز*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعجم: ابرابو: أي برافو، وهي كلمة فرنسية/

وفي النهاية يتوسل العاشق لمعشوقته أن تعف عن مقدرة، ويكفيها فخرا أنها انتصرت على ساحر من هذا العيار، ويطلب منها أن تعيد الحراز إلى صورته الآدمية، وترسله مع أحد الخدام من الجن ليوصله إلى الحجاز، فيعرف أنه لم يبلغ من العلم شيئا، وخاصة في جانب حرب النساء، الشيء الذي استجابت له المعشوقة.
هذه هي القصيدة بكل خلفياتها ومعانيها ودلالتها، وأن الطاغي على مخيال الشاعر والمؤثر فيه هو تلك الحكايات العجائبية التي كانت تروى بساحة جامع الفناء، ويعرفها الخاص والعام، وخاصة حكاية ّسيرة الأمير سيف بن ذي يزنّ الملك اليمني من ملوك التبابعة، وقد عملت على أن أكون مقتصدا موجزا في كلامي عن هذا النص، رغم طول الموضوع، مع صادق مودتي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...