من حق القارئ أن يتساءل عن معنى حضور الكوجيتو في هذا المقام، وأن يكون لديه مطلب توضيح المعنى الخاص الذي نستخدم به هذا المفهوم في دراستنا الحالية، خاصة وأننا نريد لها أن تكون متعلقة بالفلسفة الإفريقية.
الكوجيتو، كما يعلم عامة المهتمين بالفلسفة، هي القضية التي قال بها الفيلسوف الفرنسي ديكارت مفتتحا بها عصرا جديدا من التفكير الفلسفي يشهد له مؤرخو الفلسفة بذلك الكوجيتو هي القضية المعروفة في تاريخ الفكر بـ "الأنا أفكر".
وتعبر هذه العبارة عن الإرادة التي تكون لذات تعزم بكل وعي أن تبدأ التفكير من جديد في القضايا الفلسفية المطروحة في الماضي لكي تعيد بناءها على أسس متينة بديلا عن كونها أفكار متناقلة ومتكررة، ولو بصياغات أخرى عند الانتقال من مذهب فلسفي إلى آخر.الكوجيتو تعبير عن إرادة ذات مفكرة بأن تجعل أفكارها تعود إليها هي بالذات، وأن تجدد في القضايا المطروحة.
من جهة أخرى أخذنا الكوجيتو عن ديكارت معتبرين أن كل فكر فلسفي بدأ في الماضي معها، ويمكن أن يبدأ في المستقبل بهاوقد عممناها بهذه الصورة لكي نتساءل في جملة من الدراسات السابقة عن وجود فلسفة عربية معاصرة.
ونجدد هذا السؤال اليوم بالنسبة للبلدان الإفريقية، علما بأن بعض البلدان العربية تنتمي في الوقت نفسه إلى القارة الإفريقية.
التساؤل عن الكوجيتو الإفريقي اليوم معناه البحث في حضور ذات تنتمي إلى هذه الجهة من العالم، وتنطلق من اليقين في الأنا أفكر لكي تطرح من جديد بعض الأسئلة الفلسفية القديمة وفق شروط الزمن المعاصر، أو لكي تطرح بعض الأسئلة الجديدة المستوحاة من الوضع الإنساني الراهن في القارة الإفريقية.
ونعتبر هذا البحث متعلقا بالفلسفة في جهة من العالم هي إفريقيا يقتضي البحث في وضعية الفلسفة في إفريقيا تساؤلات عن وجودها في الوقت الراهن، وعن مدى وجود تراث فلسفي إفريقي يعود إلى أزمنة سالفة، وعن شروط استمرار هذا التراث في التطور أو انقطاعه عن ذلك لفترة من الزمن، وعن شروط الاستئناف إذا كان هناك استئناف، وعن وجود إنتاج فلسفي راهن ومكانته ضمن الإنتاج الفلسفي العالمي، وعن وجود تعليم فلسفي يهيئ الذات الإفريقية المفكرة للتعرف على الفلسفة وقضاياها وتياراتها القديمة والمعاصرة.
تشكل الاسئلة السابقة برنامجا واسعا للعمل ليس بالإمكان تناوله في محاولة نقدية واحدة ونكتفي في محاولتنا الحالية بطرح تلك الأسئلة في عموميتها لنحقق شرطا نراه ملائما لتناول كل واحد منها في اللاحق في تفصيلاته التي يقتضيها.
1 ـ نبدأ بتوجيه السؤال حول وجود تراث فلسفي إفريقي، علما بأنه لابد أن يكون هناك تراث فلسفي لأية جهة من العالم لكي يتم بها استئناف الفكر الفلسفي
وإذا كنا قد انطلقنا من الكوجيتو الديكارتي باعتباره بداية جديدة للفلسفة، وإذا كنا قد بينا إرادة الفيلسوف الفرنسي المذكور في إعادة النظر في القضايا الفلسفية وتجديد التفكير فيها، فإن البداية الديكارتية من جديد لم تكن مطلقة بل استندت إلى فكر نقدي في تراث يرجع بالنسبة للفلسفة الأوروبية إلى الحضارة اليونانية القديمة التي بدأت فيها الفلسفة منذ القرن السادس قبل بداية التاريخ الميلادي، ثم إلى الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط، بالإضافة إلى ما أخذته الفلسفة الأوروبية عن الفلسفة الإسلامية الوسيطية.
لن ندخل في مماثلة قد لاتكون موضوعية بين الكوجيتو الديكارتي وبين وضعية المتفلسف الإفريقي اليوم.
ولكننا نقول، مع ذلك، إن الفيلسوف الإفريقي المعاصر لا يفتقد وجود تراث فلسفي هو التراث الإنساني بصفة عامة وتراثه الفلسفي الإفريقي بصفة خاصة.
هل كانت هناك حضارات في إفريقيا؟ وهل أنتجت هذه الحضارات فكرا فلسفيا كان له أثر في تاريخ الفلسفة؟ قد يميل البعض من المنتمين إلى النزعة الأوروبية المركزية إلى نفي هذا التاريخ وإلى القول بأن تاريخ الفلسفة هو تاريخ هذا النمط من التفكير في الثقافة الغربية فقط، ولكننا نرى بالاستناد إلى وقائع التاريخ الفعلي أن القارة الإفريقية لم تخل من تاريخ حضاري كان من بين أهم لحظاته الحضارة المصرية القديمة، وهي بحسب موقعها الجغرافي.
وإذا كان المؤرخون الغربيون يميلون إلى نسبة بداية تاريخ الفلسفة إلى الحضارة اليونانية،فإن هناك رغم التوافق العام حول أهمية اللحظة اليونانية من يطرح بعض الأسئلة النفدية على هذا التأكيد لينسب إلى حضارات أخرى منها الحضارة المصرية القديمة،التي تهمنا الآن لموقعها الإفريقي.
وأكثر من ذلك، فإن هناك من يرى أن البحث يوقفنا في الحضارة المصرية القديمة على حكماء قد لايقلون قيمة عن أولائك الذين عرفتهم الحضارة اليونانية ولن ندخل في تفاصيل هذا الموضوع لأنها تستحق تناولا مستقلا لها، إذ ما يهمنا في سياقنا الحالي هو إثبات تطور حضاري في إفريقيا كان به بعض التطور الفكري الذي يمكن اعتباره، على الأقل، حكمة إفريقية تقترب من الفلسفة أو تمهد لها.
نضيف إلى الحضارة المصرية القديمة وما يكون قد ظهر فيها من حكمة ماظهر أيضا في الحضارة الإسلامية من فلسفة.
بدأت نشأة هذه الفلسفة أولا في آسيا، إذ كان ظهور الإسلام الذي كان أسا لها، ولكنها امتدت بعد ذلك إلى بلدان الشمال الإفريقي بداية من مصر وليبيا، ثم تونس والجزائر والمغرب، أي مايدعى عادة بالغرب الإسلامي حين نضيف إليه الأندلس في عهد سيادة المسلمين بها.
فزيادة على حضور الفلسفة الإسلامية التي نشأت في المشرق، فإن هناك فلاسفة نشأوا وعبروا عن تفكيرهم في بلدان الشمال الإفريقي وكان لهم أثر في تاريخ الفلسفة والفكر الإنسانيين بصفة عامة.
ولعل أهم من نذكرهم في هذا الصدد هم ابن رشد فيلسوف قرطبة ومراكش،الذي كان لفكره أثر لايمكن نكرانه على التاريخ الفلسفي اللاحق عليه ، ثم ابن خلدون الفيلسوف الاجتماعي الذي لايمكن أن نؤرخ للفكر الإنساني في مجاله دون أن نذكره، علما بأنه فكر في إفريقيا التي كان شمالها موضعا لتحليلاته ذات القيمة التي لايمكن التنكر لها.
كما تطورت في الجهة الشمالية من إفريقيا ثقافة تشمل كل العلوم القائمة في زمنها
وهذه الثقافة هي التي انتقلت مع الإسلام إلى البلدان الإفريقية الأخرى التي انتشر بها، وكان من ثمرات ذلك ظهور مفكرين أفارقة استوعبوا تلك الثقافة وأضافوا إليها لا ينبغي أن نهمل،كذلك، الحكمة الإفريقية التي ظهرت في البلدان الإفريقية التي لم يدخلها الإسلام أو التي شكل فيها المسلمون أقلية بين السكان.
وهذا يفيدنا في أن إفريقيا لم تكن خالية من البعد الفكري، والفلسفي بصفة خاصة، في الفترة التي خضعت فيها البلدان الإفريقية للهيمنة الخارجية.
فلإفريقيا تاريخ حضاري وفكري قبل بداية تلك الفترة، وهو ما يشكل التراث الإفريقي الخاص الذي يمنح الذات المفكرة الإفريقية اليوم أرضية فكرة يمكن الانطلاق منها، ولكن في تمازج إيجابي مع معطيات الثقافة الفلسفية الإنسانية بصفة عامة، وخاصة منها الثقافة الفلسفية المعاصرة.
2- نرى أن وضع المتفلسف الإفريقي اليوم هو الانجذاب بكيفية طبيعية إلى تراثين هما : التراث الإفريقي الخاص، ثم التراث الإنساني العام.
يمن التراث الأول نوعا من الثقة بالنفس الذي يجعل الذات الإفريقية، وهي تريد أن تفكر فلسفيا، تعي بأنها لاتنطلق من فراغ فكري.
وأما التراث الثاني، فإنه يضع الفلسفة الإفريقية في سياق الإشكالات الفلسفية الراهنة ويجعلها أمام مهمة مسؤولية المساهمة في التفكير في القضايا المطروحة على الفلسفة اليوم وفي تقديم مساهمة ذات فائدة بالنسبة لإنسانية اليوم بصفة عامة.
لقد لمسنا هذا الأمر ونحن نفكر في وضع الثقافة العربية والإسلامية اليوم، علما بأن ما يعود منها إلى بلدان الشمال الإفريقي يشكل قسما من الثقافة الإفريقية المعاصرة
غير أننا نأخذ هنا الاعتماد على التراث الإفريقي بإضفاء النسبية عليه، مراعين أن هناك انقطاعا لذلك التراث وتوقفا له عن الإبداع بنفس الصفة، ثم أخذا بعين الاعتبار لتوسط الفترة الاستعمارية بينه وبين شروط الفكر الإفريقي، وخاصة منها الشروط اللغوية.
- لاتكون بداية الكوجيتو الإفريقي، انطلاقا من تراثه الخاص فحسب، بل من التراث الإنساني العام، وذلك حتى تكون المساهمة الإفريقية في الفلسفة ذات قيمة إنسانية كونية. فالفكر الفلسفي صادرا عن أية جهة من العالم يطلب دائما قيمة كونية ويتعرف على ذاته من خلال هذه القيمة.
وقد أتاحت المؤسسات التعليمية الحديثة في إفريقيا ووجود تعليم فلسفي بها تهييء الذات المفكرة الإفريقية للسير في هذا الطريق.
كما أننا عند الاطلاع على الإنتاج الإفريقي وجدنا بيبليوغرافيا واسعة مكتوبة باللغات الأجنبية ومنشورة خارج القارة مما يدل على الرغبة في تقديم مساهمات ذات قيمة كونية.
4- أتيحت لنا فرصة حضور عدد من المناظرات التي همت الفلسفة الإفريقية
وهكذا حضرنا المؤتمر الإفريقي الآسيوي للفلسفة (القاهرة، 1978) والمؤتمر العربي الإفريقي للفلسفة (الدار البيضاء 1986) والتقينا بعدد من المشتغلين الأفارقة بالفلسفة، كما كانت لنا فرصة اللقاء بنخبة منهم في بعض المناسبات الأخرى مثل المناظرة الدولية حول الذكرى المائوية الرابعة لديكارت التي حضرها أفارقة من بلدان متعددة.
وفي كل هذه اللقاءات كنا نلمس رغبة الذات المفكرة الإفريقية في المساهمة في التفكير الفلسفي المعاصر، ولكن وفق شروطها الخاصة. وظهرت في كل تلك اللقاءات فكرة تأسيس إطار إفريقي مشترك لتطوير الفلسفة تعليما وتفكيرا في إفريقيا.
وقد استخلصنا من ذلك أن الذات الإفريقية يمكن أن تساهم في التفكير الفلسفي المعاصر بأن تجعل الكوجيتو لديها متعلقا بقضايا لم يسعها التفكير الغربي، ولكنها يمكن يمكن أن تكون موضوعا لمساهمة التفكير غير الغربي بصفة عامة، والإفريقي من بصفة خاصة.
ستكون علاقة الذات الإفريقية بديكارت في هذه الحالة هي الانطلاق معه من الكوجيتو كمنهج دون الالتزام بفكره كمضمون له شروط تاريخية محددة هذا طريق يجعل الفلسفة الإفريقية اليوم مرتبطة بالبعد الكوني للتفكير الفلسفي، ولكن مع اعتبار الشروط الخاصة للقارة والمشكلات المنبثقة عنها ذلك بإيجاز هو طريق الكوجيتو الإفريقي.
كاتب مغربي
https://www.facebook.com/mohamed.wakidi/posts/2254478964567698
الكوجيتو، كما يعلم عامة المهتمين بالفلسفة، هي القضية التي قال بها الفيلسوف الفرنسي ديكارت مفتتحا بها عصرا جديدا من التفكير الفلسفي يشهد له مؤرخو الفلسفة بذلك الكوجيتو هي القضية المعروفة في تاريخ الفكر بـ "الأنا أفكر".
وتعبر هذه العبارة عن الإرادة التي تكون لذات تعزم بكل وعي أن تبدأ التفكير من جديد في القضايا الفلسفية المطروحة في الماضي لكي تعيد بناءها على أسس متينة بديلا عن كونها أفكار متناقلة ومتكررة، ولو بصياغات أخرى عند الانتقال من مذهب فلسفي إلى آخر.الكوجيتو تعبير عن إرادة ذات مفكرة بأن تجعل أفكارها تعود إليها هي بالذات، وأن تجدد في القضايا المطروحة.
من جهة أخرى أخذنا الكوجيتو عن ديكارت معتبرين أن كل فكر فلسفي بدأ في الماضي معها، ويمكن أن يبدأ في المستقبل بهاوقد عممناها بهذه الصورة لكي نتساءل في جملة من الدراسات السابقة عن وجود فلسفة عربية معاصرة.
ونجدد هذا السؤال اليوم بالنسبة للبلدان الإفريقية، علما بأن بعض البلدان العربية تنتمي في الوقت نفسه إلى القارة الإفريقية.
التساؤل عن الكوجيتو الإفريقي اليوم معناه البحث في حضور ذات تنتمي إلى هذه الجهة من العالم، وتنطلق من اليقين في الأنا أفكر لكي تطرح من جديد بعض الأسئلة الفلسفية القديمة وفق شروط الزمن المعاصر، أو لكي تطرح بعض الأسئلة الجديدة المستوحاة من الوضع الإنساني الراهن في القارة الإفريقية.
ونعتبر هذا البحث متعلقا بالفلسفة في جهة من العالم هي إفريقيا يقتضي البحث في وضعية الفلسفة في إفريقيا تساؤلات عن وجودها في الوقت الراهن، وعن مدى وجود تراث فلسفي إفريقي يعود إلى أزمنة سالفة، وعن شروط استمرار هذا التراث في التطور أو انقطاعه عن ذلك لفترة من الزمن، وعن شروط الاستئناف إذا كان هناك استئناف، وعن وجود إنتاج فلسفي راهن ومكانته ضمن الإنتاج الفلسفي العالمي، وعن وجود تعليم فلسفي يهيئ الذات الإفريقية المفكرة للتعرف على الفلسفة وقضاياها وتياراتها القديمة والمعاصرة.
تشكل الاسئلة السابقة برنامجا واسعا للعمل ليس بالإمكان تناوله في محاولة نقدية واحدة ونكتفي في محاولتنا الحالية بطرح تلك الأسئلة في عموميتها لنحقق شرطا نراه ملائما لتناول كل واحد منها في اللاحق في تفصيلاته التي يقتضيها.
1 ـ نبدأ بتوجيه السؤال حول وجود تراث فلسفي إفريقي، علما بأنه لابد أن يكون هناك تراث فلسفي لأية جهة من العالم لكي يتم بها استئناف الفكر الفلسفي
وإذا كنا قد انطلقنا من الكوجيتو الديكارتي باعتباره بداية جديدة للفلسفة، وإذا كنا قد بينا إرادة الفيلسوف الفرنسي المذكور في إعادة النظر في القضايا الفلسفية وتجديد التفكير فيها، فإن البداية الديكارتية من جديد لم تكن مطلقة بل استندت إلى فكر نقدي في تراث يرجع بالنسبة للفلسفة الأوروبية إلى الحضارة اليونانية القديمة التي بدأت فيها الفلسفة منذ القرن السادس قبل بداية التاريخ الميلادي، ثم إلى الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط، بالإضافة إلى ما أخذته الفلسفة الأوروبية عن الفلسفة الإسلامية الوسيطية.
لن ندخل في مماثلة قد لاتكون موضوعية بين الكوجيتو الديكارتي وبين وضعية المتفلسف الإفريقي اليوم.
ولكننا نقول، مع ذلك، إن الفيلسوف الإفريقي المعاصر لا يفتقد وجود تراث فلسفي هو التراث الإنساني بصفة عامة وتراثه الفلسفي الإفريقي بصفة خاصة.
هل كانت هناك حضارات في إفريقيا؟ وهل أنتجت هذه الحضارات فكرا فلسفيا كان له أثر في تاريخ الفلسفة؟ قد يميل البعض من المنتمين إلى النزعة الأوروبية المركزية إلى نفي هذا التاريخ وإلى القول بأن تاريخ الفلسفة هو تاريخ هذا النمط من التفكير في الثقافة الغربية فقط، ولكننا نرى بالاستناد إلى وقائع التاريخ الفعلي أن القارة الإفريقية لم تخل من تاريخ حضاري كان من بين أهم لحظاته الحضارة المصرية القديمة، وهي بحسب موقعها الجغرافي.
وإذا كان المؤرخون الغربيون يميلون إلى نسبة بداية تاريخ الفلسفة إلى الحضارة اليونانية،فإن هناك رغم التوافق العام حول أهمية اللحظة اليونانية من يطرح بعض الأسئلة النفدية على هذا التأكيد لينسب إلى حضارات أخرى منها الحضارة المصرية القديمة،التي تهمنا الآن لموقعها الإفريقي.
وأكثر من ذلك، فإن هناك من يرى أن البحث يوقفنا في الحضارة المصرية القديمة على حكماء قد لايقلون قيمة عن أولائك الذين عرفتهم الحضارة اليونانية ولن ندخل في تفاصيل هذا الموضوع لأنها تستحق تناولا مستقلا لها، إذ ما يهمنا في سياقنا الحالي هو إثبات تطور حضاري في إفريقيا كان به بعض التطور الفكري الذي يمكن اعتباره، على الأقل، حكمة إفريقية تقترب من الفلسفة أو تمهد لها.
نضيف إلى الحضارة المصرية القديمة وما يكون قد ظهر فيها من حكمة ماظهر أيضا في الحضارة الإسلامية من فلسفة.
بدأت نشأة هذه الفلسفة أولا في آسيا، إذ كان ظهور الإسلام الذي كان أسا لها، ولكنها امتدت بعد ذلك إلى بلدان الشمال الإفريقي بداية من مصر وليبيا، ثم تونس والجزائر والمغرب، أي مايدعى عادة بالغرب الإسلامي حين نضيف إليه الأندلس في عهد سيادة المسلمين بها.
فزيادة على حضور الفلسفة الإسلامية التي نشأت في المشرق، فإن هناك فلاسفة نشأوا وعبروا عن تفكيرهم في بلدان الشمال الإفريقي وكان لهم أثر في تاريخ الفلسفة والفكر الإنسانيين بصفة عامة.
ولعل أهم من نذكرهم في هذا الصدد هم ابن رشد فيلسوف قرطبة ومراكش،الذي كان لفكره أثر لايمكن نكرانه على التاريخ الفلسفي اللاحق عليه ، ثم ابن خلدون الفيلسوف الاجتماعي الذي لايمكن أن نؤرخ للفكر الإنساني في مجاله دون أن نذكره، علما بأنه فكر في إفريقيا التي كان شمالها موضعا لتحليلاته ذات القيمة التي لايمكن التنكر لها.
كما تطورت في الجهة الشمالية من إفريقيا ثقافة تشمل كل العلوم القائمة في زمنها
وهذه الثقافة هي التي انتقلت مع الإسلام إلى البلدان الإفريقية الأخرى التي انتشر بها، وكان من ثمرات ذلك ظهور مفكرين أفارقة استوعبوا تلك الثقافة وأضافوا إليها لا ينبغي أن نهمل،كذلك، الحكمة الإفريقية التي ظهرت في البلدان الإفريقية التي لم يدخلها الإسلام أو التي شكل فيها المسلمون أقلية بين السكان.
وهذا يفيدنا في أن إفريقيا لم تكن خالية من البعد الفكري، والفلسفي بصفة خاصة، في الفترة التي خضعت فيها البلدان الإفريقية للهيمنة الخارجية.
فلإفريقيا تاريخ حضاري وفكري قبل بداية تلك الفترة، وهو ما يشكل التراث الإفريقي الخاص الذي يمنح الذات المفكرة الإفريقية اليوم أرضية فكرة يمكن الانطلاق منها، ولكن في تمازج إيجابي مع معطيات الثقافة الفلسفية الإنسانية بصفة عامة، وخاصة منها الثقافة الفلسفية المعاصرة.
2- نرى أن وضع المتفلسف الإفريقي اليوم هو الانجذاب بكيفية طبيعية إلى تراثين هما : التراث الإفريقي الخاص، ثم التراث الإنساني العام.
يمن التراث الأول نوعا من الثقة بالنفس الذي يجعل الذات الإفريقية، وهي تريد أن تفكر فلسفيا، تعي بأنها لاتنطلق من فراغ فكري.
وأما التراث الثاني، فإنه يضع الفلسفة الإفريقية في سياق الإشكالات الفلسفية الراهنة ويجعلها أمام مهمة مسؤولية المساهمة في التفكير في القضايا المطروحة على الفلسفة اليوم وفي تقديم مساهمة ذات فائدة بالنسبة لإنسانية اليوم بصفة عامة.
لقد لمسنا هذا الأمر ونحن نفكر في وضع الثقافة العربية والإسلامية اليوم، علما بأن ما يعود منها إلى بلدان الشمال الإفريقي يشكل قسما من الثقافة الإفريقية المعاصرة
غير أننا نأخذ هنا الاعتماد على التراث الإفريقي بإضفاء النسبية عليه، مراعين أن هناك انقطاعا لذلك التراث وتوقفا له عن الإبداع بنفس الصفة، ثم أخذا بعين الاعتبار لتوسط الفترة الاستعمارية بينه وبين شروط الفكر الإفريقي، وخاصة منها الشروط اللغوية.
- لاتكون بداية الكوجيتو الإفريقي، انطلاقا من تراثه الخاص فحسب، بل من التراث الإنساني العام، وذلك حتى تكون المساهمة الإفريقية في الفلسفة ذات قيمة إنسانية كونية. فالفكر الفلسفي صادرا عن أية جهة من العالم يطلب دائما قيمة كونية ويتعرف على ذاته من خلال هذه القيمة.
وقد أتاحت المؤسسات التعليمية الحديثة في إفريقيا ووجود تعليم فلسفي بها تهييء الذات المفكرة الإفريقية للسير في هذا الطريق.
كما أننا عند الاطلاع على الإنتاج الإفريقي وجدنا بيبليوغرافيا واسعة مكتوبة باللغات الأجنبية ومنشورة خارج القارة مما يدل على الرغبة في تقديم مساهمات ذات قيمة كونية.
4- أتيحت لنا فرصة حضور عدد من المناظرات التي همت الفلسفة الإفريقية
وهكذا حضرنا المؤتمر الإفريقي الآسيوي للفلسفة (القاهرة، 1978) والمؤتمر العربي الإفريقي للفلسفة (الدار البيضاء 1986) والتقينا بعدد من المشتغلين الأفارقة بالفلسفة، كما كانت لنا فرصة اللقاء بنخبة منهم في بعض المناسبات الأخرى مثل المناظرة الدولية حول الذكرى المائوية الرابعة لديكارت التي حضرها أفارقة من بلدان متعددة.
وفي كل هذه اللقاءات كنا نلمس رغبة الذات المفكرة الإفريقية في المساهمة في التفكير الفلسفي المعاصر، ولكن وفق شروطها الخاصة. وظهرت في كل تلك اللقاءات فكرة تأسيس إطار إفريقي مشترك لتطوير الفلسفة تعليما وتفكيرا في إفريقيا.
وقد استخلصنا من ذلك أن الذات الإفريقية يمكن أن تساهم في التفكير الفلسفي المعاصر بأن تجعل الكوجيتو لديها متعلقا بقضايا لم يسعها التفكير الغربي، ولكنها يمكن يمكن أن تكون موضوعا لمساهمة التفكير غير الغربي بصفة عامة، والإفريقي من بصفة خاصة.
ستكون علاقة الذات الإفريقية بديكارت في هذه الحالة هي الانطلاق معه من الكوجيتو كمنهج دون الالتزام بفكره كمضمون له شروط تاريخية محددة هذا طريق يجعل الفلسفة الإفريقية اليوم مرتبطة بالبعد الكوني للتفكير الفلسفي، ولكن مع اعتبار الشروط الخاصة للقارة والمشكلات المنبثقة عنها ذلك بإيجاز هو طريق الكوجيتو الإفريقي.
كاتب مغربي
https://www.facebook.com/mohamed.wakidi/posts/2254478964567698