مسلكان لطرح علاقة المعرفة بالسلطة علينا أن نستبعدهما بداية:
الطرح الأول هو الذي سبق لديكارت وفرنسيس بيكون وأوغست كونت أن عبروا عنه بطرق مختلفة حينما أكدوا أن من شأن المعرفة أن "تجعلنا سادة على الطبيعة ممتلكين لها"، وأن "العلم قوة وتمكّن".
الطرح الثاني هو الذي رأى أن الفكر يغدو قوة مادية وسلاحا من شأنه أن يسهم في تحويل العالم.
في الطرحين كليهما يُنظر إلى المعرفة في وظيفتها، وتغدو قوتها كامنة إما في كونها تمكننا من التحكّم فيما عرفنا الآليات التي يعمل حسبها، أو في كونها مظهرا من مظاهر صراع القوى المتناحرة داخل المجتمعات، تلك القوى التي يمتد تناحرها إلى مستوى الأفكار والمعارف.
السمة الأساسية التي تطبع الطّرحين كليهما هي أنهما ينظران إلى علاقة السلطة بالمعرفة كعلاقة "تخارج"، بحيث لا تدخل القوة في نسيج المعرفة، وإنما تشكل تطبيقا لها، أو سندا ودعامة.
عندما بيّن نيتشه أن إرادة المعرفة هي إرادة قوة، وأن المعرفة قوة وتسلط، فهو لم يكن يشير إلى تطبيق أو توظيف، وإنما كان يؤسس لطرح جديد مغاير للطرحين السابقين فينظر إلى المعرفة ذاتها على أنها استحواذ وفعل، بل وفعل عنيف. القوة والتسلط لا يوضعان هنا "خارجا"، وإنما في مستوى كل منظور، بل في مستوى كل علامة ودليل. الدليل والعلامة ميدان تناحر واختلاف. إنه الفضاء التفاضلي الذي يكثّف سلسلة لامتناهية من التأويلات.
من هنا يغدو التأويل، ليس بحثا عن معنى أول، وإنما فرض أولويات وأسبقيات وتفاضلات تعود لإرادات المعرفة التي هي إرادات قوة وتسلط. لا تأتي القوة هنا بعد حين، وإنما هي تتلبس التأويل ذاته. هنا يغدو إنتاج المعنى خوضا لحرب. ولن تعود علاقة التأويل بالنصوص، بما فيها نص العالم، علاقة تأمّل ونظر، وإنما، منذ البدء علاقة استحواذ وفرض الأسماء والمعاني. السيادة والتسلط يبدآن بمجرد إطلاق الأسماء، لأن السادة هم الذين يُسمُّونَ فيَسْمُونَ.
على هذا النحو، ليست هناك درجة صفر للمعنى، ليست هناك درجة صفر للدلالة. ليس هناك إلا منظورات متفاضلة متناحرة. والواقع ذاته ليس إلا كمية من القوة سبق الاستحواذ عليها بعنف التأويل. العالم مسكون بقوى تتناحر بغية الاستحواذ على كميات الواقع.
معنى الشيء هو القوة التي تستحوذ عليه فتطلق عليه اسما، أو لنقل على الأصح: إنه القوة التي تستبدل الاسم الذي كانت تطلقه عليه قوة أخرى استحوذ عليها. هاهنا يغدو إضفاء المعنى غزوا وتسلطا. في هذا الباب يؤكد فوكو: "إن التأويل لا يكشف خفايا مادة للتأويل تعطي نفسها بشكل سلبي منفعل. التأويل لا يمكنه إلا أن يستحوذ وبعنف على تأويل آخر سبق وجوده من قبل فيقلّبه ويقلِبه ويُنزل عليه ضربات المطرقة".
لا يتعلق الأمر إذن بتحديد وظائف المعارف وتطبيقاتها، وإنما بالتسليم بأننا نعيش حروبا لا متناهية لإضفاء المعاني على الأشياء وإطلاق الأسماء عليها، وأننا لا نفكر ولا نعمل إلا في أنظمة معينة للحقيقة، وأن الحقيقة ليست خاصية خطاب، وهي ليست قضية منطق واستدلالات، بل إنها نظام وجود. إنها ليست نتيجة استدلال، وإنما فاعل الفواعل، ما دامت أنظمتها تشكل القبلي التاريخي الذي يحدد شروط الإمكان، إمكان الفعل، أو على الأصح إمكان القول كفعل.
الطرح الأول هو الذي سبق لديكارت وفرنسيس بيكون وأوغست كونت أن عبروا عنه بطرق مختلفة حينما أكدوا أن من شأن المعرفة أن "تجعلنا سادة على الطبيعة ممتلكين لها"، وأن "العلم قوة وتمكّن".
الطرح الثاني هو الذي رأى أن الفكر يغدو قوة مادية وسلاحا من شأنه أن يسهم في تحويل العالم.
في الطرحين كليهما يُنظر إلى المعرفة في وظيفتها، وتغدو قوتها كامنة إما في كونها تمكننا من التحكّم فيما عرفنا الآليات التي يعمل حسبها، أو في كونها مظهرا من مظاهر صراع القوى المتناحرة داخل المجتمعات، تلك القوى التي يمتد تناحرها إلى مستوى الأفكار والمعارف.
السمة الأساسية التي تطبع الطّرحين كليهما هي أنهما ينظران إلى علاقة السلطة بالمعرفة كعلاقة "تخارج"، بحيث لا تدخل القوة في نسيج المعرفة، وإنما تشكل تطبيقا لها، أو سندا ودعامة.
عندما بيّن نيتشه أن إرادة المعرفة هي إرادة قوة، وأن المعرفة قوة وتسلط، فهو لم يكن يشير إلى تطبيق أو توظيف، وإنما كان يؤسس لطرح جديد مغاير للطرحين السابقين فينظر إلى المعرفة ذاتها على أنها استحواذ وفعل، بل وفعل عنيف. القوة والتسلط لا يوضعان هنا "خارجا"، وإنما في مستوى كل منظور، بل في مستوى كل علامة ودليل. الدليل والعلامة ميدان تناحر واختلاف. إنه الفضاء التفاضلي الذي يكثّف سلسلة لامتناهية من التأويلات.
من هنا يغدو التأويل، ليس بحثا عن معنى أول، وإنما فرض أولويات وأسبقيات وتفاضلات تعود لإرادات المعرفة التي هي إرادات قوة وتسلط. لا تأتي القوة هنا بعد حين، وإنما هي تتلبس التأويل ذاته. هنا يغدو إنتاج المعنى خوضا لحرب. ولن تعود علاقة التأويل بالنصوص، بما فيها نص العالم، علاقة تأمّل ونظر، وإنما، منذ البدء علاقة استحواذ وفرض الأسماء والمعاني. السيادة والتسلط يبدآن بمجرد إطلاق الأسماء، لأن السادة هم الذين يُسمُّونَ فيَسْمُونَ.
على هذا النحو، ليست هناك درجة صفر للمعنى، ليست هناك درجة صفر للدلالة. ليس هناك إلا منظورات متفاضلة متناحرة. والواقع ذاته ليس إلا كمية من القوة سبق الاستحواذ عليها بعنف التأويل. العالم مسكون بقوى تتناحر بغية الاستحواذ على كميات الواقع.
معنى الشيء هو القوة التي تستحوذ عليه فتطلق عليه اسما، أو لنقل على الأصح: إنه القوة التي تستبدل الاسم الذي كانت تطلقه عليه قوة أخرى استحوذ عليها. هاهنا يغدو إضفاء المعنى غزوا وتسلطا. في هذا الباب يؤكد فوكو: "إن التأويل لا يكشف خفايا مادة للتأويل تعطي نفسها بشكل سلبي منفعل. التأويل لا يمكنه إلا أن يستحوذ وبعنف على تأويل آخر سبق وجوده من قبل فيقلّبه ويقلِبه ويُنزل عليه ضربات المطرقة".
لا يتعلق الأمر إذن بتحديد وظائف المعارف وتطبيقاتها، وإنما بالتسليم بأننا نعيش حروبا لا متناهية لإضفاء المعاني على الأشياء وإطلاق الأسماء عليها، وأننا لا نفكر ولا نعمل إلا في أنظمة معينة للحقيقة، وأن الحقيقة ليست خاصية خطاب، وهي ليست قضية منطق واستدلالات، بل إنها نظام وجود. إنها ليست نتيجة استدلال، وإنما فاعل الفواعل، ما دامت أنظمتها تشكل القبلي التاريخي الذي يحدد شروط الإمكان، إمكان الفعل، أو على الأصح إمكان القول كفعل.