حياته
هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله ، الصِّديقي القرشي، المعروف بابن الجوزي، والمنسوب الى فرضة الجوز بالبصرة، موضع مشهور، ولد سنة 508هـ/ 1114م ، أو سنة 510هـ/1116م.(1)
صنّف في عدة علوم ،منها :( زاد المسير)في التفسير، و(المنتظم) في التاريخ، و(الموضوعات) في الحديث ،وله رسائل وشعر وتراجم وفقه، وله مجالس في الوعظ، وأجوبة نادرة.(2) وهي أقرب الى المقامات، قال عنه مترجموه، انه صاحب التصانيف الكبيرة الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والزهد والأخبار والتاريخ والطب وغير ذلك.(3) وعلم الناسخ والمنسوخ والوعظ وغيرها، جمع لنفسه مشيخة ذكر بها شيوخه وأخوالهم وروى فيها عن كل واحد منهم.(5)
توفي ابن الجوزي بعد صلاة المغرب من ليلة الجمعة ثاني عشر شهر رمضان سنة 597هـ/ 1200م، بالجانب الغربي من مدينة السلام في داره قريباً من قبر معروف الكرخي بمحلة قَطُفْتا، ودفن بباب حرب.(5)
مقاماته
كتب ابن الجوزي مقاماته (الخمسين) بصفة حِكَم او مقامات وعظية، الغرض منها ايصال فكره الوعظي؛ فهو خطيب ومدرس وشيخ له طلابه ومريدوه، وقد عاش في زمن تدهورت فيه الدولة العباسية وتلاشى الوضع الفكري،ولكن ظهور اعلام كبار من امثاله كان لهم الوقع المؤثر في تطور الحركة الثقافية، في وقت اضمحل فيه دور المدرسة النظامية وبرز دور المدرسة المستنصرية، له كتاب بعنوان (المقامات)[ المعجم المفهرس: ابن حجر،ص419]،وقد طبع بعنوان(مقامات ابن الجوزي).
مهد ابن الجوزي لمقاماته بمقدمة ذكر فيها اسمه وروايته لها ، فأشار الى ما حكاه الحكماء من حكايات غايتها الحكمة، عبر سلسلة من السند؛ فبدأ مع حكاية (الضبع والثعلب) في الحكم بين المتخاصمين، مستشهداً بالمثل القائل:( في بيته يؤتى الحَكم). ثم حكى حكاية ثانية عن الشعبي قال فيها:(( انّ رجلاً صاد قنبرة ، فلما صارت في يده، قالت له: ما تريد أن تصنع بي؟ قال: أذبحك وآكلك ؛حتى احتالت عليه فأطلقها، فلما صارت الشجرة، قالت له: يا شقي لو ذبحتني أخرجت من حوصلتي درتين ، في كل واحدة منهما عشرون مثقالاً[،ثم استمرت تحاوره حتى قالت له:] لا تصدقني بما لا يكون ؟ أنا وريشي ولحمي ودمي لا أكون عشرين مثقالاً)).ثم طارت الى حال سبيلها.
أبرز ما يلاحظ على هذه المقدمة التي ساقها بصفة تمهيد للمقامات، هو محاولته للعودة الى جذور الحكاية التراثية عند العرب، ومن ضمنها حكايات الأمثال والحِكم ؛ لغرض بث الموعظة، التي تتماشى مع توجهاته في خطبه ومجالس وعظه، وحلقات دروسه، ولأنه كاتب موسوعي فقد آثر أن يعبر عن روح عصره بكل موضع، مبرزاً بذلك فنه القصصي، وهو ممن اهتم بموضوع القصاص في كتابه(القصاص والمذكرين)، ثم يبلغ مرحلة سرد المقامات الواحدة تلو الأخرى، لهذا يلحق الحكاية السابقة بحكاية عن (مرض الأسد)، ثم بحكاية (الثعلب والذئب)، وكيف أوهم الثعلب الاسد بضرب الذئب ، فقال الثعلب للذئب: اذا جلست عند الملوك ، فأنظر ماذا يخرج من رأسك.
وهو غالباً ما يروي الحكاية مع سندها، فقد أسند هذه الحكاية الى الشعبي، وأسند التي تليها الى عكرمة، ثم سرد فصلين صغيرين ،حتى بلغ المقامة الأولى ،وعنوانها (في حِكم الاشياء) ،وهي ذات نزعة حوارية بين الفكر والنفس.
المقامة الأولى
تهيمن مهمة الوعظ على مقامات ابن الجوزي، ذلك انه يوظف الحكاية لتكون وسيلة لإيصال أفكاره حتى يتقبلها معظم الناس وهي تحتفظ بالإثارة والعبرة والتشويق ؛ فقد كان ابن الجوزي واعظاً منذ صغره حتى ،فاق أقرانه بالوعظ والنظم، فلقي القبول والاحترام ،وقد حزر مجلسه بمائة ألف، حتى أن الخليفة العباسي المستضئ بالله كان يحضر مجلسه ،من وراء الستار.[ شذرات الذهب، 4/329-330].
وهذا ما شكّل لديه نوعاً من الاستمرارية في التصنيف ،لأنه من يؤمن بالفائدة أكثر من المتعة في ميدان القص؛ لهذا مثل لغة عصره في الميل الى استخدام السجع ،وهو ما لازم كتابته للمقامة منذ الهمذاني مروراً بالحريري، فيبدأ مقامته الأولى بقوله:(( بدوت خالياً والفجر قد تلا السحر، فتلوت تالياً كلما تلاه سحره)). وهي اشارة الى بدايات الاشياء التي سينطلق منها بداية الخلق والتكوين، ورؤية الخالق ،وهو نوع من البحث عن اليقين وماهية الوجود، محاولاً التدليل على أن الخالق محجوب لا يمكن رؤيته ولا تجسيمه، لهذا قال:(( من ظل يطلب الحق من الحسّ ضل، لأنه محجوب عنه بعيد من ،وليعلم أن الحس لا يرى من الموجودات الا الحاضرة، ولا ناظر له الى الغائبات ناظر)).
أبرز ملامح بداياته هذه المقامة المعنونة(حِكم الأشياء)،هو الحجة المنطقية التي يعبر عنها المتكلم / الكاتب ،وهو أن الحس لا يقودك الى رؤية /مشاهدة الخالق ، لأنه محجوب، وانه لا يرى الا ما هو حاضر موجود جسماً، على سطح الطبيعة، وهنا تبرز اللغة الفقهية المقعرة البعيدة عن ليونة اللغة الأدبية، وكانه يحاكي الحريري في تقعره ،فضلاً عن ميله نحو السجع والابهار واختيار المفردات الغريبة التي تمثل شيوع هذا الأسلوب في تلك المرحلة.
لقد ناقش ابن الجوزي من خلال ما ذكرناه حول القدرة الالهية ، ثم تساءل: كيف تربى في حرز مصون عن مشعث، بينما ترفل في ثوب نطفة اكتست برداء علقة ، ثم اكتست صفة مضغة ، ثم انقسمت الى عظم ولحم.
وهنا ينتقل من خلق الكون الى كيفية خلق الانسان، على وفق التصور القرآني؛ وهذا يعني أن مقامات ابن الجوزي تحاكي الملاحم الكبرى مثل ملحمة كلكامش وسفر التكوين البابلي وسفر التكوين التوراتي، لانه مثقف ومهتم بالأديان، وكنه يحتذي (رسائل اخوان الصفا) ذات النزعة الفلسفية، التي كانت سائدة قبل ذلك. لأنه يذكر خلق الانسان وتطوره، ونمو عقله ودماغه، ثم يتدرج نحو خلق السماوات والأرض ،وخلق الأشجار؛ وهو يستخدم فعل الأمر فيغالب الأحيان ،كم في قوله:(( تأمل الرمانة كيف حُشيت بالشحم بين الحَبِّ ليكون غذاءً لها الى وقت عود المثل، ثم بين كل حشوتين لفافة لئلا يتصاّك فيجري ماؤه)).
وهنا تبدو ذات طبيعة فلسفية / دينية أقرب الى جمل اصحاب علم الكلام، وهو يحاول تفسير التكوين والخلق على وفق رؤيته ،وهي جمل تميل الى الطول أحياناً، مع ميل الى الجملة القصيرة لحاجته الى أيضاح فكرته ،مع ايثار الانشائي القائم على استخدام (النداء، والامر).. وغيرها، وهو يشير الى ذاته الساردة ، فيقول:(( قلت: أيها العقل أفتحيط علماً بالمعبود؟ قال :قد شهدت عندي أفعاله بالوجود ، فحصل لي المقصود، فأما إدراك ذاته فتعجز عنه قوتي ، لأنّ رتبته فوق رتبتي، أترك لو مررت في بعض البقاع بقاعٍ ثم عدت وفيه بنيان)).
وهو يحاول أن يفسر نشأة الطبيعة والكون وان يعبر عن رؤيته الخاصة/ الرؤية الفقهية، وأن يحمّل النص / المقامة فكرته، وهو هنا كتابة نفعية ،وليست كتابة انشائية خالصة قائمة بذاتها.
المقامة الثانية
يستكمل رحلته في المقامة الثانية التي عنونها بـ( في وصف قاصٍّ)، أي انه يصف مجلس القصاصين؛ في اشارة الى أنّ المقامة هنا هي نوع من القصة، او مجموعة قصص متتالية؛ فيسرد الكلام على لسانه وعبر ضمير المتكلم(أنا)، فيقول في بدايتها:(( حضرت ليلة مع رفقةٍ من منتخب الأصادق، ليس فيهم الاّ منتخب صادق، وكانت ليلتنا (أمتع) ليالي السنة زال (عنها فيها) النوم والسنه، فطلب جمعنا ان تقطع ليلتنا بلآلئ حسنة، فقلت: لو كان لكم أبو التقويم، فانه بكل علم عليم)).
وهي بداية موفقة ذات نزعة حوارية، ولها اتصال واضح بذات السارد الذي يشكل وجوده محوراً مهماً؛ بحيث انه يرسل عدد أبيات من الشعر لاستدعاء قاص لكي يقضون ليلتهم تحت ظلال سرده المحمّل بالسجع، والقدرة على التلاعب بالكلام، وترتيب الجمل التي تختلف سياقاتها عن سرد مقاماته السابقة التي تميل الى الافهام، والتواصل بين السارد والمستمع/المتلقي، لأن صورة الواعظ الذي يكلم كل قوم بما يفهمون، وبما يستوعبون قد هيمنت عليه؛ وهو يحاول أن يتبادل الأدوار بينه وبين القاص، لأن لكل منهما دوره وأهميته وتأثيره ، لهذا يقود القارئ من منصته الى منصة القاص، من دون أن ينسى دوره في الاهتمام بالأذكار ،منذ نشأة الخليقة ،وبالذات خلق آدم(أبي البشر)، كما يسميه؛ لهذا يسوق القاص الى لعبة الكلام بطريقة ذكية، حين يقول:(( ثم وقع اختيار الوسام على سماع القصص. فقال لهم: انّها لأوفى الأقسام وأوفر الحصص ، فأجعل من محامد الخيار أجمل حصّة، وحشر ،وابتدأ بعد الأذكار بقصة أبي البشر ، فقال: لما خلق الله تعالى آدم ألقاه (كاللّقى) فلما نفخ فيه الروح مات الحاسد فرقاً، ثم أمر الملائكة بالسجود)).
وهذا يعني انه يحاول سرد خطاب الخليقة بطريقة وعظية وحوارية، حتى لا يجعل تبعة ذلك على عاتقه؛ مما يعني انه يحاول اعادة سرد هذه القصص عن الخلق من خلال منظوره الاسلامي المرتبط بالتفسير القرآني. ويستمر في سرد المقامة التي هي جزء من مسيرة مقاماته الخمسين ،المرتبة على وفق نظم نثري خاص يشبه الى حدٍّ ما نظم حبات المسبحة، فيسرد في ذكر الأنبياء حتى ولادة النبي ابراهيم، ليبدأ بالمقامة الثالثة.
قصص الأنبياء
وهو يحاول أن يسرد ما بحوزته من قصص الأنبياء، في مقامته الثانية، بعد أن بدأ بسرد قصص خلق الانسان(أبي البشر)، ماراً بالنبي شعيب والأقوام السالفة، بحيث تبدو مقاماته هذه ذات طبيعة رؤياوية: رؤيا الخلق، رؤيا الأنبياء؛ وبالتالي يصبح القص لديه أشبه بالرؤيا، مستنداً الى ذاكرة دينية تحيل الجزء الأكبر منها الى مشهده الثقافي، وخصوصاً تواريخه وما صنفه عن مناقب الآخرين. وهو لا يفعل شيئاً سوى تفسير بعض الآيات القرآنية التي تتعلق بقصص الأنبياء، مع ان الكثير من التفاسير داخلتها بعض الرؤى والافكار التوراتية والروايات الاسرائيلية، ولكنه يسوقها بصفة مقامات/ قصص، لكي يتهرب من تبعة صحتها أو عدمها. ومن سينتقل من ولادة النبي ابراهيم الى ولادة النبي اسماعيل وسكنه لمكة، مشيراً الى أن ذلك حصل في عهد الاسكندر ذي القرنين، وهنا يسترسل يغذ السير، فيجعل جمله قصيرة ذات وقع خاص، معرجاً الى ما جاء في سورة الكهف ومقترباً من مأزق كلكامش في البحث عن عشبة الخلود، فيقول:(( ثم رأى باقي غرضه في ذمّة مقدرته كالدين، فسلك ما بين السدين، فسدَ السّد على المُفسدين ، فولجوا قِشر قسرهم، فما استطاعوا أن يظهروه)).
فيتلاحق ايقاع الجمل عبر السجع، ثم تقف العبارة وقفة خاصة لكي يتسنى له سرد قصة النبي يوسف، ولكنه يجعلها على لسان المستمعين وبطلب منهم، وهو في سردها لا يخالف الرؤية القرآنية، ولكن اسلامه ومنهجه يسيران على وفق سياقه الذي اختطه لنفسه، ذلك أن المقامة هنا هي تعبير عن رؤية دينية / وجودية ، تحاول أن ترد على الذين يشككون في قصة الخلق ؛وهو غالباً ما يضمن مقاماته نصوصاً من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والسيرة النبوية المعطرة، بعد آن بدا سرده التمهيدي بالحكم والأمثال والحكايات؛ و يبدو التشويق المقدس والسرد المسجع هو المهيمن على سرده لغرض تمكنه من الاقناع والاسترسال من دون مخاوف من النقد آو التشهير في الخروج عما هو سائد من تفاسير وقناعات ؛ولغته هنا مهما لانت او استجابت لحاجة المتلقي الاّ أنها تظل قائمة على الانتقاء، والتركيز وشدة الوقع وايثار الانبهار.
ثم ينتقل بعد ذلك الى قصة النبي موسى، حينما يمتلك الراوي زمام السرد على لسانه ، فيقول:(( فقلت أيها الفرد العليم ،والفذ الكريم، اذكر لنا قصة الكليم، فقال: كانت الكهنة قد اخبرت فرعون بوجود موسى، فأطلق في الأطفال الموسى، فدخل بيت أمّه الطلب ، فألقته في التنور إلقاء الحطب)).
فهو يتجنب الاسترسال في سرد الحكايات / القصص من دون حاجة الآخرين اليه، وطلبهم منه ذلك؛ لهذا يأتي سرده بطلب منهم ، ثم يسترسل منذ البدء بسرد حكاية النبي موسى (الكليم)؛وهنا تلين لغته مع ايثار للسجع وقوة في وقع الجملة. ثم يتناول قصة النبي داود في المقامة الرابعة ، تليها سيرة النبي محمد وغزواته وسراياه، فلا يفوته الاستشهاد بالشعر لزيادة الاقناع، وهو يذكر في مقاماته السبعة عنوان كل مقامة خاصة بسير الأنبياء بـ( فيما سبق)،منذ الثالثة حتى السادسة، أما السابعة فقد جاء عنوانها بـ( في الحب وايثار محبة الحق)،في نزعة خاصة هي قربه من التصوف ،كما فعل في كتابه (صفة الصفوة)، وكذلك في سرده لحكايات العشاق والمحبين في كتابه( ذم الهوى).
في قصص المحبين
وفي المقامة السابعة ينتقل الى (مقام المحبين) وهي حكايات أقرب الى أساطير/ قصص متممة لقصص الانبياء، محاولاً دائماً اثارة الحوار عبر فعل القول(قال .. قلت)، لغرض خلق فضاءات سردية تزيد من فرص الاقناع، لا على السرد المتوالي/ المتراكم الذي ليس له مقدمات، ومسوغات تجعله مقنعاً، مما يجعل مقامته تختلف عنها نوعاً ما؛ وان فكرة المقام / الموقف وسياق الكلام كان حاضراً في ذهنه، وخصوصاً وان في عهده شاعت مقامات المذكرين او مقامات الذكر؛ وهي بدايات تتشابه مع الكثير من مقامات عصره ،ولكنه عندما يتوغل يحاول ان يفسر فلسفة الحب وأنواعه حتى انه يجعله على أربعة فصول/أنواع: أولها ، كبح الهوى، وثانيها، ان يعرف الانسان قدر نفسه ،وثالثها، ان من ضرورة الحب الذّل، ورابعها، التلميح بعين الفكر والتأمل ببصر البصيرة باطن البدن، وحين ينتهي منها ويبلغ المقامة الثامنة(في السفر الى الله) يكون معنياً بالترحال والاسفار، وكأنه يريد ان ينتقل من مشهد في الحياة الى مشهد آخر؛ لهذا يسردها بلغة واضحة ،ولكنها مسجوعة ، فيقول: (( جلست مع الفكر بنادٍ من الاندية ، فلاح ركبٌ بوادٍ من الاودية ، فقمنا لنستبين الحال، فاذا ركبان على الرِّحال ، فنظرنا فاذا العقلُ قد نفر في نفرٍ ، فقلت: الى أين؟ قال: السفر، فقلت: هل تصِحُّ لي معك صحبة)).
وهذه البداية كشف لطبيعة سيرورة هذه المقامة وموضوعها يقوم على وصف الرحلات ،والمعاناة التي يعانيها المسافر، وقد جاءت مقدمات خاصة لغرض ولوج الموضوع ، بحيث تبدو بصفة موجهات لما يليها ، محاولاً أن تبدو متنوعة كل منها تتحدث عن موضوع ما، وليس ثمة بين المقامة والتي تليها رابطة سوى لسان المتكلم ؛وهو ما يبرز موضوعة النظم ، حينما يجعل ترتيب المقامات يشبه ترتيب الآيات والسور القرآنية، مع جزالة اللفظ والتفخيم وتلازم الأفكار من الأعلى الى الأدنى، من حكايات خلق الكون ثم خلق الانسان، ثم يتناول سجايا الانسان، فحين نبلغ المقامة التاسعة المعنونة ( في إيقاظ الغافلين)، أي الغافلين عن ذكر الله، مما يشير الى هيمنة فكرة الوعظ، أما المقامة العاشرة فهي بعنوان( في محاكمة النفس وصاحبها الى العقل) والتي يبدأها بقوله:(( خلوت بنفسي في بعض الأيام، فعاتبتها على النقض والابرام ،ولمتها على الايثار النقض على التمام، وقلت : لماذا أذهبت الأيام في الآثام)).
قصص الشهوات
أما المقامة الحادية عشرة المعنونة (في ذم الأكل في قوة العز)، فهي تناقش شهوات الانسان في الطعام، بينما ناقشت المقامة الثانية عشرة (في الغُزاة) شهوة الحروب وناقشت المقامة الثالثة عشرة( في النهي عن التظرة)شهوة النظر وما يتبعها من محظورات يراها هو كواعظ وفقيه ومؤرخ مهمة. اما المقامة الرابعة عشرة( في الشيب) فهي تخص انحدار حياة الانسان من الصبا الى الشيخوخة وانحسار شهواته ،وضمور منظره، والتي يقول في بدايتها مشيراً الى موضوعها الذي تتناوله :(( رأيت النفس والهوى في زمان الشباب قدتها دَنا، فلما(أعلمها) الشيب أعلمها أن مماتها دنا، فنفرت عن الهوى نفور الوحش اذا رأت قسورة)).وهي تشير الى موقف الكاتب من الشيب وعلاقته بالموت ، فيصف النفس الانسانية اذا رأت بانها تنفر عن الشهوة، لهذا جعل مقامته الخامسة عشرة (في الخائفين)،والمقامة السادسة عشرة (في النفس) والسابعة عشرة (في المواعظ)؛ مما يشير الى الجانب الوعظي والتوجيهي لهذه المقامات ولما تحمله معها من احالات واضحة نحو تقويم النفس الانسانية.
العبادات
وقد جعل مقامته الثامنة عشرة (في الحج) والتاسعة عشرة(في الخلوة ) خاصتين بالعبادة، لان الحج منسك مهم من مناسك المسلمين بينما تعني الخلوة الاعتزال عن الناس لتحقيق التفرغ للعبادة، ثم توج مقامته العشرين (في الصدقة) والتي بعدها في ذم البخل، وعنوانها(والطعام وذكر المريدين) وهي تشير الى علاقة الزهد بالتصوف ،وكيفية ترتيب العلاقة بين الشيخ والمريد، يبدأها بذم البخل على لسان الشيخ مستشهداً بالأشعار والنثر السردي من اجل ايصال الفكرة عبر لغة بليغة تمثل منهج كتابة المقامات ؛ لهذا ينبري المريد لإيضاح موقفه في حوار شعري بين الطرفين، ثم يكمل الفكرة في المقامة الثانية والعشرين (في حسن الصحبة والمداراة)، وهي صحبة السفر وصحبة المريد، مما يجعل العبادات في هذه المقامات واضحة، وهو يحاول أن يوازن بين الجوانب الدينية والحياتية كالأدب والثقافة وصلتهما بالقصص القرآني؛ لهذا بدأ هذه المقامة بالقول:(( بتُّ ليلة أسير الغموم في البيت، وقلبي حسير بالهموم كالميت. فطرق الباب كفُّ طارق، وقال: ضيف . فقلت: من لي بوكف بارق وكيف؟)). فلاحظ قوة السجع وعلاقة السارد بالصحبة والضيوف.
الوعظ
كان عنوان المقامة السابعة عشرة ( في الوعظ)، فلما بلغ المقامة الثالثة ولعشرين جعل عنوانها (في الربيع) ويريد بها النزهة ، وجعل عنوان المقامة التي تليها( في شيء من اللغة) في اشارة الى ميل المقامات الى التغريب اللغوي والتقعر بالكلام، وركوب أصعب الالفاظ والعبارات لبيان القدرات اللغوية للكاتب، ثم تدرج للعودة الى موضوع الوعظ فكان ذلك في مقامته ( في طب القلوب) وأردفها بمقامة (في ذم الدنيا ومدحها)؛ مما يرجح لدي بأن النزعة الوعظية بقيت ماثلة لديه ، حتى وهو يحاول مناقشة الأمور الخاصة بمشاغل الحياة كالتنزه ، ولكنه لا يفصل العمل عن العبادة ، كما يبدو ذلك من مقامته ( في تفضيل العلم والعمل) التي يبدأها بقوله:(( خرجت يوم الجمعة هادئاً (أطلب الجوامع)،وأنا دائماً( مما سنحت الموانع) محصور، فقصدت جامع المنصور. فانفردت وقت الضحى عند الصناديق . فألفيت قوماً كلّهم قد( صحا للتحقيق). فمنهم قائم في صلاته يتأوه كغصن بان (ونشر شوقه) كلّما تجدّد غضّه بان)).
فقد بقي سارداً لمقاماته وهو يصف ما حوله وصفاً خارجياً يحاول به صياغة صورة حيّة للواقع الذي يعيش فيه ،ولهذا يبدو دوره مركزياً في المقامات ،ولغته ذات وقع خاص لها صلة بلغة الوعظ، مع الاهتمام بالغربة والتغريب.
وفي مقامته (في ذم الهوى) يهتم بمراقبة نزعات النفس وكشف حركتها لكي تستجيب لدواعي التقوى، ولابن الجوزي كتاب بعنوان(ذم الهوى) سرد فيه حكايات عن الحب مشوقة ؛وهي مما كان متداولاً في عصره عن حبِّ الدنيا وعفة الجسد والنفس ،ونفي الشهوات، لهذا أردف المقامة السابقة بمقامة عنوانها( في ذم ابليس) وتلاها بعدة مقامات منها:( في المحبين، في التعازي، في ذم البخل ومدح الكرم، في وداع رمضان، في وعظ السلطان)، ينتقل بعدها الى وصف الواعظ ودواء العشق؛ وهكذا هو يسمي صنوه الذي يرافقه في وعظه بأبي التقويم، لهذا أشار اليه في مستهل أكثر من مقامة ومن ذلك قوله في المقامة السادسة والثلاثين:(( عَلِقَ بقلبي شخص هوى، فكلما رفعتهُ عن نقص هَوى. فكنت أُعاني من ثقلِ حَملِ ذلك واُعالج .أكثر من ثقل رمل عالج. فبينما أنا ليلة في قلق عظيم. اذ طرق الباب عليّ أبو التقويم. ففتحت له فارتحت اليه فحدثني الغرائب . وأنا بينَ يديه كالغائب . فقال: مالك؟ فقلت: قلبي مشغول)).
أبرز ملامح هذه المقامة انها تتحدث عن الماضي ،وانها عبارة عن حوار بين السارد وبين بي التقويم، الذي يريد به الناصح والمقوّم؛ وهو يحضر كما يحضر الضيف الذي يطرق الباب؛ وهو في معرض الحديث عن مشاغل القلب بالشهوات، حيث يتكشف للمتلقي بأنه كان عاشقاً ،وان الانشغال هنا ليس انشغال الجسد بشهوات الطعام والشراب؛ وانما عليه ان يشغل اللب/ القلب ،لهذا يبدو العشق بصور مختلفة(حب الخالق، حب الأخ، حب المرأة)، وهو يداري مشاعره باستخدام الشعر لكي يوهم المتلقي بتصورات غير واضحة ،وان مال بعض الاحيان الى التصورات الحسية التي تكشف عن ولع السارد بشهوة الجسد؛ وتبدو بدايات المقامات كاشفة لخواتيمها؛ فالعنوان يحيل الى ما تعبر عنه كل واحدة منها، ففي مقامة (في العزلة) احالة الى مقامة(في الخلوة) ولاثنتان تحيلان الى الابتعاد عن الأسفار والشهوات.
مواقف
وفي مقامته الثامنة والثلاثين( في الأمثال) ثمة أشعار تتضمن الموعظة والحكمة، تليها مقامة (في الوعظ) وهذه عوة الى الدور الوعظي لمقامات ابن الجوزي، التي ينتقل منها الى نقد العقل الصوفي في مقامته (في صوفية الزمان) التي يتناول في ملامح من تعارض التصوف مع الحياة الدينية ،كما فعل في كتابه (تلبيس ابليس) لهذا يقول:(( ثم خالطوني بأعمال قباح يسمون مناخ البطالة الرباط. ويخوضون في الجهالة الى الآباط)). وعموم ما بقي من مقاماته يتناول موضوعات الوعظ والحكم والزهد وذم الدنيا والبحث عن الاخ الصادق، وتنتهي بتذييل للناسخ يشير الى زمن نسخه لهذه المقامات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- وفيات الأعيان،3/ 140-142؛ ذيل تاريخ بغداد، 4/ 43؛ شذرات الذهب، 4/ 329.
2- وفيات الأعيان، 3/ 140141.
3- شذرات الذهب، 4/329.
4- ذيل تاريخ بغداد،4/ 43-44.
5- ينظر: وفيات الأعيان، 3/ 142؛ ذيل تاريخ بغداد، / 46؛ شذرات الذهب، 4/ 329.
www.alnaked-aliraqi.net
هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله ، الصِّديقي القرشي، المعروف بابن الجوزي، والمنسوب الى فرضة الجوز بالبصرة، موضع مشهور، ولد سنة 508هـ/ 1114م ، أو سنة 510هـ/1116م.(1)
صنّف في عدة علوم ،منها :( زاد المسير)في التفسير، و(المنتظم) في التاريخ، و(الموضوعات) في الحديث ،وله رسائل وشعر وتراجم وفقه، وله مجالس في الوعظ، وأجوبة نادرة.(2) وهي أقرب الى المقامات، قال عنه مترجموه، انه صاحب التصانيف الكبيرة الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والزهد والأخبار والتاريخ والطب وغير ذلك.(3) وعلم الناسخ والمنسوخ والوعظ وغيرها، جمع لنفسه مشيخة ذكر بها شيوخه وأخوالهم وروى فيها عن كل واحد منهم.(5)
توفي ابن الجوزي بعد صلاة المغرب من ليلة الجمعة ثاني عشر شهر رمضان سنة 597هـ/ 1200م، بالجانب الغربي من مدينة السلام في داره قريباً من قبر معروف الكرخي بمحلة قَطُفْتا، ودفن بباب حرب.(5)
مقاماته
كتب ابن الجوزي مقاماته (الخمسين) بصفة حِكَم او مقامات وعظية، الغرض منها ايصال فكره الوعظي؛ فهو خطيب ومدرس وشيخ له طلابه ومريدوه، وقد عاش في زمن تدهورت فيه الدولة العباسية وتلاشى الوضع الفكري،ولكن ظهور اعلام كبار من امثاله كان لهم الوقع المؤثر في تطور الحركة الثقافية، في وقت اضمحل فيه دور المدرسة النظامية وبرز دور المدرسة المستنصرية، له كتاب بعنوان (المقامات)[ المعجم المفهرس: ابن حجر،ص419]،وقد طبع بعنوان(مقامات ابن الجوزي).
مهد ابن الجوزي لمقاماته بمقدمة ذكر فيها اسمه وروايته لها ، فأشار الى ما حكاه الحكماء من حكايات غايتها الحكمة، عبر سلسلة من السند؛ فبدأ مع حكاية (الضبع والثعلب) في الحكم بين المتخاصمين، مستشهداً بالمثل القائل:( في بيته يؤتى الحَكم). ثم حكى حكاية ثانية عن الشعبي قال فيها:(( انّ رجلاً صاد قنبرة ، فلما صارت في يده، قالت له: ما تريد أن تصنع بي؟ قال: أذبحك وآكلك ؛حتى احتالت عليه فأطلقها، فلما صارت الشجرة، قالت له: يا شقي لو ذبحتني أخرجت من حوصلتي درتين ، في كل واحدة منهما عشرون مثقالاً[،ثم استمرت تحاوره حتى قالت له:] لا تصدقني بما لا يكون ؟ أنا وريشي ولحمي ودمي لا أكون عشرين مثقالاً)).ثم طارت الى حال سبيلها.
أبرز ما يلاحظ على هذه المقدمة التي ساقها بصفة تمهيد للمقامات، هو محاولته للعودة الى جذور الحكاية التراثية عند العرب، ومن ضمنها حكايات الأمثال والحِكم ؛ لغرض بث الموعظة، التي تتماشى مع توجهاته في خطبه ومجالس وعظه، وحلقات دروسه، ولأنه كاتب موسوعي فقد آثر أن يعبر عن روح عصره بكل موضع، مبرزاً بذلك فنه القصصي، وهو ممن اهتم بموضوع القصاص في كتابه(القصاص والمذكرين)، ثم يبلغ مرحلة سرد المقامات الواحدة تلو الأخرى، لهذا يلحق الحكاية السابقة بحكاية عن (مرض الأسد)، ثم بحكاية (الثعلب والذئب)، وكيف أوهم الثعلب الاسد بضرب الذئب ، فقال الثعلب للذئب: اذا جلست عند الملوك ، فأنظر ماذا يخرج من رأسك.
وهو غالباً ما يروي الحكاية مع سندها، فقد أسند هذه الحكاية الى الشعبي، وأسند التي تليها الى عكرمة، ثم سرد فصلين صغيرين ،حتى بلغ المقامة الأولى ،وعنوانها (في حِكم الاشياء) ،وهي ذات نزعة حوارية بين الفكر والنفس.
المقامة الأولى
تهيمن مهمة الوعظ على مقامات ابن الجوزي، ذلك انه يوظف الحكاية لتكون وسيلة لإيصال أفكاره حتى يتقبلها معظم الناس وهي تحتفظ بالإثارة والعبرة والتشويق ؛ فقد كان ابن الجوزي واعظاً منذ صغره حتى ،فاق أقرانه بالوعظ والنظم، فلقي القبول والاحترام ،وقد حزر مجلسه بمائة ألف، حتى أن الخليفة العباسي المستضئ بالله كان يحضر مجلسه ،من وراء الستار.[ شذرات الذهب، 4/329-330].
وهذا ما شكّل لديه نوعاً من الاستمرارية في التصنيف ،لأنه من يؤمن بالفائدة أكثر من المتعة في ميدان القص؛ لهذا مثل لغة عصره في الميل الى استخدام السجع ،وهو ما لازم كتابته للمقامة منذ الهمذاني مروراً بالحريري، فيبدأ مقامته الأولى بقوله:(( بدوت خالياً والفجر قد تلا السحر، فتلوت تالياً كلما تلاه سحره)). وهي اشارة الى بدايات الاشياء التي سينطلق منها بداية الخلق والتكوين، ورؤية الخالق ،وهو نوع من البحث عن اليقين وماهية الوجود، محاولاً التدليل على أن الخالق محجوب لا يمكن رؤيته ولا تجسيمه، لهذا قال:(( من ظل يطلب الحق من الحسّ ضل، لأنه محجوب عنه بعيد من ،وليعلم أن الحس لا يرى من الموجودات الا الحاضرة، ولا ناظر له الى الغائبات ناظر)).
أبرز ملامح بداياته هذه المقامة المعنونة(حِكم الأشياء)،هو الحجة المنطقية التي يعبر عنها المتكلم / الكاتب ،وهو أن الحس لا يقودك الى رؤية /مشاهدة الخالق ، لأنه محجوب، وانه لا يرى الا ما هو حاضر موجود جسماً، على سطح الطبيعة، وهنا تبرز اللغة الفقهية المقعرة البعيدة عن ليونة اللغة الأدبية، وكانه يحاكي الحريري في تقعره ،فضلاً عن ميله نحو السجع والابهار واختيار المفردات الغريبة التي تمثل شيوع هذا الأسلوب في تلك المرحلة.
لقد ناقش ابن الجوزي من خلال ما ذكرناه حول القدرة الالهية ، ثم تساءل: كيف تربى في حرز مصون عن مشعث، بينما ترفل في ثوب نطفة اكتست برداء علقة ، ثم اكتست صفة مضغة ، ثم انقسمت الى عظم ولحم.
وهنا ينتقل من خلق الكون الى كيفية خلق الانسان، على وفق التصور القرآني؛ وهذا يعني أن مقامات ابن الجوزي تحاكي الملاحم الكبرى مثل ملحمة كلكامش وسفر التكوين البابلي وسفر التكوين التوراتي، لانه مثقف ومهتم بالأديان، وكنه يحتذي (رسائل اخوان الصفا) ذات النزعة الفلسفية، التي كانت سائدة قبل ذلك. لأنه يذكر خلق الانسان وتطوره، ونمو عقله ودماغه، ثم يتدرج نحو خلق السماوات والأرض ،وخلق الأشجار؛ وهو يستخدم فعل الأمر فيغالب الأحيان ،كم في قوله:(( تأمل الرمانة كيف حُشيت بالشحم بين الحَبِّ ليكون غذاءً لها الى وقت عود المثل، ثم بين كل حشوتين لفافة لئلا يتصاّك فيجري ماؤه)).
وهنا تبدو ذات طبيعة فلسفية / دينية أقرب الى جمل اصحاب علم الكلام، وهو يحاول تفسير التكوين والخلق على وفق رؤيته ،وهي جمل تميل الى الطول أحياناً، مع ميل الى الجملة القصيرة لحاجته الى أيضاح فكرته ،مع ايثار الانشائي القائم على استخدام (النداء، والامر).. وغيرها، وهو يشير الى ذاته الساردة ، فيقول:(( قلت: أيها العقل أفتحيط علماً بالمعبود؟ قال :قد شهدت عندي أفعاله بالوجود ، فحصل لي المقصود، فأما إدراك ذاته فتعجز عنه قوتي ، لأنّ رتبته فوق رتبتي، أترك لو مررت في بعض البقاع بقاعٍ ثم عدت وفيه بنيان)).
وهو يحاول أن يفسر نشأة الطبيعة والكون وان يعبر عن رؤيته الخاصة/ الرؤية الفقهية، وأن يحمّل النص / المقامة فكرته، وهو هنا كتابة نفعية ،وليست كتابة انشائية خالصة قائمة بذاتها.
المقامة الثانية
يستكمل رحلته في المقامة الثانية التي عنونها بـ( في وصف قاصٍّ)، أي انه يصف مجلس القصاصين؛ في اشارة الى أنّ المقامة هنا هي نوع من القصة، او مجموعة قصص متتالية؛ فيسرد الكلام على لسانه وعبر ضمير المتكلم(أنا)، فيقول في بدايتها:(( حضرت ليلة مع رفقةٍ من منتخب الأصادق، ليس فيهم الاّ منتخب صادق، وكانت ليلتنا (أمتع) ليالي السنة زال (عنها فيها) النوم والسنه، فطلب جمعنا ان تقطع ليلتنا بلآلئ حسنة، فقلت: لو كان لكم أبو التقويم، فانه بكل علم عليم)).
وهي بداية موفقة ذات نزعة حوارية، ولها اتصال واضح بذات السارد الذي يشكل وجوده محوراً مهماً؛ بحيث انه يرسل عدد أبيات من الشعر لاستدعاء قاص لكي يقضون ليلتهم تحت ظلال سرده المحمّل بالسجع، والقدرة على التلاعب بالكلام، وترتيب الجمل التي تختلف سياقاتها عن سرد مقاماته السابقة التي تميل الى الافهام، والتواصل بين السارد والمستمع/المتلقي، لأن صورة الواعظ الذي يكلم كل قوم بما يفهمون، وبما يستوعبون قد هيمنت عليه؛ وهو يحاول أن يتبادل الأدوار بينه وبين القاص، لأن لكل منهما دوره وأهميته وتأثيره ، لهذا يقود القارئ من منصته الى منصة القاص، من دون أن ينسى دوره في الاهتمام بالأذكار ،منذ نشأة الخليقة ،وبالذات خلق آدم(أبي البشر)، كما يسميه؛ لهذا يسوق القاص الى لعبة الكلام بطريقة ذكية، حين يقول:(( ثم وقع اختيار الوسام على سماع القصص. فقال لهم: انّها لأوفى الأقسام وأوفر الحصص ، فأجعل من محامد الخيار أجمل حصّة، وحشر ،وابتدأ بعد الأذكار بقصة أبي البشر ، فقال: لما خلق الله تعالى آدم ألقاه (كاللّقى) فلما نفخ فيه الروح مات الحاسد فرقاً، ثم أمر الملائكة بالسجود)).
وهذا يعني انه يحاول سرد خطاب الخليقة بطريقة وعظية وحوارية، حتى لا يجعل تبعة ذلك على عاتقه؛ مما يعني انه يحاول اعادة سرد هذه القصص عن الخلق من خلال منظوره الاسلامي المرتبط بالتفسير القرآني. ويستمر في سرد المقامة التي هي جزء من مسيرة مقاماته الخمسين ،المرتبة على وفق نظم نثري خاص يشبه الى حدٍّ ما نظم حبات المسبحة، فيسرد في ذكر الأنبياء حتى ولادة النبي ابراهيم، ليبدأ بالمقامة الثالثة.
قصص الأنبياء
وهو يحاول أن يسرد ما بحوزته من قصص الأنبياء، في مقامته الثانية، بعد أن بدأ بسرد قصص خلق الانسان(أبي البشر)، ماراً بالنبي شعيب والأقوام السالفة، بحيث تبدو مقاماته هذه ذات طبيعة رؤياوية: رؤيا الخلق، رؤيا الأنبياء؛ وبالتالي يصبح القص لديه أشبه بالرؤيا، مستنداً الى ذاكرة دينية تحيل الجزء الأكبر منها الى مشهده الثقافي، وخصوصاً تواريخه وما صنفه عن مناقب الآخرين. وهو لا يفعل شيئاً سوى تفسير بعض الآيات القرآنية التي تتعلق بقصص الأنبياء، مع ان الكثير من التفاسير داخلتها بعض الرؤى والافكار التوراتية والروايات الاسرائيلية، ولكنه يسوقها بصفة مقامات/ قصص، لكي يتهرب من تبعة صحتها أو عدمها. ومن سينتقل من ولادة النبي ابراهيم الى ولادة النبي اسماعيل وسكنه لمكة، مشيراً الى أن ذلك حصل في عهد الاسكندر ذي القرنين، وهنا يسترسل يغذ السير، فيجعل جمله قصيرة ذات وقع خاص، معرجاً الى ما جاء في سورة الكهف ومقترباً من مأزق كلكامش في البحث عن عشبة الخلود، فيقول:(( ثم رأى باقي غرضه في ذمّة مقدرته كالدين، فسلك ما بين السدين، فسدَ السّد على المُفسدين ، فولجوا قِشر قسرهم، فما استطاعوا أن يظهروه)).
فيتلاحق ايقاع الجمل عبر السجع، ثم تقف العبارة وقفة خاصة لكي يتسنى له سرد قصة النبي يوسف، ولكنه يجعلها على لسان المستمعين وبطلب منهم، وهو في سردها لا يخالف الرؤية القرآنية، ولكن اسلامه ومنهجه يسيران على وفق سياقه الذي اختطه لنفسه، ذلك أن المقامة هنا هي تعبير عن رؤية دينية / وجودية ، تحاول أن ترد على الذين يشككون في قصة الخلق ؛وهو غالباً ما يضمن مقاماته نصوصاً من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والسيرة النبوية المعطرة، بعد آن بدا سرده التمهيدي بالحكم والأمثال والحكايات؛ و يبدو التشويق المقدس والسرد المسجع هو المهيمن على سرده لغرض تمكنه من الاقناع والاسترسال من دون مخاوف من النقد آو التشهير في الخروج عما هو سائد من تفاسير وقناعات ؛ولغته هنا مهما لانت او استجابت لحاجة المتلقي الاّ أنها تظل قائمة على الانتقاء، والتركيز وشدة الوقع وايثار الانبهار.
ثم ينتقل بعد ذلك الى قصة النبي موسى، حينما يمتلك الراوي زمام السرد على لسانه ، فيقول:(( فقلت أيها الفرد العليم ،والفذ الكريم، اذكر لنا قصة الكليم، فقال: كانت الكهنة قد اخبرت فرعون بوجود موسى، فأطلق في الأطفال الموسى، فدخل بيت أمّه الطلب ، فألقته في التنور إلقاء الحطب)).
فهو يتجنب الاسترسال في سرد الحكايات / القصص من دون حاجة الآخرين اليه، وطلبهم منه ذلك؛ لهذا يأتي سرده بطلب منهم ، ثم يسترسل منذ البدء بسرد حكاية النبي موسى (الكليم)؛وهنا تلين لغته مع ايثار للسجع وقوة في وقع الجملة. ثم يتناول قصة النبي داود في المقامة الرابعة ، تليها سيرة النبي محمد وغزواته وسراياه، فلا يفوته الاستشهاد بالشعر لزيادة الاقناع، وهو يذكر في مقاماته السبعة عنوان كل مقامة خاصة بسير الأنبياء بـ( فيما سبق)،منذ الثالثة حتى السادسة، أما السابعة فقد جاء عنوانها بـ( في الحب وايثار محبة الحق)،في نزعة خاصة هي قربه من التصوف ،كما فعل في كتابه (صفة الصفوة)، وكذلك في سرده لحكايات العشاق والمحبين في كتابه( ذم الهوى).
في قصص المحبين
وفي المقامة السابعة ينتقل الى (مقام المحبين) وهي حكايات أقرب الى أساطير/ قصص متممة لقصص الانبياء، محاولاً دائماً اثارة الحوار عبر فعل القول(قال .. قلت)، لغرض خلق فضاءات سردية تزيد من فرص الاقناع، لا على السرد المتوالي/ المتراكم الذي ليس له مقدمات، ومسوغات تجعله مقنعاً، مما يجعل مقامته تختلف عنها نوعاً ما؛ وان فكرة المقام / الموقف وسياق الكلام كان حاضراً في ذهنه، وخصوصاً وان في عهده شاعت مقامات المذكرين او مقامات الذكر؛ وهي بدايات تتشابه مع الكثير من مقامات عصره ،ولكنه عندما يتوغل يحاول ان يفسر فلسفة الحب وأنواعه حتى انه يجعله على أربعة فصول/أنواع: أولها ، كبح الهوى، وثانيها، ان يعرف الانسان قدر نفسه ،وثالثها، ان من ضرورة الحب الذّل، ورابعها، التلميح بعين الفكر والتأمل ببصر البصيرة باطن البدن، وحين ينتهي منها ويبلغ المقامة الثامنة(في السفر الى الله) يكون معنياً بالترحال والاسفار، وكأنه يريد ان ينتقل من مشهد في الحياة الى مشهد آخر؛ لهذا يسردها بلغة واضحة ،ولكنها مسجوعة ، فيقول: (( جلست مع الفكر بنادٍ من الاندية ، فلاح ركبٌ بوادٍ من الاودية ، فقمنا لنستبين الحال، فاذا ركبان على الرِّحال ، فنظرنا فاذا العقلُ قد نفر في نفرٍ ، فقلت: الى أين؟ قال: السفر، فقلت: هل تصِحُّ لي معك صحبة)).
وهذه البداية كشف لطبيعة سيرورة هذه المقامة وموضوعها يقوم على وصف الرحلات ،والمعاناة التي يعانيها المسافر، وقد جاءت مقدمات خاصة لغرض ولوج الموضوع ، بحيث تبدو بصفة موجهات لما يليها ، محاولاً أن تبدو متنوعة كل منها تتحدث عن موضوع ما، وليس ثمة بين المقامة والتي تليها رابطة سوى لسان المتكلم ؛وهو ما يبرز موضوعة النظم ، حينما يجعل ترتيب المقامات يشبه ترتيب الآيات والسور القرآنية، مع جزالة اللفظ والتفخيم وتلازم الأفكار من الأعلى الى الأدنى، من حكايات خلق الكون ثم خلق الانسان، ثم يتناول سجايا الانسان، فحين نبلغ المقامة التاسعة المعنونة ( في إيقاظ الغافلين)، أي الغافلين عن ذكر الله، مما يشير الى هيمنة فكرة الوعظ، أما المقامة العاشرة فهي بعنوان( في محاكمة النفس وصاحبها الى العقل) والتي يبدأها بقوله:(( خلوت بنفسي في بعض الأيام، فعاتبتها على النقض والابرام ،ولمتها على الايثار النقض على التمام، وقلت : لماذا أذهبت الأيام في الآثام)).
قصص الشهوات
أما المقامة الحادية عشرة المعنونة (في ذم الأكل في قوة العز)، فهي تناقش شهوات الانسان في الطعام، بينما ناقشت المقامة الثانية عشرة (في الغُزاة) شهوة الحروب وناقشت المقامة الثالثة عشرة( في النهي عن التظرة)شهوة النظر وما يتبعها من محظورات يراها هو كواعظ وفقيه ومؤرخ مهمة. اما المقامة الرابعة عشرة( في الشيب) فهي تخص انحدار حياة الانسان من الصبا الى الشيخوخة وانحسار شهواته ،وضمور منظره، والتي يقول في بدايتها مشيراً الى موضوعها الذي تتناوله :(( رأيت النفس والهوى في زمان الشباب قدتها دَنا، فلما(أعلمها) الشيب أعلمها أن مماتها دنا، فنفرت عن الهوى نفور الوحش اذا رأت قسورة)).وهي تشير الى موقف الكاتب من الشيب وعلاقته بالموت ، فيصف النفس الانسانية اذا رأت بانها تنفر عن الشهوة، لهذا جعل مقامته الخامسة عشرة (في الخائفين)،والمقامة السادسة عشرة (في النفس) والسابعة عشرة (في المواعظ)؛ مما يشير الى الجانب الوعظي والتوجيهي لهذه المقامات ولما تحمله معها من احالات واضحة نحو تقويم النفس الانسانية.
العبادات
وقد جعل مقامته الثامنة عشرة (في الحج) والتاسعة عشرة(في الخلوة ) خاصتين بالعبادة، لان الحج منسك مهم من مناسك المسلمين بينما تعني الخلوة الاعتزال عن الناس لتحقيق التفرغ للعبادة، ثم توج مقامته العشرين (في الصدقة) والتي بعدها في ذم البخل، وعنوانها(والطعام وذكر المريدين) وهي تشير الى علاقة الزهد بالتصوف ،وكيفية ترتيب العلاقة بين الشيخ والمريد، يبدأها بذم البخل على لسان الشيخ مستشهداً بالأشعار والنثر السردي من اجل ايصال الفكرة عبر لغة بليغة تمثل منهج كتابة المقامات ؛ لهذا ينبري المريد لإيضاح موقفه في حوار شعري بين الطرفين، ثم يكمل الفكرة في المقامة الثانية والعشرين (في حسن الصحبة والمداراة)، وهي صحبة السفر وصحبة المريد، مما يجعل العبادات في هذه المقامات واضحة، وهو يحاول أن يوازن بين الجوانب الدينية والحياتية كالأدب والثقافة وصلتهما بالقصص القرآني؛ لهذا بدأ هذه المقامة بالقول:(( بتُّ ليلة أسير الغموم في البيت، وقلبي حسير بالهموم كالميت. فطرق الباب كفُّ طارق، وقال: ضيف . فقلت: من لي بوكف بارق وكيف؟)). فلاحظ قوة السجع وعلاقة السارد بالصحبة والضيوف.
الوعظ
كان عنوان المقامة السابعة عشرة ( في الوعظ)، فلما بلغ المقامة الثالثة ولعشرين جعل عنوانها (في الربيع) ويريد بها النزهة ، وجعل عنوان المقامة التي تليها( في شيء من اللغة) في اشارة الى ميل المقامات الى التغريب اللغوي والتقعر بالكلام، وركوب أصعب الالفاظ والعبارات لبيان القدرات اللغوية للكاتب، ثم تدرج للعودة الى موضوع الوعظ فكان ذلك في مقامته ( في طب القلوب) وأردفها بمقامة (في ذم الدنيا ومدحها)؛ مما يرجح لدي بأن النزعة الوعظية بقيت ماثلة لديه ، حتى وهو يحاول مناقشة الأمور الخاصة بمشاغل الحياة كالتنزه ، ولكنه لا يفصل العمل عن العبادة ، كما يبدو ذلك من مقامته ( في تفضيل العلم والعمل) التي يبدأها بقوله:(( خرجت يوم الجمعة هادئاً (أطلب الجوامع)،وأنا دائماً( مما سنحت الموانع) محصور، فقصدت جامع المنصور. فانفردت وقت الضحى عند الصناديق . فألفيت قوماً كلّهم قد( صحا للتحقيق). فمنهم قائم في صلاته يتأوه كغصن بان (ونشر شوقه) كلّما تجدّد غضّه بان)).
فقد بقي سارداً لمقاماته وهو يصف ما حوله وصفاً خارجياً يحاول به صياغة صورة حيّة للواقع الذي يعيش فيه ،ولهذا يبدو دوره مركزياً في المقامات ،ولغته ذات وقع خاص لها صلة بلغة الوعظ، مع الاهتمام بالغربة والتغريب.
وفي مقامته (في ذم الهوى) يهتم بمراقبة نزعات النفس وكشف حركتها لكي تستجيب لدواعي التقوى، ولابن الجوزي كتاب بعنوان(ذم الهوى) سرد فيه حكايات عن الحب مشوقة ؛وهي مما كان متداولاً في عصره عن حبِّ الدنيا وعفة الجسد والنفس ،ونفي الشهوات، لهذا أردف المقامة السابقة بمقامة عنوانها( في ذم ابليس) وتلاها بعدة مقامات منها:( في المحبين، في التعازي، في ذم البخل ومدح الكرم، في وداع رمضان، في وعظ السلطان)، ينتقل بعدها الى وصف الواعظ ودواء العشق؛ وهكذا هو يسمي صنوه الذي يرافقه في وعظه بأبي التقويم، لهذا أشار اليه في مستهل أكثر من مقامة ومن ذلك قوله في المقامة السادسة والثلاثين:(( عَلِقَ بقلبي شخص هوى، فكلما رفعتهُ عن نقص هَوى. فكنت أُعاني من ثقلِ حَملِ ذلك واُعالج .أكثر من ثقل رمل عالج. فبينما أنا ليلة في قلق عظيم. اذ طرق الباب عليّ أبو التقويم. ففتحت له فارتحت اليه فحدثني الغرائب . وأنا بينَ يديه كالغائب . فقال: مالك؟ فقلت: قلبي مشغول)).
أبرز ملامح هذه المقامة انها تتحدث عن الماضي ،وانها عبارة عن حوار بين السارد وبين بي التقويم، الذي يريد به الناصح والمقوّم؛ وهو يحضر كما يحضر الضيف الذي يطرق الباب؛ وهو في معرض الحديث عن مشاغل القلب بالشهوات، حيث يتكشف للمتلقي بأنه كان عاشقاً ،وان الانشغال هنا ليس انشغال الجسد بشهوات الطعام والشراب؛ وانما عليه ان يشغل اللب/ القلب ،لهذا يبدو العشق بصور مختلفة(حب الخالق، حب الأخ، حب المرأة)، وهو يداري مشاعره باستخدام الشعر لكي يوهم المتلقي بتصورات غير واضحة ،وان مال بعض الاحيان الى التصورات الحسية التي تكشف عن ولع السارد بشهوة الجسد؛ وتبدو بدايات المقامات كاشفة لخواتيمها؛ فالعنوان يحيل الى ما تعبر عنه كل واحدة منها، ففي مقامة (في العزلة) احالة الى مقامة(في الخلوة) ولاثنتان تحيلان الى الابتعاد عن الأسفار والشهوات.
مواقف
وفي مقامته الثامنة والثلاثين( في الأمثال) ثمة أشعار تتضمن الموعظة والحكمة، تليها مقامة (في الوعظ) وهذه عوة الى الدور الوعظي لمقامات ابن الجوزي، التي ينتقل منها الى نقد العقل الصوفي في مقامته (في صوفية الزمان) التي يتناول في ملامح من تعارض التصوف مع الحياة الدينية ،كما فعل في كتابه (تلبيس ابليس) لهذا يقول:(( ثم خالطوني بأعمال قباح يسمون مناخ البطالة الرباط. ويخوضون في الجهالة الى الآباط)). وعموم ما بقي من مقاماته يتناول موضوعات الوعظ والحكم والزهد وذم الدنيا والبحث عن الاخ الصادق، وتنتهي بتذييل للناسخ يشير الى زمن نسخه لهذه المقامات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- وفيات الأعيان،3/ 140-142؛ ذيل تاريخ بغداد، 4/ 43؛ شذرات الذهب، 4/ 329.
2- وفيات الأعيان، 3/ 140141.
3- شذرات الذهب، 4/329.
4- ذيل تاريخ بغداد،4/ 43-44.
5- ينظر: وفيات الأعيان، 3/ 142؛ ذيل تاريخ بغداد، / 46؛ شذرات الذهب، 4/ 329.
د. قيس كاظم الجنابي: مقامات ابن الجوزي - الناقد العراقي
حياته هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله ، الصِّديقي القرشي، المعروف بابن الجوزي، والمنسوب الى فرضة الجوز بالبصرة، موضع مشهور، ولد سنة 508هـ/ 1114م ، أو سنة 510هـ/1116م.(1) صنّف في عدة علوم ،منها :( زاد المسير)في التفسير، و(المنتظم) في التاريخ، و(الموضوعات)...