تطرح عبارة LA SOCIÉTÉ DU SPECTACLE التي يضعها المفكر الفرنسي جي دوبور GUY DEBORD عنوانا لكتابه الأساس، صعوبات جمة، ليس في نقلها إلى اللغة العربية فحسب ،
بل حتى في تحديد معناها. ذلك أن من شأنها أن توحي لأول وهلة بأن المفكر الفرنسي يصف نوعا خاصا من المجتمعات يمكن بمفرده أن تصدق عليه تلك العبارة، هذا في حين إن المقصود ليس مجتمعات بعينها، وإنما نمطا للعيش جديدا غدا يطبع المجتمعات المعاصرة جميعها، وإن بدرجات متفاوتة.
النوع الثاني من الصعوبات يتعلق بالترجمة، وهنا لا تكمن الصعوبة في كلمة مجتمع، بل في لفظ SPECTACLE، إذ ليس من السهل حصر المعاني المتعدِدة والمعقدة التي يعطيها المؤلف لتلك الكلمة. وإذا كنا قد جارينا هنا الترجمة المتداولة للكلمة فلأنّها لا تبعد في نظرنا كثيراً عن بعض تلك المعاني؛ فهي تحيل- أوّلاً وقبل كلّ شيء- إلى «الانفراج» والابتعاد والانفلات الذي يطبع المجتمعات المعاصرة، فيجعل ما يعاش على نحو مباشر منفلتاً، مبتعدا عن نفسه، متحوّلا إلى صور وتمثّلات.
مجتمع الفرجة هو مجتمع يعاش فيه الشيء مبتعدا عن ذاته مفوضا بديله وصورة عنه. إنه المجتمع الذي يستبدل فيه العالم المحسوس بمقتطف من الصور التي توجد «فوقه»، والتي تقدِّم نفسها على أنها هي المحسوس بلا منازع.
قد يقال إن الأمر لا يعدو هنا عودة منمّقة إلى نظرية الاستلاب، وقد يُستدلّ على ذلك بأن المؤلِّف يضع على غلاف كتابه عبارة لودفيغ فيورباخ التي يلعن فيها المجتمع الذي حوَّل «الشيء إلى صورة، والأصل إلى نسخة، والواقع إلى تمثيل، والوجود إلى مظهر». إلا أن جديداً يظل يطبع موقف دوبور وهو يتمثَّل أساساً في ما يمكن أن نطلق عليه «واقعية الرمزي»، ونظرته إلى المظهر لا على أنه «سقطة» وضياع واغتراب، وإنما بصفته يتميَّز بوجود فعلي، ويتمتَّع بمفعول قويّ يتجلّى في قدرته على إقامة شرخ بين الواقع ونفسه، وإحداث «انفراج» وتصدّع في الكائن الاجتماعي. ليس هذا بطبيعة الحال امتداحاً للمظهر، على النحو الذي نجده عند نيتشه، الذي ذهب إلى حَدّ إعادة النظر في أنطلوجيا المظهر، وإنما هو مجرَّد وصف للآلية التي غدت تتحكَّم في المجتمعات المعاصرة التي تحتلّ فيها الصورة مكانة كبرى، ويغدو فيها العالم صوراً، يغدو فيها العالم صورة العالم.
لا تُرَدُّ عبارة «مجتمع الفرجة»، والحالة هذه، إلى نوع من المجتمعات دون آخر، وإنما إلى آلية غدت تطبع المجتمعات المعاصرة، وتحبك نسيج العلائق الاجتماعية فيها.الفرجة هي تلك الحركة الدؤوبة التي تطبع تلك المجتمعات، وتَتَّخذ أشكالاً متعدّدة مثل الإعلام والدعاية، والإشهار، وصناعة الرأي العام، كي تحوّل العالم الذي لم يعد في الإمكان الإمساك به إلى صور، فـ«تضعها تحت الأنظار».
الفرجة- إذاً- هي تأكيد واقعية المظهر، والتسليم بأنّ كلّ حياة بشرية مجرّد مظهر، إلا أنّه مظهر «خضع لتنظيم اجتماعيّ». فبينما كان الثنائيّ: الوجود، والعِندية ÊTRE ،AVOIR كافيين لفهم المرحلة الأولى لهيمنة الاقتصادي على الحياة الاجتماعية، حيث اعتبر كلّ إنجاز بشري تدهورا للوجود وانحلاله إلى «عِندية» أو تملُّك، فإنّ مجتمع الفرجة غداً يستدعي زوجاً آخر هو الوجود الفعليّ والمظهر ÊTRE،PARAÎTRE . وهكذا «فإنّ ما يظهر أصبح جيّداً، وما هو جيّد غدا مظهرا».
هذه المكانة التي يعطيها دوبور للمظهر في الحياة المعاصرة، لا ليجعله مجرد تشويه ونتيجة «استلاب» يخفي حقيقة الأمور، ويلون الواقع الفعلي للأشياء، وإنما ليوحّد بينه وبين ذلك الواقع، ويجعله نسيج التنظيم الاجتماعي، هذه المكانة هي التي جعلت كتابه يُنظَر إليه على أنه وراء كل القراءات الجديدة التي أُعطِيت للماركسية سواء عند أهلها، أو عند المتعاطفين معها، فمكَّنتها من أن تتجاوز العقبات الكبرى التي كانت تطرحها نظرية الاستلاب باعتبارها تحمل بقايا الفصل الثنائي بين حقيقة الأشياء وما قد يلحقها من تشويه، ذلك الفصل الذي يعود به البعض إلى معان دينية
بل حتى في تحديد معناها. ذلك أن من شأنها أن توحي لأول وهلة بأن المفكر الفرنسي يصف نوعا خاصا من المجتمعات يمكن بمفرده أن تصدق عليه تلك العبارة، هذا في حين إن المقصود ليس مجتمعات بعينها، وإنما نمطا للعيش جديدا غدا يطبع المجتمعات المعاصرة جميعها، وإن بدرجات متفاوتة.
النوع الثاني من الصعوبات يتعلق بالترجمة، وهنا لا تكمن الصعوبة في كلمة مجتمع، بل في لفظ SPECTACLE، إذ ليس من السهل حصر المعاني المتعدِدة والمعقدة التي يعطيها المؤلف لتلك الكلمة. وإذا كنا قد جارينا هنا الترجمة المتداولة للكلمة فلأنّها لا تبعد في نظرنا كثيراً عن بعض تلك المعاني؛ فهي تحيل- أوّلاً وقبل كلّ شيء- إلى «الانفراج» والابتعاد والانفلات الذي يطبع المجتمعات المعاصرة، فيجعل ما يعاش على نحو مباشر منفلتاً، مبتعدا عن نفسه، متحوّلا إلى صور وتمثّلات.
مجتمع الفرجة هو مجتمع يعاش فيه الشيء مبتعدا عن ذاته مفوضا بديله وصورة عنه. إنه المجتمع الذي يستبدل فيه العالم المحسوس بمقتطف من الصور التي توجد «فوقه»، والتي تقدِّم نفسها على أنها هي المحسوس بلا منازع.
قد يقال إن الأمر لا يعدو هنا عودة منمّقة إلى نظرية الاستلاب، وقد يُستدلّ على ذلك بأن المؤلِّف يضع على غلاف كتابه عبارة لودفيغ فيورباخ التي يلعن فيها المجتمع الذي حوَّل «الشيء إلى صورة، والأصل إلى نسخة، والواقع إلى تمثيل، والوجود إلى مظهر». إلا أن جديداً يظل يطبع موقف دوبور وهو يتمثَّل أساساً في ما يمكن أن نطلق عليه «واقعية الرمزي»، ونظرته إلى المظهر لا على أنه «سقطة» وضياع واغتراب، وإنما بصفته يتميَّز بوجود فعلي، ويتمتَّع بمفعول قويّ يتجلّى في قدرته على إقامة شرخ بين الواقع ونفسه، وإحداث «انفراج» وتصدّع في الكائن الاجتماعي. ليس هذا بطبيعة الحال امتداحاً للمظهر، على النحو الذي نجده عند نيتشه، الذي ذهب إلى حَدّ إعادة النظر في أنطلوجيا المظهر، وإنما هو مجرَّد وصف للآلية التي غدت تتحكَّم في المجتمعات المعاصرة التي تحتلّ فيها الصورة مكانة كبرى، ويغدو فيها العالم صوراً، يغدو فيها العالم صورة العالم.
لا تُرَدُّ عبارة «مجتمع الفرجة»، والحالة هذه، إلى نوع من المجتمعات دون آخر، وإنما إلى آلية غدت تطبع المجتمعات المعاصرة، وتحبك نسيج العلائق الاجتماعية فيها.الفرجة هي تلك الحركة الدؤوبة التي تطبع تلك المجتمعات، وتَتَّخذ أشكالاً متعدّدة مثل الإعلام والدعاية، والإشهار، وصناعة الرأي العام، كي تحوّل العالم الذي لم يعد في الإمكان الإمساك به إلى صور، فـ«تضعها تحت الأنظار».
الفرجة- إذاً- هي تأكيد واقعية المظهر، والتسليم بأنّ كلّ حياة بشرية مجرّد مظهر، إلا أنّه مظهر «خضع لتنظيم اجتماعيّ». فبينما كان الثنائيّ: الوجود، والعِندية ÊTRE ،AVOIR كافيين لفهم المرحلة الأولى لهيمنة الاقتصادي على الحياة الاجتماعية، حيث اعتبر كلّ إنجاز بشري تدهورا للوجود وانحلاله إلى «عِندية» أو تملُّك، فإنّ مجتمع الفرجة غداً يستدعي زوجاً آخر هو الوجود الفعليّ والمظهر ÊTRE،PARAÎTRE . وهكذا «فإنّ ما يظهر أصبح جيّداً، وما هو جيّد غدا مظهرا».
هذه المكانة التي يعطيها دوبور للمظهر في الحياة المعاصرة، لا ليجعله مجرد تشويه ونتيجة «استلاب» يخفي حقيقة الأمور، ويلون الواقع الفعلي للأشياء، وإنما ليوحّد بينه وبين ذلك الواقع، ويجعله نسيج التنظيم الاجتماعي، هذه المكانة هي التي جعلت كتابه يُنظَر إليه على أنه وراء كل القراءات الجديدة التي أُعطِيت للماركسية سواء عند أهلها، أو عند المتعاطفين معها، فمكَّنتها من أن تتجاوز العقبات الكبرى التي كانت تطرحها نظرية الاستلاب باعتبارها تحمل بقايا الفصل الثنائي بين حقيقة الأشياء وما قد يلحقها من تشويه، ذلك الفصل الذي يعود به البعض إلى معان دينية