قل لي كيف هي مؤخرتك، أقل لك من أنتَ!
قولي لي كيف هي مؤخرتك، أقل لك من أنت ِ!
مما قبل أفلاطون، إلى ما بعد رولان بارت، وإلى الآن، وما بعد الآن في الأفق النظور، كان هناك تشغيل للجسد نصّياً، كتابته بمؤثرات تخيلية، ليكون لدينا ما يُسمّيه جنسانياً. للذكر ختمه، وهو يخفي مؤخرته، للأنثى ختمها التالي، وقد أُبرِزت مؤخرتها، تبعاً للسلطة القائمة بجنسانيتها.
هل هذا جائز، وتبعاً لأي قياس منطقي؟
ألا يقولون إن النص جسد، أو يتحدثون عن جسد النص، وهو مطروح بمفهوم بشري " جسد الإنسان حصراً "، لهذا، فنحن أمام جسد مأخوذ بأطرافه المرئية المقدَّرة، وبأعضائه المنظور إليها بارزة للعيان. نحن إزاء أكبر فضيحة معرفية للنص – الجسد، أو الجسد- النص تاريخياً، لحظة " توقيفه " أعني وضعه بين قوسين بالمفهوم الإيبوخي الهوسرلي " تعليق الكلمة، أو أي مفهوم بين مزدوجتين، أو قوسين، للتأكد منها/ منه، طبعاً لا بد أننا في الحالة هذه سنعاينها/ سنعاينه جنسانياً "، فضيحة عدم وجود جسد معياري، إنما ما يكون منمذجاً، ما يطرَح نصاً، وهو مركَّب جسدياً في متخيل صاحبه، مهما كان موقعه.
ماالذي يثير هنا؟ ماالذي جرى العمل باسمه، على صعيد الكتابة، مشرقاً ومغرباً؟ أي وهْم سيَق واُشتغِل عليه حقيقةً؟ أي تاريخ زُجّ به ليطال الأشياء ويحيلها أسماء بمقاسات محددة، تتناغم بحسابات محروسة ؟
سأقولها في الحال،والحال تاريخ طويل ومتشعب،ومنبن ٍ على خدَع نفسية، ثقافية كثيرة وكبيرة، وهي أن الكتابات التي تسمَّى نصوصاً هي التي تعلِمنا بذلك، ولهذا، ومن هنا، حيث الـ" هنا " لا يُرى بسهولة، ولا يسبَر غوره بسهولة، وهذا يضفي على أي تحرّ له طابع المغامرة والمخاطرة، من هنا، هنا حيث تدور اللعبة، يمكن النظر، ومكاشفة النظر وماوراءه، حيث المؤخرة تمْثُل للنظر الدقيق العميق.
إذا كان لنا أن نتحدث عن النص بوصفه جسداً، وليس هناك من حاول الكتابة، ولم يدخِل جسده بمفهومه العضوي، العصبي، النفسي في مشغل عملية التخيُّل" كتابة مخاضية " وصولاً إلى عملية التسطير " كتابة مبصرة للنور ". هنا، ستحضر كتلة الجسم، الأطراف، الأعضاء الظاهرة التي تصل الجسم بداخله بالعالم الخارجي عبر أطرافه، وما يكون وسيطاً عملياً، وأدائياً بين داخله وخارجه، ليس كإطراح، وإنما كجالب للمتعة، بالنسبة للشخص، ومحقّق محقق للآخر المقابِل، ونوعية التسوية التي تتم بمقتضاها العلاقة بين كل جسم، وهو جسد، بمفهومه المعرفي، وعالمه المحيط به حيث يشغله بمؤثراته، وحيث يشغله هو نفسه بردود أفعاله، وهذا التجاذب يبقيه في حراك مستمر، وإن بدا سلبياً تماماً، ومن النواحي كافة، طالما أنه حي .
في الحديث عن النص المشبَّه بالجسد، وكما هو شائع ومتداول بشكل مفرط للغاية، تحضر العلامة الشاهدة على فعْل الزمن فيه، كما هو الآن، على موقع " تدابير الزمان " وفولكلورياته الاعتبارية، إن استعنّا بكريستوف بوميان قليلاً هنا، والذي لا يُشَك أبداً أنه كان معنياً إلى حد كبير بهذا التقابل بين النص- الجسد، والجسد- النص، بما أن جسد أي منا مشغول بأثريات الزمان ومقابله المكان، في كل لحظة، أو تبعاً للآن الزماني، ولغتنا تنزل منزلة هذه المؤثرات في التعبير عما يجري داخلاً وخارجاً .
يتطلب الدخول في التفاصيل، ولو بصورة نسبية، ومختصرة، الكثير من الوقت، الكثير من الورق والكتابة فيه، وما أسعى إليه، وتبعاً لاهتمامي بهذا الجانب الجسدي جنسانياً، على عقود من الزمن، هو كيفية تشخيص هذه العلاقة المركَّبة، وضبطها، كيفية تسليط الضوء عليها، وذلك من خلال إظهار الجسد الذي شوّه كنص كتثيراً على مدى أعصر وحقب زمنية .
في النص بوصفه جسداً، كما نقول: جسد النص، أو التصور الجسدي للنص، أوالمفهوم الجسدي في النص...الخ، هناك شيء أكثر من كونه مجرد شيء ليس غائباً عما تقدم، وإنما مغيَّب، بتعمد، كما هي إرادة الكاتب الماكرة، وهي دوام الحديث عن الجسد الممثّل للنص، دونما تحديد فعلي لجنسانيته، دونما إظهار أي صلة قرابة بينه وبين متكلمه. يا للمفارقة ؟
لنمعن النظر في عبارات كهذه:
كان دأب أفلاطون هو في كيفية طرح مقولاته الفلسفية، عبر تخيلها جسدياً، وإضفاء ميزة ذكورية عليها، بنوع من التأبيد، حيث تقوم مثُله، من خلال مفهومه المدفوع به إلى الأمام، بخاصيته المسيطِرة، كما لو أنه معدوم المؤخرة. أو ليست مشاهد الفن تاريخياً تحرص كثيراً، على إظهار عضو الذكورة للرجل، مقابل إظهار مؤخرة المرأة أكثر ؟
كان دأب رولان بارت هو في كيفية التصعيد بمفهوم المتعة واللذة " متعة النص ولذته " إلى مفهوم فلسفي مشبع بمذاق أدبي، للتشويش على المرجع الرئيس لجنسانية نصه، أي كما لو أنه نص لا جنسي، كما لو أنه لباس يمكن أن يرتديه أي كان: ذكراً أم أنثى، كبيراً أو صغيراً، وما في ذلك من نزْع الصفة الزمنية عنه، ليصلح لكل زمان ومكان، وأن خرافة " موت المؤلف " ربما قدِمت، أو جاءت، أو انبثقت من هذه الفكرة الجهنمية والفظيعة، وهي في كيفية القيام بدور الساحر، للإيقاع بقارئه، وكأنه خارج دائرة المحاسبة، أو المناقشة، بينما تكون ذكورته عالقة في متن نصه، وفي هامش نصه كذلك ؟!
تالياً، يمكن الحديث عن تجربة كتابة مثيرة، واللغة التي تعايَن هنا، ويمكن النظر فيها، هي في كونها كتابة، وهي تجربة جاك دريدا " 1930-2004 "، أي لازالت تجربة طازجة رائجة بتداعيات مكوناتها البحثية" التفكيكية "، وهي في كونه حاول وباستماتة، أن يقدّم نصاً منغرساً، منغرزاً معاً في أرضية الواقع الصلبة، واقعه هو كما تصوره، على أنه ختام القول، ختام النصوص الجديرة باعتمادها المرجع للحقيقة، وذلك ببناء نص على هيئة جسد، صارخ بذكورته " في كتابه: الغراماتولوجيا: علم الكتابة ، ربط الكتابة فعلاً بالاستمناء "، ونازلاً، لم يتردد في إيجاد مخرج للكتابة الدنيوية، الكتابة كجهاز إطراح، برازاً ليس إلا.
في سياق هذا الكم الهائل من النصوص التي تصل ما بين السماء والأرض، يتراءى النص- الجسد، وبالعكس، كيف؟ من خلال ما هو غفل عن التسمية الفعلية، والتي لا تتطلب عمق نظْر، أو تفكيراً مركَّزاً، أي جنسانيته المؤجلة:
في مفهوم " مؤخرة النص " يربض سر ما، يتم تحاشيه، وهو أنه إذا كان النص بهذا المفهوم مطروحاً، فهذا يعني ببساطة، أن كل نص يسمّي كاتبه/ كاتبته، ومن خلال البعد الخرائطي لجسده جنسانياً :
ما يصل بين المقدمة والمؤخرة " تُسمّى أدباً بالخاتمة "، مؤخرة تضمن إنارة معالم النص جسدياً .
يكتب الذكر من منطلق ما يتقدم به، وهو يخفي مؤخرته، وعينه على " أنثاه " جامعاً فيها بين المتعيين بالنسبة إليه: متعة رؤية المؤخرة، ولذة جماعها فرجياً.
تكتب الأنثى نصها، دون أن تتمكن من إظهار كونها متحررة من وطأة الجسد وذاكرته المنجرحة بفعل الآخر، إنه نص مرسوم على هيئة مؤخرة مدافعة عن نفسها، ودون أن تتخلى عن مسقط الغواية فيها، وإن سعت إلى تجاهل ذلك، جرّاء تاريخ طويل مؤثّر فيها، أي كونها " تؤخَذ من المؤخرة، وتسلَّم من المقدمة ". يكفينا النظر في نصوص المرأة هذه وقد تشكلت جسدياً، لمكاشفة هذه المأساة التي تعيشها، وتكونها هي نفسها، وكما تقولها شهادة النصوص المكتوبة تاريخياً .
" من مؤخرة النص " مقولة، أكثر من كونها نقطة علّام، علامة فارقة، إنها محاولة انعطاف بالمفهوم صوب فضاء مفتوح لرؤية النص في عمومه، وكيفية كتابته وفْق صورة ملتقطة عن الجسد، صورة متحولة، غير مستقرة، كما هو نهر الزمان طبعاً، إنما يبقى الجسد فارضاً سلطته، وفي السلطة توجد مأثرة السلطة الثقافية بألوانها ومؤثراتها بالمقابل، حيث يكف النص، أي نص، عن أن يكون مجرد جسد، دون تصوّره في كلّيته، دون طرحه بعيداً عمّا يكونه، ويكون عليه، أماماً وخلْفاً، حيث إن الذكر، مهما زعم من مناشدة لحقيقة مجرَّدة من كل مصلحة جانبية، يبقى ظل جسده، بذكَره ومؤخرته داخل النص، على حوافيه، وفي متداعياته، يبقى للنص هنا لونه، طعمه، شكله، رائحته، وحيث المؤخرة هي الناطقة كثيراً بحقيقة المقدمة، هي المحك لها بالمقابل، على أكثر من صعيد، وحيث إن الأنثى، أو المرأة هنا، مهما ادَّعت أنها تكتب نصاً " فوق شبهات جنسانية " فهي لا يمكنها، كما يقول نصها، التحرر من امتداد نفوذ ظلال جسدها على النص، وفي داخلها، يصعب عليها، أو ربما يستحيل عليها، أن تقدّم نصاً، وهي بمعزل عما تكون عليه صورتها المؤخراتية لحظة البدء بالكتابة، والانتهاء منها.
في نصها هي الأخرى، ثمة لعبة عائدة إليها، لعبة قد تخفي عمقاً، سوى أن سطوع بلاغة المقدمة، يبقى محدوداً، من خلال المؤخرة التي تجنى ثمار النص بها، نصها هو الآخر، له مذاق آخر، طعم آخر، جلاء رائحة أخرى، عبر الربط بينت كل من المقدمة والمؤخرة، إنما ما يمكن للمؤخرة عينها هنا، أن تكون كشافة أثر، وناطقة بدلالة المقدمة ومسارها جنسانياً. من هنا تؤكد الكتابة هذه مغامرتها البحثية إلى " هناك".
قولي لي كيف هي مؤخرتك، أقل لك من أنت ِ!
مما قبل أفلاطون، إلى ما بعد رولان بارت، وإلى الآن، وما بعد الآن في الأفق النظور، كان هناك تشغيل للجسد نصّياً، كتابته بمؤثرات تخيلية، ليكون لدينا ما يُسمّيه جنسانياً. للذكر ختمه، وهو يخفي مؤخرته، للأنثى ختمها التالي، وقد أُبرِزت مؤخرتها، تبعاً للسلطة القائمة بجنسانيتها.
هل هذا جائز، وتبعاً لأي قياس منطقي؟
ألا يقولون إن النص جسد، أو يتحدثون عن جسد النص، وهو مطروح بمفهوم بشري " جسد الإنسان حصراً "، لهذا، فنحن أمام جسد مأخوذ بأطرافه المرئية المقدَّرة، وبأعضائه المنظور إليها بارزة للعيان. نحن إزاء أكبر فضيحة معرفية للنص – الجسد، أو الجسد- النص تاريخياً، لحظة " توقيفه " أعني وضعه بين قوسين بالمفهوم الإيبوخي الهوسرلي " تعليق الكلمة، أو أي مفهوم بين مزدوجتين، أو قوسين، للتأكد منها/ منه، طبعاً لا بد أننا في الحالة هذه سنعاينها/ سنعاينه جنسانياً "، فضيحة عدم وجود جسد معياري، إنما ما يكون منمذجاً، ما يطرَح نصاً، وهو مركَّب جسدياً في متخيل صاحبه، مهما كان موقعه.
ماالذي يثير هنا؟ ماالذي جرى العمل باسمه، على صعيد الكتابة، مشرقاً ومغرباً؟ أي وهْم سيَق واُشتغِل عليه حقيقةً؟ أي تاريخ زُجّ به ليطال الأشياء ويحيلها أسماء بمقاسات محددة، تتناغم بحسابات محروسة ؟
سأقولها في الحال،والحال تاريخ طويل ومتشعب،ومنبن ٍ على خدَع نفسية، ثقافية كثيرة وكبيرة، وهي أن الكتابات التي تسمَّى نصوصاً هي التي تعلِمنا بذلك، ولهذا، ومن هنا، حيث الـ" هنا " لا يُرى بسهولة، ولا يسبَر غوره بسهولة، وهذا يضفي على أي تحرّ له طابع المغامرة والمخاطرة، من هنا، هنا حيث تدور اللعبة، يمكن النظر، ومكاشفة النظر وماوراءه، حيث المؤخرة تمْثُل للنظر الدقيق العميق.
إذا كان لنا أن نتحدث عن النص بوصفه جسداً، وليس هناك من حاول الكتابة، ولم يدخِل جسده بمفهومه العضوي، العصبي، النفسي في مشغل عملية التخيُّل" كتابة مخاضية " وصولاً إلى عملية التسطير " كتابة مبصرة للنور ". هنا، ستحضر كتلة الجسم، الأطراف، الأعضاء الظاهرة التي تصل الجسم بداخله بالعالم الخارجي عبر أطرافه، وما يكون وسيطاً عملياً، وأدائياً بين داخله وخارجه، ليس كإطراح، وإنما كجالب للمتعة، بالنسبة للشخص، ومحقّق محقق للآخر المقابِل، ونوعية التسوية التي تتم بمقتضاها العلاقة بين كل جسم، وهو جسد، بمفهومه المعرفي، وعالمه المحيط به حيث يشغله بمؤثراته، وحيث يشغله هو نفسه بردود أفعاله، وهذا التجاذب يبقيه في حراك مستمر، وإن بدا سلبياً تماماً، ومن النواحي كافة، طالما أنه حي .
في الحديث عن النص المشبَّه بالجسد، وكما هو شائع ومتداول بشكل مفرط للغاية، تحضر العلامة الشاهدة على فعْل الزمن فيه، كما هو الآن، على موقع " تدابير الزمان " وفولكلورياته الاعتبارية، إن استعنّا بكريستوف بوميان قليلاً هنا، والذي لا يُشَك أبداً أنه كان معنياً إلى حد كبير بهذا التقابل بين النص- الجسد، والجسد- النص، بما أن جسد أي منا مشغول بأثريات الزمان ومقابله المكان، في كل لحظة، أو تبعاً للآن الزماني، ولغتنا تنزل منزلة هذه المؤثرات في التعبير عما يجري داخلاً وخارجاً .
يتطلب الدخول في التفاصيل، ولو بصورة نسبية، ومختصرة، الكثير من الوقت، الكثير من الورق والكتابة فيه، وما أسعى إليه، وتبعاً لاهتمامي بهذا الجانب الجسدي جنسانياً، على عقود من الزمن، هو كيفية تشخيص هذه العلاقة المركَّبة، وضبطها، كيفية تسليط الضوء عليها، وذلك من خلال إظهار الجسد الذي شوّه كنص كتثيراً على مدى أعصر وحقب زمنية .
في النص بوصفه جسداً، كما نقول: جسد النص، أو التصور الجسدي للنص، أوالمفهوم الجسدي في النص...الخ، هناك شيء أكثر من كونه مجرد شيء ليس غائباً عما تقدم، وإنما مغيَّب، بتعمد، كما هي إرادة الكاتب الماكرة، وهي دوام الحديث عن الجسد الممثّل للنص، دونما تحديد فعلي لجنسانيته، دونما إظهار أي صلة قرابة بينه وبين متكلمه. يا للمفارقة ؟
لنمعن النظر في عبارات كهذه:
كان دأب أفلاطون هو في كيفية طرح مقولاته الفلسفية، عبر تخيلها جسدياً، وإضفاء ميزة ذكورية عليها، بنوع من التأبيد، حيث تقوم مثُله، من خلال مفهومه المدفوع به إلى الأمام، بخاصيته المسيطِرة، كما لو أنه معدوم المؤخرة. أو ليست مشاهد الفن تاريخياً تحرص كثيراً، على إظهار عضو الذكورة للرجل، مقابل إظهار مؤخرة المرأة أكثر ؟
كان دأب رولان بارت هو في كيفية التصعيد بمفهوم المتعة واللذة " متعة النص ولذته " إلى مفهوم فلسفي مشبع بمذاق أدبي، للتشويش على المرجع الرئيس لجنسانية نصه، أي كما لو أنه نص لا جنسي، كما لو أنه لباس يمكن أن يرتديه أي كان: ذكراً أم أنثى، كبيراً أو صغيراً، وما في ذلك من نزْع الصفة الزمنية عنه، ليصلح لكل زمان ومكان، وأن خرافة " موت المؤلف " ربما قدِمت، أو جاءت، أو انبثقت من هذه الفكرة الجهنمية والفظيعة، وهي في كيفية القيام بدور الساحر، للإيقاع بقارئه، وكأنه خارج دائرة المحاسبة، أو المناقشة، بينما تكون ذكورته عالقة في متن نصه، وفي هامش نصه كذلك ؟!
تالياً، يمكن الحديث عن تجربة كتابة مثيرة، واللغة التي تعايَن هنا، ويمكن النظر فيها، هي في كونها كتابة، وهي تجربة جاك دريدا " 1930-2004 "، أي لازالت تجربة طازجة رائجة بتداعيات مكوناتها البحثية" التفكيكية "، وهي في كونه حاول وباستماتة، أن يقدّم نصاً منغرساً، منغرزاً معاً في أرضية الواقع الصلبة، واقعه هو كما تصوره، على أنه ختام القول، ختام النصوص الجديرة باعتمادها المرجع للحقيقة، وذلك ببناء نص على هيئة جسد، صارخ بذكورته " في كتابه: الغراماتولوجيا: علم الكتابة ، ربط الكتابة فعلاً بالاستمناء "، ونازلاً، لم يتردد في إيجاد مخرج للكتابة الدنيوية، الكتابة كجهاز إطراح، برازاً ليس إلا.
في سياق هذا الكم الهائل من النصوص التي تصل ما بين السماء والأرض، يتراءى النص- الجسد، وبالعكس، كيف؟ من خلال ما هو غفل عن التسمية الفعلية، والتي لا تتطلب عمق نظْر، أو تفكيراً مركَّزاً، أي جنسانيته المؤجلة:
في مفهوم " مؤخرة النص " يربض سر ما، يتم تحاشيه، وهو أنه إذا كان النص بهذا المفهوم مطروحاً، فهذا يعني ببساطة، أن كل نص يسمّي كاتبه/ كاتبته، ومن خلال البعد الخرائطي لجسده جنسانياً :
ما يصل بين المقدمة والمؤخرة " تُسمّى أدباً بالخاتمة "، مؤخرة تضمن إنارة معالم النص جسدياً .
يكتب الذكر من منطلق ما يتقدم به، وهو يخفي مؤخرته، وعينه على " أنثاه " جامعاً فيها بين المتعيين بالنسبة إليه: متعة رؤية المؤخرة، ولذة جماعها فرجياً.
تكتب الأنثى نصها، دون أن تتمكن من إظهار كونها متحررة من وطأة الجسد وذاكرته المنجرحة بفعل الآخر، إنه نص مرسوم على هيئة مؤخرة مدافعة عن نفسها، ودون أن تتخلى عن مسقط الغواية فيها، وإن سعت إلى تجاهل ذلك، جرّاء تاريخ طويل مؤثّر فيها، أي كونها " تؤخَذ من المؤخرة، وتسلَّم من المقدمة ". يكفينا النظر في نصوص المرأة هذه وقد تشكلت جسدياً، لمكاشفة هذه المأساة التي تعيشها، وتكونها هي نفسها، وكما تقولها شهادة النصوص المكتوبة تاريخياً .
" من مؤخرة النص " مقولة، أكثر من كونها نقطة علّام، علامة فارقة، إنها محاولة انعطاف بالمفهوم صوب فضاء مفتوح لرؤية النص في عمومه، وكيفية كتابته وفْق صورة ملتقطة عن الجسد، صورة متحولة، غير مستقرة، كما هو نهر الزمان طبعاً، إنما يبقى الجسد فارضاً سلطته، وفي السلطة توجد مأثرة السلطة الثقافية بألوانها ومؤثراتها بالمقابل، حيث يكف النص، أي نص، عن أن يكون مجرد جسد، دون تصوّره في كلّيته، دون طرحه بعيداً عمّا يكونه، ويكون عليه، أماماً وخلْفاً، حيث إن الذكر، مهما زعم من مناشدة لحقيقة مجرَّدة من كل مصلحة جانبية، يبقى ظل جسده، بذكَره ومؤخرته داخل النص، على حوافيه، وفي متداعياته، يبقى للنص هنا لونه، طعمه، شكله، رائحته، وحيث المؤخرة هي الناطقة كثيراً بحقيقة المقدمة، هي المحك لها بالمقابل، على أكثر من صعيد، وحيث إن الأنثى، أو المرأة هنا، مهما ادَّعت أنها تكتب نصاً " فوق شبهات جنسانية " فهي لا يمكنها، كما يقول نصها، التحرر من امتداد نفوذ ظلال جسدها على النص، وفي داخلها، يصعب عليها، أو ربما يستحيل عليها، أن تقدّم نصاً، وهي بمعزل عما تكون عليه صورتها المؤخراتية لحظة البدء بالكتابة، والانتهاء منها.
في نصها هي الأخرى، ثمة لعبة عائدة إليها، لعبة قد تخفي عمقاً، سوى أن سطوع بلاغة المقدمة، يبقى محدوداً، من خلال المؤخرة التي تجنى ثمار النص بها، نصها هو الآخر، له مذاق آخر، طعم آخر، جلاء رائحة أخرى، عبر الربط بينت كل من المقدمة والمؤخرة، إنما ما يمكن للمؤخرة عينها هنا، أن تكون كشافة أثر، وناطقة بدلالة المقدمة ومسارها جنسانياً. من هنا تؤكد الكتابة هذه مغامرتها البحثية إلى " هناك".