منذ عشرين عاما يناديني الزبائن بعبدو النادل . اسمي الحقيقي عبد الله . عمري اليوم خمسة وأربعون سنة . لي زوجة وثلاثة أبناء ، ولد وبنتين . أسكن غرفة في بيت مشترك مع أسر أخرى في هامش المدينة. أتقاضى أجرا شهريا لا يتعدى سبعمائة درهم . أوقع للحاج صاحب المقهى على الورق في نهاية كل شهر أني استلمت ثلاثة آلاف درهم . عشرون عاما وأنا مضطر لأكذب وأصلي في السدة الفوقية عندما تخف الحركة داخل المقهى وأشكو أمري لله ، وأحلم بأجري الحقيقي . الحاج مثلي أيضا يكذب ، و يؤم بنا الصلاة ، ويسرق أجري الحقيقي . قال لي مرة بأن صلاة النهار تمحو ذنوب الليل . لا أعرف ما هي الذنوب الأخرى التي يقترفها الحاج في الليل .
أبدأ عملي في الساعة السابعة صباحا . أتناوب أنا وزميلي على خدمة الزبائن . الحاج صاحب المقهى نظم لنا توزيع المهام . يوم لغسل الأواني والوقوف داخل الكونتوار لمساعدة قريبه في عصر القهوة وبيع السجائر بالتقسيط للزبائن ويوم للعمل . لا أستفيد من يوم عطلة في الأسبوع أو في السنة . أصبحت مثل حمار الطاحونة . حتى لو تنازل الحاج ومنحني عطلة لا أعرف أين أذهب فأعود إلى المقهى !
أطوف على الطاولات طيلة اليوم . عندما يلتحق زبون جديد بالمقهى أقف بجانبه كما نصحي الحاج منذ عشرين سنة ، وأقدم له التحية واستمع إلى طلباته وألبيها في أسرع وقت ممكن . عندما يجلس زبائن كثر في لحظة واحدة وبطاولات مختلفة أقف وانظر وابتسم واسمع : قهوة سوداء عادية . قهوة بالحليب ، قهوة نص نص ، براد شاي بدون سكر ، كوكا . وألبي الطلبات .
بعض الزبائن عندما ينهضون يؤدون ثمن المشروب ويتركون لي بقشيشا يعتبره الحاج جزءا من الأجر الذي أوقع عليه في نهاية الشهر . كل المقاهي تعمل بنفس العرف سواء سيرها حجاج أو سكارى .
مدخول البقشيش يرتفع وينخفض مثل حمى الأطفال في ليل بارد . أعمل بمقهى في حي شعبي . أغلب زبائنه من العمال والموظفين الصغار . عندما يتقاضون أجورهم في بداية الشهر يأتون باكرا إلى المقهى . يحلقون ذقونهم ، ويرتدون ملابس نظيفة ، وبعضهم يستعمل العطر ، ويطلبون سجائر من النوع الجيد ، ويجودون علي بدرهم أو أكثر .
بدءا من الأسبوع الثاني من الشهر تنخفض مداخيل البقشيش بشكل تدريجي حتى تكاد تنعدم في نهايته . وقد اضطر إلى قرض بعضهم ثمن السجائر .
الكثير من الزبائن عندما يجلسون يسألون عن الجرائد ، ويشتمون رئيس الحكومة وبعض وزراءه ، ويستعينون أحيانا بهواتفهم النقالة في تتبع الأخبار وتبادل الفيديوهات في الواتساب .
بعضهم يتبادل أحيانا صورا لنساء بدينات وجميلات سبحان من خلقهن يلبسن ثيابا فاضحة لا تستر سوى عوراتهن .
يتحدثون صباح مساء عن الترقيات والزيادات في الأجور والضرائب وإصلاح التقاعد وقانون الشغل ورؤسائهم في العمل . وينسون ذلك عندما تلعب البارصا أو الريال . أحيانا يتبادلون الأخبار عن الإضراب . ويشتمون النقابات والأحزاب ويقسمون بأغلظ الأيمان ألا يصوتوا على أحزابهم ونقاباتهم في الانتخابات القادمة . عندما يضربون عن العمل يملئون المقهى عن آخرها . ويتحدثون مع معارفهم وأصدقائهم في الهاتف .
لا أستطيع أن أفعل مثلهم . مقاهي كثيرة طردت عمالها لمجرد أنهم تمردوا وطالبوا بتسليمهم نفس الأجر الذي يوقعون عليه . لم يقف بجانبهم أحد . فعادوا إلى العمل في مقاهي أخرى بنفس الشروط بعد أن عانوا من البطالة .
أتعجب لزوجتي كيف تطعم الأبناء ، وتزود البيت بالدقيق والعدس والفول واللوبية والزيت والسكر والشاي والغاز . ومن أين تأتي لهم بالأغطية والملابس القديمة ، وترافق أصغرهم إلى المدرسة بميزانية تقل أو تزيد عن ألف وخمس مئة درهم ، يلتهم منها الكراء والكهرباء والماء الثلث . عندما أمرض يوما أو يومين ولا أذهب إلى العمل تصبح زوجتي مثل دولة في حالة حرب .
أحب عيد الأضحى مثل جميع الفقراء الذين لا يأكلون اللحم إلا في المناسبات . وأكرهه لأنه يُطير النوم من عيني أكثر من شهر على قدومه . وكلما اقترب أجله كلما ازداد رعبي إلى درجة أني عندما اسمع مأمأة أي خروف في المنام أو في اليقظة أقفز ذعرا من مكاني .
مراكش 03 فبراير 2018
أبدأ عملي في الساعة السابعة صباحا . أتناوب أنا وزميلي على خدمة الزبائن . الحاج صاحب المقهى نظم لنا توزيع المهام . يوم لغسل الأواني والوقوف داخل الكونتوار لمساعدة قريبه في عصر القهوة وبيع السجائر بالتقسيط للزبائن ويوم للعمل . لا أستفيد من يوم عطلة في الأسبوع أو في السنة . أصبحت مثل حمار الطاحونة . حتى لو تنازل الحاج ومنحني عطلة لا أعرف أين أذهب فأعود إلى المقهى !
أطوف على الطاولات طيلة اليوم . عندما يلتحق زبون جديد بالمقهى أقف بجانبه كما نصحي الحاج منذ عشرين سنة ، وأقدم له التحية واستمع إلى طلباته وألبيها في أسرع وقت ممكن . عندما يجلس زبائن كثر في لحظة واحدة وبطاولات مختلفة أقف وانظر وابتسم واسمع : قهوة سوداء عادية . قهوة بالحليب ، قهوة نص نص ، براد شاي بدون سكر ، كوكا . وألبي الطلبات .
بعض الزبائن عندما ينهضون يؤدون ثمن المشروب ويتركون لي بقشيشا يعتبره الحاج جزءا من الأجر الذي أوقع عليه في نهاية الشهر . كل المقاهي تعمل بنفس العرف سواء سيرها حجاج أو سكارى .
مدخول البقشيش يرتفع وينخفض مثل حمى الأطفال في ليل بارد . أعمل بمقهى في حي شعبي . أغلب زبائنه من العمال والموظفين الصغار . عندما يتقاضون أجورهم في بداية الشهر يأتون باكرا إلى المقهى . يحلقون ذقونهم ، ويرتدون ملابس نظيفة ، وبعضهم يستعمل العطر ، ويطلبون سجائر من النوع الجيد ، ويجودون علي بدرهم أو أكثر .
بدءا من الأسبوع الثاني من الشهر تنخفض مداخيل البقشيش بشكل تدريجي حتى تكاد تنعدم في نهايته . وقد اضطر إلى قرض بعضهم ثمن السجائر .
الكثير من الزبائن عندما يجلسون يسألون عن الجرائد ، ويشتمون رئيس الحكومة وبعض وزراءه ، ويستعينون أحيانا بهواتفهم النقالة في تتبع الأخبار وتبادل الفيديوهات في الواتساب .
بعضهم يتبادل أحيانا صورا لنساء بدينات وجميلات سبحان من خلقهن يلبسن ثيابا فاضحة لا تستر سوى عوراتهن .
يتحدثون صباح مساء عن الترقيات والزيادات في الأجور والضرائب وإصلاح التقاعد وقانون الشغل ورؤسائهم في العمل . وينسون ذلك عندما تلعب البارصا أو الريال . أحيانا يتبادلون الأخبار عن الإضراب . ويشتمون النقابات والأحزاب ويقسمون بأغلظ الأيمان ألا يصوتوا على أحزابهم ونقاباتهم في الانتخابات القادمة . عندما يضربون عن العمل يملئون المقهى عن آخرها . ويتحدثون مع معارفهم وأصدقائهم في الهاتف .
لا أستطيع أن أفعل مثلهم . مقاهي كثيرة طردت عمالها لمجرد أنهم تمردوا وطالبوا بتسليمهم نفس الأجر الذي يوقعون عليه . لم يقف بجانبهم أحد . فعادوا إلى العمل في مقاهي أخرى بنفس الشروط بعد أن عانوا من البطالة .
أتعجب لزوجتي كيف تطعم الأبناء ، وتزود البيت بالدقيق والعدس والفول واللوبية والزيت والسكر والشاي والغاز . ومن أين تأتي لهم بالأغطية والملابس القديمة ، وترافق أصغرهم إلى المدرسة بميزانية تقل أو تزيد عن ألف وخمس مئة درهم ، يلتهم منها الكراء والكهرباء والماء الثلث . عندما أمرض يوما أو يومين ولا أذهب إلى العمل تصبح زوجتي مثل دولة في حالة حرب .
أحب عيد الأضحى مثل جميع الفقراء الذين لا يأكلون اللحم إلا في المناسبات . وأكرهه لأنه يُطير النوم من عيني أكثر من شهر على قدومه . وكلما اقترب أجله كلما ازداد رعبي إلى درجة أني عندما اسمع مأمأة أي خروف في المنام أو في اليقظة أقفز ذعرا من مكاني .
مراكش 03 فبراير 2018