ينتشر الآن الوباء في المدينة وينتشر الخوف بين ساكنتها. و غدت المدينة تحمل خوفها معها في البيوت وترحل به في الاحياء والشوارع وأماكن العمل التي لم تتوقف. في محلات البيع والاسواق والساحات والمقاهي. والأتوبيس والتاكسي، ومستشفيات المدينة وسجنها والمحاكم والملاعب وغيرها. صارت في صحوها الطويل ونومها القصير تحمل خوفها. كل شيء يتحرك في المدينة أصبح يحمل معه الخوف من المرض أو الغد المظلم أو العزلة والوحدة، وربما الخوف من الموت، أو كلهم جميعا.
أكثر الناس تشاؤما في المدينة لم يكن ينتظر حجم هذا الخوف الذي يلف المدينة الآن. خوف من كل شيء، مثل الخوف الذي نشعر به في الطفولة، لا نعرفه ولا نراه، لكننا نشعر بثقله يدخل مسام الجلد والقلوب والأرواح. خوف يقتحم ما تبقى من اللحظات الحميمية في حياة الناس.
المدينة ليست عادية لا في ماضيها الكبير ولا في حاضرها البئيس. بعد أن حولها صغب السنين الاخيرة الماكرة. وسلم أهلها مفاتيح المدينة للمجهول و صارت عاصمة للأضواء و الهباء. وفجأة لم تعد كما كانت بعد ان خدلها زوارها العابرين من كل مكان، او المقيمين فيها. لقد غادروها مبكرين لأنها صارت مخيفة. ازدادت وحدتها وغمها لأنها لم تعد تزين ليل عاشقيها المترفين، وكانوا هم أول المغادرين حاملين معهم كل ما خف حمله وغلى ثمنه كما يقال.
أهل المدينة الذين أبقاهم الحجر مقيمين فيها لأنها مأواهم وهم أبناءها. أو من أرغم على البقاء لأنه لم يجد الوسيلة للهروب من المدينة بعد ان اشتد الوباء في قيظ صيفها الخانق. صاروا خائفين ومخيفين. فلم يعد يزر المدينة أحد خوفا منهم بعد تفشي العدوى. حتى المتسللين للمدينة، لم يعودوا يغامرون بالزيارة. فلا شيء يغري بعد الآن في هذه المدينة يقول حارس لموقع سيارات مهجور.
ليس لأهالي المدينة ابناء مهاجرون خارج البلد ، ينتظرون حوالة بريدية باسمهم أو شيئا من هذا القبيل. فالمدينة هي من كانت تفتح ذراعيها للزوار والمهاجرين والعابرين والمغامرين واللصوص. فليس لهم إلا رزقهم اليومي إن توفر، ودخلهم الشهري أو تقاعدهم. أما العاطلين الجدد والمقنعين فهم اول الضحايا.
أما الاقارب والاصدقاء البعيدين مثلي، فقد ازداد خوفهم على المدينة وأهلها. صاروا يكتفون بالسؤال البعيد عبر هواتفهم المحمولة، كلما احتد انتشار الوباء في المدينة، وارتفع عدد المصابون. يخافون اكثر عندما يرتفع عدد الضحايا الذين يسقطون بسبب الوباء في المستشفى او في بيوتهم، اوفي اي مكان بالمدينة. ولكن هل يستطيعون أن يقدموا شيئا للمدينة وأهلها غير خوفهم. فالمدينة لا تتسع الآن إلا للخوف الذي يملأ كل شيء يتحرك.
الخوف من الاصابة بالوباء يقول عامل يبحث عن عمل، لم أعد أعبأ به. ما يخيفني هو البحث عن عمل في السماء والارض بدون جدوى. فالكل ينظر إلي بنفور، يهزون أكتافهم ويديرون ظهورهم عني. لم يمنحني أحد فرصة أو يصغي إلي. تم يكمل كلامه صارخا هذا هوما يخيفني.
تطلب امرأة كانت تكسب رزقها بقراءة الورق في الساحة الكبيرة، هل من أحد يساعدني كي أبصر غدي، ويفك عقدة لساني. فلم أعد أبصر شيئا في وضح النهار. فمن سيساعدني لأبصر الغيب كما كنت. فلا ظلام أشد حلكة في المدينة أكثر من اليوم. فكيف سأرى الغد في المدينة.
حب الكلام ونسج النكت و ورواية القصص الساخرة في المدينة، هو أيضا لم يعد يسر الخواطر كما كان. فقد غيرت المدينة من عاداتها مرغمة، وصار كلام اليوم عن حكايات جديدة مجربة وحقيقية. تروى في النهار وليس بعد ان يسقط الظلام. هي مفعمة بالمرارة والحنق من كل شيء في هذه البلاد. تروى من أناس عن أقاربهم واصدقائهم، صاروا مفجوعين في موتهم، أو قلقين على مرضى تركوا لحالهم، وليس كلاما يشبه نشرة الارقام الرسمية في المساء. صار الكلام منفعلا وحادا بين أهل المدينة وأحيانا منفجرا، وصار يأخذ دروبا في الحديث عن كل شيء في المدينة من أسفلها إلى ما فوقها. كلاما بأسماء الضحايا وقصصهم، تروى عنهم حتى يبقوا احياء في الذاكرة وحتى لا تنسى المدينة ضحاياها بعد جلاء الخوف والوباء والموت والغد المظلم.
أما أنا الذي أكتب هذا الكلام فأظن انكم عرفتم المدينة التي أروي عنها وعن أهلها. فمتى سيدق كلام الحقيقة فيها عاليا من حناجر وسواعد أهلها؟ فآنذاك يمكن أن أقول للمدينة وأهلها سأمنحكما قلبي إلى أن يفرقنا الموت.
سعيد كنيش - تمارة في 07/09/2020
https://www.facebook.com/said.gueniche/posts/1784539998372107
أكثر الناس تشاؤما في المدينة لم يكن ينتظر حجم هذا الخوف الذي يلف المدينة الآن. خوف من كل شيء، مثل الخوف الذي نشعر به في الطفولة، لا نعرفه ولا نراه، لكننا نشعر بثقله يدخل مسام الجلد والقلوب والأرواح. خوف يقتحم ما تبقى من اللحظات الحميمية في حياة الناس.
المدينة ليست عادية لا في ماضيها الكبير ولا في حاضرها البئيس. بعد أن حولها صغب السنين الاخيرة الماكرة. وسلم أهلها مفاتيح المدينة للمجهول و صارت عاصمة للأضواء و الهباء. وفجأة لم تعد كما كانت بعد ان خدلها زوارها العابرين من كل مكان، او المقيمين فيها. لقد غادروها مبكرين لأنها صارت مخيفة. ازدادت وحدتها وغمها لأنها لم تعد تزين ليل عاشقيها المترفين، وكانوا هم أول المغادرين حاملين معهم كل ما خف حمله وغلى ثمنه كما يقال.
أهل المدينة الذين أبقاهم الحجر مقيمين فيها لأنها مأواهم وهم أبناءها. أو من أرغم على البقاء لأنه لم يجد الوسيلة للهروب من المدينة بعد ان اشتد الوباء في قيظ صيفها الخانق. صاروا خائفين ومخيفين. فلم يعد يزر المدينة أحد خوفا منهم بعد تفشي العدوى. حتى المتسللين للمدينة، لم يعودوا يغامرون بالزيارة. فلا شيء يغري بعد الآن في هذه المدينة يقول حارس لموقع سيارات مهجور.
ليس لأهالي المدينة ابناء مهاجرون خارج البلد ، ينتظرون حوالة بريدية باسمهم أو شيئا من هذا القبيل. فالمدينة هي من كانت تفتح ذراعيها للزوار والمهاجرين والعابرين والمغامرين واللصوص. فليس لهم إلا رزقهم اليومي إن توفر، ودخلهم الشهري أو تقاعدهم. أما العاطلين الجدد والمقنعين فهم اول الضحايا.
أما الاقارب والاصدقاء البعيدين مثلي، فقد ازداد خوفهم على المدينة وأهلها. صاروا يكتفون بالسؤال البعيد عبر هواتفهم المحمولة، كلما احتد انتشار الوباء في المدينة، وارتفع عدد المصابون. يخافون اكثر عندما يرتفع عدد الضحايا الذين يسقطون بسبب الوباء في المستشفى او في بيوتهم، اوفي اي مكان بالمدينة. ولكن هل يستطيعون أن يقدموا شيئا للمدينة وأهلها غير خوفهم. فالمدينة لا تتسع الآن إلا للخوف الذي يملأ كل شيء يتحرك.
الخوف من الاصابة بالوباء يقول عامل يبحث عن عمل، لم أعد أعبأ به. ما يخيفني هو البحث عن عمل في السماء والارض بدون جدوى. فالكل ينظر إلي بنفور، يهزون أكتافهم ويديرون ظهورهم عني. لم يمنحني أحد فرصة أو يصغي إلي. تم يكمل كلامه صارخا هذا هوما يخيفني.
تطلب امرأة كانت تكسب رزقها بقراءة الورق في الساحة الكبيرة، هل من أحد يساعدني كي أبصر غدي، ويفك عقدة لساني. فلم أعد أبصر شيئا في وضح النهار. فمن سيساعدني لأبصر الغيب كما كنت. فلا ظلام أشد حلكة في المدينة أكثر من اليوم. فكيف سأرى الغد في المدينة.
حب الكلام ونسج النكت و ورواية القصص الساخرة في المدينة، هو أيضا لم يعد يسر الخواطر كما كان. فقد غيرت المدينة من عاداتها مرغمة، وصار كلام اليوم عن حكايات جديدة مجربة وحقيقية. تروى في النهار وليس بعد ان يسقط الظلام. هي مفعمة بالمرارة والحنق من كل شيء في هذه البلاد. تروى من أناس عن أقاربهم واصدقائهم، صاروا مفجوعين في موتهم، أو قلقين على مرضى تركوا لحالهم، وليس كلاما يشبه نشرة الارقام الرسمية في المساء. صار الكلام منفعلا وحادا بين أهل المدينة وأحيانا منفجرا، وصار يأخذ دروبا في الحديث عن كل شيء في المدينة من أسفلها إلى ما فوقها. كلاما بأسماء الضحايا وقصصهم، تروى عنهم حتى يبقوا احياء في الذاكرة وحتى لا تنسى المدينة ضحاياها بعد جلاء الخوف والوباء والموت والغد المظلم.
أما أنا الذي أكتب هذا الكلام فأظن انكم عرفتم المدينة التي أروي عنها وعن أهلها. فمتى سيدق كلام الحقيقة فيها عاليا من حناجر وسواعد أهلها؟ فآنذاك يمكن أن أقول للمدينة وأهلها سأمنحكما قلبي إلى أن يفرقنا الموت.
سعيد كنيش - تمارة في 07/09/2020
https://www.facebook.com/said.gueniche/posts/1784539998372107