زريقة بوسواليم - أقول دائما لنفسي

الصباح أول قضمة من تفاحة اليوم ، نافذة تتكسر أضلاعها تحت ضغطة الضوء والهواء المتثاءب..
هذا الصباح كسول جدا .. ﻻيقوى على النهوض بي وﻻ يريد أن يفلت حضن الفراش مني...
جسدي كومة لحم مفروشة ، ﻻ تأبه بالحرارة المتكاثرة وﻻ بالذباب المتطفل ،وﻻ بمكيفات الهواء المبتسمة على مدار موسم حار الطقوس والهيجان...
تطل الحياة كل رحلة ضوئية جديدة من كوة حلم مزعج، وصغير الأنف ﻻ يحسن غير إطلاق الكوابيس في الليل..
الحياة الرعناء تمضي بنا .. غير منتبهة لأنفاسنا المتناحرة على طرقاتها الغارقة في الطين ، تتوضأ عارية كل يوم وتأخذ حمامها الشمسي ، تنظف جلدها البرونزي بالصابون المرطب ذو الماركة المستوردة .. وتغمسه داخل صحن زيت عطري و أصلي...
وجهها غجري الملامح، وشلال من أمنيات تلبس القصير لإغراق السوق المحلي بالنكات الجنسية والسياسية السخيفة والمستهلكة ...
الصيف يجفف فخاره تحت أواخر شمس الربيع ، ويجففني معه ، يسحب آخر قطرة ماء من خلايا جلدي .. ويرمي مناشف الزمن في سلة مهملات ..غير بعيد عن أعيني الدائرة كأفلاك حائرة...
أين تراني أتعثر في خطوي نحو الهارب من الوقت ؟؟ ومن لفحة حر تحيطني بذراعيها الوسيمين ، وأنا خائرة القوى ، ألعنكما في سري ، أنت وزجاج المرآة المنقط بالنمش ،و التي زينتني لأراك ذات عشق مائل الظل ، باطني يتلوى سخطا متذمرا ، أسمع قرقعة حبات الثلج المتراقصة في أمعاء الساعة الحائطية ، أعصر يدي اليمنى داخل اليسرى ، أسبح في بركة عرق داخلي ، وأتفف بكاتم صوت معلق في أذني ، أسمع خشخشة نغماته وهلوساته وحدي....
الصيف نزق بامتياز ، يحضر الشاطئ البعيد للاستجمام ، والبحر يتهيأ لامتصاص روائح المسامات المفتوحة المتشربة لكريمات الجلد المجعد والمتمدد والحي والميت ، ينشط عضلاته على البروز والفشخرة أمام عيون السمكات البراقة الرشيقة القدود..
أقول دائما لنفسي ، أنت وحدك الفصل الخامس للعزلة واليتم ، ﻻ شاطئ يكفيك لتسبحي فوق رماله وﻻ بحرا حلوا يكفي عطشك الشديد الملوحة ، تجيبني الساعة المحنطة فوق حائط المبكى .. منذ خرج جدي للصيد في يوم شتوي متصحر ، وترك أبواب البرد تنوح .. تقول لي .. أضبطي أعصابك ،،ﻻ داعي للإنفلات الأمني .. وﻻ داعي لكي تخسري مفاصلك في معركة استنزاف عاطفي مرة أخرى...
أعود خاوية وبمعدة فارغة إلى صباحي المقفر .. أراه ينذر عتمة الفجر باكرا ..
ويوقظ الأنوار الناعسة من مخدعها ..
أضلاعي سكة حديد لعبور الدقائق.. تدق قرقعتها فوق طبلة الأذن ، و فوق جدران الطوب المتهلهلة ، كومة الأوراق المتناثرة حولي كجراد منتشر ، تحدق وتستفزني للإعتداء عليها ضربا مبرحا..
تلتقط الكائنات الدقيقة المتسلقة إلى رأسي المربع قطرات الصدى المتوزع على ظهر بيانو النهار المطاطي ، تحت جلباب النور الفاضح...
موسيقى الجسد ناعسة والستائر ﻻ إجازة لها .. تتراقص خيوطها صامتة كأنها في عزاء.. ينكمش جسدي على بطني والغطاء الضحل يتمطى.. ﻻيريد إفلات اللحظة العنيدة من يده..
أظافر الثواني قصيرة.. قصصتها البارحة دون انتباه، وإثر نوبة نسيان احتاحت رغبتي في عمل شيء ﻻ هدف منه ، هي ترغب الآن بحك جلد الساعة ، والساعة تثرثر مع الحائط في همس ﻻ ينتهي بوحه..
تغتاب العابرين والأحياء على عتباتها، وحتى الأموات لهم نصيب من أكل لحومهم النيئة ..
التفكير يشتغل لبرهة .. يعمل على البناء والهدم السريع للأشياء الفظيعة من حولي ..
كلما صحى النوم من غفوته ، يفرك عيون الرأس.. والرأس أثقل من كرة بلياردو .. تقفز من زاوية إلى أخرى كبلهاء مخدرة الحواس ، الرأس الثقيل أخف من أن يحمل جريدة ، أو يفتح تلفاز، أو يحضر فنجان قهوة دون سكر ، النوم العبقري في الصباح عطلة مدفوعة الأجرة للوقت المتسرب بمهارة ، والصحو طول النهار مهضوم الحقوق دائما....
يرتفع جسدي عن جاذبية الفراش قليلا ..
يهوي به الفراغ الواقف عند قدميه في قفر فمه ﻻ يكف عن التثاؤب ، وفتح نوافذه وغلقها باستمرار .. أصوات الشارع تقتحم الباب الخشبي ...
صار الجلوس ومضة طارئة ، هي وحدها من تصنع فارق الزمن الغارق في التيه ...




تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...